من بين أعلى دول العالم.. لماذا زادت حالات الطلاق في مصر؟
حالة طلاق كل دقيقتين ونصف الدقيقة أو أقل، أكبر دليل على أن نسب الطلاق في مصر ارتفعت في السنوات الماضية حتى أصبحت من بين أعلى دول العالم في معدلات الطلاق، وفق الأرقام الرسمية.
تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الحكومي المصري بالنشرة الرسمية لحالات الزواج والطلاق في 2018 الصادر الإثنين 8 يوليو/تموز 2019 محددا نسبة ارتفاع حالات الطلاق خلال العام الماضي بـ6.7%، في مقابل انخفاض الزواج الموثّق بـ 2.8% خلال نفس العام (1).
الأسرة اللبنة الأولى للمجتمع المصري، خاصة الأسر حديثة العهد بالزواج باتت مهددة في ظل النظام السياسي الحالي.
فعقود الزواج بلغت 887 ألفا و315 عقدا عام 2018 مقابل 912 ألفا و606 عقود عام 2017 بنسبة انخفاض قدرها 2.8%، فيما وصل عدد الطلاق الموثّق إلى 211 ألفا و554 العام الماضي مقابل 198 ألفا و269 عام 2017 بنسبة زيادة قدرها 6.7%، ما يشير إلى خلل اجتماعي وأسري خطير.
نسب وأوجاع
التقرير الحكومي اعترف من خلاله الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بأن معدل الزواج بلغ في مصر العام الماضي 9.1 في الألف فيما كان 9.6 في الألف عام 2017.
أما فيما يخص أعلى نسبة طلاق في الفئات العمرية المختلفة فسجلتها الفئة البالغة الواقعة بين الفترة العمرية: "من 30 إلى أقل من 35 سنة"، وبلغت حالات الطلاق الموثّقة فيها 43 ألفا و164 حالة بنسبة 20.4%، بينما جاءت أقل نسبة للطلاق في الفترة العمرية "من 18 إلى أقل من 20 سنة" إذ بلغت أعداد حالات الطلاق الموثقة بها 540 حالة بنسبة 0.3% من إجمالي الحالات.
وفي الإجمال وصلت أحكام الطلاق النهائية عبر المحاكم خلال 2018 إلى 8 آلاف و542 حكما العام الماضي، وهي نسبة على ارتفاعها تقل عن العام السابق عليها بنسبة 8.8%، أما أعلى نسب للطلاق في المحاكم فجاءت بسبب الخلع، فبلغت عدد الأحكام به 7 آلاف و134 حكما بنسبة 83.5% من إجمالي حالات الطلاق لدى المحاكم.
هذه النسب تشير إلى فداحة الضرر الواقع على المجتمع لتحلل وتفكك الأسر المصرية على نحو خطير خلال الأعوام الماضية، فهناك 24 حالة طلاق كل ساعة في مصر، بمعدل حالة طلاق كل دقيقتين ونصف الدقيقة فقط، وقالت النشرة المعلوماتية لشهر فبراير/شباط الماضي، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إنها 26 حالة في الساعة.
الناطق باسم مجلس الوزراء نادر سعد ذكر في حوار تليفزيوني أن 38-40% من الحالات التي يقع فيها الطلاق تكون بالسنوات الثلاث الأولى من الزواج، مؤكدا أن الطلاق منتشر بين الشباب الذين تبلغ أعمارهم بين 25 و35 عاما (2).
الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن مصر من بين دول العالم الأعلى في حالات الطلاق، وبالتالي فإن هناك أكثر من 4 ملايين مطلقة ونحو 9 ملايين طفل وقع ضحية انفصال الأبوين، هذا بالإضافة للطوابير الطويلة التي تشهدها محكمة الأسرة غالبا من المتزوجات الراغبات في ترك أزواجهن من خلال المحاكم المتخصصة في الأحوال الشخصية، بالإضافة إلى ملايين آخرين يتعدون الأرقام المذكورة على ارتفاعها تعداهم سن الزواج من الجنسين!.
