السيسي يدعي كذبا براءته من سفك الدماء ونهب الأموال.. وناشطون: مرعوب من مصير بشار
"لماذا تصر على أن تدفع مصر وشعبها وجيشها نحو السيناريو السوري؟"
"حاجتين أنا معملتهمش، أيدي لا اتعاصت بدم حد ولا خدت مال حد".. بهذه الكلمات علق رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي على تطورات الأوضاع في سوريا عقب إسقاط رئيس النظام بشار الأسد.
تصريحات السيسي جاءت على هامش اجتماع في مقر القيادة الإستراتيجية في العاصمة الإدارية الجديدة شرقي القاهرة في 15 ديسمبر/كانون الأول 2024، بحضور رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، وقادة الجيش والشرطة المدنية والأجهزة الأمنية المختلفة.
وقال السيسي: "سوريا التي تقصدها في أيام (حكم أسرة) محمد علي، ليست هي سوريا الآن، موقعها الجيوسياسي قوي، ولكن في نفس الوقت هناك محددات تحكمها، من يأخذون القرار (في سوريا) هم أصحاب البلد، يا يهدوها يا يبنوها".
وعن الوضع الداخلي، حذر السيسي خلال حديثه من "وجود جماعات أو عناصر خلايا نايمة" على الرغم من “الجهد الأمني الموجود”.
وأضاف أن "المصريين من 2011 إلى اليوم، وقفتهم هي من حمت بلدهم، طبعًا فيه مؤسسات موجودة، فيه جيش موجود وده كويس، فيه قوات شرطة مدنية، فيه وزارة الداخلية وده كويس. لكن فيه إرادة شعب، رد فعلهم تجاه كل التطورات واعي جدا وفاهم جدا".
ورد ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، على تصريحات السيسي بإطلاق وسم #ايدك_متعاصه_بدم_المصريين، سلطوا خلاله الضوء على الجرائم التي ارتكبها السيسي منذ انقلابه العسكري، وذكروا فيه بالأموال والأصول التي استولى عليها.
وتحدثوا عبر تغريدات وتدويناتهم على حساباتهم الشخصية على منصتي “إكس” و"فيسبوك" عن دلالات تصريحاته وتفسيراتهم لها وما يعينه توقيتها المتعاقب مع إسقاط نظام بشار الأسد وانعكاساته على مصر.
مجازر السيسي
وأعادت كلمات السيسي للأذهان المذابح التي ارتكبها منذ انقلابه على الرئيس الشرعي الراحل المنتخب محمد مرسي، في يوليو/تموز 2013، التي قتل فيها آلاف الأبرياء من المعارضين لانقلابه.
ومنها مجزرة دار الحرس الجمهوري في القاهرة والمعروفة باسم "مجزرة الفجر" التي ارتكبها الجيش في 8 يوليو 2013، وقتل فيها 200 مصري أثناء أدائهم صلاة الفجر.
وكانت مجزرة الحرس مقدمة لمجزرتين كبيرتين في 14 أغسطس/آب 2013، في ميداني رابعة العدوية والنهضة والتي نفذتها قوات مشتركة من الجيش والشرطة وقتلت فيها ألف مصري وفقا لمنظمات حقوقية، وعدة آلاف وفقا لتحالف دعم الشرعية ورفض الانقلاب.
وبعد يومين، أطلق الجيش والشرطة الرصاص الحي على متظاهرين اعترضوا على فض اعتصام رابعة في مناطق مختلفة بمصر فيما عرف بجمعة الغضب الثانية وقتل فيها 250 شخصا.
كما هاجمت الشرطة المتظاهرين بميدان رمسيس بجوار مسجد الفتح، ووقع عدد من القتلى والجرحى، واحتمى بعض المتظاهرين بمسجد الفتح الذي تحول إلى مستشفى لمداواة الجرحى، وتم اقتحامه صبيحة اليوم التالي والقبض على من فيه، وظل المسجد مغلقا لمدة طويلة.
وفي الذكرى الثالثة لثورة يناير التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك والتي حلت في 2014، قتل نحو تسعين شخصا معظمهم من رافضي الانقلاب في أعمال عنف نفذتها قوات الجيش والشرطة ضد المتظاهرين، كما قتل 25 متظاهر بمنطقة المطرية بالقاهرة في الذكرى الرابعة للثورة.
كما شهدت مصر في عهد السيسي سلسلة من الاغتيالات والتصفيات الجسدية نالت معارضي الانقلاب، خاصة من جماعة الإخوان المسلمين، فيما استشهد بعضهم نتيجة الإهمال الطبي داخل السجون وتحت وطأة التعذيب أو بإطلاق النار داخل شققهم.
