عقب تهديد حزب الله.. لماذا يخشى لبنان من توتر العلاقة مع قبرص؟
“تلعب قبرص دورا كبيرا في جلب الحزم المالية إلى لبنان من التكتل الأوروبي”
في وقت تجمع فيه لبنان وقبرص، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي "علاقات متينة"، تلقت الجزيرة الصغيرة في البحر الأبيض المتوسط تهديدا مباشرا من حزب الله الداخل ضمن التصعيد مع إسرائيل منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
فقد حذر زعيم حزب الله حسن نصر الله في خطاب متلفز في 19 يونيو/حزيران 2024 قبرص من السماح لإسرائيل باستخدام مطاراتها وقواعدها.
تهديد قبرص
وقال نصر الله "يجب أن تحذر الحكومة القبرصية من أن فتح مطاراتها وقواعدها للعدو الإسرائيلي لاستهداف لبنان يعني أنها أصبحت جزءا من الحرب وستتعامل معها المقاومة على أنها جزء من الحرب".
وجاء تهديد قبرص القريبة جغرافيا التي تبعد أقل من 200 كيلومتر عن لبنان، بعد الكشف عن معلومات تلقاها الحزب تفيد بأن إسرائيل التي تجري سنويا مناورات في الجزيرة الصغيرة، قد تستخدم المطارات والقواعد القبرصية لمهاجمة بيروت، حال استهداف المطارات الإسرائيلية.
وقال إنه عندما يفتح "العدو حربا مع لبنان فإن كل سواحله وشواطئه وموانئه وبواخره وسفنه ستكون مهددة، وهو يعرف أنه ليس قادرا أن يدافع عن كيانه أمام معركة بهذا الحجم".
وجاءت مواقف نصرالله غداة إعلان الجيش الإسرائيلي "الموافقة" على خطط عملياتية لهجوم في لبنان.
إذ توعد وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس في 18 يونيو بالقضاء على حزب الله حال اندلاع "حرب شاملة"، على وقع استمرار التصعيد على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة منذ أكثر من ثمانية أشهر.
ورد الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس على تهديدات حزب الله في تصريحات قال فيها إن "جمهورية قبرص ليست متورطة بأي شكل من الأشكال في هذه الحرب".
وشدد خريستودوليدس على أن قبرص "جزء من الحل وليست المشكلة"، مؤكدا أن بلاده لعبت دورا "اعترف به العالم العربي والمجتمع الدولي بأسره" في فتح ممر بحري يسمح بإيصال المساعدات الإنسانية من الجزيرة إلى غزة.
وشكلت تصريحات حزب الله "التحذيرية" لقبرص خشية من تدهور العلاقة مع لبنان، لا سيما أن البلدين تجمعهما اتفاقيات ثنائية وأخرى مرتبطة بترسيم الحدود البحرية لم تكتمل بعد وبحاجة لمفاوضات جدية.
إذ يرى المراقبون أن أي توتر بين لبنان وقبرص سينعكس سلبا على بيروت، لا سيما أن الاتحاد الأوروبي سيساند نيقوسيا ضد أي تهديد لأمنها.
كما انتقد خصوم حزب الله في لبنان محاولات توسيع دائرة الحرب نحو قبرص، دون العودة إلى الدولة اللبنانية بوصفها صاحبة قرار السلم والحرب.
خشية لبنانية
إذ انتقدت وسائل إعلام لبنانية محاولات حزب الله تعكير الأجواء مع قبرص التي تجمعها ببيروت علاقات اقتصادية وثنائية فضلا عن وجود جالية لبنانية كبيرة تقيم وتستثمر في هذه الجزيرة الصغيرة.
ويعول لبنان الذي يواجه أزمة اقتصادية خانقة منذ عام 2019 أدت لفقد الليرة 90 بالمئة من قيمتها، على الاستكشافات الغازية والنفطية وتعزيز التعاون مع دول شرق المتوسط وخاصة قبرص واليونان للاستثمار في مجال الطاقة.
وترى بيروت أن هذه واحدة من الخطوات الضرورية لمعالجة الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعصف بهذا البلد.
وفي رد على التهديدات، أوردت صحيفة "النهار" اللبنانية، أن السفارة القبرصية علقت العمل بنظام منح التأشيرات، بدءا من تاريخ 20 يونيو 2024، في أول رسالة ضغط على اللبنانيين الذي يقصدون الجزيرة الصغيرة بكثرة وتعد بوابة اقتصادية لكثير من رجال الأعمال اللبنانيين.
وقبرص على الرغم من أنها ليست عضوة في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فإنها عضوة في الاتحاد الأوروبي، وتجمعها تحالفات قوية مع الغرب، وثمة مصالح دولية وغربية فيها.
إذ يلزم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الدفاع عن بعضها بعضا في حالة الهجوم، وهذا ما ينطبق على قبرص التي يبلغ عدد سكانها حوالي 920 ألف نسمة.
فحتى لبنان يخشى من تدهور العلاقات الدبلوماسية مع قبرص بعد التحذير العلني الذي أطلقه حزب الله عبر زعيمه حزب الله.
