"مبارك الكبير" الكويتي يعود للواجهة تزامنا مع “طريق التنمية” العراقي.. ما السر؟

يوسف العلي | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

رغم إطلاق العراق مشروع "طريق التنمية" باتفاق رباعي مع تركيا وقطر والإمارات، وحديث اقتصاديين ونواب كويتيين عن عدم جدوى بناء ميناء "مبارك الكبير" الكويتي، لكن سلطات الكويت أعلنت استئناف العمل فيه، كونه يمثّل حلم البلاد الكبير.

وفي أبريل/ نيسان 2011، وضعت دولة الكويت حجر الأساس لبناء ميناء "مبارك الكبير" الذي تقدر كلفته بنحو 1.1 مليار دولار في جزيرة بوبيان، على أن يكتمل بناؤه في 2016، لكنه شهد تلكؤا في مراحله التنفيذية، والتي بقيت الأولى تراوح مكانها.

استئناف العمل

وفي تحرك جديد يشير إلى تمسك الكويت بالميناء، زارت وزيرة الأشغال العامة الكويتية، نورة المشعان، موقع مشروع "مبارك الكبير" بجزيرة بوبيان، يرافقها خبراء ومهندسون مختصون في المشاريع العملاقة من الصين والكويت، إضافة إلى السفير الصيني في البلاد تشانغ جيانوي.

وذكرت وزارة الأشغال خلال بيان لها في 28 مايو/ أيار 2024، أن الزيارة تأتي تفعيلا لمذكرة التفاهم المتعلقة بإنشاء مشروع ميناء مبارك، الموقعة بين الكويت والصين خلال زيارة أمير البلاد، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، إلى بكين خلال سبتمبر/ أيلول 2023.

من جهتها، قالت صحيفة "القبس" في 28 مايو، إن مشروع ميناء مبارك "يتصدر المشهد الكويتي تنمويا واقتصاديا مع بدء الاستئناف الفعلي لتنفيذه، واتخاذ خطوات عملية وواقعية نحو هذا التوجه، ليكون في مصاف المشروعات التنموية التي تعوّل عليها الكويت خلال المرحلة المقبلة".

وقبل ذلك، قالت صحيفة "الراي" الكويتية في 25 مايو، إن مشروع ميناء مبارك الكبير سيكون على موعد في سبتمبر المقبل لتعود عجلة العمل إلى الدوران من جديد، وفق مستهدفات محددة إنجازا وتوقيتا، تهدف إلى إنهاء تنفيذ الجزء الثالث من المرحلة الأولى للمشروع وبدء تشغيلها.

ونقلت عن وزارة الأشغال العامة الكويتية أن "قطاع هندسة المشاريع الكبرى سيطرح 9 مناقصات خلال السنة المالية 2024/2025، تتعلّق بمشروع ميناء مبارك الكبير".

وكشفت الوزارة، أن "موعد الإعلان المتوقع سيكون في بداية سبتمبر 2024، فيما تراوحت مدة التنفيذ المحددة للمناقصات بين 6 أشهر و30 شهرا وصولا إلى 36 شهرا، ما يعني أن بدء تشغيل المرحلة الأولى من المشروع ستكون خلال 2027 بحسب المستهدفات"، وفقا للصحيفة.

وجاء تحرك الكويت لاستئناف إنشاء ميناء "مبارك الكبير" بعدما ألغت المحكمة الاتحادية العراقية اتفاقية خور عبدالله التي تنظم الملاحة بين البلدين، في 4 سبتمبر 2023، إضافة إلى توقيع بغداد اتفاقا رباعيا لمشروع "طريق التنمية" مع تركيا والإمارات وقطر، في 22 أبريل 2024.

المشروع هو طريق بري وسكة حديدية تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، ويبلغ طوله وسكة الحديد 1,200 كيلومتر داخل الأراضي العراقية، ويهدف بالدرجة الأولى إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.

وتبلغ ميزانيته، نحو 17 مليار دولار، وسيوفر مليون فرصة عمل بعد إنجازه بالكامل، إذ من المقرر أن يُنجز المشروع على 3 مراحل، أولها تنتهي عام 2028 والثانية في 2033 والثالثة في 2050.

خياران للكويت

وبخصوص الجدوى الاقتصادية من استئناف الكويت لبناء ميناء مبارك الكبير في ظل وجود طريق التنمية العراقي، قال السياسي العراقي محافظ البصرة السابق، وائل عبد اللطيف إن "الخطوات الأولى لبناء ميناء مبارك الكبير في هذا المكان كانت غير موفقة".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "الكويت خالفت القوانين البحرية وقانون البحار تحديدا لعام 1982 في اختيار مكان ميناء مبارك، ولو أن الحكومة العراقية قدّمت شكوى ضدها في محكمة المياه بمدينة ميونخ لكسبت الدعوة من أول جلسة وألغت الميناء".

و"قانون البحار" اتفاقية دولية دخلت حيز التنفيذ في 1994، وتوفر إطارا قانونيا متكاملا لآلية الانتفاع بمياه البحار والمحيطات في العالم، وتضمن الحفاظ على الموارد البيئية والبحرية.

ولفت عبد اللطيف إلى أن "الكويت أرادت أن تعمل ربطا سككيا مع العراق حتى تمرر بضائعها، لكن الأخير امتنع لأنه يسبب توقفا لموانئه بالكامل، وسيقتصر عملها على الترانزيت فقط، بينما ترسو البواخر باتجاه الموانئ الكويتية، ثم تذهب باتجاه طريق الحرير الصيني أو غيره".

