بعد عامين من طرده.. هل يحيي الفساد تنظيم الدولة بالموصل مجددا؟

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "لاكروا" الفرنسية تقريرا عن الوضع في مدينة الموصل العراقية بعد عامين من القضاء على تنظيم الدولة، حيث أشارت إلى أنه رغم عودة الحياة إلى شرق المدينة فإن الفساد والإهمال قد يعيد التنظيم من جديد إذا لم تجر الحكومة إعادة نظر في سياستها.

وقال مراسل الصحيفة نوي بينيد في تقريره: إنه "في 10 يوليو/تموز 2017، أعلن الجيش العراقي إعادة السيطرة على الموصل بعد ثلاث سنوات من احتلالها من تنظيم الدولة، وبعد مرور عامين، لا تزال الموصل مقسمة إلى جزئين، في الشرق تعود الحياة إلى مجراها، لكن في الغرب، حيث وقع معظم القتال، المدينة مجرد حقل من الأنقاض".

وأوضح أنه "في استوديو تسجيل صغير في مبنى بوسط المنطقة الشرقية، يغني نبيل أطرقجي مدير المعهد الموسيقي بالموصل، أغنية (What a Beautiful Word) للويس أرمسترونج، برفقة أحد تلاميذه، وهو مشهد كان من المستحيل تصوره قبل عامين، عندما احتل تنظيم الدولة المدينة".

ونقل التقرير عن أطرقجي قوله: "لقد مرّ الموسيقيون في الموصل بساعات مظلمة، لكن معاناتنا الآن أكبر بكثير من تنظيم الدولة"،  متذكرا أوائل الثمانينيات من القرن الماضي حيث "العصر الذهبي لنوادي الجاز" ووصول موسيقى البوب إلى المدينة.

وأردف: لكن غزو الكويت عام 1990 وبدء العقوبات الدولية ضد العراق أغرق البلاد في أزمة اقتصادية عميقة، موضحا أنه "لم يعد الفنانون يستطيعون العيش على فنهم، حيث ذهب الكثير منهم إلى الخارج".

وأكد عازف الجيتار، أنه بعد سقوط صدام حسين عام 2003، هبت رياح الحرية التي سرعان ما تحولت إلى سراب نتيجة الفوضى التي خلفها الغزو الأمريكي وصعود تنظيم القاعدة، إذ يعتبر السلفيون الموسيقى حراما، ويهددون الفنانين وعائلاتهم.

تبع ذلك معاناة بطيئة للمشهد الموسيقى في الموصل، مع ضربة تنظيم الدولة القاتلة في 6 يونيو/حزيران 2014، ففي أربعة أيام، سيطر بضعة آلاف من المقاتلين على ثاني أكبر مدينة في العراق، وتخلى الجيش النظامي عن السكان تاركهم لمصيرهم.

وأشار أطرقجي إلى أنه "في ذلك اليوم، توقفت الحياة، أصبح الاستماع إلى الموسيقى أو تشغيلها ممنوعا، مجرد إدخال قرص مضغوط في مسجل السيارة يمكن أن يعاقب الشخص عليه بشدة من محكمة التنظيم".

أفضل سلاح ضد الظلامية

وأوضح مدير المعهد الموسيقي بالموصل، أن الفنانين كانوا يقومون بمقاومة منظمة فـ "لمدة ثلاث سنوات، أخفيت أدواتي في المخزن. أحد الأصدقاء دفن كمانه في الحديقة، بمجرد أن تنام المدينة، يلتقى المغامرون لعزف الموسيقى في القبو، بالطبع كنا خائفين، لكن العزف بالنسب لنا كان مسألة بقاء".

وبحسب "لا كروا" بعد عامين من تحرير المدينة، يريد نبيل أطرقجي تجديد المشهد الفني، إذ أعاد الأستاذ فتح أبواب المعهد الموسيقي، حيث يدرس الآن حوالي خمسين طالبا، حتى ولو ظل المبنى التاريخي متضررا إلى حد كبير، في الوقت الحالي، الدراسة تكون خارج جدران المعهد أو في المقاهي أو الاستوديوهات أو عند المعلمين.

وأردف أطرقجي: "على الرغم من أن معهدنا قطاع عام، الحكومة لن تمنحنا سنتا، لا يبدو أن السياسيين يفهمون قدر الثقافة، التي تعدّ أفضل سلاح ضد الظلامية".

