بين توترات الغرب وبريكس وتنافس أميركا والصين.. البرازيل في مفترق طرق

"يجب على البرازيل أن تلعب دورا محوريا لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب"
في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين الغرب ومجموعة بريكس، وصراع النفوذ بين الولايات المتحدة والصين، تواجه البرازيل تحديا معقدا للحفاظ على استقلالية قرارها الإستراتيجي.
وبينما تسعى لتحقيق التوازن بين القوتين العظميين، تبدو رهاناتها على تعزيز التحالف مع أوروبا، التي تعاني من أزمات متلاحقة، غير مثمرة، وفق ما يقول موقع "نادي فالداي" الروسي.
ولفت إلى أنه مع تصاعد الضغوط الغربية على دول البريكس، خاصة روسيا وإيران، باتت البرازيل أكثر حذرًا في مواقفها داخل التكتل السياسي الاقتصادي الذي تأسس عام 2006 ويضم أيضا الهند والصين وجنوب إفريقيا وإيران ودولا أخرى.
فهل تستطيع البرازيل المناورة بذكاء للحفاظ على دورها الفاعل، أم أنها ستجد نفسها مجبرة على الانحياز لطرف دون الآخر؟

سياسة عدم الانحياز
وقال الموقع الروسي إنه "رغم النجاح الدبلوماسي الذي حققته البرازيل تجاه مجموعة العشرين عام 2024، يبقى التساؤل حول جدوى هذه المبادرات في ظل التاريخ غير المشجع للوعود الغربية".
ومع ذلك يؤكد أن عام 2024 شهد إشارات على عودة البرازيل إلى لعب دور أكثر فاعلية داخل المجموعة، حيث دافع الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بقوة عن تقليل الاعتماد على الدولار في التجارة الدولية.
ويحاول دا سيلفا في ولايته الرئاسية الثالثة استعادة الأهمية العالمية للسياسة الخارجية البرازيلية، كما كان الحال خلال فترات حكمه السابقة (2003 - 2010) ورئاسة ديلما روسيف (2011 - 2016).
ومع ذلك يقول الموقع: إن البلاد شهدت منذ عام 2016 تغييرات كبيرة على الصعيدين الداخلي والدولي، مما يثير تساؤلات حول "قدرة البرازيل على استعادة دورها الريادي الجيوسياسي".
وداخليا، يعتمد لولا على ائتلاف واسع من الأحزاب، من بينها أحزاب يمينية وسطية ذات مصالح وثيقة مع القوى الغربية.
كما أن نفوذ حزب العمال الحاكم، الذي كان تاريخيا يركز على تعزيز العلاقات مع الجنوب العالمي، قد تراجع في رسم السياسة الخارجية.
بالإضافة إلى ذلك، يلفت الموقع إلى تصاعد التوترات بين القوى الغربية وبعض أعضاء مجموعة بريكس، خاصة روسيا وإيران اللتين تواجهان ضغوطا من حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وبين أن هذا الأمر إلى جانب عدّ الصين "تهديدا منهجيا"، أدى إلى تبني البرازيل موقفا أقل نشاطا تجاه "بريكس"، رغم أنها كانت من مؤسسيها وأحد محركاتها الرئيسة.
وفي عام 2024، يقول "نادي فالداي": إن السياسة الخارجية البرازيلية تميزت بالتزام قوي بمجموعة العشرين وتوقيع اتفاقية الاتحاد الأوروبي والمشاركة المحدودة في "بريكس" خلال رئاسة روسيا للمجموعة.
ويتماشى هذا النهج مع مفهوم "عدم الانحياز النشط"، الذي تتبناه وزارة الخارجية البرازيلية.
ومن ناحية أخرى، في ظل الاستقطاب العالمي المتزايد، تسعى البرازيل إلى تحقيق توازن بين الولايات المتحدة والصين وحلفائهما.
فيما يبدو أن وزارة الخارجية تركز على تعزيز العلاقات مع أوروبا، رغم أن القوى الأوروبية الرئيسة، مثل ألمانيا وفرنسا، تعاني من تراجع وتواجه أزمات اقتصادية وسياسية متتالية.
ورغم أن هذا المبدأ الجديد يقوم على فكرة عقلانية مفادها أن البرازيل يجب ألا تنحاز تلقائيا إلى أي من المعسكرين، فإنه يبدو غير فعال في الممارسة العملية.
ويوضح الموقع أن "ذلك لم يحقق مكاسب كبيرة للبلاد في وقت تحتاج فيه إلى إعادة التصنيع والتنمية المستدامة، الأمر الذي يتطلب من السياسة الخارجية البرازيلية التحلي بجرأة أكبر في البحث عن تحالفات اقتصادية وسياسية مفيدة".
علاوة على ذلك، وبصفتها أكبر دولة في أميركا اللاتينية، يعتقد الموقع أنه "يجب على البرازيل أن تلعب دورا جيوسياسيا محوريا في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب".
