معهد فرنسي: هذه تفاصيل الهجرة المناخية.. هل تعترف بها الدول؟

12

طباعة

مشاركة

نشر موقع "المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والإستراتيجية"، تقريرا تحدث فيه عن الهجرة المناخية والعقبات التي تواجه المهاجرين وتحول دون الاعتراف بوضعهم.

وقال المعهد في تقريره إن "هناك عقبتان رئيستان أمام الاعتراف بوضعية اللجوء بسبب المناخ. العقبة الأولى: بسبب ما يسمي بالهجرات المناخية. والواقع أن هذه الهجرات لها أشكال مختلفة للغاية. بعضها مؤقت، كما هو الحال بعد وقوع كارثة طبيعية، والبعض الآخر دائم و متزايد، فعند التدهور البيئي (الجفاف، والتآكل، وتملح التربة، وارتفاع مستوي سطح البحر، وما إلى ذلك) تصبح الأراضي غير صالحه للسكن. وغالبا ما تكون الهجرة داخلية".

وأضاف: "لكن تحدث أحيانا تحركات عبر الحدود أيضا، وربما يخطط لبعضها مسبقا، والبعض الآخر عاجل نتيجة لكارثة، و لأن أسباب الهجرة متعددة و متداخلة، غالبا ما يكون مستحيلا، عزل العوامل الاقتصادية عن العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية، و التي تسهم أيضا في قرار الهجرة للفرد أو إلى تشريده القسري".

هل من حلّ سياسي؟

ولفت التقرير إلى أن "هذا التعدد في أنماط الهجرة، يجعل من الصعب تصنيف المهاجرين بسبب المناخ، ضمن مجموعه واحده، و بالتالي لا  يمكننا إنشاء وضع قانوني لهم، كما هو الحال بالنسبة للاجئين السياسيين المشمولين في اتفاقيه اللاجئين لعام 1951. ولذلك سيتعين على من يريد حل  سياسي أن يتأقلم مع هذه الحالات المختلفة، وأن تكون تلك الحالات مدروسة على الأصعدة المحلية والوطنية والدولية لكي تكون الحلول  فعالة. وينبغي أيضا مناقشة هذه الهجرات ليس فقط في المفاوضات الدولية بشان المناخ، ولكن أيضا ضمن القضايا المتعلقة بالهجرة والتنمية بصفة عامة".

وبخصوص العقبة الثانية، قال المعهد إنها "ذات طابع سياسي". وربما لا يكون الوقت مناسبا لتتوسع في الحقوق المحيطة بالهجرة في العالم، و بصفه خاصه في أوروبا، لأن  بلدان القارة القديمة تعاني من إدارة ما وصف بـ"أزمة هجرة" منذ 2015. قد أصبح أيضا من الصعب إجراء مناقشه رشيدة  بشأن الهجرة في أوروبا، لتزايد المخاوف والأوهام حول قضايا الهجرة، و التي تستغلها وتغذيها الحركات السياسية التي تدعو لكراهية الأجانب والحركات القومية التي تجعل من المهاجر كبش فداء لجميع العلل التي تعاني منها أوروبا حاليا.

وأوضح التقرير أن "أوروبا تنظر إلى الهجرة بمنظور أمني، حيث يعتبرون الشخص الغريب مصدر تهديد وغير مرغوب فيه. وهذا التصور، الذي يتزايد في أوروبا، يؤدي إلى اعتماد سياسات تقييديه ومهينة للمهاجرين، مما يحرم هؤلاء الافراد الحق في الكرامة واحترام حقوقهم الأساسية . وكذلك يمنع الآثار المفيدة للهجرة بالنسبة لكل من المجتمعات المضيفة والناشئة".

ورأى المعهد أنه "يبدو من المستحيل في أوروبا، و الولايات المتحدة وأستراليا وأماكن أخرى حليا، تطبيق  الفكرة القائلة بأن (الهجرة ظاهره هيكليه، لا مفر منها بل ومرغوب فيها، والتي سيضخمها آثار تغير المناخ، وأنه من الضروري إيجاد الوسائل و السياسات للاستفادة منها). وفي الوقت الراهن، ربما نفضل أن نغض الطرف، وأن لا نتصور أن هذه الهجرات ستحدث غدا، وأنه لا يزال لدينا الوقت للاستعداد لها، وعلينا تجنب حدوثها علي نطاق واسع. ولكن للأسف العوامل البيئية هي بالفعل سبب رئيسي للهجرة في العالم اليوم؛ لقد كانت دائما وستزداد بطريقه متنامية في السنوات القادمة".

ميثاق مراكش.. هل يُلزم؟

وبخصوص اعتماد الأمم المتحدة ميثاقا "للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة" الذي أقر في مراكش المغربية، وإمكانية الحد من معاناة المهاجرين، قال التقرير إن "ميثاق مراكش يعترف، بأن ملايين الناس يضطرون إلى مغادره موطنهم الأصلي بسبب تغير المناخ والكوارث الطبيعية، وأن لهم الحق في الحماية والمساعدة واحترام كرامتهم وحقوقهم أكثر من أي شخص آخر في العالم، أيا كان، مهاجرا أو غير مهاجر".

