المكتبات العربية في إسطنبول.. ملتقى المثقفين وعشاق القراءة
تحرص سارة، وهي شابة مصرية مقيمة بإسطنبول تعمل صحفية، كلما وجدت من الوقت متسعاَ على حضور اللقاءات الثقافية التي تنظمها إحدى المكتبات العربية بالمدينة أسبوعيا.
اللقاءات تكون مع كاتب أو مفكر، ويحضر الجمع عدد كبير من المتابعين للشأن الثقافي العربي؛ الذين استقر بهم المقام في أكثر المدن التركية تعداداَ سكانياَ. يناقش الحضور موضوعات لها علاقة بالثورات العربية والشعر والأدب والتنمية البشرية والدين أيضا.
حسب قول الشابة لـ "الاستقلال" فإن هذه اللقاءات "تبقيها على وصل مع ما يجري في بلدها من أحداث، وكل ما هو جديد في المجال الثقافي والأدبي، خصوصا وأنها تعيش في تركيا منذ سنوات، ولا تتمكن من زيارة مصر إلا على فترات متباعدة".
هذه المكتبة ليست الفضاء الثقافي الوحيد في إسطنبول، فهناك مكتبات أخرى توفر خدمة القراءة المجانية لزائريها، بينما تقتصر أخرى على بيع الكتب. طريق الكتاب من الدول العربية حيث يؤلف ويطبع، ليس معبّدا، إذ يتعلق الأمر بالشحن ومصاريف الجمارك، وفي الغالب يحاول أصحاب المكتبات تقاسم أعبائها مع القارئ.
تسجل هذه المكتبات، وعددها لا يتجاوز العشرين مكتبة، إقبالا ملحوظا، خاصة من الطلاب والباحثين، عربا أو دارسين باللغة العربية. وتتحول يوما بعد آخر من وظيفة تلبية احتياج ثقافي ودراسي إلى حلقة تواصل بين عرب تركيا، بالأخص مثقفيهم.
تقول فاطمة سلام، شابة مغربية تعيش في المدينة: إن "المكتبات العربية تبقينا على قيد لغتنا العربية من جهة وعلى قيد أوطاننا من جهة أخرى؛ إذ تلعب دورا تواصليا نحتاجه بشدة في الغربة".
هذا الدور التواصلي يتشعب، حسب سلام، إلى أن تصبح المكتبات العربية في إسطنبول "عنوانا ثقافيا للكتاب والمبدعين أيضا، فيتواصلون مع قرائهم عبرها، ويتواصلون مع بعضهم البعض في ما يمكن وصفه بحراك ثقافي في بلاد المهاجَر".
من يقرأ؟
أجمع أصحاب المكتبات أن الشريحة الأكثر توافداً عليهم هي الشباب، وهؤلاء غالبا ما يهتمون بالروايات. وتوضح المشرفة على الشبكة أن الناشئين ابتداء من سن 15 سنة يلتفتون بكثرة إلى الأدب العالمي المترجم، فيما توجّه الأسر المحافظة أولادها إلى الأدب الإسلامي مثل الأديب نجيب الكيلاني.
تلاحظ المشرفة تشجيعا كبيراً من طرف العائلات بسبب نشأة أولادها في بلد غير عربي.
ولا تخلو أروقة الشبكة العربية من طلبة أتراك خصوصا من جامعة إسطنبول قسم اللغة العربية؛ الذين يجرون بحوثا عن كتّاب عرب أغلبهم من المغرب ومصر والسودان.
تقتصر المكتبة على البيع، ولا توفر خدمة القراءة المجانية، لكنها توفر فضاء للقراءة يمكّن للزوار تبادل الكتب فيه، وقراءة كتبهم الخاصة. وهناك إقبال كبير على هذا الفضاء أحيانا كثيرة يصل الأمر إلى عدم وجود مكان للجلوس.
