لماذا حذر زعيم الحركة القومية من "بنية موازية جديدة" تهدد أمن تركيا؟

منذ ١٦ يومًا

12

طباعة

مشاركة

زعيم حزب الحركة القومية في تركيا، دولت بهتشلي، وجّه في 11 سبتمبر/ أيلول 2025 تحذيرا شديد اللهجة بشأن ما وصفه بـ"احتمال وجود كيان موازٍ جديد" داخل مؤسسات الدولة.

وقال بهتشلي في تصريح صحفي: إن تنظيم فتح الله غولن الإرهابي -المسؤول عن محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/ تموز 2016- تمكن في السابق من التغلغل في أدق أجهزة الدولة.

وحذر من أن "هناك ضرورة عاجلة للتساؤل عما إذا كان قد نشأ كيان جديد يستغل قضايا الجريمة والعقاب لخلق الفوضى داخل المجتمع التركي".

استغلال التحذيرات

ونشرت صحيفة "حرييت" التركية مقالا للكاتب نديم شينير، ذكر فيه أن "اللافت أن تحذيرات بهتشلي لم تحظَ بتغطية واسعة في وسائل الإعلام المحلية؛ إذ لم تتحول إلى عناوين رئيسة للصحف ولم تفتح لها نقاشات موسعة على شاشات التلفزيون". 

وأضاف "بل على العكس، جرى توظيفها من قِبل بعض الكتاب المقربين من حزب الشعب الجمهوري لإظهار وجود (شرخ في تحالف الشعب) بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، وهو ما عدته أوساط قومية محاولة لتشويه الحقائق وإثارة البلبلة".

وتابع الكاتب: "في 14 سبتمبر 2025، دخل نائب رئيس الحركة القومية وبرلماني كهرمان مرعش، إسماعيل أوزدمير، على خط الأزمة عبر حسابه في منصة إكس؛ حيث كتب: بدلا من عقلية ترى أن مهمتها مشاركة البيانات الإحصائية، يجب أن تكون لدينا إدارة تتبنى الأبطال وتمنع أي حالة ضعف".

وقد فُهمت هذه الرسالة على أنها موجهة مباشرة إلى وزارة الداخلية، في إشارة إلى انتقاد طريقة إدارتها للملفات الأمنية.

في اليوم التالي 15 سبتمبر عزّز هذا الخطابَ مستشار بهتشلي الرئيس ونائب مدينة عثمانية روحي إرسوي، الذي نشر مقالا للكاتب القومي يلدراي تشيتشك في صحيفة توركغون بعنوان "آثار الكيان الموازي الجديد"، وأرفقها برسالة أكد فيها أن "هناك انطباعات جدية بأن نظاما ما يُنشأ لجرّ تركيا من الداخل إلى الفوضى عبر إشاعة انعدام الأمن".

وحذّر تشيتشك من أن “أي تسلل لعناصر مرتبطة بجهات أجنبية أو منظمات إرهابية إلى مؤسسات الدولة قد يعيد سيناريوهات مشابهة لمحاولة انقلاب 15 يوليو 2016، فضلا عن إشاعة الفوضى وزعزعة استقرار المجتمع”.

وقال الكاتب شينير: إن تحذيرات بهتشلي ومعاونيه أعادت إلى الواجهة سؤالا حساسا في تركيا، هل هناك بالفعل محاولات لإعادة إنتاج "كيان موازٍ" داخل الدولة بعد “تجربة منظمة غولن المريرة؟”.

من جهة أخرى، يرى محللون أن بعض الأطراف تحاول استغلال هذه التحذيرات لخلق صورة عن "خلاف داخل تحالف الشعب" الذي يجمع حزب العدالة والتنمية بالحركة القومية منذ سنوات.

واستدرك شينير: “لكن الرسالة المركزية لبهتشلي تبقى واضحة، الحذر من أي اختراق جديد داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية؛ لأن تجاهل هذه المؤشرات قد يعرّض البلاد لأزمات وجودية تمسّ أمنها القومي واستقرارها الداخلي”.

ضباط أُبعدوا

ولفت الكاتب التركي إلى أن “التعيينات الأخيرة داخل جهاز الشرطة أثارت  جدلا سياسيا وإعلاميا؛ حيث سارع بعض الكتاب المقربين من حزب الشعب الجمهوري إلى تقديمها بصفتها مؤشرا على وجود شرخ داخل تحالف الشعب”.

