ظهير بابر.. جنرال يسيطر على سماء باكستان وتطارده مخاوف من الداخل والخارج
عشرات الضباط يواجهون حاليا محاكمة بتهمة "الخيانة" بعد نشرهم تقارير تهاجم بابر
بعد 3 سنوات على رأس القوات الجوية الباكستانية، جرى تمديد ولاية ظهير أحمد بابر على رأس السلاح الأكثر أهمية وخطورة في البنية العسكرية للجيش الباكستاني.
وفي 17 مارس/ آذار 2024، مدد رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ولاية الفريق أول طيار ظهير أحمد بابر لمدة عام واحد، قائدا لأركان القوات الجوية الباكستانية.
وذلك في ظل نزاع داخلي متصاعد هز القوات الجوية رغم تعبئتها المتزايدة في مواجهة الهند وأفغانستان، خاصة فيما يتعلق بالاستخبارات الجوية.
وهذا التمديد هو الثاني من نوعه في القوات الجوية الباكستانية، بعد التمديد لأنور شميم عام 1981 كقائد للأركان الجوية ما يعد علامة على أهمية هذه الشخصية بالنسبة للنظام العسكري السياسي.
من هو بابر؟
ولد ظهير أحمد بابار، يوم 16 أبريل/ نيسان 1965، في عائلة بنجابية مسلمة، تنحدر من سلالة جات، التي تنتمي إلى عشيرة سيدو.
والد بابر، هو عالم الدين الباكستاني حكيم غلام محمد، وقد ولد بقرية سيدو في منطقة جوجرات بباكستان، وأسهم في تنشئة أبنائه ومنهم ظهير، نشأة دينية إسلامية.
وبدأ بابر مسيرته العسكرية عام 1986، عندما التحق بالقوات الجوية الباكستانية. وخلال حياته المهنية، تولى قيادة ضابط سرب مقاتل، وقائد قاعدة جوية عملياتية، كما تولى قيادة الوحدة الجوية الإقليمية بالجيش الباكستاني.
ومن أبرز تعييناته أنه شغل منصب مساعد رئيس الأركان الجوية (للمتطلبات التشغيلية والتطوير)، ومساعد رئيس الأركان الجوية (لضباط التدريب)، والسكرتير الثاني في وزارة الدفاع الباكستانية.
كما شغل أيضا منصب المدير العام للتسليح، والمدير العام للقيادة الإستراتيجية للقوات الجوية، ونائب رئيس الأركان الجوية (الدفاع الجوي)، ونائب رئيس الأركان الجوية (الإدارة) وذلك في المقر المركزي بعاصمة البلاد "إسلام أباد".
وبابر حاصل على شهادة من مدرسة قادة القتال (PAK)، التي يحصل عليها الضباط الذين يتم تجهيزهم للعب أدوار قيادية داخل الجيش الباكستاني.
ومن الخارج، حصل على شهادات من كليات القيادة والأركان، والكلية الملكية للدراسات الدفاعية، وكلاهما من المملكة المتحدة البريطانية.
وتقديرا لخدماته حصل على العديد من الجوائز والأوسمة المقدمة من الحكومات الباكستانية المتعاقبة، حيث تم منحه وسام "الامتياز" العسكري، و"هلال الامتياز"، ونيشان "الفخر" العسكري.
صعوده وبقاؤه
كان الجنرال ظهير بابر يشغل منصب نائب رئيس الأركان الجوية، وذلك قبل تعيينه رئيسا للأركان الجوية في 17 مارس/آذار 2021.
وقد تولى المسؤولية في 19 مارس بعد أن أدى القسم خلفا لقائد القوات الجوية المارشال، مجاهد أنور خان.
وبحسب معلومات "الورقة البيضاء" المنشورة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، التي أصدرتها حركة "إنصاف" الباكستانية بزعامة رئيس الوزراء السابق عمران خان، لم يكن بابر هو الضابط الأقدم في دفعته.
ومع ذلك، فقد تلقى المساعدة في الصعود إلى أعلى منصب في القوات الجوية من قبل المدير العام لجهاز الاستخبارات الباكستاني آنذاك فايز حميد ورئيس أركان الجيش الجنرال قمر جاويد باجوا.
ويعزى هذا الدعم إلى انتمائه إلى سلالة "جات"، وهي نفس عشيرة الجنرال باجوا.
والمثير أن "الورقة البيضاء" تنبأت أن تقاعد بابر يقترب في مارس 2024، لكنها قالت إنه سيمارس الضغط من أجل التمديد له، وهو ما حدث بالفعل.
وقد أعربت الصحفية الباكستانية البارزة عائشة صديقة، في مقال لصحيفة فرايداي تايمز الباكستانية، في 18 مارس 2024، عن مخاوفها بشأن التمديد للجنرال الباكستاني لمدة عام واحد.
وسلطت الضوء على الآثار المحتملة على سمعة القوات الجوية في الاحتراف والمهنية.
قاعدة الخصوم
ولا يخفى أن لبابر خصوما متعددين ونافذين، وهو ظهر في 15 نوفمبر 2023، عندما نشر ضابط سابق مجهول الهوية في القوات الجوية تقريرا بعنوان "كيف يتم تدمير القوات الجوية الباكستانية على يد قائدها ظهير أحمد بابر".
لكن هذا التقرير لم يكن له في النهاية أي تأثير على تمديد ولاية الأخير، وهذه ليست ظاهرة جديدة داخل القوات المسلحة الباكستانية.
فقد أعلن العديد من الضباط السابقين المنفيين إلى الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة عن خلافاتهم مع رؤسائهم السابقين.
