منذ تأسيسها بأبوظبي.. البوكر العربية سنوات من الجدل والفضائح

12

طباعة

مشاركة

النسخة العربية من الجائزة العالمية للرواية العالمية (البوكر) لم تخل منذ تأسيسها عام 2007 في أبو ظبي، من إثارة الجدل والفضائح حولها، خاصة مع ارتفاع قيمة جائزتها الأولى والمقدرة بـ 50 ألف دولار أمريكي.

فما حدث على مدار 12 عامًا، تكرر الثلاثاء الماضي 23 أبريل/نيسان 2019، عندما أعلنت اللجنة القائمة على الجائزة عن فوز رواية "بريد الليل" للروائية اللبنانية هدى بركات بجائزة دورة 2019.

وكالعادة بدأت المشكلات حول الرواية الفائزة، فقبل الإعلان الرسمي فوجئ الوسط الأدبي بالروائي السعودي عبده وازن يعلن اسم الفائزة ونقلته عنه صحيفة "الإندبندنت عربية"، وقيل إن سبب التسريب هو قطع الطريق على عضو بلجنة التحكيم لم يكن يرغب في إعلان فوز رواية هدى بركات بالجائزة.

الخلافات لم تقتصر على ذلك الأمر وفقط، فقد ذكرت الكاتبة العراقية إنعام كجه جي، المشاركة بالقائمة القصيرة للجائزة، على حسابها على فيسبوك، أنها: "رأت من المناسب عدم حضور الحفل بسبب التسريبات التي سبقته وتضر بهذه الجائزة"، مضيفة: "لا يمكنني المشاركة فيما نسميه باللهجة العراقية عرس واوية. مبروك للعزيزة هدى بركات فوزها بالبوكر، وهي تستحق ما هو أفضل من هذه الجائزة التي كانت على حق يوم دعتني لمقاطعتها".

الآلة الدعائية

"الأعمال التي تتوج بالفوز خلال السنوات الأخيرة تساهم للأسف في إعطاء صورة غير حقيقية عن الوضع الأدبي والثقافي في العالم العربي، بل تساهم في انهيار هذا الوضع، بسبب الآلة الدعائية التي تمتلكها هذه الجوائز التي توجه ذوق القارئ وتدفعه إلى قراءة الأعمال الأدبية الضعيفة التي تتصدر قوائم الأكثر مبيعاً في أثر فوزها".

هكذا عبر الكاتب والناقد الأردني فخري صالح في مقال له العام الماضي عن الجائزة في جريدة الحياة اللندنية، مؤكدًا النفوذ غير المحدود لبعض أعضاء الجائزة، وهي النبوءة التي تحققت هذا العام بمنح الجائزة لهدى بركات، بعد مناقشات طويلة وممتدة، وخلافات بين أعضاء لجنة التحكيم دفعت بأحدهم إلى تسريب اسم الرواية الفائزة قبل الإعلان الرسمي.

صالح أكد أن من كبريات مشكلات "البوكر العربية" عدم تغيير مجلس أمنائها، إلا فيما ندر، قائلا: "لا أظن أن هذه الانتقادات التي توجه إلى الجوائز العربية والقائمين عليها هي مجرد افتراءات أو نميمة أو رجم بالغيب".

ألمان بوكر

الجائزة التي تأسست في أبو ظبي منذ عام 2007، جاءت بناء على مقترح من الناشرين، المصري إبراهيم المعلم، والبريطاني جورج وايدنفلد، وذلك لتأسيس جائزة مشابهة لـ"ألمان بوكر" البريطانية، وتم تقديم الاقتراح بلقاء علمي بألمانيا.

وتهدف الجائزة لمكافأة الروائيين العرب والارتفاع بهم للعالمية، ولكن المتحقق على أرض الواقع غير ذلك، فبداية من الاسم الشائع للجائزة (البوكر) تبدأ المشاكل، إذ تؤكد هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، على موقع الجائزة على الإنترنت، استقلالها عن البوكر البريطانية، مع أن الجائزة في الحقيقة تدار بالشراكة مع المؤسسة الأخيرة في لندن.

يحق لكل دار نشر اختيار 3 روايات صادرة عنها للمشاركة بكل دورة في الجائزة، وتتكون لجنة التحكيم من 5 روائيين وأكاديميين، ويمكن لبعضهم ألا يكون عربيا بشرط إجادة اللغة العربية، وغالبا تتقدم أكثر من 100 رواية لكل دورة، على أن تصدر القائمة الطويلة في 16 رواية، ثم القصيرة في 6 روايات فحسب، ويتم الإعلان عن الجائزة في أبريل/نيسان سنويا في أبو ظبي، ويمنح الفائز الأول 50 ألف دولار، وكل فائز من الخمسة الباقين في القائمة القصيرة 10 آلاف دولار.

