لوب لوج: هل قوّى ترامب نفوذ "المتشددين" في إيران؟
تقوّض سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تجاه إيران، أي فرصة أمام عودة التفاوض على اتفاق نووي جديد. فحملة الضغط القصوى التي يمارسها -بما في ذلك قراره بالانسحاب من الصفقة النووية لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة)- قد عززت موقف المتشددين في مؤسسات السياسة الخارجية والأمنية الإيرانية.
وقال جليل بايات، باحث الدكتوراه في العلاقات الدولية بجامعة "تربية مدرس" بطهران، في مقال له على موقع "لوب لوج" الأمريكي، إن عجز أوروبا عن إنقاذ خطة العمل في مواجهة العقوبات الأمريكية ساهم أيضًا في هذا الاتجاه.
وقال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف: التواصل فقد مصداقيته في الداخل، لا يتطلع الناس إلى التواصل مع المجتمع الدولي – لا ينظر إلى التواصل مع الأمريكيين بسبب عدم الوفاء بكلمتهم؛ والأوروبيين بسبب عدم تمكنهم من الالتزام بكلمتهم. لذا، فالتواصل يفقد مصداقيته، وبالتالي، فأنا أفتقد هذه المصداقية".
هيمنة المتشددين
ومضى الكاتب يقول "يمكن فهم اعتراف ظريف هذا بشكل أفضل من خلال ملاحظة الإجراءات التي اتخذتها إيران في الأسابيع الأخيرة. إذ تشير تحركاتها بإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار بزعم أنها كانت في المجال الجوي الإيراني، والاستيلاء على ناقلة نفط بريطانية، ردًا على الاستيلاء البريطاني على ناقلة إيرانية في وقت سابق من هذا الشهر، على تزايد نفوذ القوى السياسية الداخلية المعارضة للتواصل مع الغرب".
ويتم بحسب بايات اتخاذ القرارات المهمة المتعلقة بالأمن والسياسة الخارجية في إيران من قبل المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي يضم أعضاء المجلس ورؤساء الفروع الثلاثة للحكومة، ورئيس أركان القوات المسلحة، ورئيس منظمة الخطة والميزانية، وممثلين عن المرشد الأعلى، ووزير الخارجية، ووزير الداخلية، ووزير الاستخبارات وقائد الحرس الثوري الإسلامي وقائد الجيش. ويجب الموافقة على القرارات التي يتخذها المجلس من قبل المرشد الأعلى.
يمكن أن نستنتج بشكل معقول أن القرارات الإيرانية الأخيرة فيما يتعلق بامتثالها لخطة العمل الشاملة المشتركة أو ردها على الاستيلاء على جريس 1، قد اتخذها المجلس ووافق عليها المرشد الأعلى، على الرغم من أن المتشددين كانوا دائماً أقوياء في إيران. وتشير جميع الأدلة الآن إلى هيمنة وجهات النظر المتشددة، بما في ذلك في مجلس الأمن القومي، على من يؤيدون التواصل، مثل ظريف والرئيس حسن روحاني، المسؤول عن السلطة التنفيذية.
ومضى الباحث يقول: تولى روحاني منصبه في عام 2013 بسبب حملته من أجل التواصل مع الغرب وحل الأزمة النووية التي طال أمدها. إنه الآن في موقف ضعيف بعد خروج ترامب من الخطة وممارسة سياسة أقصى ضغط".
واعتبر المقال، أن كل من روحاني وظريف يتعرضان لهجمات متزايدة من قبل خصومهم السياسيين لاختيار طريق المفاوضات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
شعور بالفخر
انتقد القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، رحيم صفوي، الذي يعمل الآن كمستشار للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، الوضع الحالي في إيران بشدة بقوله: في بعض الأحيان يبدو أن البلاد يمكن أن تدار بشكل أفضل بدون حكومة روحاني.
وأضاف بايات أنه في ديسمبر/ كانون الأول 2018، "اتهمت صحيفة كيهان المتشددة ظريف بخداع الشعب الإيراني من خلال التوقيع على خطة العمل المشتركة، وطلبت من البرلمان والقضاء توبيخه مع رجال الدولة الآخرين".
ومضى رئيس تحريرها، حسين شريعتمداري، الذي يعمل رسمياً كممثل لخامنئي في كيهان، في انتقاد مقابلة ظريف في الأول من يوليو/ تموز مع شبكة "سي إن إن" باعتبارها دعوة من الولايات المتحدة لتدمير إيران. كما بث التليفزيون الإيراني الرسمي مسلسلًا حول اعتقال جاسوس أمريكي في الآونة الأخيرة وتمت فيه إدانة حكومة روحاني مرارًا وتكرارًا في تعاملها مع العلاقات مع الولايات المتحدة.
وأردف بايات، أنه في الوقت نفسه، أدى سقوط طائرة أمريكية بدون طيار والاستيلاء على الناقلة البريطانية إلى شعور بالفخر للإيرانيين، خاصة الشباب، ما عزز تأثير الفصائل المؤيدة للمقاومة. وعزز سقوط الطائرات بدون طيار ثقة القادة العسكريين الإيرانيين، مما ساهم في الاستيلاء على الناقلة البريطانية. قد تكون هذه الثقة، في حال وصلت إلى أقصى الحدود، ضارة إذا دفعت هؤلاء القادة العسكريين إلى المبالغة في تقدير قوة إيران.
"ترامب ينصر المحافظين"
وبحسب الباحث، على الزعماء الغربيين الذين ادعوا أنه لا يوجد فرق بين المعتدلين الإيرانيين، مثل ظريف وروحاني، وعلى المتشددين الآن إعادة النظر في تحليلهم. وقال في مقاله إن الوضع الحالي أضعف فقط موقف أولئك الذين يفضلون التفاعل مع الغرب. لقد أدت أعمال ترامب إلى تقويض مصداقيتها داخل إيران. ويجب أن يعلم الرئيس الأمريكي أنه إذا كان يأمل في إجراء مفاوضات مع إيران يومًا ما، فيمكنه فعل ذلك فقط مع المعسكر المعتدل. "لن يكون المعسكر المتشدد المؤيد للمقاومة قابلاً للمحادثات مع الولايات المتحدة".
الأخبار السيئة للرئيس ترامب هي أن إيران ستجري انتخابات برلمانية في فبراير/ شباط 2020. إذا استمر الاتجاه الحالي، فمن المتوقع أن يتعرض المعتدلون لهزيمة كبيرة، تاركين البرلمان في أيدي المتشددين، على حد تعبير بايات.
وقد يصل هذا الاتجاه، بحسب المقال، إلى ذروته في الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2021. "كما هو الحال عندما قام جورج دبليو بوش بمقابلة تعاون إيران مع المجهود الحربي الأمريكي في أفغانستان بإدراجها في "محور الشر"، مما أدى إلى انتخاب الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد في عام 2005 بدلاً من الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي".
وقال الباحث إن سياسات دونالد ترامب قد تتوج بانتصار انتخابي للمحافظين الإيرانيين. واختتم مضيفا: "مثل هذا المستقبل لا يخدم مصلحة أي من الطرفين. يجب أن تتفاعل إيران مع الغرب لرفع العقوبات وإعادة بناء اقتصادها. ويجب أن تتفاعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع إيران من أجل الاستقرار في منطقة الخليج العربي ولضمان تدفّق صادرات النفط. الوضع الحالي هو خسارة للجميع".