وبيّنت الصحيفة، أنه في شارع يبعد قليلا عن المعهد، يوجد مقهى القنطرة على الجانب الشرقي من المدينة، وهو مكان التقاء المثقفين الشباب في المدينة، فعلى إحدى الطاولات، تجلس امرأتان تشربان الشاي، مرتديتان أوشحة ملونة على شعرهن، بينما الموسيقى العراقية الشعبية تدوي في الخلفية، وهو صورة كان لا يمكن تصورها قبل عامين أيضا، في حين أن تنظيم الدولة منع النساء من التحرك بمفردهن.

وتابعت: "على الرفوف يوجد مئات الروايات والمقالات ومجموعات من القصائد"، حيث يوضح محمود جامع: "نحن نشجع كل ما يكرهه الجهاديون: الثقافة والمعرفة والعلوم"، مضيفا: "نريد أن نظهر للعالم وجها جديدا".

ولفتت "لا كروا" إلى أنه رغم ذلك، ذكريات تنظيم الدولة موجودة في كل مكان حتى على جدران مقهى القنطرة، حيث يتم عرض عشرات الأشياء التي تخص الجهاديين، بذلة برتقالية، وأصفاد صدئة، ووعاء سجين أو بطاقة هوية إرهابي، مصحوبة بصور تم التقاطها أثناء "دولة الخلافة"، وبالنسبة لمحمود يجب إلقاء الضوء على انتهاكات تنظيم الدولة وتدوينها في الكتب حتى تعرف الأجيال القادمة ما فعلوه بنا".  

في المقابل، أكد أحد الأشخاص الذي رفض الكشف عن هويته، أن "الحكومة ترفض الاعتراف بمسؤوليتها ومسؤولية جزء من الشعب العراقي في صعود التطرف، لكن إذا لم تجرِ الحكومة إعادة نظر في سياستها سنعيد إنتاج شروط ولادة تنظيم الدولة مجددا".

في الغرب مدينة أشباح

وأكدت الصحيفة، أنه إذا عادت الحياة في الشرق، تظل المنطقة الغربية، التي وقعت فيها معظم المعارك، مدينة أشباح مهجورة من قبل السكان والسلطات المحلية، فقط أصوات بعيدة لبعض الحفارات، فبعد عامين من سقوط "الخلافة"، يبدو أن الوقت قد توقف على هذا الجانب من نهر دجلة، فالمساجد والكنائس والمعابد اليهودية، رموز التنوع الثقافي للمدينة، ليست سوى أكوام من الحجارة.

في منتصف هذه الأنقاض، يدوس عبد الكريم شهاب، رجل عجوز، على ما تبقى من منزله، الذي بناه أجداده قبل 600 عام، ودمره قصف التحالف الدولي، قائلا: "لقد مرّ عامان على مطالبة الحكومة بإزالة الأنقاض، لكن لا أحد أجابني، أتمنى العيش هنا، لكن منذ تحرير المدينة، تم التخلي عن هذا الحي، لا توجد مياه جارية، ولا مدرسة، ولا مستشفيات، الأشخاص الوحيدون الذين عادوا هم الأكثر فقرا، لأنه ليس لديهم مكان يذهبون إليه".

ومضت "لاكروا" قائلة: إنه على بعد بضع مئات من الأمتار، تحيط الحواجز البيضاء أنقاض مسجد النوري، ومئذنته المائلة التي كانت شعار المدينة، وأمام ما تبقى من المبنى، توجد لوحة وضعت قبل سبعة أشهر عن إعادة إعمار المسجد تحت شعار: "إحياء روح الموصل".

وبحسب بشار نعيم: "إنها مجرد كلمات في الهواء، كان هناك حفل موسيقي وخطب جميلة، ثم وضعوا الأسلاك الشائكة والكاميرات ومنذ ذلك الحين لم ينجز أي شيء، يمكننا الاعتماد فقط على أنفسنا".

300 ألف نازح

ولفتت الصحيفة إلى أنه بسبب نقص الأموال لإعادة بناء منازلهم، لا يزال 300 ألف شخص يعيشون في مخيمات النازحين داخليا دون أي احتمال للعودة، وفقا للمجلس النرويجي للاجئين، ولا تزال المدينة مزدحمة بثمانية ملايين طن من الأنقاض، حيث توجد أيضا الآلاف من الأجسام المتفجرة مخبأة تحت الركام.

ونوّهت إلى أن هيئة النزاهة العامة العراقية كشفت في تقريرها الأخير، أن 64 مليون دولار لإعادة الإعمار اختلستها الحكومة المحلية في الموصل (المحافظ ومجلس المحافظة)، ومنذ هذا الكشف، تم إقالة المحافظ، لكن نظام المافيا مستمر، ووفقا لناشطين، الفساد المستشري يهدد إعادة بناء التراث المعماري لإحدى أقدم المدن في العالم.