الثقافة الإباحية والواقعية التخريبية في الدراما العربية
يدرك العاملون في المجالات الاجتماعية أن من أهم وأخطر التغيرات التي تطرأ على المجتمع هي التغيرات الثقافية لأنه يحاكي الهوية المجتمعية التي تشكل المنظومة الآمنة للأوطان.
كما أن المجتمعات الإنسانية تكون لها معايير ضابطة تحدد ملامح وسم البلاد وهي المعايير (الثقافية والدينية القانونية والأخلاقية)، وكلها تتكامل في تناغم وتناسق مستقى من الأعراف والتقاليد العامة للمجتمعات التي تكوّنت في إطار من زمان ومكان وأناس جمعهم تاريخ ودين وعلم ولغة ووعي جمعي ضابط.
ولأن إحداث أي تغير يحتاج إلى وعاء يحتضن الفكرة والنموذج فقد استخدمت التربية والتعليم وأدواتهما الأساسية وخاصة المناهج التعليمية التي لا تحوي على أنماط تفكيرية عقلية إبداعية من تحليل وبرهان وربط واستنتاج، بل بنيت الفلسفة التربوية والسياسات التعليمية على الأبعاد الانفعالية الوجدانية، وهذا الأمر يفشل القدرات العقلية ويجعله أكثر انحدارا لأنه يبعده عن مهامه الأساسية من الفكر التخيلي الإبداعي.
ولتمرير الأهداف التربوية السلوكية المرغوب إحداثها في المجتمع فإنه يلزم استخدام التربية الإعلامية، بكل ذيولها من مواقع التواصل والدراما السينمائية وغيرها من الوسائل الإعلامية للوصول إلى أكبر شريحة من المجتمع.
نعم إنها الدراما الإعلامية واستخدام الأفكار والشخوص وصناعة أحداث خيالية، بل وصناعة مشاهير يحق لهم اختراق كل العوالم السياسية والفكرية والمجتمع تحت ما يسمى المؤثرين أو الأكثر ثأثيرا في سوق النخاسة العربية.
نعم هناك هجمة كبيرة، بل همجية على الهوية الثقافية العربية الإسلامية ولتحقيق أهدفهم فقد استخدموا كافة الأسلحة التدميرية وكان التركيز على المنظومة الأخلاقية العامة للمجتمع وعنصرهم الأكثر محورية فئة الشباب من (المراهقين)، وهم الأكثر اندفاعا وتمردا على الأخلاقيات المجتمعية والأنماط السلوكية، كما أنهم يعانون من ضبابية الهوية فركزوا على المواضيع الأكثر اهتماما وتشويقا وهو المجال الجنسي.
لقد جاءت الدراما العربية بنسخة غربية من الهبوط، فهي لا تحالكي واقع المجتمع ولا ترتقي بمخيلته لتصنع منه إبداع، بل هي تقمصية لأسوء ما أخرجت الثقافة الغربية! ولا تشكل من المنتج العربي إلا النطق العربي والمشخصاتيين المقيدين بحالة من الانجرار الأعمى بدون وعي ولا إدراك وإنما تقليد مشترط بانحلال.
أما الأهداف والأساليب المستخدمة في إنتاج الدراما العربية فهي مخطوفة في إطار من حراك تغريبي برؤية ليبرالية ومن العلمنة الثقافية أو الإلحادية المجتمعية، وقد سعت إلى استخدام خطاب إعلامي لتحريك اللعب على ورقة السلوك الإنساني من تنمية الثقافة الجنسية عبر تسهيل ملاحظتها ونشرها ولمس نتائجها وتنظيمها لتنفيذ الأهداف التخريبية للثقافة العربية وتدمير عقول الناشئة فإنها قامت باتخاذ الخطوات الناظمة والمحققة للأهداف عبر:
- أولا: استخدمت البعد الوجداني الانفعالي العاطفي من تحريك الشهوات والملذات الجنسية غير المنطقية، وهنا يكون قد ساهم في ضرب القيم الأخلاقية تشكيكا والاتجاهات تحريكا والمشاعر تفعيلا والأحاسيس أكثر تأثيرا، فيصبح لدى الإنسان استقبال للفعل عبر الصوت والصورة لأنه يستخدم التعليم البصري والسمعي والرموز، فيصبح الإنسان أكثر ميلا لتمثل الأشياء من إحياء الصور والخيالات فيكون لها الأثر الأكبر في الاستعداد والسلوك..
- ثانيا: كل هذا يمهد لإحداث الرغبة لدى الفرد إما بالاطلاع أو الانتباه أو المشاركة فيكون أكثر تقبلا واعتيادية للسلوك الجنسي سواء بالفعل أو القول أو الإيحاء.
- ثالثا: يتحول الإنسان من القبول إلى الاستجابة والاذعان بل والارتياح ويصل به إلى المشاركة لموافقته واستجابته على توجهات الرغبة.
- رابعا: وصول الإنسان إلى اعتبار الفعل ذو قيمة فيستقر في النفس ويأخذ سمة الثبات بل قد يصل بالإنسان إلى إعادة قراءتها في سياق من التخطيط والبناء.
- خامسا: الوسم حيث الاعتزاز بالفكرة وتبنيها بحيث يوسم المجتمع كاملا بها وتتحول من مستوى الذات إلى المستوى الاجتماعي لأن محتواها يعتمد على الإثارة الحسية.
- سادسا: تأصيل الفعل بحيث يتحول المجتمع إلى مدافع ومتبنٍ ومتكيف معه قولا وسلوكا فتصمم عليه القوانيين.
إن أي مجتمع تلزمه الهوية المتكونة من الثقافة المؤسسة له؛ لأنها مستمدة من تاريخه ودينه وأخلاقه، وأي مجتمع يتلاعب في هذه الحقائق التي تشكل وعيه وتبني هويته فإنه يتلاعب بوجوده وعليه. فإننا أصبحنا نتسابق لنعانق أي تذليل لهويتنا بالإهانة العلنية لثقافتنا.