تفجيرات تنظيم الدولة.. كيف غيّرت حياة مسلمي سريلانكا إلى الأبد؟
أسابيع مرت على تفجيرات الكنائس والفنادق الدامية في سريلانكا، لكن لا تزال تلقي بظلالها على المشهد، وسط مخاوف الأقلية المسلمة هناك من ارتدادات عكسية للتفجيرات ظهرت بوادرها في مجموعة من أحداث العنف ضدهم.
من هذا المنطلق يبدو أن الحديث عن أوضاع مسلمي سريلانكا قبل وبعد التفجيرات ثري بالعديد من المحطات التي جعلت الجميع يترقب بحذر الإجابة التي يقدمها المستقبل القريب على تساؤل الساعة: هل يدفع مسلمو سريلانكا ثمن تلك التفجيرات؟
عنف متواصل
الترجمة المقابلة للتفجيرات التي تبناها تنظيم الدولة قبل نحو 3 أسابيع، انعكست على مسلمي سريلانكا، الذين لم يفيقوا منذ ذلك الحين من هجمات متسعة تستهدف مساجدهم ومتاجرهم، حتى خارج العاصمة كولومبو.
الاثنين 13 مايو/أيار الجاري، أطلقت شرطة سريلانكا الغاز المسيل للدموع على حشود هاجمت مساجد ومتاجر مملوكة لمسلمين، وفرضت حظر تجول في أنحاء البلاد بعد أسوأ تفجر لأعمال عنف طائفية منذ تفجيرات يوم عيد القيامة، التي أودت بحياة أكثر من 250 قتيلا.
وقال سكان في المناطق التي يقطنها مسلمون في الإقليم الشمالي الغربي من البلاد، إن حشودا هاجمت مساجد وألحقت أضرارا بمتاجر وشركات يملكها مسلمون لليوم الثاني، وبعد عشرات الشكاوى التي تلقتها جماعات مسلمة من مختلف أرجاء البلاد من تعرض أشخاص لمضايقات.
وفرضت السلطات حظرا مؤقتا على شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثات بما في ذلك واتساب بعد أن نُسب اشتباك وقع في جزء آخر من البلاد إلى نزاع على "فيسبوك"، ولجأت سريلانكا إلى الحجب المؤقت في محاولة لكبح ترويج المعلومات التحريضية والمضللة والشائعات.
وبحسب وسائل إعلام محلية، اندلع العنف في مدينة تشيلو، ذات الأغلبية الكاثوليكية، بعدما أساء أحد السكان فهم منشور على "فيسبوك" اعتبره تهديدا للمسيحيين، وقالت السلطات: إنها ألقت القبض على الشخص الذي كتب المنشور على "فيسبوك" واسمه عبد الحميد محمد هسمار (38 عاما).
مصدر في الشرطة، أوضح أن "السلطات ألقت القبض على مجموعة من الناس في منطقتي كوليابيتيا ودومالاسوريا القريبتين، يوم الأحد، وفي ساعة مبكرة من صباح الاثنين، للاشتباه في مهاجمتهم متاجر مملوكة لمسلمين".
وقبل نحو أسبوع اندلع اشتباك عنيف بين مسلمين ومسيحيين بعد خلاف مروري في مدينة نيجومبو التي قتل فيها أكثر من 100 شخص في هجمات عيد القيامة، وحجبت الحكومة وسائل التواصل الاجتماعي أيضا بعد ذلك الاشتباك.
هل يدفعون الثمن؟
وإذا كان ما يسمى رد الفعل العنيف عبر الحوادث السابقة وغيرها ضد المسلمين، تؤكد أنهم سيدفعون ثمن تفجيرات تنظيم الدولة، فإن الأمر لم يتوقف عند حدود مسيحيين أو بوذيين من الشعب الغاضب، بل وصل إلى النظام الذي يحكم البلاد.