بشكل رسمي، فإن الخلافات المادية هي السبب الأكبر للطلاق، رغم الزواج عن اقتناع من الطرفين (3)، كما أن هناك عدة أبحاث مصرية تشدد على أن الأزمات الاقتصادية وتفشي البطالة والفقر وانخفاض المرتبات هي السبب الأول لانتشار الطلاق في البلاد، خاصة بين المتزوجين الجدد.
لا يعفى من ذلك الأرياف أو القرى، بعد أن كانت نسب الطلاق منعدمة تقريبا فيهما في السنوات الماضية بسبب غلبة الدين والعادات والتقاليد.
الأسباب الاقتصادية نفسها أدت إلى تراجع نسب الزواج حتى تقدر دراسات عدد الذين فاتهم سن الزواج بـ15 مليون شاب وفتاة، والسبب ارتفاع تكاليف الزواج إلى حد مريع ومخيف(4).
مستوى التعليم
وفقا للإحصائيات الرسمية، فإن تدني وارتفاع المستوى التعليمي يتحكمان في حالات الزواج والطلاق أيضا، ولذلك فإن الرجال الحاصلين على شهادة متوسطة بلغت نسبة الطلاق بينهم 35% من عدد حالات الطلاق الموثّق بعدد 74.087 ألف حالة، فيما الرجال الحاصلين على مؤهلات عليا ضمن أقل نسبة طلاق حيث بلغوا 236 حالة بنسبة 1% فحسب.
وبنفس الإحصائيات الرسمية للعام الماضي جاءت المرأة الحاصلة على مؤهل متوسط في قمة هرم الطلاق الموثّق بعدد يفوق أعداد الرجال 025 ألف حالة بنسبة 31.7%، فيما بلغ عدد المطلقات من الحاصلات على مؤهلات عليا 167 حالة بنسبة 0.1 فحسب(5).
النسب الرسمية المصرية التي تحدد عدد حالات الطلاق بسبب ضرب الزوجات بـ690، والخيانة بـ6 حالات لن تحدد بحال من الأحوال أو تتعرض للطلاق بسبب الكبت السياسي الواقع على بعض الأزواج، أو خلاف الزوجين نظرا للانشقاق الذي أصاب بعض الأسر المصرية بعد الانقلاب. فليس من النادر أن تجد أحد الزوجين يناصر قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، فيما يناصر الآخر الرئيس الراحل محمد مرسي رحمه الله.
للحد من الطلاق وعدم التعرض لأسبابه بدقة دعا السيسي منذ فترة إلى إبطال الطلاق الشفهي قائلا: "ألا نستطيع إصدار قانون ينص على ألا يتم الطلاق إلا أمام المأذون لكي نعطي فرصة للناس أن تراجع نفسها".
من جانبه أعلن الأزهر منذ فترة اعتزام الحكومة المصرية إطلاق مبادرة "مودّة" للحد مما أسماه بحالات الطلاق "المزعجة" في مصر، كما خصص الأزهر وحدة باسم "لمّ الشمل"، عبر رقم للتواصل.
وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في بيان: "الوحدة تهدف لحماية الأسرة من التفكك، ويدور عملها على دراسة الظاهرة نظريًا، إضافة إلى دور عملي يتمثل في زيارة المراكز والقرى لنشر الوعي ولمّ شمل الأسرة والصلح بين المتخاصمين".
أما مفتي الديار المصرية د. شوقي علام فقال في أكتوبر/تشرين أول الماضي إن أكثر من 4200 سؤال حول الطلاق يرد لدار الإفتاء شهريا، وهو ما يعني تزايد حالات الطلاق في البلاد(6).
لقمة العيش
الدكتور محمود لملوم مؤسس الأكاديمية الدولية لعلوم الأسرة والمجتمع والخبير الاجتماعي والنفسي قال لـ"الاستقلال": "في رأيي الشخصي أن عنف السلطة الانقلابية المادي والمعنوي هو السبب لأغلب المشكلات المؤدية الباعثة والداعية إلى الطلاق في مصر، ومن ذلك شغل الناس وراء لقمة العيش، وبالتالي تردي الأحوال الاقتصادية، وإن لم تكن هناك دراسات حقيقية حول العلاقة بين عنف السلطة ودمويتها وانهيار البيوت وتفكك الأسر بشكل مباشر".
