​​​​​​​فورين بوليسي: لهذه الأسباب تفضل أمريكا عدم التورط في الخليج

12

طباعة

مشاركة

كان من الثابت كحقيقة دامغة منذ فترة طويلة، أنه إذا تدخلت قوة أو دولة وأثرت بالسلب على حركة الملاحة البحرية في مضيق هُرمز، ستستخدم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها القوة اللازمة للدفاع عن حرية الملاحة في المضيق، الذي يُعتبر الشريان البحري الأهم في العالم. 

لكن في الفترة الأخيرة، مثلها مثل حقائق كثيرة تغيرت، بدت تلك السياسة ضربا من الخيال وقصة معقدة، بحسب "ستيفن ايه كوك" الخبير في دراسات شؤون الشرق الأوسط وإفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية، والخبير في السياسات المصرية والتركية. 

وقال الخبير، في مقال نشره بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تحت عنوان "إيران باتت تملك الخليج وتسيطر عليه"، إن الولايات المتحدة استثمرت مبالغ مالية ضخمة في الشرق الأوسط خلال العقود الماضية للقيام بمهام رأتها في غاية الأهمية، لا سيما حماية خطوط الملاحة البحرية. 

ولكن، استطرد الكاتب، يبدو أن هذه الأهمية تلاشت إلى أن أصبحت لا شيء في نظر الرئيس الأمريكي الحالي، الذي لا يعتبرها من أولويات السياسة الخارجية الأمريكية. 

وغرد الرئيس ترامب قائلا: إن "الصين تستورد 91% من صادراتها النفطية عبر المضيق واليابان 62%، والدول الأخرى بنسب متقاربة، فلماذا لا تتحرك هذه الدول لحماية صادرتها النفطية وتأمين الملاحة البحرية في مضيق هُرمز؟ ولماذا تحمي الولايات المتحدة خطوط الملاحة البحرية في هذا المضيق، دون فائدة لسنوات طوال ودون مقابل".

قبل أن يشدد على أنه "يجب على هذه الدول أن تحمي خطوط الملاحة البحرية إذا كانت ترى عليها أي خطورة". 

هل تترك الخليج؟

وأشار الكاتب في مقاله، إلى أنه يجب على أي شخص يعتقد في رغبة الولايات المتحدة في مواجهة إيران أن يُعيد قراءة تغريدة ترامب التي تعبر عن كل شيء، وأكثر من ذلك لكونها نذيرا لما قد سيأتي في السياسة الخارجية الأمريكية. 

وأفاد الخبير بأن الولايات المتحدة ستترك الخليج، ربما لا يكون هذا العام أو العام القادم، ولكنه بات من المؤكد أنها في طريقها للخروج من الخليج. 

وبغض النظر عن تغريدة الرئيس، فإن أفضل دليل على رحيل الولايات المتحدة من المنطقة هو تقاعس واشنطن في مواجهة استفزازات إيران، فغالبًا ما يقوم المسؤولون والمحللون بمواجهة أمر حماية الملاحة البحرية في الخليج باستحضار عدد الأفراد والطائرات والسفن التي تحتفظ بها الولايات المتحدة في الخليج وحوله، لكن قادة الرياض وأبوظبي والدوحة والمنامة ومسقط يفهمون ما يحدث، فقد كانوا دوماً قلقين بشأن التزام الولايات المتحدة بأمنهم.

لذلك فقد احتاطوا، يضيف الخبير، ضد رحيل أمريكي بعدة طرق، بما في ذلك عن طريق تقديم مبادرات إلى الصين وروسيا وإيران وتركيا، إذ التقى الإماراتيون والإيرانيون لأول مرة منذ ست سنوات لمناقشة الأمن البحري في الخليج، مما يُعد تطوراً إيجابياً.

وبينما يصر الجانبان على أن الاجتماع كان روتينياً ومنخفض المستوى، فلا شك في أن التقاعس الأمريكي عن العمل يدفع المسؤولين في أبوظبي إلى إعادة التفكير في كيفية التعامل مع التحدي الإيراني، الذي قد يتعارض مع الجهود الأمريكية لعزل طهران.    

تفضل عدم التورط

وذهب الكاتب إلى حد القول، إن الخليج اتسم بالهدوء منذ قيام الحرس الثوري الإيراني باختطاف تسعة بحارة أمريكيين وضابطًا بحريًا لمدة تقل عن 24 ساعة، بعد عبور سفينتين صغيرتين إلى المياه الإقليمية الإيرانية في يناير/ كانون الثاني 2016.

لكن الأمور تغيرت، فمنذ ذلك الحين، تزعم الولايات المتحدة وغيرها أن القوات الإيرانية هاجمت ست ناقلات نفط، وحاولت القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني عرقلة سفينة بريطانية تعبر مضيق هرمز، وأسقط الإيرانيون طائرة أمريكية بدون طيار، كما أسقطت الولايات المتحدة طائرة إيرانية بدون طيار.