فبعد أيام من التفجيرات أعلن الرئيس السريلانكي، مايتريبالا سيريسينا، حظر ارتداء البرقع (النقاب) واصفا إياه بـ"الخطر الأمني"، وقال بيان مكتبه: إن الرئيس "أخذ هذا القرار لتقديم دعم أكبر للأوضاع الأمنية الحالية ومساعدة القوات المسلحة للتعرف بسهولة على أي شخص مشتبه به".
بعدها بأيام أيضا، قال وزير الداخلية السريلانكي، فاجيرا أبيواردينا: إن "بلاده طردت 600 أجنبي، بينهم 200 من الدعاة المسلمين، منذ وقوع التفجيرات". وأضاف أن الدعاة المطرودين دخلوا البلاد بشكل قانوني، إلا أنه تبين عقب التفجيرات أنهم تجاوزوا المدة المحددة في تأشيرات الدخول، فتم تغريمهم وطردهم من البلاد.
وأشار إلى أن الهجمات الدامية دفعت السلطات لمراجعة نظام منح التأشيرات، كما أنها فرضت قيودا على منح التأشيرات لمدرسي الدين، ولم يعلن المسؤول عن جنسيات المرحلين، لكن الشرطة ألمحت إلى أن أغلبهم من بنجلاديش والهند والمالديف وباكستان.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبح هؤلاء في خطر داهم، بعد أن قال الوزير عن الدعاة الأجانب: "سنضع هؤلاء ضمن دائرة المتابعة".
حالة الطوارئ التي فُرضت في البلاد أعقاب التفجيرات، منحت الجيش والشرطة صلاحيات واسعة يُخشى أن تبتعد عن مقاصدها في توقيف واحتجاز المشتبه بهم مددا طويلة، كما تنفذ السلطات عمليات تفتيش للمنازل في كافة أنحاء البلاد.
"تسنيم نذير" البريطانية السريلانكية المسلمة نشرت مقالا في موقع "لوب لوج" الأمريكي، رصدت فيه المضايقات التي يواجهها المسلمون بسريلانكا بعد التفجيرات في البلاد لتقول: إن "حياة المسلمين هناك تغيرت إلى الأبد".
وأوردت، أن أفراد عائلتها المقيمين هناك لم يبرحوا منازلهم خشية وقوعهم ضحية أعمال عنف، كما أن بعض أبناء عمها لم يذهبوا للعمل منذ ذلك الحين، ولم يرسل أي منهم أطفاله للمدرسة، وأغلق آخرون متاجرهم خوفا من أن يحملهم البعض مسؤولية الهجمات التي لم تكن لهم أي علاقة بها والتي يدينونها بشدة.
وكشفت تسنيم نذير، أن جمعية علماء سريلانكا، وهي أعلى هيئة إسلامية بالبلاد، قدمت للحكومة في يناير/كانون الثاني الماضي تقارير حول "جماعة التوحيد الوطنية" – التي تتهمها الحكومة بالتورط في التفجيرات - ودعت أيضا إلى اعتقال أفرادها، إلا أن دعواتهم لم تلق أي اهتمام.
ضحايا لا متهمون
اللافت في الأمر، أن الحديث عن أوضاع المسلمين في سريلانكا بعد تفجيرات عيد القيامة، فتحت الباب على مصراعيه أمام مجموعة من الحقائق التي تكشف للقاصي والداني أن المسلمين هناك ضحايا لعنصرية بغيضة وليسوا متهمين.
ويتعرض مسلمو سريلانكا للاضطهاد وهجمات تستهدف أرواحهم وأملاكهم من جماعات بوذية متطرفة، تقوم بالتحريض ضدهم على غرار ما يقوم به نظراؤهم البوذيون في ميانمار، حيث يرتكبون جرائم فظيعة ضد مسلمي الروهينجا.