ومنهم 13 من قيادات الإخوان المسلمين من أعضاء لجنة لدعم أهالي القتلى والمصابين التابعة لجماعة الإخوان قتلتهم الشرطة المصرية في شقة بمدينة 6 أكتوبر في يوليو/تموز 2015، وكان من بينهم المحامي والبرلماني ناصر الحافي، إضافة إلى محامين وأطباء.
وخلال فبراير/ شباط 2019، أعدم نظام السيسي 6 شباب في قضيتين عرفتا بـ"أحداث كرداسة" و"قتل ابن المستشار"، وفي الشهر ذاته نُفّذت أحكام إعدام أخرى على تسعة شباب، بعد أن اتهمهم النظام بقتل النائب العام، المستشار هشام بركات، في 29 يونيو/ حزيران 2015.
أحكام الإعدام
وأفادت صحيفة تايمز البريطانية في 2019، بأن أكثر من 2400 شخص صدرت بحقهم أحكام بالإعدام في مصر منذ تولي السيسي رئاسة البلاد، ناقلة ذلك عن منظمة ريبريف الحقوقية في بريطانيا التي قالت إن أحكام الإعدام في مصر تمثل أزمة على مستوى حقوق الإنسان.
ومطلع 2024، عاد ملف الإعدامات في مصر المصنفة الثالثة عالميا بتطبيق عقوبة الإعدام بعد الصين وإيران، للواجهة مجددا بعد تثبيت "محكمة النقض" المصرية، حكما بالإعدام شنقا بحق 7 من المعتقلين المصريين منذ عام 2015.
وبهذا الحكم ارتفع عدد المعتقلين الذين صدرت بحقهم أحكام إعدام نهائية باتة واجبة النفاذ 211 مصريا، منهم 105 تم تنفيذ حكم الإعدام في حقهم بالفعل، فيما يواجه 106 معتقلين آخرون تنفيذ الإعدام في أي لحظة، وفقا للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا.
سارق الأموال
أما عن تبرؤ السيسي بأنه لم يأخذ مالا من أحد، فالوقائع تثبت عكس ذلك، فقد أقر نظامه في أبريل/نيسان 2018، قانون رقم 22 لتنظيم ما يسمى إجراءات التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين.
ومهد ذلك القانون الطريق لمصادرة أموال الإخوان وليس التحفظ عليها، ومكّن سلطات السيسي من تصنيف أي شخص يريدونه على أنه إرهابي، وبالتالي مصادرة ممتلكاته دون أي إجراءات قانونية.
وشكل بموجب القانون لجنة لتنفيذ ذلك ومنحها سلطة حصرية لتنفيذ الأحكام القضائية ضد أي شخص أو كيان إرهابي، جاء تعيين أعضائها بواسطة السلطة التنفيذية متمثلة في رئاسة الجمهورية.
واستنادا إلى ذلك القانون أصدرت ما تسمى "لجنة التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين" في 11 سبتمبر/أيلول 2018، قرارا بالتحفظ على أموال 1589 عضوا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.
كما أصدرت اللجنة المزعومة قرارا بالتحفظ على أموال 118 شركة، و1133 جمعية أهلية و104 مدارس و69 مستشفى و33 موقعًا إلكترونيًا وقناة فضائية بزعم أنهم ينتمون للجماعة المحظورة، وتحويل هذه الممتلكات والأصول إلي الخزانة العامة للدولة.
وقالت نشرة صدى الإلكترونية التابعة لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن هذه الخطوة غير المسبوقة ضد الجماعة تشير إلى أن نظام السيسي قرر في النهاية السيطرة على أموال وممتلكات جماعة الإخوان، والتي تقدر بـ300 مليار جنيه، 16.7 مليار دولار.
وأوضحت أن السلطات صادرت أموال العديد من الأشخاص الذين يديرون أعمالهم التجارية منذ عقود دون مخالفة للقانون. وعلى الرغم من أن العديد منهم يُحاكم حليا، إلا أنه لم يثبت مطلقا أن هذه الأموال تم اكتسابها بطرق غير مشروعة ولم يوجد حكم واحد بذلك.
وأشارت النشرة إلى أن مصادرة أموال هؤلاء الأشخاص جاءت لخلفيتهم السياسية والدينية وخلافهم مع نظام السيسي.
