الحرب على الحجاب.. هل نجحت في دمج المسلمين بأوروبا؟

محمد العربي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد أقل من 48 ساعة على قرار البرلمان النمساوي بمنع الحجاب الإسلامي في المدارس الإبتدائية والروضة، أعلن المستشار النمساوي سيباستيان كورتز، إجراء انتخابات مبكرة بناء على استقالة نائبه الزعيم اليميني المتطرف هانز كريستيان شتراخه، بعد تسريب فيديو يظهره مع مندوب لرجل أعمال روسي قبل أشهر من الانتخابات التشريعية في النمسا عام 2017، وهو يعد بتسهيلات لرجل الأعمال الروسي مقابل الحصول على مساعدة في الانتخابات البرلمانية.

زلزال الفضيحة التي أصابت الزعيم اليميني المتطرف شتراخه، اعتبرها البعض عقابا ربانيا سريعا، بعد تحركاته العنصرية ضد المسلمين في النمسا، والتي كان آخرها دفعه للحكومة والبرلمان من أجل إصدار تشريع لمنع ارتداء غطاء الرأس لتلميذات المرحلة الابتدائية، بينما استثنى من التشريع المنتمين للديانة اليهودية والهندوس.

تحركات شتراخه ضد المسلمين، خلال الساعات التي سبقت استقالته، لم تقف عند هذا التشريع المشبوه، وإنما امتدت إلى إلزام التلاميذ المسلمين في مراحل التعليم المختلفة بزيارة المحارق اليهودية، والاستماع إلى قصص الهولوكست، في إطار خطة الاندماج والتسامح التي كانت تسعى حكومته لإقرارها.

ورغم أن شتراخه كان وراء تشريع سابق بمنع ارتداء النقاب في المصالح والأماكن العامة، مستغلا خطة الاندماج التي أعلنتها الحكومة، إلا أن التطبيق الفعلي لهذه التشريعات، لم يقدم حلا للإشكال الذي من أجله تم الدفع بها للضغط على المسلمين هناك، حيث اعتبرها المسلمون إجراءات عنصرية ضدهم.

ليس إجماعا

الحكومة النمساوية بررت تشريعها الأخير، بأنه يأتي ضمن خطتها لحظر ما أسمته "كل لباس ذي تأثير إيديولوجي أو ديني يغطّي الرأس"، وقال البرلمان خلال إقرار التشريع إنه غير موجه للحجاب الإسلامي، إلا أنّ الحزبين الرئيسيين في الائتلاف الحكومي المنهار، وهما حزب المحافظين اليميني بزعامة المستشار سيباستيان كورتز، وحزب اليمين المتطرف، أعلنا بكل وضوح أنّ المستهدف من مشروع القانون هو الحجاب الإسلامي.

وحسب وصف الناطق باسم حزب اليمين المتطرف لشؤون التعليم وندلين مولزر، فإن مشروع القانون يمثل "إشارة ضد الإسلام السياسي"، في حين أكّد النائب رودولف تاشنر المنتمي إلى حزب المحافظين، أنّ النص ضروري لحماية الفتيات من "الاستعباد"،  وأوضحت الحكومة أنّ الحظر لا يشمل العمامة التي يضعها الرجال السيخ على رؤوسهم ولا القلنسوة التي يعتمرها الرجال اليهود.

ورغم دعم حزبي اليمين المتطرف للمشروع، إلا أن باقي المعارضة صوتت ضد القانون، تجنبا لوصمها بالعنصرية وأن تكون قد ساهمت في قانون يستهدف المسلمين فقط، متهمين الحكومة بأنها تسعى لتصدر عناوين الصحف بدلا من الاهتمام برفاهية الأطفال، وترجمت النائبة بالبرلمان النمساوي مارتا بيسمان، عن رفضها للقانون بتصرف أذهل العالم، عندما ارتدت الحجاب، اعتراضا على قرار البرلمان.

وحسب ما نقلته وسائل الإعلام النمساوية فإن بيسمان، خاطبت نواب البرلمان قبل ارتداء الحجاب قائلة: "هل هذا ما تخافون منه؟ هل تخافون من قطعة قماش؟ انظروا إلى الآن ارتديت الحجاب ماذا تغير؟ ألست أنا كما كنت من قبل؟"

وأكدت في كلمتها أن هناك اتجاها متطرفا في النمسا يرى الحجاب فزاعة يخاف أن تنتشر وتسبب ذلك الاتجاه المتطرف في حوادث عنف ومضايقات للمسلمات المحجبات.

تداعيات أخرى

وتشير وسائل الإعلام النمساوية إلى أن حكومة سيباستيان كورتز اليمينية المتطرفة، أصدرت قرارا آخر بإلزام الأطفال المسلمين بزيارة معسكرات اعتقال اليهود إبان الفترة النازية، بعد أن أجرت الحكومة مسحا على أطفال المسلمين، وانتهت فيه إلى أن بعض الأطفال لهم وجهات نظر نقدية وسلبية تجاه إسرائيل، حسب مزاعم الحكومة.

