بعد فخ "العدل" الدولية.. كيف يمكن لأميركا حماية نظامها العالمي من السقوط؟
بعد قرار محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل وإلزامها بوقف أعمال الإبادة الجماعية في غزة، ترى صحيفة إسبانية أن الولايات المتحدة باتت تواجه معضلة كبيرة وسط مخاوف بشأن هيمنتها على النظام العالمي.
حيث أنه لا ينجم على قرار محكمة العدل الدولية آثار أخلاقية وقانونية فحسب، بل إنه يساهم أيضا في تغيير النظام الدولي الليبرالي التي أسسته أميركا وتسيطر عليه منذ عقود.
تغييرات لافتة
وقالت صحيفة "الكونفدنسيال" إن النظام العالمي المعقد للغاية يشهد تغييرات بشكل مستمرة. وسيكون لقرار محكمة العدل الدولية، الذي ينص على أنه يجب على إسرائيل اتخاذ تدابير احترازية عاجلة لمنع ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، آثار تتجاوز حدود التداعيات الأخلاقية والقانونية.
وفور صدور قرار المحكمة، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن "إسرائيل ستواصل تقدمها حتى النصر المطلق، وحتى إعادة جميع الرهائن، وحتى تتحول غزة إلى مكان لا يشكل تهديدا لإسرائيل".
وشدد أيضا على أن "مجرد التأكيد على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين ليس كذبا فحسب، بل فضيحة".
لكن، رغم رفض نتنياهو وافتقار قرارات محكمة العدل إلى قوة تنفيذية حقيقية، لا يعني أنها غير صالحة أو أنها توقفت عن إحداث تحركات كبيرة، وفق الصحيفة.
وأشارت إلى أن الفجوة الأولى، التي ربما تكتسي أقل أهمية في الدول الغربية، تتمثل في الصدى والانعكاسات التي سيخلفها هذا القرار على ما يسمى بالجنوب العالمي.
وتجدر الإشارة إلى أن الشكوى المقدمة من جنوب إفريقيا، الدولة العضو بمجموعة البريكس، كانت تحتوي على نوع من الفخ.
فإذا لم تفرض المحكمة تدابير احترازية، فإن المؤسسات الدولية ستفقد شرعيتها، لأنها قد تُتهم باستخدام معايير مزدوجة. وإذا فرضها ولم تقبلها إسرائيل (بدعم من الولايات المتحدة)، فسوف نرى عدم جدوى النظام الدولي الليبرالي.
في الواقع، تعد هذه النقطة بالغة الأهمية. إذا لم تمتثل إسرائيل للقرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية، فيمكن لها إحالة الأمر إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ومن المتوقع أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض ضد أي قرار غير مناسب لإسرائيل. لكن في هذه الحالة ستكون التكلفة الرمزية التي ستدفعها باهظة للغاية.
وإذا وصلت هذه القضية إلى الجمعية العامة، فإن عزلة إسرائيل وواشنطن ستكون واضحة.
وفي سياق الفجوة المفتوحة في النظام العالمي، مع وجود قوى ناشئة لها ولاء متذبذب تجاه الغرب وأخرى تعارض هذه الكتلة بشكل واضح، ستعمل روسيا والصين على استغلال الوضع والتغييرات التي تحدث على رقعة الشطرنج العالمية من أجل جذب المزيد من الدول إلى مجال نفوذهم.
ضعف على نحو متزايد
وأضافت الصحيفة أن القطعة الثانية في رقعة الشطرنج هي إسرائيل. في الحقيقة، ستكون العزلة الدولية لإسرائيل، في حال لم تمتثل بتوصيات محكمة العدل الدولية، خطيرة على الصعيد الداخلي.
وإذا أدركت الحكومة الإسرائيلية وشركاؤها أنها لا تواجه حماس فحسب، بل المجتمع الدولي، فسوف تشعر بتهديد أكبر، مما يزيد من إغراءات زيادة المجهود الحربي.
وبهذا الشكل، ستؤدي فكرة أن "النصر الساحق فقط من خلال استخدام القوة هو الذي سيسمح لهم بالبقاء الآن وفي المستقبل"، وهو الأمر الذي نقله نتنياهو في مناسبات مختلفة، إلى توسيع نطاق الحرب، في الوقت الحالي، إلى لبنان، وربما أبعد من ذلك.