فساد الحياة الثقافية

ونظرا لارتفاع قيمة الجائزة المادية، وانتشار المؤلفات الفائزة بها، بل ترجمتها أحيانا فإنها محط أنظار المبدعين العرب، إلا أن هناك شبه إجماع بين الأدباء على ابتعاد الجائزة عن المعايير النزيهة المحايدة حتى أن الروائية السورية إبتسام تريسي المشاركة برواية "عين الشمس" في نسخة الجائزة لعام 2010م تقول إن الجائزة، "مثلها مثل الجوائز العربية، تحتاج لمراجعة شاملة لجميع معاييرها".

وتخلص تريسي إلى أنه: "من دون إجراء هذه المراجعة ستكون هذه الجوائز وبالاً على الأدب والثقافة العربيين بدلاً من أن تمثل محفزاً وباعثاً على النهوض بهما، في زمن تتمزّق فيها الأوطان ويخيّم الغموض على مصائر العرب المعاصرين". كما تشير الكاتبة السورية إلى كثرة المشاركات في جائزة البوكر العربية، مع منافسة جائزة كتارا القطرية للرواية لها، مع حداثة عمر الأخيرة.

كما قال الأكاديمي اللبناني في السياسة بجامعة كاليفورنيا أسعد أبو خليل: "هذه الجائزة مؤشر آخر على فساد الحياة الثقافية العربية".

أما الكاتبة اللبنانية علوية صبح المشاركة روايتها "اسمه الغرام" بالقائمة القصيرة من دورة الجائزة في 2010م، فشنت هجوما لعله الأعنف على لجنة تحكيم الجائزة، وقالت عن رئيسها الكويتي كالب رفاعي: "لايستحق أن يكون روائيا من الدرجة العاشرة"، وأن مستوى لجنة الحكيم بالتالي "متدنٍ".

ومع تعدد فضائح الجائزة سنويا فإن دورة 2010م أثارت عددا قياسيا منها، إذ انسحبت منها الأكاديمية المصرية شيرين أبو النجا قائلة: "انسحابي يعود في الأساس لغياب المعايير النقدية الواضحة في تقييم الأعمال المشاركة، وإحجام أعضاء لجنة التحكيم عن إقامة حوار نقدي موسع حول كل رواية، وميل اللجنة لاعتماد آلية التصويت الرقمي للروايات، ما جعل عملية الاختيار والترشيح أشبه بلعبة (الروليت) أكثر منه عمل لجنة تحكيم جائزة أدبية متخصصة، بدليل ما شهدته القائمة من تغييرات قبل الإعلان عنها بشكل نهائي".

  وأضافت أبو النجا أن "رئيس لجنة التحكيم وضع استمارة تحكيم ليقوم أعضاء اللجنة بالتصويت من خلالها للأعمال المرشحة، ولكن لم يتم الاعتماد إطلاقاً على هذه الاستمارة".

محسوبيات وأمور أخرى

منذ دورة الجائزة الأولى بدأت الإشكاليات، وذلك بفوز الروائي بهاء طاهر في 2007م عن روايته "واحة الغروب" الصادرة عن "دار الشروق"، وقيل حينها إن الجائزة منحت له لإجمالي تاريخه الأدبي لا للرواية نفسها، على اعتبار أنها لم تكن أفضل الروايات الـ16 في القائمة القصيرة، بل قال الصحفي والشاعر المصري أسامة العزولي: "إنّ قرار اللجنة ليس تبعاً للاستحقاق الأدبي، بل إن اللجنة تقسم الاختيارات في القائمة القصيرة على أرجاء العالم العربي وهذا يجب أن ينتقد.

مضيفا إنّ "واحة الغروب" فازت بسبب موضوعها الذي تناول علاقات بين مثليات وشخص يتساءل عن حق مصر في السيطرة على "واحة سيوة" وهذا برأي العزولي يلائم أذواق "ما بعد الحداثة" ويلقى صدًى كبيرا في الخارج!

أما دورة 2008م، ففازت فيها "عزازيل" ليوسف زيدان لتثير إشكالية حول نسبة الرواية إليه، بخاصة مع ارتفاع مستواها الأدبي عن بقية أعماله، بالإضافة لقوله خلالها أنه اعتمد على مخطوط قديم، لكن فوز زيدان آثار إشكالية جديدة في 2009م فهل يمكن أن تفوز رواية "يوم غائم في البر الغربي" للمصري محمد المنسي قنديل بالجائزة أيضا أم أن الأمر سيخضع للتوزيع الجغرافي للوطن العربي؟

ومع وجود 3 روائيين مصريين في القائمة القصيرة للدورة الثالثة للجائزة في 2009م، فازت رواية "ترمي بشرر" للسعودي عبده خال، رغم ما تثيره من مشاكل ومنعها في السعودية لصبغتها السياسية المتحدثة عن فساد قصور الحكم، وكان الناقد المصري جابر عصفور أشار حينها أن الجائزة ستذهب للكاتبة اللبنانية علوية صبح، مما أشار إلى تدخلات في انتقاء الرواية الفائزة بعيدا عن مستواها الأدبي.