وبررت وزارة الداخلية النمساوية في بيان تناقله الإعلام قبل يومين من إقرار قانون منع الحجاب بالمدارس، قرارها بزيارة معسكرات اليهود، بأنها خطوة ترمي لتعزيز مكافحة معاداة السامية، مضيفة أن البرنامج سيدخل حيز التنفيذ خلال الأسابيع المقبلة.

ونقلت الوزارة عن كارولين إتشتادلر، مستشارة وزير الداخلية، بأن الحكومة تدرس وضع برنامج إلزامي مشابه يخضع له المسلمون الوافدون إلى البلاد، بعد التباحث مع ممثلي الجاليات الإسلامية.

وحسب الدراسة التي أجرتها وزارة الداخلية، تحت إشراف البرلمان النمساوي، في فبراير/شباط الماضي، فإن 50% من الأطفال الأتراك، و70% من الأطفال العرب، لديهم "أفكارا نقدية سلبية ضد إسرائيل".

لن نسكت

منظمة المسلمين النمساويين المعروفة اختصارا بـ "آى جى جى أو" وصفت القانون بأنه مخز، وقالت في بيان تناقلته وسائل الإعلام العالمية، بأنها سوف تتقدم بطعن أمام المحكمة الدستورية لإلغاء قانون حظر الحجاب فى المدارس الابتدائية الذي أقره البرلمان.

وقالت المنظمة، فى بيانها إن حظر ارتداء الحجاب فى المدارس الابتدائية لن يؤدى إلا إلى التفرقة والتمييز بحق الفتيات المسلمات.

وحسب إحصاء المنظمة التي تمثل المسلمين في النمسا والمعترف بها من قبل الحكومة، فإن المسلمين يمثلون 8% من سكان البلاد حيث يصل عددهم إلى 700 ألف مسلم، أغلبهم من الأتراك، ثم دول شمال إفريقيا، والصومال.

فوبيا الحجاب

المحللون الذين تناولوا تداعيات القرار النمساوي حذروا من أن تمتد هذه الفوبيا ضد حجاب المسلمات لدول أوروبية أخرى، كانت لها مواقف عنصرية، تجاه المسلمين، واستدلوا بموافقة مجلس الشيوخ على قانون قدمه الحزب الجمهوري اليميني، بحظر ارتداء الحجاب على الأمهات أثناء مرافقة أطفالهم في الرحلات المدرسية.

ومازال القانون ينتظر تصديق الجمعية الوطنية التي تعد الغرفة الثانية والأكثر أهمية في البرلمان الفرنسي، بعد أن صوت 186 نائبا بمجلس الشيوخ لصالح القانون، مقابل اعتراض 100 نائب، وامتناع 59 نائبا عن التصويت.

واعتبرت النائبة عن حزب الجمهوريين اليميني في فرنسا جاكلين أوستاش برينيو، أن القانون الذي دعمته يهدف إلى سد فجوة قانونية في تطبيق العلمانية، إلا أن وزير التعليم الفرنسي جان ميشيل بلانكير، أكد أن القانون يتناقض مع قرارات مجلس الدولة، وسيخلق العديد من المشكلات حيال تطوير الرحلات المدرسية، بينما طالبت النائبة عن الحزب الاشتراكي فيفيان أرتيغالاس، بعدم إقرار القانون، مشيرة إلى أنه لا ينبغي استخدام العلمانية كأداة من أجل تحقيق مكاسب سياسية.

وتشير تحليلات لعدد من المواقع المهتمة بأوضاع المسلمين في أوروبا، أن حمى حظر الحجاب وصلت كذلك لألمانيا، بعد تصريحات أدلت بها المسؤولة في الحكومة الألمانية لشئون دمج الأجانب لصحيفة "بيلد"، بأن الحكومة تفكر في نقل التجربة النمساوية في ألمانيا، مؤكدة أنه "من العبث أن ترتدى الفتيات الصغيرات الحجاب، ومعظم المسلمين يؤيدون هذا الرأي".

ورغم ترحيب حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالخطوة النمساوية، إلا أن عددا من نواب البرلمان، بدأوا مبكرا حملة لمنع مثل هذا القانون، وحسب توصيف النائب الألمانى المحافظ المتخصص بقضايا الأسرة، ماركوس فاينبرج، لنفس الصحيفة فإن "الحظر العام على ارتداء الحجاب، كما فى النمسا، يعيق أيضا الفتيات اللواتي قررن من تلقاء أنفسهن ارتداء الحجاب كرمز لديانتهن"، وذكّر النائب بـ"الحق الراسخ في الدستور الألماني بممارسة المرء لمعتقده الديني بحرية".

