ساعدوا ضحايا الفيضانات.. كيف غير لاجئون سوريون النظرة السلبية في النمسا؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

هب لاجئون سوريون في النمسا لمساعدة السكان الأصليين في مواجهة فيضانات غزيرة اجتاحت البلاد، في وقت اكتسبت فيه جهود تيار اليمين الرامية للحد من الهجرة إلى هذا البلد الأوروبي زخما في الفترة الأخيرة.

وضربت الأمطار الغزيرة التي هطلت منتصف سبتمبر/ أيلول 2024 بسبب "العاصفة بوريس" جزءا كبيرا من وسط أوروبا، بما في ذلك رومانيا وبولندا والتشيك والنمسا والمجر وسلوفاكيا وألمانيا، وتسببت في أضرار واسعة النطاق.

"رد الجميل"

وأسفرت تلك الفيضانات عن مقتل 24 شخصا، وإلحاق أضرار بالجسور، وغمرت المياه السيارات، وتركت المدن بدون كهرباء، وأصبحت في حاجة إلى إصلاحات كبيرة للبنية الأساسية.

وعندما غمرت الأمطار القياسية التي جلبتها العاصفة بوريس، العاصمة النمساوية فيينا ومدنا أخرى، بدأ التأثير دراماتيكيًا حيث غمرت المياه الطرق، وتسربت للمنازل، وتحول مجرى لطيف إلى سيل هادر.

 وفي غضون خمسة أيام فقط، سقط ما بين ضعف وخمسة أضعاف كمية الأمطار على فيينا وأجزاء أخرى من النمسا مقارنة بشهر سبتمبر بأكمله. 

واستطاع لاجئون سوريون تلبية النداء من تلقاء أنفسهم لإغاثة المنكوبين في المدن النمساوية ودعم خدمات الطوارئ في حماية الأرواح وإنقاذ العالقين، فضلا عن القيام بعمليات تنظيف لآثار الفيضانات.

 وقام العشرات من الجالية السورية بدعم خدمات الطوارئ في ولاية النمسا السفلى لإصلاح أضرار الفيضانات، وساعد الرجال والنساء، الذين لا يزال معظمهم ينتظر قرار اللجوء، في إزالة الطين والمخلفات من المنازل.

وذكرت وسائل إعلام نمساوية محلية، أن 250 لاجئا سوريًا أسهموا في دعم بلدة كريتزيندورف لعدد من الأيام.

وقال لاجئ سوري لصحيفة "ستاندارد" بينما كان يقوم بإزالة الطين من قبو أحد المنازل إنه فر من سوريا عام 2015 وأعرب عن امتنانه للغاية للنمسا.

وقال: "لقد استقبلتنا النمسا في ذلك الوقت.. نحن ممتنون لذلك، ونريد أن نرد الجميل".

وأردف قائلا: "نعرف ما يعنيه فقدان كل شيء.. لقد كان علينا أيضا إعادة بناء حياتنا".

كما توجه لاجئون من الجالية السورية في فيينا إلى بلدتي تولن وكريتسندورف للتطوع والمساعدة في مكافحة الفيضانات، حيث ظهرت جهودهم في الجانب الإنساني للمجتمع المهاجر، كرد مباشر على الروايات اليمينية المتطرفة الداعية لطردهم.

وقد زاد عدد السوريين الفارين من بطش نظام الأسد ضدهم منذ عام 2011، بشكل كبير في النمسا، حيث بلغ عدد المقيمين هناك 95 ألفا و180 بدءا من يناير 2024، وفقا للبيانات الرسمية.

ويشكل هؤلاء السوريون، العدد الأكبر من اللاجئين في النمسا والذين يصل عددهم إلى 146 ألفا، وفق إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. 

وتتبع النمسا نظام تجنيس معقد، إلا أنه حسب مكتب الإحصاء النمساوي فإن السوريين في المرتبة الثانية في أعداد الحاصلين على الجنسية النمساوية، وصل إلى 1322 حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. 

ما كان لافتا هو احتفاء الإعلام النمساوي بشكل واسع بجهود هؤلاء اللاجئين وأشادوا بهم وأجروا معهم مقابلات صحفية، ووصفوهم بأنهم مجموعات "لم تفقد أبدا الإنسانية والتعاطف".

