"يني شفق": هكذا جرى التلاعب في انتخابات إسطنبول
تساءل الإعلامي والكاتب التركي حسن أوزتورك في مقال له نشرته صحيفة "يني شفق" التركية حول آخر التطورات في انتخابات بلدية إسطنبول وبالتحديد بلدية "بيوك تشكمجة".
وبدأ مقاله بقول، "هل رأيت خزان الصرف الصحي وقد غمرته مياه الفيضان في بيوك تشكمجة؟"، وهو سؤال مجازي يقصد به أن ثمة رائحة كريهة بدأت تنتشر في إسطنبول، لكنها لم تفح بشكل نهائي، في إشارة لعمليات التزوير التي وصفها الكاتب بأنها تلاعب أخلاقي بالانتخابات.
وكان أعضاء اللجنة العليا للانتخابات قد أجلوا النظر في الطلب المقدم بخصوص إلغاء نتيجة بيوك تشكمجة من طرف حزب العدالة والتنمية، بعد اجتماع استمر 3 ساعات، وأكد الحزب وجود تلاعب في سجلات الناخبين ونقل مواطنين وإضافة ناخبين وهميين.
هكذا تم التلاعب
وقالت مصادر إعلامية إن عاملين في السجل الانتخابي عمدوا إلى تزوير السجلات وإضافة ناخبين وهميين، مضيفة أن اثنين من هؤلاء تم إلقاء القبض عليهم؛ بتهمة تزوير ملفات ناخبين وإضافة آخرين وهميين.
وجرى الحديث حول زيادة أعداد الناخبين من 7 آلاف ناخب إلى 21 ألف ناخب وهمي، كما قام هؤلاء الشخصان بإجبار مواطنين على تغيير عناوين إقامتهم، لإعادة لترتيب سكان البلدية وقلب الأصوات لصالح الشعب الجمهوري.
وسرد الكاتب في مقاله عددا من الأدلة التي تؤكد أن ما حدث في بيوك تشكمجة تلاعب خطير لن يمس فقط بهذه البلدية بل بمستقبل كل إسطنبول.
وقال أوزتورك إن البيانات التي سردها رئيس بلدية إسطنبول مولود أويصال، وأيضا التي قدمها اللجنة العليا للانتخابات -وتفيد وجود تبديل كبير في قيود المواطنين السكنية في تلك الفترة التي استمرت من العام 2017-2019- تُظهر أن ما قام به هؤلاء الموظفون لم يكن اعتباطيًا، بل كان مقصودًا ومخططًا له بعناية فائقة.
وأردف قائلا، "بالفعل؛ فإن نفوس الناخبين في هذه البلدية، قد تم التلاعب فيها".
وأوضح الكاتب أنه تم اكتشاف التلاعب في سجلات الناخبين، وبدأ التحقيق فيها قبل حتى إجراء الانتخابات المحلية الأخيرة في 31 مارس/آذار، إلا أنه لم يفضي لشيء ملموس، والعملية الانتخابية لم تتوقف ومن ثم فقد تبعتها قوائم الناخبين الاحتيالية، ثم الاعتراضات بعد النتيجة غير كافية؛ بحسب اللجنة العليا للانتخابات، ولذلك فإن النتيجة واضحة ويعرفها الجميع.
ولفت الإعلامي التركي، إلى أن حزب الشعب الجمهوري قام بالفعل عبر النفوذ الذي يملكه أو حتى بالضغط على عناصره بتغيير الهيكل الديموغرافي في الكثير من بلدات ومناطق إسطنبول، ويرى أن هذه الخطوات ليست مشكلة قانونية بقدر ما هي مشكلة أخلاقية، مشيرًا إلى أن التحقيق مستمر في نتائج هذه الانتقالات وستصدر نتيجتها قريبة.
وانتقل الكاتب إلى نقطة مهمة، إذ يقول إن هناك مشكلة تقنية في الشبكة المستخدمة في إدارة النفوس ببلدية بيوك تشكمجة، إذ يدمج البرنامج بين السكان وعمل البلدية. ويخترع مثل هذا البرنامج ناخبا جديدا في نفس الوقت من خلال البرنامج على عنوان البلدية ويتم إنشاء الإقامة من خلال النظام، ثم يرسل رسالة إلى الناخبين الجدد على النظام وهنا أصل المشكلة كما يراها الكاتب.