كما عارض وزير التعليم المحلي في ولاية تورينجن الألمانية، هيلموت هولتر، حظر ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية، ورأى أنه بلا جدوى، وأن الأهم  التأكيد على قيم الدستور والتعايش الديمقراطي والإنساني المشترك، بصرف النظر عن ارتداء الحجاب أو عدم ارتدائه".

مبرر مفضوح

ويري العديد من المحللين الذين تابعوا هذا التصعيد ضد الحجاب في أوروبا، أن أحزاب اليمين المتطرف، تستغل الدفاع عن حقوق المرأة وحمايتها في مهاجمة المهاجرين، وخاصة النساء المحجبات، حيث تستخدم هذه الأحزاب مصطلحات مثل "حرية المرأة" و"تحرير المرأة من الاستعباد" لفرض عقوبات على المهاجرات من المسلمات أو إجبارهن على خلع الحجاب والنقاب، وهو ما وصفه بعض الأكاديميين الأوروبيين بمصطلح "القومية النسوية" أو Femonationalism.

وتشير التحليلات نفسها أن هذه السياسة، لم تنجح في فكرة الاندماج التي يتحجج بها البعض، بالعكس أدت إلى مزيد من العنف ضد المسلمين في أوروبا بشكل عام، وفي الدول التي يسيطر عليها اليمين المتطرف بشكل خاص مثل النمسا.

ويتفق مع هذا الطرح التقرير الذي أصدره مرصد الأزهر الشريف عن الانتهاكات التي تعرض لها المسلمون في النمسا خلال عام 2018، أي بعد عام واحد من وصول حزبي اليمين المتطرف للحكم بالنمسا، ويشير تقرير العنصرية إلى أن عام 2018 شهد تزايدا في الأعمال العدائية بشكل يومي ضد المسلمين بالنمسا، وقد وصلت حالات التعدي إلى 540 حالة، مقارنة بـ 310 في 2017، بنسبة زيادة 74%، مشيرًا إلى شبهة وجود علاقة بين أحد الأحزاب النمساوية المعروفة وحركة "الهوية" المتطرفة التي لها صلة بمنفذ الهجوم الإرهابي على مسجدين في مدينة «كرايست تشيرش» النيوزيلندية.

ونقل المرصد عن تقرير موسع لموقع "كورير" النمساوي، عن الانتهاكات التي يتعرض لها المسلمون هناك، أكد فيه أنه رغم إدانات الحكومة وعلى رأسها المستشار النمساوي لتلك الأفعال المشينة، فإن الحكومة مسؤولة بدرجة ما عن هذه العنصرية المتزايدة ضد المسلمين، لافتًا إلى ما حدث خلال انتخابات عام 2017، حيث كان القضاء على ما يسمى بـ"الإسلام السياسي" هو البرنامج الرئيس لبعض الأحزاب الكبيرة في النمسا.

هل نجحوا؟

ورغم كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومات الأوروبية الكبرى مثل فرنسا وألمانيا والنمسا، ضد المظاهر الإسلامية في بلادهم وعلى رأسها ارتداء الحجاب ومن قبله النقاب، بحجة الاندماج والسلام الداخلي، إلا أن هذه السياسة جاءت بنتائج عكسية، مثلت في حد ذاتها خطرا على فلسفة الاندماج المزعومة.

ذات النتيجة توصل إليها تحليل موسع لمجلة "ذا اتلانتيك" الأمريكية، مشيرا إلى أن فرض قيود على غطاء الوجه والرأس في أوروبا، بات هاجسا لدى السياسيين في دول مثل فرنسا، وبلجيكا، وهولندا، وبلغاريا، والنمسا، بحجة تعزيز ثقافة الاندماج، إلا أن النتائج تأتي عكس ذلك حيث تزداد أعمال الكراهية والعنصرية ضد المسلمين في هذه الدول.

ونقلت المجلة رأيا لعالم الاجتماع في جامعة تورنتو، "جيفري ريتز" أكد فيه أن قرارات حظر ممارسة أي مظهر ديني، يجعل أصحاب هذه الديانة يستمرون في ممارساتها كنوع من الاحتجاج، واستدل بما جرى مع المسلمات في فرنسا بعد قرار حظر النقاب، وتطور الموضوع لارتكاب ممارسات عنصرية ضد المسلمات.

نفس الأمر تكرر في إقليم الكيبك بكندا، والذي انتهى بتجميد مشروع حظر ارتداء النقاب، بعد التأثيرات السلبية والعنصرية ضد المسلمات هناك، وهو ما تكرر كذلك في النمسا ذاتها التي لم يكن بها سوى 150 سيدة مسلمة ترتدي النقاب.