وتنظم المكتبة كل سبت لقاء مع كاتب أو صحفي أو ناقد أو شاعر، يحضره المهتمون.
للترويج لجديد المكتبة تعتمد الشبكة العربية على صفحاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعية؛ اعتبارا منها أنها تشغل حيزا كبيرا في حياة الفرد في الغربة، وهناك إقبال على المكتبة ولقاءاتها من خلال هذه الصفحات.
يقول صاحب مكتبة دار روائع الكتب بإسطنبول: إن"القارئ العربي يبحث أكثر عن كتب الموارد البشرية وتطوير الذات وبناء الشخصية".
ولفت إلى الإقبال على كتب تعليم الناشئة اللغة العربية، وكذا الروايات، خاصة من الفئة العمرية بين 15 و24 سنة، بالنظر لسعرها المنخفض.
يتراوح سعر الرواية الواحدة بين 25 و30 ليرة، أي أرخص من سعرها في الخليج، مقابل افتقار الجاليات العربية لمعرفة أعلامها التراثية مثل الشيخ الطنطاوي الذي جمع في مؤلفاته بين الثقافة والسياسة والأدب والفن.
السعر أولا
الصلة مع الكتاب تعتريها عوائق كبيرة في بلد غير عربي، وغير ناشر للكتب باللغة العربية، أبرزها غلاء الأسعار.
تقول سلام: "أحصل على الكتب من المغرب، ورغم أنني أومن بأنه يجب الإنفاق على الثقافة؛ إلا أنني أيضا أراعي قدرتي الشرائية في ذلك، وأسعار الكتب في إسطنبول أو في غيرها تصبح عائقا أمام القراءة بشكل عام".
وتتفهم المتحدثة أن للشحن متطلباته "إلا أن الأمر يصبح تجاريا بحتا؛ عندما يتم استغلال إلحاح الطلب أمام قلة المعروض، وهو ما يجب أن ينظّم".
من جهتها تقول هيا علي، بحرينية تتابع دراستها في الأدب، ومهتمة بكتب الشعر واللغة، إن الكتب تستحق كل المبالغ التي تصرف عليها من خلال المسار الذي تقطعه، ومن الطبيعي أن تكون أسعارها مرتفعة في بلد غير عربي.
وتضيف: "بالنسبة لي فإن دور النشر عندما تشحن الكتب والمؤلفات المختلفة؛ توفر تنوعا للقارئ لم يكن موجودا قبل ذلك".
قانون الربح والخسارة والعرض والطلب له مبرراته، حسب تصريح صاحب مكتبة "كتاب سراي" بمنطقة الفاتح، إذ يقول: "لأن بيروت تطبع والعالم يقرأ، فإن دور النشر، وتوفيرا في تكلفة الشحن تتشارك في شحنة واحدة، من لبنان أو القاهرة بالإضافة للأردن والخليج، وهذا أمر متعب يقع على كاهل أصحاب المكتبات، لكن شغفهم بالمهنة يجعلهم يستمرون".
لا يتفق أصحاب المكتبات رغم قلتهم على التسعيرة، لكن أسعار الكتب تبقى معروفة ومتقاربة بفضل توحيد تسعيرتها من دور النشر.
القراءة للجميع
توفر مكتبة "توتيل" التي نقلت مقرها من شارع حربية إلى الفاتح؛ باعتبارها المنطقة التي تعرف أكبر تجمع عربي بالمدينة، خدمة القراءة في عين المكان، التي يحكي مديرها بنبرة من التفاؤل أن الإقبال على الكتب أفضل مما كان عليه قبل سنتين ونصف.
وأشار إلى أن هذا الإقبال يتوزع بين العرب المقيمين، والسياح الذين يبحثون عن الكتب المترجمة أو النادرة أو الممنوعة في بلدانهم، وأن 70 بالمئة من قراء المكتبة هم من الباحثين عن الروايات المترجمة.