وشدد على أن “خلف الكواليس تبدو القضية أعمق بكثير من مجرد خلاف حزبي”. 

وتشير المعطيات إلى أن “معظم الضباط الذين جرى تهميشهم أو إبعادهم في العامين الأخيرين كانوا من الأسماء التي كرّست نفسها لمواجهة تنظيمي غولن وحزب العمال الكردستاني (بي كا كا)”. 

وهؤلاء لم يظهروا فجأة بعد تأسيس تحالف الشعب عام 2016، بل وقفوا إلى جانب الدولة منذ "أحداث 17/25 ديسمبر 2013"، عندما حاولت عناصر تابعة لتنظيم غولن في القضاء والشرطة إسقاط الحكومة عبر عمليات ملفقة.

كما تصدوا بشجاعة لأحداث حفر الخنادق وتمرد “بي كا كا” عام 2015؛ حيث خاضوا مواجهة ميدانية شرسة دفاعا عن وحدة البلاد، يؤكد شينير.

ومن أهم الأمثلة، تورغوت أصلان، الذي كان رئيس دائرة مكافحة الإرهاب في الشرطة ليلة 15 يوليو 2016. 

وقد أصيب أصلان برصاصة ما زالت موجودة في رأسه من قبل الانقلابيين داخل قيادة الدرك، وقبلها بعام، كان يقاتل “بي كا كا” في الخنادق ثم عاد مباشرة إلى أنقرة لمواجهة الانقلابيين.

حسن ييت، أحد أبرز رموز الكفاح ضد حزب العمال الكردستاني ومنظمة غولن، تولى رئاسة دائرة مكافحة الإرهاب لمدة سبع سنوات، وقاد جهود تطهير تركيا من الإرهاب بين 2016-2023.

محمود تشوروملو وأوغوزهان يونجا، وقفا إلى جانب الدولة ضد منظمة غولن خلال "أزمة 17/25 ديسمبر" بينما كان كثيرون يتوارون عن الأنظار.

مصطفى تشاليشقان، مدير شرطة إسطنبول خلال أحداث 17/25 ديسمبر، قاتل ببسالة ليلة 15 يوليو، لكنه أُبعد لاحقا بتعيينه في منصب شكلي كنائب لمدير الأمن العام.

سيناريو مشابه 

وأشار الكاتب التركي إلى أن الأسماء المذكورة أعلاه ليست سوى الجزء الظاهر من الصورة؛ هناك العشرات من "الأبطال المجهولين" في شعب الاستخبارات ومكافحة الإرهاب والتهريب الذين أسهموا في تفكيك تنظيم غولن وفضح جرائمه أمام الرأي العام.

وهؤلاء لم يكتفوا بالعمل داخل مكاتبهم، بل نزلوا إلى الشوارع ليلة الانقلاب لمواجهة الانقلابيين مباشرة.

وأفاد شينير بأن “المفارقة أن بعض الضباط الذين تهربوا من المسؤوليات في تلك المرحلة أو كانت لهم صلات عائلية بتنظيم غولن (حتى إن من بينهم من استخدم تطبيق باي لوك الشهير) جرى ترقيتهم إلى مناصب عليا داخل الشرطة”.

ورأى أن “تصوير التغييرات في جهاز الشرطة على أنه خلاف بين العدالة والتنمية والحركة القومية ليس سوى تبسيط مضلل. فزعيم الحركة القومية بهتشلي لا يعرف معظم هذه الأسماء، وهم أيضا لا يعرفونه”.

ومع ذلك، فإن الضباط الذين أُبعدوا لم ينقلبوا على الدولة، بل قبلوا بتعيينات شكلية مثل وظائف "مفتشين رئيسين"، واستمروا في أداء واجباتهم مؤكدين مبدأ "استمرارية الدولة".

وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: إن تحذير بهتشلي الأخير يكتسب أهمية خاصة في هذا السياق. فهو لم يقل: "لماذا أُبعد هؤلاء الضباط؟"، بل وجّه إنذارا أكبر بقوله: "هناك كيان مواز جديد يُبنى داخل الدولة".

وتابع: “بهذا التصريح يعيد بهتشلي فتح ملف بالغ الحساسية: إذا كان اختراق مؤسسات الدولة من قِبَل منظمة غولن قد قاد إلى محاولة الانقلاب الدموي عام 2016، فإن تجاهل المؤشرات الحالية قد يفتح الباب أمام سيناريو مشابه في المستقبل”.