المحرومون من كل شيء.. كيف تتعامل إسرائيل مع فلسطيني 48؟

12

طباعة

مشاركة

يشكل الفلسطينيون في إسرائيل خمس السكان، ويبلغ عددهم 1.8 مليون نسمة، ممن تبقوا من أهل الأرض الأصليين الذين طردهم الصهاينة من أراضيهم عام 1948 خلال مرحلة النكبة، وبعد أن كانت سياسات التمييز العنصري في إسرائيل تتم بصمت ضدهم، بعيدا عن الإعلام، فقد انتقل التمييز الآن إلى المدن الكبيرة، ويتم فعله علناً وبفخر.

ويعاني الفلسطينيون في إسرائيل من التمييز العنصري في أمور عدة مثل: التعليم والصحة والعمل، حتى أن الدولة تنفق الضعف على تعليم اليهود مقارنة بالعرب، ما يعني أن باقي المواطنين من غير اليهود لا يحق لهم الحصول على الموازنات اللازمة، أو المشاركة بحقوق مدنية مساوية في عمليات استفتاء مصيرية، مثل خوض حروب أو اتفاقيات سلام.

قرار بلدية العفولة داخل إسرائيل بإغلاق حديقة المدينة أمام غير اليهود، خاصة الفلسطينيين العرب، كشف عن وجه جديد من سياسة التمييز العنصري التي تتبعها المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة ضد سكان الأرض الأصليين.

رئيس البلدية آفي الكابيتس دعا السكان اليهود إلى ضرورة "رفع الأعلام الإسرائيلية في جميع أنحاء الحديقة، وتشغيل الموسيقى باللغة العبرية، وحين نعلم بوصول السكان من غير اليهود، يجب إغلاق الحديقة"، كما صرح خلال حملته الانتخابية أنه سيمنع السكان العرب من "احتلال" الحديقة. 

أبارتهايد إسرائيلي

شكلت هذه المواقف رفضا لوجود العرب، وهي سياسة عنصرية وانتقائية، وتجسيدا لنظام الأبارتهايد، وحافزا لمزيد من مظاهر العنصرية ضدهم بصورة سافرة، سواء بتقلد الوظائف، والحصول على موازنات البلديات، والحق بالتعليم.

ناريمان الزعبي محامية بمنظمة عدالة لحقوق الإنسان، قالت لـ "الاستقلال": "أخذت طفلي إلى الحديقة ليلعب هناك، فمنعنا الحارس من الدخول، بعد أن سألني أين أسكن، وعرف أنني عربية، أنا أسكن مدينة الناصرة التي لا تبعد عن العفولة سوى مسافة قصيرة. كان موقفا صادما ومؤلما، بينما يدخل اليهود للحديقة دون بطاقاتهم الشخصية".

وحذرت منظمات حقوق الإنسان أن قرار بلدية العفولة يشكّل توجها متصاعدا من السلطات اليهودية نحو فصل حقيقي بين العرب واليهود في المساحات العامة، بشكل يذكر بجنوب إفريقيا حين سادها نظام الأبارتهايد.

يوسف جبارين عضو الكنيست العربي قال لـ "الاستقلال": أنه "تقدم بشكوى للمستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية ضد قرار بلدية العفولة بإغلاق الحديقة العامة أمام العرب، لأنه يشكل تمييزًا عنصريًا ضدهم، وغير قانوني". 

وأضاف: إن "قرار بلدية العفولة لم يأتِ بشكل عفوي، بل امتدادا للممارسات العنصرية في السنوات الأخيرة، وصلت ذروتها بالاحتجاجات اليهودية ضد بيع البيوت للعرب، وضد زيارتهم للحدائق العامة، وهي حملة تحريضية خطيرة يقودها رئيس وإدارة البلدية، الذين أقسموا الولاء العنصري للحفاظ على الطابع اليهودي للعفولة".

حرب ضد اللغة

لا تعتبر بلدية العفولة نمطاً منفصلا عن الواقع الإسرائيلي عموما، لأن 90% من التجمعات اليهودية تعيش منفصلة عن العرب على أساس عرقي، وهناك مئات التجمعات اليهودية توظف لجانا لمنع الفلسطينيين من العيش معهم بحجة أنهم غير مناسبين اجتماعيا، حتى من يعيشون في المدن الكبيرة المختلطة، كالقدس وحيفا وعكا واللد ويافا، يعيشون في ظل نظام فصل جزئي، حيث يسكن اليهود والفلسطينيون في أحياء منفصلة.

فيما رفض عدة رؤساء بلدية في مدينة "نتسرات عيليت" بناء مدرسة لتدريس اللغة العربية، منتهكين قانون التعليم الإسرائيلي، ما اضطر الأهالي الفلسطينيين لإرسال أبنائهم لمدارس الناصرة، فيما التعليم تقريبا منفصل تماما في إسرائيل.

ليس مفاجئا وجود تأييد كبير بين الإسرائيليين اليهود للفصل العنصري على غرار نظام الأبارتهايد ضد العرب، حيث أظهر استطلاع إسرائيلي أن 74% منهم ينزعجون من سماع اللغة العربية، وهي اللغة الأم لخمس السكان، وأن 88% سوف يقلقون إن أحب ابنهم فتاة عربية. 

وتنتهج إسرائيل سياسة عنصرية سافرة ضد الفلسطينيين الحاملين لجنسيتها، ويعيشون فيها، حيث يحظر عليهم شراء أو استئجار الممتلكات الخاصة بالوكالة اليهودية، أو الصندوق القومي اليهودي، وحتى عند صدور حكم قضائي بالسماح لهم بالشراء، يبقى القرار نظريًا.

