بعد 3 سنوات من رحيل سلفه.. ماذا وراء تعيين إيران سفيرا لدى الحوثيين؟

يوسف العلي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة جاءت بعد ثلاث سنوات من وفاة سفيرها السابق لدى الحوثيين، حسن إيرلو، أعلنت طهران تعيين خليفة للأخير يدعى علي محمد رضائي في صنعاء، التي تسيطر عليها المليشيات الموالية لإيران منذ عام 2014، بعد الانقلاب على السلطات الشرعية في البلاد.

وأفادت وكالة "مهر" الإيرانية للأنباء، في 1 سبتمبر/ أيلول 2024، بأن "علي محمد رضائي سفير إيران في صنعاء، قدم أوراق اعتماده لرئيس المجلس السياسي الأعلى اليمني، مهدي المشاط، وأن الأخير أكد تقديم المؤسسات اليمنية المعنية كل التسهيلات للقيام بمهمة رضائي".

أهداف إيرانية

وبخصوص دلالات تعيين إيران سفيرا لها في صنعاء، قال رئيس مركز "المخا" اليمني للدراسات، عاتق جار الله، إن "هذه الخطوة تأتي في إطار أشمل من التوترات على الحالة اليمنية، وربما يشير إلى وجود فتور بين العلاقة السعودية الإيرانية، مما قد ينعكس فعلا على الأرض".

ورأى جار الله في حديث لـ"الاستقلال" أن "إقدام إيران على تعيين سفير في صنعاء التي تسيطر عليها الحوثي، هو مؤشر على عدم رغبة طهران بالدخول في تسوية سياسية أو دفع الحوثيين إلى تقديم تنازلات والتوصل للتسوية في اليمن".

وأشار إلى أن "إيران ربما تنظر إلى أنه من مصلحتها إبقاء الحوثيين جماعة مسلحة بعيدا عن إطار الالتزامات القانونية والدستورية والسياسية، وبالتالي حتى تبقى على ما هي عليه بعيدا عن التسويات السياسية والتقارب مع السعودية، وأيضا لتقوم بدور عسكري معين في البحر الأحمر".

ولفت إلى أن "إيران أهدت هذه الورقة (السفير) إلى الحوثيين حتى تبقي على قنوات الاتصال مقطوعة أو ضعيفة مع هذه الجماعة والسعودية، إضافة إلى الحيلولة دون التوصل إلى اتفاق سياسي يمني".  

ونوه جار الله إلى أن "الحكومة الشرعية اليمنية استطاعت خلال المدة الماضية أن تقنع النظام السوري لإلغاء السفارة بينه وبين الحوثيين، لأن الأخيرة كانت قد عيّنت سفيرا لها في دمشق".

وتابع: "بعد تعيين الحوثيين سفيرا في دمشق، ضغطت السعودية على النظام السوري، وبالتالي سحب النظام الاعتراف بالسفير، لكن رغم ذلك بقيت العلاقة بين المليشيات الإيرانية والسورية قائمة حتى الآن".

وعن تأثير تعيين سفير على التهدئة في اليمن، قال جار الله إن "العلاقة بين السلطة الشرعية والحوثيين وكذلك بين السعودية والحوثي، متأرجحة وتشهد تعثرات، فهناك اتفاق على المبدأ العام بوقف القتال وترك المجال للعمل السياسي، لأن الكل أنهك عسكريا، ولم يعد يرغب في عودة المعارك".

وتراجعت حدة القتال في الأراضي اليمنية بشكل ملحوظ بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار، الذي توسّطت فيه الأمم المتحدة، ودخل حيّز التنفيذ في أبريل/ نيسان 2022، إذ لا تزال هذه الهدنة سارية إلى حد كبير حتى بعد انتهاء مفاعيلها في أكتوبر من العام نفسه.

وبين الباحث أن "هناك تعثرات في خارطة السلام في اليمن، والتي لا تزال بمراحلها الأولى، وهي بناء الثقة، رغم كل ما قدمته السعودية من فتح مطار صنعاء وتوسيع الجهات الدولية الواصلة إليه، وتخفيف التفتيش في ميناء الحديدة، إضافة إلى وقف قرارات البنك المركزي اليمني في تضييقه على بنوك صنعاء".