في المكان الخطأ
وفي هذا السياق، يشير إلى أن البرازيل بذلت جهودا هائلة لتنظيم قمة مجموعة العشرين لعام 2024.
كما طرحت بعض الابتكارات في شكل القمة، من بينها تنظيم "مجموعة العشرين الاجتماعية"، والتي أتاحت مساحة غير مسبوقة لمشاركة عشرات منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك العديد من الحركات الشعبية واسعة الانتشار.
وهنا يقول الموقع: إنه "رغم تعرض الحكومة لانتقادات بسبب عدم إيلائها اهتماما كافيا للنقاشات التي أجرتها هذه المنظمات، إلى جانب السماح بتأثير مفرط للمؤسسات القادمة من الشمال العالمي، فإن هذه المبادرة كانت جهدا جديرا بالثناء".
ولفت إلى أنه يجب تكرار هذه المبادرة خلال رئاسة جنوب إفريقيا لمجموعة العشرين، وكذلك خلال رئاسة البرازيل لمجموعة بريكس في عام 2025.
ومن ناحية أخرى، يوضح الموقع أن الإنجاز الأكبر للبرازيل في مجموعة العشرين يُعد بلا شك إنشاء "للتحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر".
إذ تمكن الرئيس لولا دا سيلفا من تجاوز الاستقطاب حول قضية أوكرانيا، التي هيمنت على القمتين الأخيرتين لمجموعة العشرين في إندونيسيا والهند، وطرح أجندة إيجابية.
لذلك يمكن القول: إن "البرازيل حققت انتصارا دبلوماسيا داخل مجموعة العشرين"، وفق الموقع.
علاوة على ذلك، منذ إطلاق "التحالف العالمي"، انضمت إليه على الفور 82 دولة، بالإضافة إلى الاتحادين الإفريقي والأوروبي و24 منظمة دولية و9 مؤسسات مالية دولية و31 منظمة خيرية وغير حكومية.
كما أعلن البنك الأميركي للتنمية عن تمويل بقيمة 25 مليار دولار، بينما وعدت مؤسسة تنمية الأنديز "CAF" بتقديم 22 مليار دولار.
ويضيف الموقع كذلك أن البنك الدولي أعلن عن قروض منخفضة الفائدة، فيما تعهَّدت البرازيل بتمويل نصف آليات تشغيل التحالف بحلول عام 2030.
ومع ذلك يرى أن الإنجازات الدبلوماسية البرازيلية لا تعفى من طرح سؤال جوهري: “ما الفرص الحقيقية لكي يبدأ هذا التحالف العالمي العمل فعليا ويسهم في القضاء على الجوع والفقر في العالم؟”
وهل يمكن لمجموعة العشرين أن تصبح منصة للتعاون بين دول الشمال والجنوب العالمي؟
ويجيب الموقع أن التجربة الحديثة للأسف لا توفر أسبابا كافية للتفاؤل، والسبب الرئيس وراء ذلك بشكل واضح هو "مجموعة السبع G7".

وعود غير منفذة
وفي قمة مجموعة السبع لعام 2021 في بريطانيا، أعلن قادة الدول الغنية عن مبادرة غير مسبوقة تحت اسم "إعادة البناء بشكل أفضل للعالم"، والتي وعدت باستثمارات بقيمة 40 تريليون دولار لصالح الدول النامية بحلول عام 2035.
وكان الهدف المعلن لهذه المبادرة واضحا؛ وهو منافسة مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، التي عُدَّت غير شفافة وغير مستدامة.
وتصدر هذا الإعلان عناوين الأخبار عالميا، ولكن بعد بضعة أشهر، اختفى الحديث عنه تماما.
وفي عام 2022، خلال قمة مجموعة السبع في ألمانيا، أعاد القادة صياغة المشروع بحجم أكثر تواضعا، وأطلقوا عليه اسم "الشراكة العالمية للاستثمار في البنية التحتية"، مع تعهدات بتقديم 600 مليار دولار بحلول عام 2027.
ولكن مرة أخرى، لم يكن هناك شيء سوى التصريحات الرنانة، على حد وصف الموقع الروسي.
علاوة على ذلك، في قمة المناخ "كوب 27" التي عُقدت في مصر عام 2022، ذكر لولا دا سيلفا الدول الغنية بأنها وعدت، خلال نفس القمة عام 2009، بتقديم 100 مليار دولار سنويا بدءا من عام 2020 لمكافحة تغير المناخ، مشيرا إلى أن هذا الوعد لم يوف به.
وفي المقابل، ينقل الموقع الروسي عن مقال نُشر في أبريل/ نيسان 2024 من قبل مجلس العلاقات الخارجية، أنه بقيادة الولايات المتحدة اُستثمر أكثر من 300 مليار دولار في النزاع الأوكراني.
أي أنه في غضون عامين فقط أنفق "الناتو" ما يقرب من ثلث ما استثمرته الصين في مبادرة "الحزام والطريق" خلال عشر سنوات.
وهذا "يوضح الأولوية الفعلية لمجموعة السبع، والتي تتمثل في السعي لخنق أي دولة تجرؤ على تحدي هيمنة واشنطن وبروكسل".