وتأثرت مجموعة من أصحاب الأعمال سواء من لهم رابط معروف بجماعة الإخوان أو من ليس لهم رابط، ومنهم صفوان ثابت مؤسس شركة "جهينة" المصرية لمنتجات الألبان والعصائر، ونجله سيف الدين (40 عاما) اللذين جرى حبسهما على ذمة اتهامهما بـ "تمويل الإرهاب، ومشاركة جماعة أُسست على خلاف القانون أغراضها".
وزعمت الداخلية بعد القبض عليهما أنها أحبطت مخططا يهدف إلى تمويل جماعة الإخوان على صلة بهما، والقبض على رجل يدعى يحيى مهران، الذي وصفته بأنه "أحد الأذرع الرئيسة لثابت" ووصفه بأنه "قيادي إخواني".
وادعت أن "المخطط استهدف استخدام شركات ثابت في عمليات نقل وإخفاء أموال التنظيم واستثمار عوائدها لصالح أنشطة إرهابية" مضيفة أنه تم العثور على 8.4 ملايين دولار (132 مليون جنيه) وذخيرة في شقة سكنية بمحافظة الجيزة.
وأكدت منظمة العفو الدولية، أن السلطات المصرية تسيء استخدام قوانين مكافحة الإرهاب من أجل احتجاز رجل أعمال بارز وابنه بشكل تعسفي، في ظروف ترقى إلى التعذيب، وذلك انتقاما منهما لرفضهما تسليم أصول شركتهما.
جرائم السيسي
حزب تكنوقراط مصر، دعا لتذكر المجازر التي ارتكبها السيسي من ماسبيرو ومحمد محمود والحرس ورابعة ورمسيس إلى الآن، وأعاد تفعيل وسوم عدة تنادي برحيل السيسي وتتهمه بالخيانة والعمالة، ومنها #السيسي_قاتل، #السيسي_خاين_وعميل، #السيسي_لازم_يمشي".
وتذكيرا بجرائم السيسي واستحضارا لها، دون الحقوقي خلف بيومي تدوينة مطولة رصد فيها جرائم السيسي منذ كان وزيرا للدفاع مرورا بفترة انقلابه على الرئيس الشرعي وصولا للجرائم التي ارتكبها وهو رئيسا لمصر
ومنها معركة الجمل 2 فبراير 2011، التي قتل فيها 11 شهيدا وأكثر من 2000 جريح، وكشوف العذرية في 9 مارس2011، و7 شهداء في اعتصام 8 أبريل 2011، و28 شهيدا وأكثر من 300 مصاب بالرصاص ودهسا بالمدرعات، ومجزرة ماسبيرو 9 أكتوبر 2011.
وذكر بارتقاء 46 شهيدا وآلاف المصابين في أحداث محمد محمود نوفمبر 2011، و18 شهيدًا و441 مصابًا، وأحداث مجلس الوزراء 16 ديسمبر 2011، و77 شهيدا ومئات المصابين بمجزرة ستاد بورسعيد فبراير 2012، و11 شهيدا وعشرات الجرحى بأحداث العباسية 2 مايو 2012.
وأشار بيومي إلى ارتقاء 61 شهيدا ومئات الجرحى، بمجزرة الحرس الجمهوري 8 يوليو 2013، و4 شهيدات ومصابين في مجزرة المنصورة يوم 20 يوليو 2013، و90 شهيدا وآلاف الجرحى بمجزرة المنصة 27 يوليو ٢٠١٣، و2600 شهيدا وآلاف المصابين بمجزرة رابعة العدوية 14 أغسطس 2013.
ورصد مزيدا من المجازر والمذابح حتى 2015، مشيرا إلى تأييد السيسي أحكاما سياسية بالإعدام على مئات المعارضين، ومصادرة أموال مئات المعارضين له، وقتل الآلاف خارج إطار القانون في طول وعرض مصر، واعتقال وملاحقة عشرات الآلاف من الرافضين له.
وأكد بيومي أن السيسي أفقر ودمر الطبقة الوسطى والأسر المصرية اقتصاديا واجتماعيا، ودمر ١٢ ألف منزل في رفح وسيناء هجير عشرات الآلاف خلال عام 2015.
سخرية واستهزاء
من جانبه، تهكم الإعلامي قطب العربي، على قول السيسي "إيدي لا اتعاصت بدم حد، ولا أخدت مال حد"، قائلا: "على أساس أن آلاف المصريين الذين قتلوا في رابعة والنهضة ورمسيس والدقي وإسكندرية وغيرها قتلوا نفسهم!".
وأضاف: "وعلى أساس أن أموال الجمعيات والشركات التي تم تجميدها ومصادرتها لرجال أعمال أو لمواطنين عاديين بالمئات بل بالآلاف حد صادرها غيره.. ميصحش كده".