لا سيما أن قبرص تطالب لبنان بتعديل الحدود البحرية بينهما وفق الخط 23، الذي جرى الاتفاق عليه في اتفاقية الترسيم التي وقعت بين الطرفين في 27 أكتوبر 2022.
وتمتلك قبرص، التي تطمح لأن تصبح لاعبا رئيسا في مجال الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، منطقة اقتصادية حصرية رئيسة، مقسمة إلى 12 كتلة وربما غنية بالغاز.
ولهذا تحركت وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية على الفور عقب تصريحات نصر الله، لتفادي أزمة دبلوماسية مع قبرص.
وفي هذا السياق، أجرى وزير الخارجية اللبنانية، عبدالله بوحبيب اتصالا بنظيره القبرصي كونستانتينوس كومبوس، وأعرب له عن تعويل لبنان الدائم على "الدور الإيجابي الذي تلعبه قبرص في دعم استقرار المنطقة".
"وسيط جيد"
ويأتي ترتيب اللبنانيين بجزيرة قبرص في المرتبة الأولى من بين خامس جنسيات تستثمر اقتصاديا هناك.
إذ توجد تسهيلات كبيرة في قبرص لحملة الجنسية اللبنانية، حيث يقيم هناك أكثر من 60 ألف لبناني ويستحوذ رجال أعمال لبنانيون على سوق العقارات في هذا البلد المجاور.
واستورد لبنان من قبرص سلعا وبضائع بقيمة 447 مليون دولار عام 2023، بينما صدّر إليها ما قيمته 129 مليون دولار في العام ذاته.
وفي هذا الإطار، أكد الصحفي اللبناني سمير عاصي، أن "الدولة اللبنانية الغارقة في أزمات مركبة وتواجه فراغا في الرئاسة منذ أكتوبر 2022 لا تريد توسيع دائرة التوتر نحو قبرص خشية حدوث عزلة دولية محتملة ضدها".
وأضاف عاصي لـ"الاستقلال"، أن “الحكومة اللبنانية تربطها علاقة قوية بقبرص التي تعد وسيطا جيدا بين بيروت والاتحاد الأوروبي”.
وبين أن قبرص "تلعب دورا كبيرا في جلب الحزم المالية من الاتحاد الأوروبي إلى لبنان سواء للتعامل مع أزمة اللاجئين أو لدعم بعض مؤسسات الدولة اللبنانية".
وهناك اتفاقية ثنائية وقعتها قبرص مع لبنان المجاور عام 2004 تلزم بيروت بمنع ووقف المعابر الحدودية غير الشرعية والهجرة غير النظامية للأفراد الذين يغادرون شواطئها التي تعد منصة مهمة للوصول إلى أوروبا.
وأشار عاصي إلى أن "مؤسسات لبنان الرسمية لها تعاون وثيق مع قبرص سواء من ناحية التعاون لمنع وصول المهاجرين إلى الدولة الأوروبية، فضلا عن تقديم الجزيرة دعما للقوات المسلحة اللبنانية".
وذهب للقول: “أي تصعيد من حزب الله تجاه قبرص سينعكس سلبا على الدولة اللبنانية التي تحاول الحفاظ على علاقة جيدة مع الاتحاد الأوروبي في ظل الانهيار الاقتصادي والحاجة للدعم الأوروبي في أكثر من ملف”.
لا سيما أن لبنان كان يعول على توقيع اتفاقية للحد من الهجرة غير النظامية إلى أوروبا مقابل موارد مالية من الاتحاد الأوروبي حيث تلعب قبرص دورا في ذلك نظرا لكونها المتضرر الأكبر من تدفق المهاجرين إليها، وفق عاصي.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أعلنت مطلع مايو/أيار 2024 من بيروت عن مساعدات بقيمة مليار يورو دعما "لاستقرار" لبنان، معولة على "التعاون الجيد" من أجل مكافحة عمليات تهريب اللاجئين انطلاقا من السواحل اللبنانية.
وقالت خلال مؤتمر صحفي حينها إثر لقائها الرئيس القبرصي، ورئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي “أستطيع الإعلان عن حزمة مالية بقيمة مليار يورو للبنان، ستكون متاحة بدءا من هذا العام حتى 2027” للمساهمة في "الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي".
في المقابل، يرى كثير من المراقبين أن أي تصعيد جديد في لبنان من ناحية توسعة رقعة التوتر من الجنوب اللبناني نحو البحر المتوسط، سيقذف بمزيد من المهاجرين نحو أوروبا.
إذ يبحث المهاجرون الذين يبدأون رحلتهم على متن قوارب تبحر من خصوصا من شمال لبنان عن حياة أفضل في دول أوروبية، وغالبا ما يتوجهون إلى قبرص.
وتعد قبرص "دولة مواجهة" على طريق الهجرة في شرق البحر الأبيض المتوسط، ويشكل طالبو اللجوء على أراضيها أكثر من 5 بالمئة من السكان البالغ عددهم 915 ألف نسمة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة من الجزيرة، وهو رقم قياسي في الاتحاد الأوروبي.
وتقول قبرص إن الحرب في قطاع غزة التي أثارت توترا على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، أضعفت جهود لبنان في مراقبة مياهه الإقليمية ومنع مغادرة قوارب المهاجرين.