الأردن بين صفقة القرن وزمن الرعاة
من فلسطين تمرر خيوط المؤامرة الدولية صفقة القرن، في إطار منعطفات كثيرة سأقوم بقراءتها في سياق أردني وملكي هاشمي، وإذا تكلمنا عن هذه الخطط والمراحل الفرعية فإنها تسير وفق دعم وإسناد واستحقاقات تعيد رسم خريطة المنطقة؛ فصفقة القرن هي تطبيع اقتصادي وتجاري كامل وهي ماضية في واقعها، سواء أعلن عنها أم لم يعلن.
وقد تركت التفاصيل الداخلية لحكام الأقاليم وبتقاسمية فردية بما يضمن وجودهم وامتيازاتهم في المنطقة. التجريد منقطع النظير إنها مقامرة للجميع مما دفع بالكثير لرفع سقف الحلم والمتخيلة في النفوذ السياسي والامتداد خاصة لهؤلاء الحكام.
وكونها تقع بين الثلاثي (العرب والصهاينة والغرب)، فهي مدخل لحماية المصالح الغربية وتأمين أمن إسرائيل وحرية حركة الصهاينة، ويقع المجهود العالي على دول الطوق، التي تحدد بها القيمة الوجودية للأنظمة الحاكمة، أي بحجم الحماية المتحققة منها. والأردن يعي هذه المعادلة ويستوعبها بل يسير وفق السياسات المرسومة له إلى أن طرقت بابه صفقة القرن، ويلاحظ أن الموقف الأردني اتسم بالآتي:
- أخذ ينحل من الكثير من الالتزامات
- الأكثر رفضا وتحديا لهذه الصفقة
- ظهور الملك عبدالله الثاني في حالة من عدم الانسجام والتوافق مع الكثير من الذين سعوا لاحتوائه وقولبته وفق سياساتهم
- حالة الملك الاستثنائية في علاقته مع الإقليم والجوار العربي وعودته الطوعية إلى الشارع الأردني وبالتحديد الحركة الإسلامية
- تمرد الملك على التحالفات التقليدية
فحجم الاستياء الأردني يضمر الكثير من القراءات المتعددة والتنبؤات الكثيرة والمعقدة، وما حملته الهمهمات الإعلامية الأخيرة من إشارات للداخل الأردني، كتفكيك رؤوس السلطة الأمنية المتنفذة (جهاز المخابرات) وتوصية الملك عبدالله الثاني بضرورة الحفاظ على الثوابت الوطنية، التي تحافظ على الهوية الوطنية واتهام بعض المتنفذين بتقديم المصالح الفردية الآنية والعابرة على المصالح العامة للوطن.
ولا يخفى على أحد أن هناك حرب باردة بين الأردن والسعودية، جعلت الأردن في أمس الحاجة إلى إبلاغ رسالته بوعي وقوة واستخلاص الحالة الوجودية له كنتاج لصفقة القرن؛ أن "حرص السعودية على إدارة شؤون القدس يضعها في خط دول الطوق للحماية الأمنية للصهيونية في ظل تهافت العربان على خدمة المشروع الصهيوني الذي به امتدادهم كما يظنون".
فكانت المصلحة الصهيونية وجود السعودية في دول الحزام لمكانة السعودية أولا، ولامكانياتها المادية ثانيا، وهذا هدد الوجود الأردني ومكانته الجغرافية ودوره، إلا أنه يحقق الطموح للعائلة السعودية في إطار من الامتداد كما يلي:
- جغرافي: ملك العرب
- سلطوي: شرطي المنطقة
- ديني: الوصاية على القدس والمقدسات
- اقتصادي: مشروع نيوم
جميع ما سبق أبرز إلى الساحة الخلاف الظاهري بين السعودية والأردن إلا أنه أخفى أبعادا ذات أهمية لأن السعودية سعت إلى:
- الانحياز إلى المعسكر الخطأ
- استهداف ممنهج للأردن
فوضعت السعودية مخططا لإجبار الأردن عبر القوى السياسية على القبول بصفقة القرن بالضغط بالاتجاه الاقتصادي عبر مسارين للوصول إلى أهدافها:
المسار الأول: كان بالسيطرة على بعض القوى السياسية التي ترتهن السعودية اقتصاديا وجهويا وفكريا.
المسار الثاني: وهو الأخطر، النكاية التاريخية مع الغريم الأخ، وهي الزعامة والسيادة التي ينادي بها آل سعود. وبالعودة إلى التاريخ في معركة "أم العمد" ١٩١٩_١٩٢٤ بين آل هاشم وآل سعود.
إن الملك عبدالله الثاني أمام طموحات سعودية جادة بالتواجد في المحيط الأردني وبالامتداد شمالا والقضاء على بني هاشم الأعداء التقليدين كما كان آل رشيد في حائل. إن استنزاف الأردن بهذه البشاعة ليس في مصلحة أحد، لقد توقفت عند عبارة (مدن الملح)، فعلينا أن نقتنع أن التاريخ يعيد نفسه، وعسى أن تكون كلماتنا إذابة لبعض من قتامة المشهد العربي، وإن أصحاب الزعامة يعتاشون على قاعدة الأرض مقابل السلطة، فهذا يجعل الملك عبدالله أكثر رفضا لصفقة القرن لأنه يشعر بفقدان الأمان لذاته ولملكه، بل أصبح الملك محاصرا في دياره.