واستنكر مصطفى جاويش، تصريحات رئيس النظام المصري، مذكرا بمذابح رابعة والنهضة ورمسيس وغيرها، منذ الانقلاب العسكري عام 2013 وحتى الآن، إضافة إلى عشرات الموتى في السجون وعلى أعواد المشانق، ومئات قيد الاختفاء القسري.
ورأى أن السيسي يلقى بالمسؤولية على أعوانه الذين اتبعوه من الجيش والشرطة والإعلام، وعد لقائه بهم جميعا فى مؤشر خوف ورعب من مصير بشار الأسد.
وتهكمت إسراء الحكيم، على تصريحات السيسي، قائلة: "رئيس منقلب عامل مجازر و حابس آلاف ومنهم إللي ماتوا فى السجن ويقولك ما اتعاصتش دم! انت مش متعاص.. انت غرقان دم في دم".
واستهزأ الشيخ سلامة عبدالقوي، من تصريحات السيسي، قائلا: "فعلا مش دم حد واحد بل أكثر من 3000 حد في يوم رابعة بس وأنا شاهد.. والله على ما أقول شهيد.. غير د. مرسي وكل اللي ماتوا في السجون".
واستخف الصحفي علاء البحار، بمزاعم السيسي، قائلا: "قتل واعتقل وسرق ونهب ودمر مصر ثم قال: فيه حاجتين معلتهمش إيدي متعاصتش دم ومسرقتش".
قراءات وتحليلات
وتحليلا لخطاب السيسي، عرض أستاذ العلوم السياسية عصام عبدالشافي، صورة من لقاء السيسي، قائلا: "هذا اللقاء في ذاته وهذه التصريحات دليل خوف ورعب".
وتوعد السيسي قائلا: "لن تطول أيامك وستكون نهايتك أسوأ من نهاية بشار الأسد، لن تنفعك هذه العصابة لأنهم في الأخير مرتزقة، سيكونون أول الهاربين وما إن تسقط سيكونون أول المنافقين للحكام الجدد، ولن ينفعك الصهاينة لأنهم لم ينفعوا أنفسهم".
وأكد الناشط السعودي ناصر بن عوض القرني، إن السيسي متوتر بعد سقوط بشار، قائلا: “الدور جايك وماعاد ينفعك يا بلحة لو تحلف على كل الكتب السماوية.”
وسخر الإعلامي أيمن عزام، من تصريحات السيسي، قائلا: "صباح الزعيم المأزوم والحاشية القلقانة واللهجة ال(متعاصة!!) رعب !!!!!!!! مع الاعتذار لأنصار لغة الضاد".
وعد الخبير الاقتصادي مراد علي، محاولة السيسي طمأنة الإعلاميين خلال لقائه برجال السلطة العسكرية دليلا على أن هناك قلقا كبير في دوائر السلطة في مصر من تكرار تجربة سوريا، مما يعزز ذلك الاحتمال الجملة التي قالها: " اللي مطمني إن إيدي متعصتش بدم حد ولا أخدت مال حد".
وأكد أن مذبحة رابعة وغيرها ومصادرة أموال المعارضين تنفي هذا الادعاء، معلقا على قول السيسي إن الشعب راضٍ، بالقول: "يبدو أن أجهزة الرئيس الأمنية لا تنقل له ما يقال عن الحكومة وعنه شخصياً في المقاهي وفي وسائل النقل."
وأكد السياسي والحقوقي أسامة رشدي، أن السيسي لا يزال يعيش بعقلية الانقلابي الذي يحسب كل صيحة عليه ولايزال يرى أن الدول تبنى بالجيش والشرطة والقمع والسجون والتعذيب وتهديد الشعب.
وقال إن الشعوب الحرة التي تتمتع بكامل حقوقها وحرياتها هي التي تبدع وتبني ولن تكون بحاجة للتهديد والوعيد أو لمزيد السلاح الموجه لصدور الناس، ويكفي عسكرة للدولة المصرية ومعالجة كل المشاكل بعقلية بوليسية.
ونصح الصحفي جمال سلطان، السيسي بدلا من حالة الإنكار العجيبة والمثيرة للسخرية، ومن محاولات الهرب من كابوس الدم الذي يلاحقه، أن يبدأ فورا مراجعة وتصحيح الأخطاء وإنقاذ وطنه.
وسأل السيسي: “لماذا تصر على أن تدفع مصر وشعبها وجيشها نحو السيناريو السوري؟ لمصلحة من هذا الإصرار العجيب على الخطأ والخطيئة وفرض الظلام الدامس وترك الوطن للمصير المجهول؟”