أصدر 50 حاخاما فتوى ضد اليهود الذين يؤجرون ويبيعون البيوت للفلسطينيين، وخصص نائب رئيس بلدية كرمئيل رقم هاتف يتصل به اليهود للإخبار عن جيرانهم الذي باعوا بيوتهم لفلسطينيين.

الشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في إسرائيل، قال لـ "الاستقلال": "لا أستطيع أن أفصل السياسات العنصرية التمييزية ضد العرب من المؤسسات الخدمية الإسرائيلية كالبلديات والوزارات والجامعات عن وجود غطاء رسمي من الحكومة الإسرائيلية، التي تغض الطرف عن هذه الممارسات، ما يعطي مؤشرات ضمنية عن رضاها عنها، فتأخذ بالاتساع لتشمل كافة مرافق الدولة، حتى يضيق الأمر بسكان البلاد الأصليين من الفلسطينيين". 

تقنين العنصرية

تستند السياسة العنصرية الإسرائيلية ضد العرب الفلسطينيين لمنظومة قانونية تشريعية، تم تتويجها في 2018 بإقرار "قانون القومية" الذي أقره الكنيست، وينص على اعتبار "إسرائيل" الوطن القومي لليهود، وأن الرموز اليهودية والصهيونية هي الأساس في النشيد الوطني وعلم الدولة، ومنح الأفضلية للطابع اليهودي على النظام الديمقراطي.

وتضمن القانون بندًا يسمح بإقامة بلدات لليهود فقط، ومنع غير اليهود من السكن فيها، كما يعطي مكانة عليا للغة العبرية، باعتبارها "لغة الدولة"، أما اللغة العربية فلها "مكانة خاصة"، رغم أن نسبة العرب في ازدياد، وهي مسألة ينظر لها على أنها محاربة قانونية لهوية الفلسطينيين.

وكشف استطلاع للرأي شمل 1300 طالبا عربيا في الجامعات الإسرائيلية أن 50% منهم يواجهون مظاهر عنصرية وتمييزا خلال التعليم، وتحدث 40% عن تعابير عنصرية تصدر من أعضاء الطاقم الأكاديمي، وأن غالبية مظاهر العنصرية ضد العرب في الأكاديميات والجامعات والكليات تصدر من طلاب يهود، وبعضها يصدر عن أعضاء في الطاقم الأكاديمي، وقال 30% من الطلاب العرب إنهم لا يستطيعون التقدم لطلب منح دراسية.

الطالبة العربية بجامعة حيفا جيهان عودة قالت لـ "الاستقلال": "هناك تمييز عنصري في التعامل مع الطالب العربي، خاصة عبر المنح الدراسية، حيث يحصل عليها الطلاب اليهود خريجو الخدمة العسكرية، بينما يتعرّض الطلاب العرب للتضييقات".

مضيفة: "بدلاً من التحدث باللغة العربية، وإقامة برامج تثقيفية بمبنى الحرم الجامعي، يحرمون منها، وكأنما لغتنا تستفز الطلبة أو مسؤولي الجامعة، وتصل السياسة التمييزية إلى المبيت بمساكن الطلبة، فيحظى الطالب اليهودي بمسكن مناسب ولائق، وأقل كُلفةً من الطالب العربي".

"الموت للعرب"

اضطلع الكنيست الإسرائيلي بدور كبير في تقنين المظاهر العنصرية ضد الفلسطينيين، من خلال إقراره العديد من القوانين العنصرية الموجّهة ضد العرب، زادت على 65 قانونا وتشريعا، ومنها: قانون المواطنة، قانون النكبة، قانون الجنسية الإسرائيلية، قانون مصادرة الأراضي، قانون منع الأذان، وغيرها.

مجال آخر يكشف عن السياسية العنصرية الإسرائيلية تجاه العرب، تتمثل في الشعارات التي يرفعها اليهود في الاحتفالات القومية والأحداث الجماهيرية والمباريات الرياضية، كشعار "الموت للعرب".

كما تشهد شبكات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية انتشارا متزايدا من العبارات العنصرية ضد العرب، بل إن بعض نشطاء الإنترنت اليهود دأبوا على ترديد هاشتاغات في مواقع التواصل ضد العرب الفلسطينيين، مثل "لا نريدهم في مدارسنا، قاطع من يكره إسرائيل"، والملفت أن كل منشور عنصري يحظى بآلاف الإعجابات.

ينشر الإسرائيليون منشورًا تحريضيًا ضد العرب كل 66 ثانية، والفيسبوك هو أكثر منصة ينتشر فيها التحريض بنسبة 66%، يتبعها تويتر بنسبة 16%، ونَشرت وسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلية في 2018 ما مجموعه 474,250 منشورًا مشينًا وعنصريًا وتحريضيًا ضد الفلسطينيين.

أحمد علي، ناشط فلسطيني على شبكات التواصل داخل إسرائيل، قال لـ "الاستقلال": "الرصد الدوري لما يبثه المدونون اليهود من تغريدات ومنشورات، مليئة بالدعوات التحريضية، والشعارات العنصرية، ورغم أننا حاولنا التقدم لإدارة الفيسبوك ببعض الشكاوى، لكن التجاوب يكون منخفضاً، في حين أننا نواجه بحملات عدائية إذا أبدينا التضامن عبر شبكات التواصل مع أشقائنا في قطاع غزة إن تعرضوا لعدوان إسرائيلي".