تعتمد "توتيل" على التخفيضات في المناسبات؛ لتمكين المقيمين وأغلبهم لاجئون وطلبة أو شباب، من اقتناء الكتب التي ترفع الضرائب وتكاليف الشحن من أسعارها.
ويوضح المتحدث أن الروايات هي الأرخص، و يبدأ سعرها من 25 إلى 50 ليرة (الدولار يساوي نحو5.40 ليرة)، في حين أن الكتب السياسية ودواوين الشعر، وتصدر في مجموعة مجلدات، تكون أسعارها مرتفعة تبدأ من 120 ليرة للمجلد الواحد، كما أن الإقبال عليها ضعيف.
اقرأ دون أن تشتري
تضم مدينة إسطنبول حوالي 20 مكتبة عربية بين شاملة ومتخصصة، تتمركز معظمها في منطقة الفاتح، وهو ما يساعد على الترويج للكتب والمراجع المختلفة التي تعرضها رفوف هذه المكتبات.
توقع المشرفون على المكتبة والمقهى الثقافي "كتاب سراي" منذ افتتاحه في 2008، أن يكون الإقبال على الكتب بنسبة 30 بالمئة مقابل 70 بالمئة على المقهى. "تفاجأنا بالعكس فمنذ يوم افتتاحنا كان الإقبال على الكتب بشكل أكبر"، حسب المتحدث.
يحرص المسؤول عن المكتبة على توفير مختلف الكتب والمؤلفات في مجالات السياسة والأدب والدين والاقتصاد؛ مراعاة للجمهور العربي، لافتا إلى أن الروايات تحتل صدارة الكتب الأكثر مبيعا، تليها كتب الفكر والسياسة، ثم مصنفات الثقافة الإسلامية التي تحظى باهتمام كبير.
أما عن الأسعار المرتفعة للكتب، فيجدها المتحدث مبررة بالنظر إلى المسار الشاق الذي تقطعه، إلى جانب انخفاض قيمة العملة التركية (الليرة) مؤخرا، والذي كان له أثره على سوق الكتب كما باقي المنتوجات. وأضاف: "اضطررنا لجلب عدد محدود من الكتب، وإذا اعتبرنا الكتاب سلعة تجارية فإن حركتها أبطأ من أي سلعة أخرى، ونسبة الأرباح فيها أقل".
قارئ خاص
لا تشتري سارة، كتبها إلا من الشبكة العربية، كما تعودت في الإسكندرية، وترى أن جودة الورق والطبع تستحق صرف مبلغ إضافي، وإن كانت تجد أسعار الكتب المعروضة في حدود المعقول.
تفتح المكتبة المتخصصة في الكتب الفكرية، فرعا في القاهرة والإسكندرية وفي الدار البيضاء ثم آخر بإسطنبول، وتم الافتتاح بتونس في حين توجد دار النشر ببيروت.
غالبا ما يتوافد على الشبكة العربية للأبحاث والنشر، التي يقع مقرها في الشارع الرئيسي لمنطقة الفاتح، باحثون ومفكرون وأساتذة جامعيون، بحسب إحدى المشرفات عليها، فيما يغري قسم الروايات القراء المبتدئين.
توفر المكتبة الروايات الجديدة والأشهر والحاصلة على الجوائز، ويكون شحن الكتب من مصر ولبنان، أما الكتب الفلسفية وبحوث الجامعات فتأتيهم من المغرب.
تبيع المكتبة بنفس سعر المصدر، في حين لا يتجاوز سعر الشحن دولاراً أو دولارين على الكتاب الواحد وهو مبلغ رمزي، بحسب المتحدثة؛ حتى يتمكن القراء من شرائها.
لكن هذه الأسعار أحيانا تكون عالية بالنسبة للقارئ؛ نظرا لمستوى أجور العرب في تركيا، لذا يحاول القائمون على الشبكة توفير الشحن مجاناً مع بعض العروض.