كما رفع نمساويون أمام منازلهم وفي بعض الطرقات لافتات تحيي اللاجئين السوريين، الذين وقفوا بجانبهم لمواجهة الكارثة التي حلت ببلدهم البالغ عدد سكانه 9 ملايين.

وتؤدي رؤية السوريين وهم يكرسون وقتهم وطاقاتهم لإغاثة ولاية النمسا السفلى (شمال شرق) والمتضررة بشدة إلى تخفيف نبرة الخطاب الانتخابي الحاد حول الهجرة غير المنضبطة.

وتشكل هذه الكارثة الطبيعية التي حصلت في النمسا فرصة اقتنصها اللاجئون السوريون لإثبات فاعليتهم في المجتمع الجديد الذي وصلوا إليه هربا من بطش نظام بشار الأسد ضدهم منذ عام 2011.

جزء من المجتمع

وأثبت هؤلاء اللاجئون أنهم "بصيص من الأمل" خرج وسط هذه الكارثة التي حلت بالنمساويين، وساعدوا أعضاء فرقة الإطفاء المتطوعين في رفع مخلفات الفيضانات وإصلاح الشوارع ومساعدة سكان المنازل على تنظيف منازلهم والحدائق.

وأفادت السلطات الإقليمية في شمال شرق النمسا، بمقتل رجل إطفاء أثناء الاستجابة للفيضانات.

وقالت يوهانا ميكل-ليتنر حاكمة ولاية النمسا السفلى: "بالنسبة للعديد من السكان، ستظل الساعات التي نمر بها الأسوأ في حياتهم (...) لقد قضى إطفائي أثناء الاستجابة للفيضانات".

وأمام ذلك، يدرك هؤلاء اللاجئون السوريون مدى تزايد شعبية اليمين المتطرف في النمسا شأنه شأن دول الاتحاد الأوروبي.

إذ إنه بعد فوزه في انتخابات الاتحاد الأوروبي في يونيو/ حزيران 2024، اغتنم حزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا الفرصة، داعيا إلى تعيين مفوض "إعادة الهجرة" في الاتحاد الأوروبي المكلف بالعودة القسرية للمهاجرين والمواطنين من ذوي الأصول المهاجرة إلى بلدانهم الأصلية.

وكان رد الفعل الخافت الذي أعقب ذلك يتناقض بشكل حاد مع ما حدث في ألمانيا، حيث تصدرت عناوين الأخبار قبل أشهر مزاعم بأن أعضاء من حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف حضروا اجتماعا ناقشوا فيه إعادة الهجرة، مما دفع عشرات الآلاف إلى النزول إلى الشوارع احتجاجا.

وسيكون هذا الفوز بمثابة استعراض للقوة من قبل الحزب، الذي انطلق في عام 2000 إلى الساحة السياسية السائدة في النمسا، بعد أن حقق أفضل نتيجة لأي حزب يميني متطرف في أوروبا الغربية منذ الحرب العالمية الثانية.

وقد تشهد الانتخابات البرلمانية النمساوية المقررة في 29 سبتمبر 2024، حصول اليمين المتطرف على المركز الأول، مع تقدم حزب الحرية (FPÖ) على المجموعات الأخرى في استطلاعات الرأي. 

وكان لحزب الحرية ثقل كبير في السياسة النمساوية لعدة عقود من الزمن، ولكن الفوز المحتمل في الانتخابات سيكون بمثابة خطوة ملحوظة إلى الأمام بالنسبة للحزب الذي ظهر مرارا وتكرارا كشريك أقلية في الحكومات الائتلافية.

ومع ذلك، فإنه منذ منتصف الثمانينيات ثم في التسعينيات من القرن العشرين، وصف "حزب الحرية" نفسه في جميع النواحي كقوة يمينية متطرفة، تدعو إلى الخطاب المناهض للمهاجرين والتشكيك في سياسات أوروبا.