ويضيف لملوم: "مثل السلطة الحالية في مصر تجيد إلهاب ظهور الناس بالمشكلات وصولا لخراب بيوتهم، ويتزامن الأمر في عصرنا هذا مع ازدهار مواقع التواصل الاجتماعي بشكل بالغ الخطورة، ما يخلق إشكالية بين الواقع والمأمول لدى الشباب المقبلين على الزواج".
ويتابع: "مواقع التواصل الاجتماعي في الأصل تعطي صورة غير حقيقية عن الزواج، فصور الفتيات والشبان مثلا عليها بالغة الجمال بفضل الفوتشوب وبرامج التجميل، وبالتالي يصطدم الطرفان بالحقيقة عقب الزواج والحياة الاجتماعية العملية بواقعها ومشكلاتها، ومن هنا تصير صدمتهم الشديد بين عالم مواقع التواصل الاجتماعية الخيالية والواقع ويحدث الخلاف".
وعن استمرار وازدياد حالات الطلاق وتأثيراتها على المجتمع المصري يقول لملوم: "يجب أن ننتبه أن الأمر مقصود من أغلب الحكومات العربية الحالية، وأن حدوث التفسخ الاجتماعي مقصود على جميع المستويات والصعد لخلخة الأسر وبالتالي تتمكن الحكومات من السيطرة على الشعوب أكثر، وبالتالي إمكانية استمرارها في قيادته".
مضيفا: "إن تماسكت الأسر ربما أفاقت الشعوب العربية لا الشعب المصري وحده وصارت تطالب بحقوقها وقامت بثورة لنيل حقوقها، ولذلك إفساد المجتمع هدف رئيسي من أغلب حكامنا، ولذلك قال الله تعالى عن فرعون: "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(4)" القصص، فوصف تعالى أبرز خطاياه بأنها الإفساد.
حدوتة ركيكة
الدكتور نبيل الفولي محمد أستاذ العقيدة بجامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول قال لـ"لاستقلال": "العلاقات الاجتماعية بين الناس ومنهم الراغبين في الزواج صارت علاقات سطحية، نظرا لانشغال الناس بوسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أن الشباب من الجنسين صارا يغرقان في تعاطي الدراما حتى ظنا أن حياتهما مجرد فيلم سينمائي يمكن لهما أن يعدانه على عجل شديد، وبحدوتة ركيكة لا معنى لها يتم الزواج وبمثلها يقع الطلاق".
ويضيف الفولي: "زاد من ذلك كله أن الوازع الديني قل لدى المصريين فالنظام الانقلابي صار يحرص على بث روح إبقائه في السلطة، على حساب الوازع الديني لدى المواطنين أنفسهم، وبالتالي صارت العلاقة الاجتماعية ضعيفة يسهل قطعها بسرعة".
ويؤكد الفولي أن العنصر المالي والاقتصادي يكاد يهدم الزيجات الجديدة، كما يعوق غيرها ويزيد من العنوسة، فقديما كان الزوجان يبدأن حياة بسيطة ويتدرجان في الغنى والرفاهية، فتحفر فترة المعاناة بداخلهما أفقًا من الذكريات والدفء الأسري، كل ذلك انعدم اليوم بالمال الوفير المطلوب في البداية لتكون حياة الطرفين مرفهة".
ويوضح الفولي أن الطلاق السياسي لاختلاف وجهتي النظر بين الزوجين صار موجودا ومطروقا في مصر بقسوة، لضعف العلاقة بين الزوجين من الأساس وعدم تحملها لأي هزة.
أما عن التأثير المستقبلي لازدياد حالات الطلاق في مصر وانتشارها فيقول: "الأمر خطير، فالضغوط المادية تزيد ولا تقل مما لا يسمح لكثير من الشباب بالزواج، وإن تم الأخير لم يستطيعوا الاستمرار فيه، وبعد الطلاق تصير الجراح نازفة من الجميع، المطلقة والأبناء وهم الضحايا الأشد، والزوج الذي يستحيل أن يعود نفسيا كما كان".