واستولى الإيرانيون على ناقلة النفط التي تحمل العلم البريطاني "ستينا إمبيرو"، بينما كانت هناك سفينتان أخريتان أوقفهما الإيرانيون لفترة وجيزة، ولكن سُمح لهم بالاستمرار في طريقهم. ويبدو للجميع أن احتجاز سفينة "ستينا إمبيرو" هو رد مباشر على احتجاز بريطانيا لناقلة عملاقة ترفع العلم الإيراني في 4 يوليو/ تموز بالقرب من جبل طارق للاشتباه في أنها كانت متجهة لسوريا.

وذكر الخبير أنه إذا صدّقنا السياسة الرسمية للولايات المتحدة وحلفائها، فكان من المفترض أن يُواجه التهديد الإيراني لحرية الملاحة في الخليج ومضيق هُرمز، لكنه أثبت في النهاية أن الولايات المتحدة وحلفائها نزعوا أيديهم من معركة حماية الملاحة البحرية في الخليج، فعندما قامت إيران باحتجاز ناقلة النفط الإيرانية، قال وزير الخارجية البريطاني: ستكون هناك عواقب وخيمة علي إيران. بينما في الوقت نفسه أكد أن الحكومة البريطانية لا تنظر إلى الخيارات العسكرية كأحد الحلول المقترحة للرد على التهديدات الإيرانية، وأن السفن التي ترفع العلم البريطاني هي مسؤولية المملكة المتحدة.

وشدد الكاتب على أنه منذ ذلك الحين، وضعت الولايات المتحدة خطة لضمان الأمن في الخليج، ولكن يبدو أنها خطة لبلد متردد وتفضل أن لا تتورط في المنطقة، ولإبقاء الإيرانيين في وضع حرج، ستوفر القوات البحرية الأمريكية سفن القيادة والسيطرة، في حين أن الدول الأخرى ستكون مسؤولة عن حراسة سفنها التي ترفع علمها.

إلا أن البريطانيين لديهم خطط أخرى، فهم يريدون إنشاء تحالف من القوات البحرية الأوروبية (مع دور أمريكي) لمرافقة سفن الشحن في الخليج.

وقامت البحرية الملكية بعقد اجتماع في البحرين مع الفرنسيين والألمان لمناقشة الخطة، وبات من الواضح أن لا أحد يريد الحرب، بينما هناك حجة تدعو إلى أن التصعيد في مواجهة استفزاز الحرس الثوري الإيراني غير حكيم، لكن خطط الأمن البحري هذه لا تبدو جادة.

إيران تسيطر

ورأى "ايه كوك" أنه من الصعب معرفة ما الذي يُقدم عليه الإيرانيون، فربما يهدفون إلى فرض مفاوضات لتخفيف أكبر قدر من الضغط الذي تنوي إدارة ترامب فرضه عليها، أو ربما تعكس سياساتهم ببساطة العداء الإيراني الشديد للقواعد الدولية.

ومن جانبه، أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن إيران تتخذ موقفًا من التعددية، إذ يجب أن يفهم قادة الحرس الثوري الإيراني الآن أنهم يستطيعون فعل أي شيء يريدونه في الخليج دون خوف من الانتقام. هذا لأن ترامب أوضح من حيث القول والعمل أن الولايات المتحدة في طريقها إلى الخروج من المنطقة، إذا كانت الولايات المتحدة تنوي البقاء في الخليج والوفاء بما اعتقد الكثيرون منذ فترة طويلة أنه التزام بالإبقاء على الممرات البحرية مفتوحة، فلن يكون ذلك عديم الجدوى.

وذكر الكاتب أنه من المؤكد أن إدارة ترامب نشرت حوالي 1500 جندي في الخليج، وأرسلت طائرات حربية إضافية إلى قواعد هناك، لكن كل تلك القوات لم تثبت أنها قوة ردع، ويبدو أن الرئيس لا يميل إلى استخدام القوة الأمريكية، فقد ألغى ترامب قراراً بالرد على إسقاط إيران لطائرة أمريكية بدون طيار لأنه يخشى أن يقتل 150 شخصًا.

ويُعبر هذا الموقف بجلاء عن موقف الرئيس الأمريكي، بحسب الكاتب، لكن من الصعب تصديق أنه لم يكن هناك شيء بين قتل الكثير من الإيرانيين وعدم الرد، ويبدو أن القرار لاقى استحسانا مؤقتا، لكن مهمة المطاردة كانت ذريعة لعدم فعل أي شيء، خلاصة القول هي أن الولايات المتحدة مستعدة فقط لتحمل الحد الأدنى من التكلفة لحماية خطوط الملاحة البحرية في الخليج ويعرف أعداء أمريكا في إيران ذلك.

واعتبر الكاتب أن إدارة ترامب بدأت في تفعيل إستراتيجية كان يؤمن بها الرؤساء السابقون؛ جورج دبليو بوش وباراك أوباما ومسؤولون أمريكيون آخرون، بطرق مختلفة على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية مفادها أن الولايات المتحدة أصبحت الآن مستقلة في إنتاج الطاقة، ولم يعد الخليج مهماً كما كان.

قد لا يكون ذلك دقيقًا تمامًا، لكن ترامب يبدو غير مبال، فهو يريد مغادرة الشرق الأوسط والولايات المتحدة لا تحتاج إلى النفط، وينتج عن هذه الرسالة أن تتحول ناقلات النفط وسفن الشحن في الخليج إلى فريسة لقوات الحرس الثوري الإيراني.