وهو السلوك نفسه الذي تنتهجه مع روسيا، المعروفة بتقديم بدائل وتشجيع نماذج مغايرة للهيمنة الغربية، بحسب الموقع.
وتأتي هذه الحقائق بالتزامن مع تصاعد الاستقطاب داخل مجموعة العشرين وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو المعروف بعدم إيمانه بالمؤسسات متعددة الأطراف.
وهنا يرى الموقع أنه "من الصعب تصديق أن مجموعة العشرين ستصبح منصة فعالة للتعاون الدولي قادرة على معالجة التحديات الاقتصادية الرئيسة التي تواجه الدول النامية".
ومن المرجح -وفقا له- أن تظل المجموعة مجرد مساحة للحوار بين "الغرب الجماعي" والأغلبية العالمية، وهو أمر مهم بالفعل في ظل المخاطر المتزايدة لنشوب حرب عالمية.
ولكن بالنسبة للأغلبية العالمية، لن تكون مجموعة العشرين منصة إستراتيجية، بل مجرد أداة تكتيكية مؤقتة، بحسب ما يؤكده الموقع الروسي.

استعادة الدور القيادي
وبالحديث عن تولي البرازيل رئاسة "بريكس"، يقول الموقع الروسي: إن "توليها المجموعة تزامن مع خبر سار، وهو انضمام إندونيسيا كعضو كامل العضوية عاشر في المجموعة، بينما لا تزال السعودية مترددة بشأن انضمامها".
أعلنت البرازيل عن أولوياتها، التي تشمل تعزيز التجارة والاستثمار بين دول "بريكس" من خلال أنظمة دفع جديدة، وتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي وتحسين تمويل مكافحة تغير المناخ وتعزيز التعاون الصحي بين دول الجنوب العالمي، إلى جانب تعزيز البنية المؤسسية للمجموعة.
وهذه قضايا إستراتيجية وفق ما يراه الموقع، لكنّ هناك شكوكا حول "ما إذا كان الوقت كافيا لإجراء مفاوضات فعالة مع بقية الأعضاء".
وفي هذا السياق، يلفت إلى أن قمة "بريكس" مقررة في ريو دي جانيرو في النصف الأول من يوليو/ تموز 2025.
كما تستضيف البرازيل قمة المناخ "كوب 30" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، وهو ما يستدعي توزيع الجهود الدبلوماسية بشكل متوازن.
وبالحديث عن الموقف البرازيلي داخل مجموعة "بريكس"، يسلط الموقع الروسي الضوء على أنه قد شهد تحولات في الفترة الأخيرة.
ففي أبريل/ نيسان 2023، خلال مراسم تولي ديلما روسيف رئاسة البنك الجديد للتنمية، ألقى الرئيس لولا دا سيلفا خطابا عاطفيا تساءل فيه: "لماذا يجب على دول العالم استخدام الدولار في معاملاتها التجارية؟"، داعيا دول "بريكس" إلى تطوير بدائل نقدية مستقلة.
وبعد بضعة أشهر، وقبيل قمة "بريكس" في جوهانسبرغ، صرح سيلسو أموريم، مستشار لولا للشؤون الدولية ووزير الخارجية الأسبق، بأن "العالم لم يعد يستطيع الخضوع لإملاءات مجموعة السبع".
وأثناء المفاوضات بين قادة مجموعة "بريكس"، ألح دا سيلفا على إدراج قضية إيجاد بدائل لهيمنة الدولار في البيان الختامي.
بل إنه قرأ شخصيا الإعلان عن تشكيل فريق عمل يضم وزارات المالية والبنوك المركزية، على أن يقدم تقريره إلى القادة في العام التالي، ما أعطى انطباعا بأن البرازيل تعود لقيادة المجموعة بقوة.
ولكن في عام 2024، بدا أن البرازيل تقلل من اهتمامها بالمبادرات التي طرحتها الرئاسة الروسية لبريكس.
وهنا، يشير الموقع إلى وجود تكهنات حول ضغوط خلف الكواليس من الغرب الجماعي على البرازيل للحد من انخراطها في المجموعة.
علاوة على ذلك، كانت التغطية الإعلامية في البرازيل، التي تهيمن عليها وسائل الإعلام الكبرى الموالية لواشنطن، سلبية للغاية تجاه المجموعة، ما يزيد الضغط على الحكومة البرازيلية.
ومع ذلك، يقول الموقع: إن "وزارة الخارجية البرازيلية لا تزال في تصريحاتها العلنية تؤكد أهمية اتخاذ خطوات ملموسة في المنتديات متعددة الأطراف".
وفي النهاية، يلفت إلى وجود بعض الآمال في أن تستغل البرازيل رئاستها لدفع مبادرات عملية تعزز التعاون داخل مجموعة "بريكس".
واختتم بالتأكيد على أن "الأغلبية العالمية بأسرها تترقب عودة البرازيل إلى موقعها القيادي داخل المجموعة".