وأكد المعهد أن هذه هي المرة الاولى التي يعتمد فيها، على الصعيد الدولي، نصا بشأن الهجرة، ينص على "أن  تغير المناخ يعد سببا من أسباب الهجرة، إلى جانب الصراعات وعوامل الهجرة الأخرى".

ومع ذلك، يؤكد التقرير أنه عبارة عن نص يسمي "بالقانون غير الملزم"، أو القانون اللين، وهو ما يعني أنه ليس له قيمة ملزمة للدول ولا ينشأ عنه أي حقوق جديده للمهاجرين. وهو يكتفي بالتذكير بالمبادئ الأساسية، مثل احترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يجب أن يطبق على الجميع دون تمييز، كما يذكر أيضا بوضع سلسلة من التوصيات والممارسات الجيدة لتشجيع التعاون الدولي لتحقيق إدارة أكثر فاعلية، وربما أكثر إنسانية، للهجرة الدولية.

وأضاف: "كان هناك الكثير من التضليل الإعلامي بشان هذا الاتفاق، الذي يجادل منتقدوه، على نحو خاطئ تماما، بأنه سيؤدي إلى موجه من الهجرة إلي أوروبا وعدم احترام سيادة الدول فيما يتعلق بمراقبه حدودها وأدارتها. وهذا غير صحيح تماما، لأن هذا الاتفاق ليس إلا إعلانا بسيطا للمبادئ دون إلتزام قانوني على الدول".

ونددت العديد من المنظمات غير الحكومية بالطابع المعتدل للميثاق، وبافتقاره إلى الطموح. ولكن للأسف، علا صوت تلك الأوهام، و نجحت حملات التضليل، فقد شهدنا في الآونة الأخيرة القرارات المتعاقبة التي اتخذتها عشرات الدول بعدم التوقيع على الاتفاق، بما في ذلك الولايات المتحدة و عدد من الدول الأوروبية، وعليه سيتقلص عدد الملتزمين والداعمين لهذا الاتفاق، وفقا للتقرير.

هل هناك مبادرات؟

وحول ما إذا كانت هناك مبادرات لمراعاة هؤلاء المهاجرين، قال المعهد إن "موضوع الهجرة كان من المحرمات منذ فتره طويلة واستبعد من المفاوضات التي جرت في مؤتمر التغيرات المناخية السابق. و كان علينا الانتظار حتى الدورة السادسة عشره لمؤتمر التغيرات المناخية الذي انعقد في كانكون في 2010 لكي يعالج الموضوع  بحق ويدرج أخيرا كجزء من المناقشات".

وبيّن أن "اتفاق باريس، و الذي تم اعتماده في مؤتمر التغيرات المناخية في دورته 21 في باريس في 2015، قد قرر إنشاء مجموعة عمل، مسؤولة عن وضع توصيات لمنع أو خفض وتيرة حالات نزوح السكان بسبب تغير المناخ. ومجموعة العمل هذه  تعد جزء من اللجنة التنفيذية الدولية لوارسو، المعنية بالخسائر والاضرار المتصلة بآثار تغير المناخ".

وتابع التقرير: "بعد ثلاث سنوات من العمل ، سلمت هذه التوصيات إلى الدول في الدورة 24 لمؤتمر التغيرات المناخية و التي أقرتها. وهي تتعلق باعتماد نهج متكامل لمنع هذه الهجرات والحد منها، حيثما كان ذلك ممكنا ومرغوبا فيه، من خلال جمله أمور، منها تدابير التأقلم مع الهجرة، أو التعامل معها، حيث ستحدث حتما. وعلى وجه الخصوص، يشجع الفريق الدول علي تنفيذ آليه، للتخطيط والتشاور والتنسيق، ترمي إلى وضع سياسات جديده، وتعزيز المعرفة، من خلال جمع بيانات أفضل لظاهرة نزوح السكان، و كذلك تعزيز التعاون الإقليمي والدولي".

وأشار إلى أنه "خارج مؤتمر التغيرات المناخية ، هناك أيضا منصة الهجرة المتعلقة بالكوارث الطبيعية التي أنشئت في 2016. والتي أنشأت لمشاركة الدول في تنفيذ جدول اعمال الحماية الذي اعتمدته 109 دوله في أكتوبر/تشرين الأول 2015. و ذلك لتحسين شروط حماية النازحين خارج حدود بلدهم الأصلي نتيجة لكارثة طبيعية. ومرة أخرى ، هذا نص غير ملزم ، ولكنه يسير في الاتجاه الصحيح ويبرهن علي أن الحلول السياسية أخذه في الظهور تدريجيا لتأخذ في الاعتبار حالات تشريد السكان بسبب المناخ".

واختتم المعهد تقريره بالقول: "لا يزال هناك شوط طويل يتعين قطعه لتقديم إجابات لتحديات المناخ والهجرة، ولكن يمكننا أن نفرح بالفعل لأننا نرى مسالة الهجرة المناخية تحظى باعتراف متزايد وتعالج بشكل مختلف والدليل على أن العقبات السياسية، برغم كثرتها، إلا أنها بدأت في التناقص".