 بدرجة وزير

أما دورة 2010م من الجائزة فشهدت مناصفتها بين وزير الثقافة المغربي محمد الأشعري عن روايته "القوس والفراشة" مع السعودية رجاء عالم عن "طوق الحمامة"، مما أثار الزوابع حول تورط لجنة تحكيم الجائزة في منح الجائزة لمسؤول وظيفي بدرجة وزير ثقافة بدلا من عمل روائي.

دورة 2011م أو الدورة الخامسة شهدت تصحيحا لمسار الجائزة بفوز اللبناني ربيع جابر بالجائزة عن روايته: "دروز بلغراد"، لكن فوز الشاب الكويتي سعود السنعوسي بالجائزة في الدورة السادسة في 2012م عن رواية "ساق البامبو" جعل الجائزة تتجه للتصنيف العمري للفائزين بدلا من الجغرافي، بخاصة أن الفائزة لم يكن يتعدى العشرينيات من عمره، بالإضافة لعدم تمايز بقية أعمال السنعوسي الروائية مثله مثل السعودي عبده وازن الفائز بالجائزة في 2009م.

أما في عام 2014م فقد فازت رواية "فرانكشتاين فى بغداد" للعراقى أحمد سعداوي بالجائزة، رغم وجود 6 روايات عن الثورة السورية بينها واحدة لكاتب مصري في القائمة الطويلة، ووصل منهم للقائمة القصيرة روايتا: فواز حداد وخالد خليفة، ولكن وجود المترجم الفلسطيني السوري صالح علماني، المعروف بولائه لنظام بشار الأسد، أشار إلى أن الجائزة لن تمنح لسوري في تلك الدورة خاصة لو كان من مؤيدي الثورة.

الدورة التاسعة للجائزة في 2015م، عادت للتصنيف الجغرافي للجائزة، ورغبة من اللجنة القائمة عليها في دمج التصنيف الأخير مع اختيار صاحب منصب رفيع، وبناء على ذلك، تم اختيار الأكاديمي شكري المبخوت، رئيس جامعة منوبة  التونسية، ليفوز بالجائزة عن روايته "المبخوت".

وقال مريد البرغوثي، رئيس لجنة التحكيم خلال حفل الإعلان عن فوز المبخوت: "بداية شكري المبخوت كصاحب رواية أولى، مدهشة كبداية روايته ذاتها، مشهد افتتاحي يثير الحيرة والفضول، يسلمك عبر إضاءة تدريجية ماكرة وممتعة إلى كشف التاريخ المضطرب لأبطاله ولحقبة من تاريخ تونس".

في المقابل قال عدد من النقاد والمبدعين العرب أنه ليس من المنطقي ولا المعقول أن المبخوت الذي قضى عمره في السلك الأكاديمي الجامعي أن يبدع رواية أولى بعد تخطيه الستين من العمر تفوز بالجائزة الأولى في مسابقة عربية كبرى مثل البوكر، وأن الأمر لا يعدو أن يكون تخصيصا لتونس للفوز بالجائزة في دورة 2015م.

العيار الثقيل

وتبقى الاتهامات بتسييس الجائزة قائمة، أما آخر مفاجآت الجائزة فكانت متمثلة في إجابة عضو سابق بلجنة التحكيم وهي بروين حبيب على سؤال بشأن إمكانية قراءة كل هذا العدد من الروايات قائلة إنها "تقرأ في كل مكان، وهناك روايات تفصح عن نفسها من الصفحات الأولى فلا تشجع على القراءة!".

أما الأكاديمية المصرية سحر خليفة، عضو لجنة تحكيم الجائزة سابقا، فقالت أيضا إن "دورة 2014م من الجائزة كانت بها روايات لا تستحق الورق الذي كتبت عليه"، أما المبادرة التي قامت بها خليفة، (وكررها الروائي السعودي عبده وازن هذا العام)، هو إعلان القائمة القصيرة للجائزة على صفحتها بالفيس بوك قبل الإعلان عنها، مما دعا البعض للقول بأنها خافت الضغوط فأحبت تبرئة ذمتها.

أما الدورة العاشرة للجائزة في 2016م، فأثارت جدلا من العيار الثقيل، بعد مشاركة رئيس لجنة التحكيم سابقا طالب الرفاعي في المسابقة كمتسابق هذه المرة برواية "في الهنا" بالإضافة لتلاعبه في تاريخ نشرها، حيث سبق له نشرها في "دار الشرق" أوائل 2014م، ثم تعمد طبعها في دار أخرى بين يوليو/تموز 2014 ويونيو/حزيران 2015م.

طباعة الرواية مرة أخرى حتى يوافق التاريخ المحدد للفوز في المسابقة، وهو ما جعل الروائية اللبنانية هدى بركات تنسحب من لجنة التحكيم قائلة إن "رواية الرفاعي لا ترقى لمستوى القائمة الطويلة مما تسبب في تغيير اللجنة كلها" لكن فوز بركات بجائزة 2019 جعل البعض يفسره كنوع من الترضية لها بدليل أن بركات نفسها امتنعت عن ترشيح روايتها لكن اللجنة أصرت على ترشيحها.