ويعيش أغلب المسلمين في شرق ووسط سريلانكا، خاصة في منطقة كاندي (وسط)، ويقدر عدد مساجدهم بألفي مسجد موزعة بين المدن والقرى المهمة التي ينتشرون فيها، كما أن لهم مدارس ومعاهد إسلامية خاصة، وتشير بعض المصادر إلى أنهم يعتبرون الفئة الأكثر تعليما في البلاد.
وتتباين الأرقام بشأن عدد مسلمي سريلانكا، ففي حين تؤكد إحصائيات رسمية نشرت عام 2012 أنهم يشكلون نحو 10 بالمئة من عدد السكان البالغ 21 مليون نسمة، تقول مصادر أخرى إنهم يشكلون 7 بالمئة من عدد السكان.
وبحسب مصادر وبيانات محلية، يشكل البوذيون 70 بالمئة من سكان سريلانكا، في حين يشكل المنتمون لعرق التاميل، الذين يدين أغلبهم بالهندوسية، نحو 13 بالمئة، في حين يعتنق 6.1 بالمئة المسيحية الكاثوليكية.
المسلمون في سريلانكا يشاركون في الحياة السياسية، ولهم ممثلون في البرلمان والوزارات، ولهم هيئات تمثلهم على غرار المجلس الإسلامي السريلانكي الذي يضم ممثلين من المجتمع المدني.
وعلى الرغم من حضورهم السياسي، يتعرض المسلمون في سريلانكا للإقصاء وتستهدف مساكنهم ومتاجرهم ومساجدهم، وعانوا بشدة من الحرب بين التاميل والسنهال خلال الفترة بين عامي 1983 و2009، إذ قامت حركة التمرد التاميلية حينذاك بتشريد أكثر من 70 ألف مسلم من شمال البلاد.
حوادث منسيّة
في مارس/آذار 2006، قُتل 4 مسلمين وأصيب آخرون بجروح في انفجار قنابل يدوية ألقاها مجهولون على مسجد مدينة أكاراباتو التي تبعد 350 كيلومترا شرق العاصمة كولومبو، حيث كان مئات الأشخاص يصلون.
وشن بوذيون هجمات عنيفة على مسجد بأحد أحياء العاصمة في أغسطس/آب 2013، مما جعل المسلمين يغلقون المسجد وينقلون مكان عبادتهم إلى مسجد قديم، وتجددت أعمال العنف التي استهدفت المسلمين في يونيو/حزيران 2014، مستهدفة منطقتين سياحيتين ساحليتين تسكنهما أغلبية من المسلمين، ووقف وراءها بوذيون، وأدت إلى مقتل 4 أشخاص وإحراق مئات المنازل والمحلات.
وفي عام 2017 نُفذ أكثر من 20 هجوما على المسلمين على مدى شهرين في منطقة "جينتوتا" على بعد 115 كيلومترا جنوب العاصمة، تضمنت إحراق شركات يملكها مسلمون وهجمات بقنابل بنزين على المساجد.
وفي مارس/آذار 2018 دُمرت منازل ومتاجر مملوكة للمسلمين في منطقة كاندي على خلفية اشتباكات بين بوذيين ومسلمين، أدت إلى سقوط قتلى ودفعت السلطات إلى إعلان حالة الطوارئ.
وتتهم قيادات مسلمة متطرفين بوذيين بالمسؤولية عن هذه الهجمات، حيث يروج هؤلاء أن المسلمين يسيطرون على معظم الأعمال التجارية بالبلاد، ويحاولون الهيمنة ديموغرافيا عن طريق زيادة معدل مواليدهم مع تراجع السنهاليين والبوذيين.
في أبريل/نيسان 2013 حملت "المنظمة الألمانية للدفاع عن الشعوب المهددة" حركة "القوة البوذية"، ذات التوجهات القومية البوذية المتطرفة، مسؤولية ما جرى من اعتداءات وتحريض على مسلمي سريلانكا.
