الانتخابات فريضة شرعية وضرورة اجتماعية 

12

طباعة

مشاركة

الانتخابات من القضايا والنوازل الفقهية المستجدة، ولهذا كثر اللغط والجدال حولها، وبالتالي تحتاج إلى حكم شرعي باعتبارها وسيلة عصرية حديثة للوصول إلى مختلف مراكز تسيير شؤون الدولة والأمة من رئاسة وبرلمان ومجالس بلدي. وجرى العمل بالانتخابات في كل الدول، إلا أن المسلمين، وإن شئت قلت الإسلاميين، انقسمت آراؤهم بين حلال وواجب وحرام، ولهذا لابد من دراسة تأصيلية لها لمعرفة الحكم الشرعي فيها.

تعريف الانتخاب

يمكن تعريف الانتخاب؛ بأنه العملية التي يقوم بها المواطنون لاختيار من يمثليهم في السلطة التشريعية أو التنفيذية أو المؤسسات المحلية كالبلديات، وذلك من خلال التصويت الذي هو قيام المواطن باختيار أحد المرشحين أو مجموعة مرشحين حزب أو كتلة  لتمثله في الهيئات المنتخبة التي تتولى إعداد القوانين والتشريعات لتسيير شؤون الدولة. وغالبا ما يجري التصويت ضمن عملية انتخاب تتم على المستوى الوطني أو المحلي.

الانتخابات في التاريخ الإسلامي

يعتقد كثير من المسلمين أن الانتخابات نظام غربي لا علاقة له بالدولة الإسلامية والواقع، إن الانتخابات لها موضع قدم في التاريخ الإسلامي ومن أمثلة ذلك؛ 

أولا: عصر النبوة 

  •  بيعة النقباء، حين بايع الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجوا منكم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم بما فيهم

- عرفاء وفد هوازن، ذلك أن وفد هوازن جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفع إليهم فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم الناس في ذلك، فأشاروا بالرضا، فلم يكتف بذلك،

وقال: "إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم". ومن هنا يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالرجوع إلى الناس لاختيار من يمثلهم وينوب عنهم. 

 والنقيب هو العَريف أي هو ضامن القوم والشاهد عليهم. 

ثانيا: عصر  الخلفاء الراشدين

ا) البيعة العامة: حيث يبايع الناس الخليفة في المسجد. 

ب) مشورة عبدالرحمان بن عوف للناس لاختيار الخليفة، حيث مكث -أي عبدالرحمان- ثلاثة أيام يشاور الناس حتى استقر الأمر على عثمان رضي الله عنه وقال: (رأيت الناس لا يعدلون عن عثمان).

ج) اختيار علي كرم الله وجهه، حيث رفض أن تكون بيعته بيعة خاصة بل توجه إلى المسجد وقام فيه ينظر موقف الناس فبايعوه. 

ثالثا: عصر التابعين 

إن عمر بن هبيرة أوصى واليه على خرسان بأن يحرص على أن يكون تعيين عماله من قبل الناس، وقال له: "عليك بعمال العذر، قال وما عمال العذر؟ قال: مر أهل كل بلد أن يختاروا لأنفسهم، فإذا اختاروا رجلا فوله عليهم، فإن كان خيرا كان ذلك لصالحك، وإن كان شرا كان عليهم دونك وكنت معذورا"، أي خملتهم مسؤوليتهم.

وبناء على ما تقدم وغيره كثير  يمكن أن نلمس العلاقة بين هذه الوقائع وبين الانتخابات في عصرنا ، وأنها -أي الانتخابات- لها شواهد وجذور  في التاريخ الإسلامي.

العلاقة بين الانتخابات والبيعة

إن المتأمل في الانتخابات يلمس أن بينها وبين (البيعة) اشتراك وتوافق يتمثل في ما يلي:

  1.  البيعة والانتخابات كلاهما يقوم على الاختيار الفردي الحر.
  2. البيعة والانتخابات كلاهما يقوم على رأي الأغلبية.

والغاية أو القصد منهما هو الاتفاق على من يسوس البلاد والعباد.

العلاقة بين الانتخابات والشورى

  • الشورى؛ هي الرجوع إلى أهل الرأي والاختصاص في الأمور التي لا يوجد فيها نص شرعي واضح، للوصول إلى الأصلح للأمة والأنفع لها.

 وهذا يعني أن الشورى تكون بالرجوع إلى أهل الخبرة من أفراد الأمة ممن لهم معرفة وتجربة أو من أهل الاختصاص بالأمر موضوع الشورى، لهدف محدد وهو الوصول للرأي الذي يحقق المصلحة والنفع للأمة.

  • الانتخابات؛ تعتمد الانتخابات على الرجوع إلى عامة الناس من المؤهلين لذلك (البالغون غير المرضى مع شروط مدنية أخرى...) وهذا قصد معرفة من يختارونه.

وبما أن الانتخابات تقوم عاى معرفة أراء الناس، فهذا يجعلها شبيهة بالشورى، وهو ما ذهب إليه عديد الفقهاء والمفكرون المعاصرون، مثل أبو الأعلى المودودي في كتابه تدوين الدستور الإسلامي  وعبدالرحمان عبد الخالق في كتابه نظام الشورى في الإسلام، ودليلهم في ذلك ما يلي: 

أ) قوله تعالى: "والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون".. الشورى 38. فهذه تعني أن الشورى جاءت عامة لكل المسلمين ولم تحدد الآية فئة أو هيئة دون أخرى كأهل الحل والعقد مثلا وغيرهم.

ب) أن الشورى من الأمور الدنيوية التي تتعلق بسياسة الناس، ولهذا الأصل فيها الإباحة، ما لم يرد مانع بدليل شرعي. وتختلف طريقة آدائها باختلاف الزمان والمكان، والشورى ليست خاصة بـ(أهل الحل والعقد)، فقط كما يعتقد البعض بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم، استشار في مرات عامة الناس كما حصل في غزوة بدر مثلا وفي غيرها.

الخلاصة

الذين يحرمون الانتخابات ويرفضون المشاركة فيها؛

  • سندهم الشرعي ضعيف بل مردود، ومسألة (نظام غربي) التي يتشبثون بها هي حجة واهية.
  • النقطة الثانية وهي الأهم والأخطر، هم يضيعون على أنفسهم فرصة المشاركة في تسيير شؤون البلاد ويقصون الإسلام منها ويتركون المجال واسعا للذين قد يحكمونهم  بغير الإسلام ويفرضون عليهم أحكاما أخرى، فيتأسفون حين لا ينفعهم الندم. مثل ما يجري الأمر الآن في برلمانات بعض الدول الإسلامية حيث يطالب عديد من النواب فيها بإلغاء بعض أحكام الإسلام، وخاصة أحكام الأسرة كالميراث.

والرافضون للانتخابات وجدوا أنفسهم على التماس يتساءلون في حسرة وندتمة هل تم تمرير القانون أو لا؟

ولهذا عنونا هذه الورقة: الانتخابات فريضة شرعية:

لأن الانتخابات تمكنك من إيصال صوت الإسلام إلى دفة الحكم بطريقة يرتضيها ويسلم بها الجميع. ولأنها ضروة اجتماعية، إذ تمكنك الانتخابات من العيش في ظل الإسلام بلا ظغوطات ولا قيود ما دام الصندوق قد أفرز ذلك.

الكلمات المفتاحية