وأشارت الصحيفة إلى أن الوقت ضد نتنياهو، فكلما طال واصل الحرب كلما زاد العداء الخارجي والداخلي أيضا.
ولكن في الوقت نفسه، يعمل قرار محكمة العدل الدولية أيضا على تسليط الضوء على التناقضات الداخلية للمجتمع الإسرائيلي.
فقبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان موقف نتنياهو مثيرا للجدل إلى حد كبير داخل حكومته، ولم تساعد الإخفاقات الأمنية على زيادة دعمه.
كما كان رئيس الحكومة الإسرائيلية يواجه معارضة كبيرة من الإسرائيليين. لكن في وقت لاحق، سمح الوضع الاستثنائي الذي أحدثه هجوم حماس لنتنياهو بفرض نفسه في الحكومة، حيث تم التركيز على جانب أكثر إلحاحا: توحيد البلاد مرة أخرى في مواجهة التهديد.
لكن مع مرور الوقت، لم تتمكن إسرائيل من اعتقال قادة حماس، وفشلت في تحرير الرهائن؛ مما يجعل موقف نتنياهو أضعف.
ومن هنا، شهدنا عودة المظاهرات ضده وارتفاع الأصوات المنشقة في الداخل. وكلما زاد مرور الأسابيع دون إحراز تقدم ملموس أو حلول نهائية في الأفق، لن تصبح شخصية نتنياهو موضع تساؤل فحسب، بل ستتحول الفائدة النهائية من غزو غزة إلى موضع تساؤل.
عموما، سيتم طرح السؤالين في الوقت نفسه، وستجد الحكومة الإسرائيلية الحالية نفسها في مواجهة معضلات. إن الوقت يلعب ضدهم، لأنه كلما طال أمد الحرب دون نتائج ملموسة، كلما أثارت المزيد من العداء الداخلي.
معضلة الولايات المتحدة
ونقلت الصحيفة أن العنصر الثالث الذي قد تؤثر عليه قرارات محكمة العدل الدولية سلبا هو الولايات المتحدة.
في الحقيقة، موقف واشنطن معقد للغاية، لأنها إذا دعمت حكومة نتنياهو ستواجه الأمم المتحدة ونفس النظام الدولي القائم على القواعد التي أسست لها. لكنها لن تتوقف عن دعم الإسرائيليين.
وإذا فعلت ذلك، فإنها ستضر بأهدافها في المنطقة، لأن إسرائيل تساعدها على احتواء إيران ووكلائها.
وأوضحت الصحيفة أن هناك شيئا ما يتجه نحو التغيير في الحكومة الأمريكية مؤخرا، رغم الحقائق المذكورة.
لا يقتصر الأمر على قيام وزير الخارجية أنتوني بلينكن بجولة في الشرق الأوسط لمنع وصول الحرب إلى مناطق أخرى، وهو أمر ليس بالسهل، ولكن حكومة الولايات المتحدة تدرك بشكل متزايد أنه طالما بقي نتنياهو في السلطة، فإن الصراع لن ينتهي.
بشكل عام، يشكل قرار محكمة العدل الدولية عقبة خطيرة في طريق رئيس الوزراء، لأنه قد يضعف دعمه الداخلي المتضائل.
وفي هذا السياق، يمكن أن تمارس الولايات المتحدة ضغوط عليه لحمله على ترك الحكومة.
وإذا حدث ذلك خلال فترة زمنية معقولة، فيمكن لواشنطن أن تجعل دعمها لإسرائيل متوافقا مع قواعد النظام الدولي، مما يعزز عقد مؤتمر سلام من شأنه أن يوفر حلا حقيقيا لصراع بدى وكأنه أبدي.
في الإجمال، بدأت المزيد والمزيد من الأصوات في البلدان الغربية، بما في ذلك ألمانيا، تتحدث عن حل الدولتين.
وإذا تحقق هذا السيناريو فإن إسبانيا ستلعب دورا مهما في المؤتمر، بحسب مصادر حكومية. وهناك احتمال آخر، لكنه يعني أن الحرب ستمتد إلى مناطق أخرى بالمنطقة.