ففي 25 نوفمبر 2023، حُكم على الرائد السابق عادل رجا، صاحب مدونة "Soldier Speaks"، غيابيا بالسجن لمدة 14 عاما، بسبب انتقاده لقادة الجيش، ومنهم بابر ورئيس أركان الجيش الباكستاني السابق الجنرال قمر جاويد باجوا.
وذلك على أثر القلق الذي سببته هذه الأصوات المعارضة، استخدمت القوات الجوية الباكستانية تحديدا جميع الوسائل المتاحة لها لتعقب مؤلف أو مؤلفي هذه التقارير.
وتقول تلك التقارير إن ظهير أحمد بابر يقوض القوات المسلحة الباكستانية من خلال الفساد وإغفال الجدارة وتقديم المحسوبيات رغم عدم الكفاءة.
ووفقا لهذه الأصوات الناقدة داخل القوات المسلحة، فضلا عن الصحفيين المنفيين، فإن عشرات الضباط يواجهون حاليا محاكمة عسكرية بتهمة "الخيانة" بعد نشرهم تقارير مماثلة.
التهديدات الداخلية والخارجية
بابر الصديق المقرب للجنرال قمر جاويد باجوا، الذي يشترك معه في أصول عشائرية في البنجاب، يقدم الآن تقاريره إلى رئيس أركان الجيش الحالي والرئيس السابق للاستخبارات الداخلية الجنرال عاصم منير.
وذلك مع مجموعة واسعة من المهام الإستراتيجية، حيث تعتمد القوات الجوية الباكستانية على جهاز المخابرات الخاص بها "المخابرات الجوية" برئاسة شاكيل غضنفر، تماما مثل البحرية الباكستانية مع "المخابرات البحرية" والجيش الباكستاني مع "المخابرات العسكرية".
وتتراوح صلاحيات المخابرات الجوية بين تحليل الصور وجمع المعلومات عن القوة الجوية للدول المجاورة استعدادًا لأي عمليات مستقبلية.
وتعد الهند الأولوية الأولى للمخابرات الجوية الباكستانية، مع وصول التوترات بين الجانبين إلى ذروتها إثر الغارات الجوية الهندية في بالاكوت في فبراير/شباط 2019 إلا أن تزايد التهديدات من أفغانستان أعاد تشكيل انتباه القوات الجوية الباكستانية.
ففي أعقاب الهجوم الدامي الذي استهدف موقعا أمنيا باكستانيا في وزيرستان في 16 مارس 2023، على الحدود الشمالية الغربية مع أفغانستان، فذت القوات الجوية الباكستانية غارات جوية استهدفت القواعد الخلفية لحركة طالبان الباكستانية.
ووصفت وزارة الخارجية الباكستانية هذه العمليات الانتقامية بأنها "عمليات لمكافحة الإرهاب قائمة على معلومات استخباراتية".
ويأتي اعتماد بابر كقائد لسلاح الجو ليطمئن كادره القتالي وكذلك الرأي العام الذي ينتقد دور الجيش في الحياة السياسية، في مواجهة تصاعد هذه التهديدات.
فبعد هجوم حركة طالبان باكستان- وفقا لإسلام أباد- على قاعدة القوات الجوية في ميانوالي في 4 نوفمبر 2023، سعى بابر إلى الحد من تأثيرات الهجوم.
إذ أعلنت الجهات الرسمية عن تدمير ثلاث طائرات صينية الصنع فقط، رغم أن وسائل الإعلام الهندية ذكرت تدمير 14 طائرة وفق ما أظهرت صور الأقمار الصناعية.
تحديث سلاح الجو
وفي الوقت نفسه، يعمل بابر مع سكرتير وزارة الإنتاج الدفاعي محمد شيراج حيدر المقرب من رئيس الوزراء شهباز شريف، لتوجيه عملية شراء المعدات الأجنبية نحو تلبية المتطلبات التشغيلية للقوات الجوية، ودعم جهود التصدير التي تبذلها الصناعات الباكستانية.
فبعد افتتاحه في كراتشي في يناير/كانون الثاني 2024، يواصل بابر تركيز اهتمامه على برنامج "المجمع الوطني لعلوم وتكنولوجيا الفضاء الجوي".
ويتضمن البرنامج بناء مجمعات عملاقة في جميع أنحاء البلاد للجمع بين القوى الدافعة للقوات الجوية، بما في ذلك الشركات المصنعة ومراكز البحث والتطوير (مجمع الطيران الباكستاني، مجمع الأسلحة الجوية، الخ).
وبابر بدأ حياته العملية كمتدرب على طائرة ميراج المقاتلة الفرنسية. وخلال حفل تسليم مجموعة من مقاتلات J-10C الصينية مطلع يناير، أعرب عن رغبته في الحصول على طائرات الجيل الخامس FC-31 من بكين.
ومع ذلك، يهتم بابر أيضًا بالإنتاج الأميركي، حيث أشرف في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على شراء رادارات TPS-77 من شركة "لوكهيد مارتن" الأميركي.
وتحظى مساعي باكستان لبيع طائرة JF-17 Thunder المقاتلة، التي شارك مجمع الطيران الباكستاني في تصنيعها إلى جانب مجموعة Chengdu الصينية للصناعات الجوية، بتشجيع من بكين، في مقابل منع واشنطن لمحاولات تصدير هذه الطائرة.
وبالنظر إلى السوق الخليجية، فـ "بابر" له علاقات خاصة وقوية بمجلس التعاون الخليجي.
وقد رحب في 14 مارس 2024 بقائد الحرس الوطني البحريني محمد بن عيسى آل خليفة في إسلام آباد، وكان قبلها في زيارة للرياض للقاء رئيس الأركان السعودي فياض بن حامد الرويلي.