وأردف جار الله قائلا: "كذلك الحوثيون توقفوا عن استهداف السعودية وإشعال المعارك داخليا بمستوى أعلى من الوتيرة التي كانت عليها- لأن الاقتتال لم يتوقف حتى الآن- لكن لا يوجد انفجار عسكري حقيقي، بل بالعكس فتحت الحوثي الطرقات الموصلة إلى محافظة البيضاء وكذلك في تعز".

ورأى أن "هذه علامات على وجود التهدئة، لكن في الوقت ذاته هناك مؤشرات للتوترات، مثل استهداف الحوثيين لمحطة صافر الغازية، والتراشق الإعلامي بين بعض الإعلاميين المقيمين بالرياض وآخرين في مسقط، والكل يعرف أن سلطنة عمان مسيّر أساسي للتسوية في اليمن".

وخلص رئيس مركز "المخا" للدراسات اليمنية إلى أن "الكثير من المؤشرات التي تدل على التوترات في اليمن منها ما يتعلق بالاقتصاد والمرتبات وصولا إلى تعيين السفير الإيراني لدى الحوثيين".

ظروف تصعيدية

من جهتها، قالت الباحثة في الشأن الإيراني، أمل عالم: "إذا قارنا بين ظروف الإعلان عن وجود سفير إيران السابق لدى مليشيا الحوثي حسن إيرلو، في صنعاء، وبين الإعلان الحالي عن وجود سفير إيراني جديد، نجد أن الكثير من السياقات تتشابه، أبرزها التوتر الحاد في العلاقات الأميركية- الإيرانية، وارتفاع احتمالية نشوب صدام مباشر".

وأوضحت عالم لقناة "بلقيس" اليمنية في 29 أغسطس، أنه "بعد اقتحام المليشيا الموالية لإيران السفارة الأميركية في بغداد، ورد واشنطن باغتيال الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، وتصعيد واشنطن ضغوطها على طهران، واستهداف نفوذها في سوريا ولبنان، عيّنت إيران حسن إيرلو، سفيرا لها في صنعاء عام 2020، وهي محاولة إيرانية لاستعراض قوتها في اليمن، واستثمارها بشكل علني".

في الوقت ذاته، تضيف الباحثة، أنه "يمكن قراءة الإعلان عن السفير الإيراني الجديد في ظروف مشابهة، فهناك توتر حاد جدا في العلاقات الأميركية- الإيرانية، واحتمالات وجود صدام مباشر مع طهران عالية جدا، وهناك استهداف دقيق للنفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، وعلى مستوى قيادات كبيرة، بالإضافة إلى اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية في طهران".

بالمقابل، تشير الباحثة إلى "أنباء عن عروض تقدَّم لإيران لعدم الرد، والتصعيد في المنطقة، وهنا مرة أخرى إيران بحاجة إلى توظيف نفوذها في اليمن، للاستثمار في الترتيبات القادمة، والحفاظ على نفوذها الإقليمي، في المرحلة القادمة بعد انتهاء الحرب في غزة، وهذا الأمر يحتاج إلى وجود سياسي وتنسيق بعيدا عن الوجود العسكري".

وفي السياق ذاته، يرى الكاتب السياسي اليمني، نشوان العثماني، أن "المشروع الفارسي في المنطقة العربية السنية لا يمكن له أن يتراجع، أو أن يصدق في أي اتفاق سلام محتمل".

وأوضح العثماني لصحيفة "إندبندنت عربية" في 1 سبتمبر، أن "إيران تريد تعزيز مصالحها ولديها حاليا ثلاث دول عربية ونصف دولة، فنصف اليمن ضمن سيطرتها"، متسائلا: “كيف لإيران أن تتخلى عن مشروع الإمامة السلالي، وهو الذراع الأكثر تأثيرا وطاعة لها على أهم ممر دولي في العالم؟”

وتابع: "لن تعبأ طهران بأي شيء على الإطلاق إلا بأن تحقق مصالحها، وقد أصبح من السهل جدا أن توصل سفيرها هذه المرة على متن طيران اليمنية الذي انقسم أخيرا بين صنعاء وعدن". 

