رغم رفض شعبي لتواجدها.. هذا ما تفعله السعودية في المهرة

منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تتوقف الاحتجاجات الشعبية منذ أن وطئت القوات السعودية مطار الغيضة بمحافظة المهرة في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 ضمن تحركات عسكرية مفاجئة، استفزت أبناء المهرة وكل القوى المدنية والسياسية في المحافظة.

وزادت حدة الاحتجاجات عندما قتل مواطنان من أبناء المهرة برصاص قوات سعودية أثناء تفريقها لاحتجاجات رافضة لاستحداث نقطة عسكرية سعودية في منطقة الأنفاق، فيما عرف بحادثة الأنفاق الشهيرة، ما دفعهم للتصعيد الشعبي وتنظيم اعتصامات تطالب برحيل القوات السعودية. 

كان الهدف الذي أعلنت عنه السعودية وبررت به تدخلها في اليمن هو القضاء على الانقلاب وإعادة الشرعية، لكن المهرة كانت بعيدة عن مركز الصراع بآلاف الكيلومترات، إذ لم يصل إليها الحوثيون، كما كانت السلطة فيها خاضعة، بالكليّة، للحكومة الشرعية.

تحركات مكشوفة

بالنسبة لأبناء المنطقة فإن التحركات السعودية لم تعد مشبوهة، بل مكشوفة تماما، يقول أحمد بلحاف، عضو اللجنة الإعلامية لاعتصامات المهرة، إنّ "السعودية لها أجندة لا علاقة لها بالقضاء على الانقلاب، ولا علاقة لها باستعادة الدولة، وهي تسعى لتقويض الدولة وإضعاف السلطة الشرعية".

وفي الوقت الذي كان يفترض أن تعمل السعودية على تقوية الدولة وتثبت دعائم السلطة الشرعية، عملت على إنزال ترسانة عسكرية في تصرف ينتهك السيادة الوطنية، وسيطرت على مطار الغيضة، المطار الوحيد في المحافظة، أوقفت بعد ذلك الحركة الملاحية فيه بشكل تام، وحولته لثكنة عسكرية.

ثم سيطرت على مينائي شحن وصرفيت، الميناءين البريين اللذين يربطان اليمن بسلطنة عمان، وأحكمت قبضتها على ميناء نشطون البحري، ومنعت حركة الملاحة والصيد فيه وقامت باستحداث مواقع عسكرية وأمنية في المحافظة. 

حظيت التحركات الشعبية بتأييد سياسي من أحزاب عدة في محافظة المهرة، حيث عبرت أحزاب "المؤتمر" و"البعث" و"الرشاد" و"الناصري"، في بيان مشترك لها، عن رفضها لوجود القوات السعودية في المحافظة، وعدت ذلك انتهاكا للسيادة الوطنية، وطالبت بخروج القوات السعودية والاستجابة الفورية لأبناء المهرة، وقد شكلت تلك التحركات ضغطا شعبيا وسياسيا أجبر القوات السعودية والقوات الموالية لها، مؤخرا، على الانسحاب من معسكر خفر السواحل شرق المحافظة، بعد يومين من السيطرة عليه. 

التحركات السعودية

إلى جانب سيطرتها وتحركاتها العسكرة والأمنية، عملت السعودية، منذ اليوم الأول، على إنشاء كيانات موازية على عدة مستويات، تعمل جميعها خارج مؤسسات الدولة الشرعية، فعلى المستوى الشعبي عملت على إنشاء مجلس قبلي مواز للمجلس العام الرافض للتواجد السعودي، الذي يرأسه السلطان عبد الله آل عفرار، في محاولة منها لشق الصف الشعبي والمجتمع القبلي المتماسك لأبناء المهرة، الذي شكل خلال الفترة السابقة قوة ضاغطة رافضة للتواجد السعودي.

إضافة إلى ذلك، قامت القوات السعودية بجلب "مليشيات" من خارج المحافظة، معظمهم من المطلوبين أمنيا وأصحاب السوابق، للدفع بهم في مواجهة المعتصمين والمحتجين. 

وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، قام المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات في عدن بتأسيس وإنشاء مجلس انتقالي في المهرة، يعمل خارج مؤسسة الشرعية، وفي تصريح حديث لوكيل محافظة المهرة لشؤون الشباب، بدر كلشات، حذر فيه من تحركات المجلس الانتقالي في المهرة ومساعيه في تكوين قوات أحزمة أمنية ونخبة مهرية، على غرار الكيانات التي أنشأتها الإمارات في عدن والمكلا وشبوة، موضحا أن المجلس فتح باب التسجيل للالتحاق بالمعسكرات، وينسق مع "عناصر متطرفة" للقيام بأعمال إرهابية في المحافظة. 

وأشار تقرير حقوقي صادر عن مكتب حقوق الإنسان في المهرة التابع لوزارة حقوق الإنسان، إلى أن "السلطات السعودية ارتكبت انتهاكات في المهرة، الأمر الذي أدى لإقالة مدير المكتب بالمحافظة علي بن عفرار وإحالته للتحقيق". 

وكان تقرير صادر عن لجنة الخبراء التابع للأمم المتحدة في أغسطس/ آب من العام 2018 قد أكد تورط الحزام الأمني في عدن بارتكاب جرائم حرب محتملة، وانتهاكات بحق القانون الدولي الانساني، وأعمال عنف تراوحت بين اختطاف وتعذيب واغتصاب، نفذتها قوات الحزام الأمني التي ترعاها الإمارات العربية المتحدة، بحسب نص التقرير. 

وعملت السعودية على إقالة أبرز المسؤولين الرافضين للتواجد السعودي، فأقالت المحافظ السابق، محمد بن كدة، وعينت راجح باكريت، الرجل الذي عرف بولائه لها ، كما أقالت وكيل محافظة المهرة، علي الحريزي، الرجل الأبرز في تنظيم الاحتجاجات الرافضة للتواجد السعودي، وأصدرت مذكرة اعتقال بحقه بتهمة زعزعة الأمن والاستقرار، إلى جانب إطلاق قناة فضائية من العاصمة الرياض، باسم "المهرة"، وتعمل، بحسب متابعين، على تطبيع التواجد السعودي في المحافظة .

الأجندة السعودية في المهرة

تبرر السعودية تواجدها في المهرة بضبط الأمن والحد من عمليات تهريب الأسلحة للحوثيين عبر ميناء نشطون البحري وميناءي شحن وصرفيت البريين، وتتهم أطرافا إقليمية بتسهيل مرور أسلحة للحوثيين، في إشارة لسلطنة عمان ، لكن مسؤولين يمنيين يتهمون السعودية بأجندة لا علاقة لها بضبط الأمن، فوكيل المحافظة السابق، علي الحريزي، يقول إن لديه معلومات تثبت أن السعودية تحركها أطماع توسعية وتريد الحصول على منفذ بحري إلى بحر العرب، عبر مد أنبوب نفطي من منطقة الخرخير حتى ميناء نشطون البحري.  وكان أبناء المهرة قد قاموا في وقت سابق بإزالة تجهيزات لقواعد خرسانية خاصة بمد أنبوب نفطي  تنوي السعودية إنشاءه.

تفسر تلك النوايا التحركات السعودية والانتشار الأمني الواسع في المحافظة، ويبدو أن السعودية من خلال تلك الأجندة تحاول تفادي التهديدات المستقبلية الإيرانية التي تسيطر على مضيق هرمز، وتعمد إلى خلق بدائل وتوسيع خيارات استراتيجية، لتجاوز مضيق هرمز كخيار مستقبلي، خصوصا في ظل الحديث عن قناة مائية تربط الخليج ببحر العرب.

وفي الوقت الذي كان بإمكان السعودية تنفيذ مشاريعها الاستراتيجية بطرق مشروعة لا تنتهك السيادة اليمنية ولا تضاعف من تعقيدات الأزمة، فإنها تعمد إلى فرض مشروعها عبر إضعاف الدولة وتقويض السلطة الشرعية وممارسة ضغوطات على الرئيس هادي والحكومة الشرعية، الأمر الذي خلق صراعا مع أبناء المحافظة، وتسبب بنشوء حرب ناعمة مع سلطنة عمان، التي اعتبرت التواجد السعودي في محيطها الإقليمي تهديدا لأمنها القومي، وفقا لمختصين بالشأن اليمني.