موسم الحج إلى القاهرة

ادريس ربوح | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

كعادة السلطة في الجزائر في ركوب الموجات الشعبية والرياضية بالخصوص، نزل بملعب القاهرة الدولي آلاف المناصرين الجزائريين لمؤازرة المنتخب الوطني في المبارة النهائية لكأس إفريقيا للأمم لكرة القدم.

وهو حدث كبير عاشته الجزائر وجاليتها في العالم وبالخصوص مهاجريها في فرنسا الذين يعود لهم الفضل الأكبر في مد الفريق الوطني بمدرب محترف ولاعبين تتلمذوا وداعبوا الكرة في المدارس والنوادي الفرنسية والأوروبية وهي مدارس استطاعت أن تنجب النجوم  لفرنسا قبل الجزائر. وهم نجوم أهدوا لبلد مولدهم وإقامتهم بطولة العالم ليؤكدوا بأن الجزائري يملك قدرات الإبداع والنجاح إذا ما توفرت له أجواء الحرية وظروف التنافس، وتشجعه مؤسسات سياسية جاءت عن طريق الأساليب الديمقراطية.

أتت كرة القدم في المهجر لتصفع عصابة الداخل وزبائنه في النوادي والاتحادات الرياضية وغيرهم من مؤسسات الدولة التي نخرها الفساد. إذ كانت منظومة الفساد الرياضي أحد الأفرع الرئيسية لنظام بوتفليقة وعصابته، منظومة خدمت هذه السلطة وكانت أداة من أدواتها في السيطرة على الجماهير الشعبية العاشقة لكرة القدم. 

إلا أن السنوات الأخيرة من حكم بوتفليقة حملت أخبارا غير سارة لهذا النظام مع تصاعد "ظاهرة الحرقة" (الهجرة غير النظامية) للشباب الجزائري، التي تنتهي في كثير من الأحيان بموت شباب في عمر الزهور والعطاء لبلدهم، وهي ظاهرة رافقت ارتفاع الوعي لمناصري الأندية والمنتخب الوطني، فكان لها أثر كبير في كسر جدار الخوف عند الجزائريين وتعرية النخب الجبانة سواء كانت نخب سياسية أو غيرها من النخب التي تعايشت مع الفساد في الجامعة والجامع والنوادي الثقافية والتجمعات الاقتصادية وغيرها. نخب عجزت عن الدفاع عن شرف الجزائر الذي مرغته عصابة لم يتصور أي أحد أنها بهذا الحد من الإجرام في حق شعبهم ودولتهم.

فكانت أهازيج وأغاني مناصري النوادي المحلية والمنتخب الوطني تحمل كل معاني الرفض ومنددة بممارسات النظام الفاسد، الذي زرع اليأس في قلوب الجزائريين، مما اضطر عشرات الآلاف لترك بلدهم والمغامرة في هجرات متتالية إلى مختلف دول العالم رغم البحبوحة المالية التي عاشتها ولا يزال يعيشها أكبر بلد في إفريقيا الغني بثروته البشرية الثائرة قبل ثرواته المتنوعة.

هذه البحبوحة استغلتها العصابة الحاكمة أبشع استغلال فتحولت إلى مافيا حقيقية، تؤكدها تقارير وتصريحات الهيئات القضائية؛ مافيا سياسية ومالية غرقت في أحوال الفساد ونهب الخزينة العمومية وبشتى الطرق والوسائل التي ستكشف عنها جهود المحققين المدعومين بحراك شعبي متواصل لن يتوقف ولن يترك العصابة حتى تذهب جميعا "يتنحاو قاع".

هذه العصابة أنشأت لها شبكة من المفسدين في كل قطاعات وهياكل الدولة ولم تسلم منهم حتى لعبة الجلد المنفوخ كانتفاخ حساباتهم السويسرية بمال الجزائريين والجزائريات. 

لقد أعطى الحراك الشعبي المتقد منذ 22 أسبوعا، قائمة مطالبة لمن يشرفون على تطهير البلاد من العصابة، بأنه لن يتخلى عن آماله وطموحاته في بناء دولة القانون والعدالة ولن يثنيه عشقه للفريق الوطني لكرة القدم الذي ساهمت نجاحاته في تعزيز ثقة الجزائريين بأنفسهم وخاصة شبابهم الطامح إلى غد أفضل لا تضيع جهوده لصالح الغير ومن بينها كرة القدم.