علاقة منظمة غولن
وتساءل المقال "من الذي قام ببرمجة هذا البرنامج؟"، قبل أن يستدرك "منذ 1994 كان شريف علي تيكلان، يعمل كمستشار لرئاسة بلدية بيوك تشكمجة -وهو الآن يعيش في أمريكا ويقود سيارة فيراري- وهو نفس الشخص الذي عمل رئيسا لجماعة فاتح التابعة لمنظمة غولن".
وربط الكاتب بين هذا الأمر وبين الانقلاب الذي كان مستمرًا لسنوات في مركز القياس والاختيار والتنسيب ÖSYM الذي عمل المسؤول عنه، علي دمير، (معتقل حاليًا) على سرقة الأسئلة لأغراض خدمة منظمة غولن المنتمي إليها.
يذكر أن مركز القياس والاختيار والتنسيب هو الجهة المسؤولة عن تنظيم امتحان الالتحاق بالجامعة على المستوى الوطني ومسؤول أيضًا ونظام اختيار الطلاب والتنسيب والعديد من الاختبارات الأخرى واسعة النطاق في تركيا.
وتابع المقال، "لسنوات سرقت الأسئلة، وسرقت جهود شبابنا وأطفالنا. في عهد الرئيس الأسبق للمركز، وهو عنصر من عناصر منظمة غولن وهو الآن في السجن يقضي عقوبته". وأردف الكاتب، "دمير كان تيكلان، فكلاهما سرق مستقبل الشباب والأطفال لسنوات عبر تهريب الأسئلة من جهة والتزوير في الأوراق والمستندات".
وعاد أوزتورك ليشبه ما حدث في بيوك تشكمجة، بمياه الصرف الصحي التي لم تفح رائحتها بعد لكنها سوف تخرج يوما.
لا يمكن الحكم دون العدالة والتنمية
وذكّر الكاتب بثناء الرئيس رجب طيب أردوغان على رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، مولود أويصال، حين عاد الأول من روسيا في زيارته الأخيرة حيث قال "إنني أؤمن بمولود كما أؤمن بنفسي". متسائلا، "إذا كان العدالة والتنمية يعلم كل هذا فلماذا لم يتحرك بما ينبغي؟ والوضع حتى اللحظة هادئ وكأن شيئًا لم يكن؟".
في رده على هذا التساؤل، قال أوزتورك، "لقد قدم رئيس بلدية إسطنبول ما لديه من وثائق وبيانات مدعمة بالجداول والرسوم البيانية والأدلة، وهو نفسه ما قام به عناصر العدالة والتنمية المختصة بهذه المسألة، قُدمت هذه الأوراق إلى المحاكم واللجنة العليا للانتخابات واللجان المختصة وتبقى النتيجة الآن".
وشدد الكاتب في نهاية مقاله على أنه ومهما كانت نتيجة التحقيق، فإن ما يحدث في بيوك تشكمجة ليس عملا عاديا لشخص عادي، معتبرا أنها "جريمة نظمتها شبكة متكاملة وهذه الجريمة لن تؤثر فقط على هذه البلدية فحسب، بل على مصير إسطنبول كاملة".
ويرى الكاتب أن وفقًا لذلك كله فإن إعادة الانتخابات في إسطنبول أمر لا مفر منه.
واعتبر مراقبون أنه حتى لو كانت النتيجة هي فوز مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول، فإن البلدية لن تخرج كثيراً عن الخط والسياسات التي رسمها لها العدالة والتنمية طوال السنوات الماضية، وأن تأثير الشعب الجمهوري سيكون محدوداً ضمن بعض صلاحيات الرئيس التي لا سلطة للمجلس عليها أو ما يتم التوافق عليه بين الطرفين.
ويتوافق هذا الاستنتاج مع المادة 18 من قانون البلديات، التي تذكر بإسهاب صلاحيات المجلس البلدي، وتشمل التخطيط الإستراتيجي وبرامج العمل والاستثمار وإقرار الميزانية ومشاريع الإعمار والتعميمات الصادرة عن البلدية وغيرها.
وبالنظر إلى أغلبية العدالة والتنمية وتحالف الشعب في المجلس البلدي في إسطنبول، يمكن القول إن رئيس البلدية لا يمكنه العمل والإنجاز دون التشاور بل والتوافق مع العدالة والتنمية تحديدا، الذي يملك إمكانية تعطيل أو تأجيل أي مشاريع أو توجهات لا يرضى عنها وفق أغلبيته في المجلس.