مكافحة السلبية

خلال السنوات الأخيرة حاولت النمسا القفز على حقيقة الوضع الأمني المتأزم في سوريا، وغياب الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والممهد لانتقال سياسي للسلطة عبر التشدد في عمليات الترحيل للسوريين.

ودعت النمسا ضمن ثماني دول في الاتحاد الأوروبي هي (الدنمارك وإستونيا واليونان ولاتفيا وليتوانيا ومالطا وسلوفاكيا) إلى إصلاح "مبتكر" لسياسة اللجوء وتعزيز حماية الحدود.

وكان وزير الداخلية النمساوي جيرهارد كارنر قال في مقابلة مع قناة "oe24.TV" إنه يعمل على ضمان إمكان تنفيذ عمليات الترحيل إلى سوريا قريبا.

وأضاف كارنر في المقابلة التي نشرت في 27 مارس/ آذار 2024، إن بلاده تمارس ضغوطا بالتعاون مع الدنمارك لتفعيل عمليات الترحيل إلى سوريا مرة أخرى، لأن "دمشق والمناطق المحيطة بها تبدو آمنة"، على حد زعمه.

وضمن هذا السياق، قال عبد الحكيم الشاطر، الذي يرأس الجالية السورية الحرة في النمسا لوكالة “رويترز” في 26 سبتمبر 2024 إن "العمل يهدف من الامتنان إلى مكافحة الخطاب السلبي للهجرة الذي يحركه الانتخابات المقبلة".

وأثناء تنظيف الطين من الحدائق بعد أسبوعين تقريبا من الفيضانات العارمة التي دمرت بلدة كريتسندورف النمساوية الصغيرة، أشار عبد الحكيم الشاطر إلى لافتة باللغة الألمانية كتب عليها "السوريون النمساويون يقولون: شكرا للنمسا".

ونوه الشاطر إلى أن "هناك انتخابات جارية" وأردف قائلا: "نحاول أن نظهر أننا لسنا جميعا متشابهين". 

وأمضى الشاطر، وهو رسام ومصمم ديكور وصل إلى النمسا عام 2015، الأيام القليلة الماضية في مساعدة السكان المحليين على التعافي من الفيضانات في أماكن مثل كريتزندورف شمالي فيينا، حيث تركت الفيضانات منازل مغمورة جزئيا بمياه موحلة.

وقال مالك منزل هناك يدعى دينكو فيزولي، المقيم في النمسا والذي ولد لأبوين من كرواتيا ومقدونيا، إن المتطوعين السوريين أجروا بعض اللقاءات المثيرة للاهتمام.

وأضاف فيزولي: "أحضرت بعض المساعدين لسيدة أعرف أنها ستصوت لحزب الحرية. ساعدوها لأنها لم يكن لديها أصدقاء أو عائلة لمساعدتها. كان الأمر بمثابة مفارقة".

وقد تعاون الشاطر، 45 عاما، وهو من حمص في سوريا، مع عشرات من مواطنيه في تنظيف المنطقة. 

وتمثل أفعالهم لفتة امتنان للنمسا في وقت أصبحت فيه الهجرة موضوعا محوريا في الانتخابات العامة المزمعة نهاية سبتمبر 2024.

ويأمل الشاطر أن يخفف مشهد السوريين الذين يكرسون وقتهم وطاقتهم لإغاثة سكان منطقة النمسا السفلى المتضررة بشدة من حدة الخطاب القاسي الذي يتردد كثيرا في الحملات الانتخابية حول الهجرة غير الخاضعة للرقابة.

لا سيما أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن “حزب الحرية” المناهض للهجرة والإسلام، والذي أسسه النازيون السابقون في الخمسينيات من القرن العشرين، قد يبرز بفارق ضئيل في الانتخابات بصفته الحزب الأكثر تصويتا للمرة الأولى في تاريخ البلاد بعد الحرب.

وتصدر حزب الحرية اليميني المتطرف استطلاعات الرأي على مدى أسابيع، متقدما بفارق ضئيل على حزب الشعب النمساوي المحافظ الحاكم. 

وتعهد الحزبان بسن قوانين أكثر صرامة بشأن اللجوء ومكافحة الهجرة غير النظامية في حال الفوز بالانتخابات.