فكان حج الجماهير الكروية الحراكية إلى أكبر محفل رياضي تابعه مئات الملايين في إفريقيا والعالم، فرصة لتأكيد مطالب الشعب الجزائري في تحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود والحرية لفلسطين والتضامن مع الشعب المصري في محنته التي عقبت تجربته الديمقراطية الموؤدة. 

كانت تصريحات المناصرين الجزائريين في القاهرة مؤكدة على الرغبة بالعودة بالبطولة والكأس السمراء "الكحلوشة" لمواصلة متابعة العصابة وأذيالها، دون أن تنسى الجماهير الجزائرية وهي أقرب ما يكون لجرح العرب والمسلمين في غزة وفلسطين بل حرص بعض المناصرين على الذهاب إلى الحدود المصرية الفلسطينية، وبعث رسائل من هناك للشعب الجزائري بأن ساعة تحرير فلسطين قد اقتربت.

كما كانت الجماهير تبعث برسائلها للداخل الجزائري وكل العالم بأننا لن ننسى قضيتنا المركزية "فلسطين.. فلسطين الشهداء".

ولا تزال الراية الفلسطينية جنبا إلى جنب مع الراية الجزائرية تأكيدا على الحضور الدائم وفي جميع المناسبات للقضية، في رسالة واضحة لمن يستغلون كرة القدم والرياضة عموما في عالمنا العربي لتخدير شعوبنا ومحاولة إلهائها عن قضاياها المصيرية، وفي مقدمتها استرجاع الأراضي والمقدسات إلى حضن الأوطان والأمة، لينقلب السحر على الساحر وتتواصل معركة الوعي التي بدأها المخلصون من أبناء بلدي وتتوالى انتصارات شعوبنا نحو تحقيق الحرية والديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية.

وهي قيم تتقاسمها الجزائر مع شقيقتها الكبرى مصر التي لا تزال تعاني من تبعات الانقلاب على ثورتها وديمقراطيتها الفتية، مما دفع الجماهير الكروية المسيسة للهتاف للاعب الخلوق محمد أبو تريكة "الله أكبر.. أبو تريكة"، دون أن ينسى البعض زيارة والديه وعائلته التي حُرِم من زيارتهم، وهو الرجل الذي قدّم لمصر العديد من الكؤوس والألقاب ورفع اسمها عاليا. فالبرغم من إنجازاته وحسن تمثيله للشباب المصري والعربي والمسلم إلا أن قوى الظلام والانقلاب على إرادة الشعب المصري عاقبته لمواقفه السياسية لمساندته للتجربة الديمقراطية في بلاده.

كان هذا الموقف بمثابة رسالة إنعاش من الحراك الشعبي في الجزائر لقوى التغيير المناضلة من أجل استعادة مصر لكرامتها وإيذانا بعودتها إلى دورها العربي والإسلامي المطلوب، الذي لن يتحقق إلا باحترام إرادة الشعب المصري في الحرية والديمقراطية وحياة أفضل.

إن الآلاف من مناصري الفريق الوطني الجزائري كانوا في مهمة وطنية وعربية وإسلامية ميدانها ملاعب كرة القدم في بلاد الأزهر الشريف. هذه الملاعب المسيّسة التي تزداد وعيا من يوم إلى آخر، كما بدأت ملاعب الجزائر معركة تحريرها من عصابة الفساد والمتآمرين على الديمقراطية ورغبة الشعوب العربية والإسلامية في بناء أوطاننا على قواعد صلبة.

إنها معركة واحدة ساحتها كل الجغرافيا العربية والإسلامية، معركة الحرية والديمقراطية واحترام الإنسان، معركة يعود أبو تريكة والجميع إلى أحضان الأوطان لينعموا به ويتنعم بهم. 

فمصر والجزائر وهما أكبر الدول العربية يُنتظر منهما الكثير لقيادة العالم العربي نحو تحقيق آماله في الديمقراطية وتحرير فلسطين والتنمية الاقتصادية الشاملة، والعودة إلى مسرح الأمم للدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية وكل المستضعفين في الأرض.