وأشارت إلى أن هذه الحركة المسماة اختصارا "BBS" تتبنى شعارا سريلانكا للبوذيين، وتطالب بعزل الأقلية المسلمة، كما أنها أطلقت عبر موقع "فيسبوك" دعوات لرفض العادات والتقاليد الإسلامية في سريلانكا، خاصة الأطعمة الحلال وحجاب النساء.
تاريخ دموي
يبدو أن تفجيرات تنظيم الدولة وما يتلوها ليست بالأمر الجديد على سريلانكا، ولعل التركيبة الإثنية والعرقية المتداخلة في البلاد هي السبب وراء حلقات العنف والصراع المسلح على مدار عقود.
في عام 1985 وقعت مذبحة "أنورادهابورا" على يد حركة "نمور التاميل" التي تسعى للحصول على استقلال المناطق التي تقطنها أقلية التاميل الهندوسية في الأجزاء الشمالية والشرقية من الجزيرة، وتعد أكبر مذبحة تشهد وقوع ضحايا من المدنيين السنهاليين (البوذيين) الذين يمثلون أغلبية السكان في سريلانكا.
وفي أبريل/نيسان 1987 أطلق مسلحو "نمور التاميل" النيران على مسيحيين في حافلة كانت تقلهم لقضاء العطلة، حيث مات نحو 127 شخصا في مذبحة سميت بـ"ألوث أويا" بعد أربعة أيام فقط من هذا الهجوم، فجّر "نمور التاميل" سيارة مفخخة بالقرب من موقف الحافلات المركزي في العاصمة السريلانكية "كولومبو"، ما أسفر عن مقتل عشرات المدنيين.
"جبهة التحرير الشعبية": وهي جماعة شيوعية كانت تسعى للسيطرة على حكم البلاد، نفذت محاولتين للانقلاب على الحكومة عامي 1971 و1987، ثم شرعت في تنفيذ هجمات أبرزها في أغسطس/آب 1987 عندما ألقى مهاجمون قنبلتين يدويتين داخل البرلمان السريلانكي حيث كانت تجتمع الحكومة.
الهجوم على "معبد الأسنان" هو معبد مقدس للبوذيين يقع في مدينة "كاندي"، يضم بقايا أسنان بوذا، وهو أحد مواقع التراث العالمي المعينة من اليونسكو، وقع في 8 فبراير/شباط 1989، على يد "جبهة التحرير الشعبية".
وفي 3 أغسطس/آب 1990، عبر حوالي 30 شخصا مدججين بالسلاح ينتمون إلى "نمور التاميل" بحيرة صغيرة ودخلوا بلدة "كاتانكودي" شرق سريلانكا، وتنكروا في هيئة مصلين مسلمين، وأطلقوا النار بشكل عشوائي وألقوا القنابل اليدوية على المصلين داخل المساجد، وهرب المسلحون بعدما قتلوا 147 شخصا.
وجرى تنفيذ مذبحة أخرى في 15 أكتوبر/تشرين الأول 1992، على يد "نمور التاميل" ضد السكان المسلمين في قرية "بالياجوديلا"، الواقعة على الحدود مع الجزء الشمالي من سريلانكا، وقتلوا حينها نحو 285 من الرجال والنساء والأطفال، أي حوالي ثلث سكان القرية.
المصادر
- شرطة سريلانكا تفرض حظر تجول على مستوى البلاد حتى الساعة الرابعة صباحا
- رئيس سريلانكا يعلن حظر "البرقع" ويبين السبب
- سريلانكا تحجب منصات تواصل بعد اعتداءات على مساجد ومتاجر
- اعتداءات على مسلمين في مدينة سريلانكية
- بين البوذيين و"داعش".. مسلمو سريلانكا ضحية تطرفين
- ثلثهم دعاة مسلمون.. سريلانكا تطرد 600 أجنبي عقب هجمات عيد الفصح
- لوب لوغ: حياة المسلمين في سريلانكا تغيرت إلى الأبد
- «نمور التاميل» كلمة السر وراء تاريخ سريلانكا الدموي