ولفت العثماني إلى أن "الشرق الأوسط أصبح لعبة عبثية بيد المشروع الفارسي الشيعي، وفي اليمن لن يجدي أي اتفاق سلام على الإطلاق، والمجدي فقط تحييد هذه النسخة الأخيرة من الإمامة عبر مقاومتها، أو المزيد من تراخي الحكومة اليمنية وحلفائها، وإذا كان السلاليون الحوثيون قد سيطروا على كل هذه المساحة المكتظة بالسكان والسلاح يمنيا، فغدا من الممكن أن يصلوا لأبعد من اليمن".

وكان الحوثيون قد أعلنوا عام 2019 عن تعيين سفير لهم في طهران، للمرة الأولى، في خطوة عدتها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا أنها تشكل "انتهاكا سافرا" للقوانين الدولية.

ويرى مراقبون أن إجراء طهران بتعيين سفير في صنعاء، ربما يكرّس حال التوغل الإيراني في اليمن والمنطقة ضمن سلوك دبلوماسي فريد من نوعه حول العالم، يخالف بروتوكول القانون الدولي بالتعامل مع مليشيا انقلبت على السلطة في اليمن عام 2014 بدعم وإشراف مباشر منها.

ودفعت إيران بشخصية عسكرية كسفير لها لدى الحوثيين، إذ إن علي محمد رمضاني مثل سلفه الراحل حسن إيرلو، فهو ضابط في الدفاع الجوي للحرس الثوري، وليس له علاقة بالعمل السياسي والدبلوماسي.

مؤشرات حرب

ويأتي تعيين طهران سفيرا لها لدى صنعاء، في ظل تحذيرات أطلقتها مواقع محلية يمنية عن "مخطط" لمليشيا الحوثي المدعومة من إيران، يستهدف محافظات يمنية عدة، إضافة إلى الحدود مع السعودية، من شأنه أن يفجر حربا جديدة في الأراضي اليمنية.

وكشف موقع "المشهد اليمني" في 21 يونيو/ حزيران 2024، أن "مليشيا الحوثي تحشّد عسكريا في باتجاه محافظة مأرب والساحل الغربي، وذلك بالتزامن مع تصعيد اللهجة الحوثية الرسمية نحو حرب قريبة، قد تتعدى الحدود اليمنية".

فيما كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في 16 يونيو، عن السر وراء احتفاظ مليشيا الحوثي قدراتها العسكرية من الأسلحة والمعدات الكافية لشن هجمات متواصلة بالبحر الأحمر.

وأفادت بأنه "رغم الضربات الأميركية التي قوَّضت إلى حد ما قدرات الحوثيين، تمكنت المليشيا من إيجاد طرق جديدة لجلب المعدات التي تحتاج إليها من إيران"، كما قال مسؤولون غربيون وحوثيون.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول غربي (لم تكشف هويته) أن "مليشيا الحوثي، بدلا من جلب الأسلحة مباشرة من إيران، وجدت طرقا جديدة عبر جيبوتي الواقعة شرقي إفريقيا".

ولفتت إلى أن الأسلحة تنتقل من الموانئ الإيرانية إلى السفن التي تنطلق نحو جيبوتي، قبل تحركها إلى اليمن. كما يستخدم الحوثيون لبنان كمركز لشراء قطع غيار الطائرات المسيّرة، التي تأتي من الصين.

وبحسب الصحيفة، فإن "رحلة الأسلحة الإيرانية تنطلق من إيران إلى جيبوتي ثم إلى اليمن".

بينما تتدفق قطع غيار الطائرات من دون طيار من الصين إلى لبنان ومنها إلى اليمن أيضا، لتمر ترسانة الحوثي برحلة عبر 4 دول تنتهي في الأراضي اليمنية.

ولفتت إلى أن "تلك المعدات تجتمع في يد الحوثيين، مشكّلة ترسانة المليشيا التي تستهدف بها السفن في البحر الأحمر منذ أشهر".

ويواصل الحوثيون شن هجمات بالبحر الأحمر وبحر العرب، تقول إنها تستهدف السفن المتجهة إلى إسرائيل أو المرتبطة بها، لدعم الفلسطينيين في غزة التي تتعرض لعدوان إسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ومنذ يناير/كانون الثاني 2024، توجه الولايات المتحدة مع بريطانيا وأكثر من 20 دولة متحالفة معهما، مئات الضربات الجوية على الحوثيين، في محاولة لوقف هجمات الأخيرة على السفن في البحر الأحمر.