وأكد السياسي العراقي، أن "الكويت عندما علمت أن مشروع ميناء مبارك الكبير انتهى بفعل طريق التنمية العراقي، بحثت عن قوة ساندة لإحيائه، لذلك ذهبوا إلى الصين، وأبرموا معها اتفاقية".

وأشار إلى أن "الكويت ممتعضة اليوم لأن العراق ارتبط مع الإمارات وقطر وتركيا، وهذا يشكل لوبي اقتصاديا قويا بعيدا عنها، رغم أن مواصفات طريق التنمية لم تعرض تفاصيلها على العراقيين".

وعلى هذا الأساس، رأى عبد اللطيف أن "الكويت قد تطلب من العراق عقد اتفاقية للدخول ضمن مشروع طريق التنمية، أو الاتفاق على ربط سككي مع الجانب العراقي، حتى يكون لهم طريق إلى دول العالم".

وأردف: "إذا عمل ميناء الفاو الكبير من الناحية الفعلية فإنه يغذي أكثر من 68 دولة في العالم، وهذا عمل كبير جدا، لذلك الكويت تعول على العراق إما بالدخول ضمن مشروع الطريق أو الحصول على ربط سككي".

“محطة خاسرة”

ورغم أن الكويت لم تكشف عن الجدوى الاقتصادية من استئناف العمل بمينائها، لكن المحلل الاقتصادي الكويتي نايف العنزي، قال، إن "ميناء مبارك تعرَّض لضربة كبيرة قد تُفقده أهميته، بعد توقيع اتفاق طريق التنمية بين العراق وتركيا والإمارات وقطر". 

وأوضح العنزي خلال مقابلة تلفزيونية في 26 أبريل، أنه "إذا جرى إنجاز مشروع ميناء مبارك فسيكون مشلولا أو بطاقة تشغيلية أقل من المتوقع، لذلك على الكويت أن تحاول من خلال القنوات الدبلوماسية إيجاد مكانة لها في مشروع طريق التنمية".

من جهته، قال السياسي والنائب الكويتي السابق مسلم البراك، إن "ممرات الكويت المائية أصبحت محطة خسارة لا تنفع الرايح ولا الجاي بعد توقيع اتفاق طريق التنمية العراقي-التركي".

وأوضح البراك في حديث لعدد من الصحفيين في 27 أبريل، أن "توقيع الاتفاقية الاقتصادية (العراق، تركيا، قطر، الإمارات) يوم حزين بالنسبة للكويت، فهل يعقل أن المرحلة الأولى لبناء ميناء مبارك التي من المقرر أن تنجز خلال 4 سنوات بقيت 20 عاما".

وفي 4 سبتمبر 2023، بدأ فعليا إجهاض ميناء مبارك، حين أصدرت المحكمة الاتحادية في العراق (أعلى سلطة قضائية) قرارا يقضي بعدم دستورية قانون تصديق اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله، التي جرى المصادقة عليها من البرلمان العراقي بالقانون رقم 42 لعام 2013.

وعزت المحكمة قرارها إلى مخالفة البرلمان العراقي في حينها أحكام الدستور الذي ينص على تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.

وقرار المحكمة العراقية جاء بناء على شكوى أقامها عدد من نواب البرلمان على اتفاقية خور عبدالله عام 2023، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.

وظهر سعود الساعدي النائب في البرلمان العراقي، عن كتلة "حقوق" التابعة لمليشيا "كتائب حزب الله" في العراق، في مقطع فيديو في 4 سبتمبر 2023، يقول فيه إنه كسب دعوى قضائية رفعها لإبطال اتفاقية خور عبدالله مع الكويت.

من جهته، عدّ البرلماني العراقي عارف الحمامي، قرار المحكمة الاتحادية المتعلق باتفاقية الملاحة البحرية في خور عبدالله، رفعا للحجة القانونية عن الحكومة والقائمين عليها.

وأفاد الحمامي في تصريح نقلته وكالة "تقدم" العراقية في 5 سبتمبر 2023، بأن "قرار المحكمة الاتحادية، ملزم للطرفين العراق والكويت، فهي رفعت الغطاء القانوني والشرعي عن الاتفاقية ورفعت الحجة القانونية للحكومة والقائمين عليها".

وأصدر مجلس الأمن الدولي في 1993 القرار رقم 833، وينص على تقسيم مياه خور عبد الله مناصفة بين البلدين، وصدّق العراق على الاتفاقية في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، في عهد الحكومة الثانية لنوري المالكي (2010 ـ 2014).

و"خور عبد الله"، ممر مائي ضيق يفصل بين العراق والكويت، ويقع شمال الخليج العربي، بين جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين وشبه جزيرة الفاو العراقية، ويمثل أحد أبرز ملفات ترسيم الحدود بين البلدين.

وهذه المنطقة لطالما كانت محل نزاع بين البلدين حتى قبل استقلال الكويت عن بريطانيا في 1961، بالنظر إلى عدم امتلاك العراق سواحل طويلة على الخليج، والتي لا تتجاوز 58 كلم.

ووجود جزيرتي وربة وبوبيان قبالة سواحل العراق، وعلى مسافة قريبة منها، يحرمه من امتلاك موانئ عميقة واستقبال السفن العملاقة، أو أن تكون له منطقة اقتصادية واسعة، أو بناء قوة بحرية كبيرة تنافس نظيرتها في إيران مثلا، باستثناء منطقة شبه جزيرة الفاو.

ولذلك سعت بغداد طوال عقود وبمختلف السبل للسيطرة على الجزيرتين واستبدالهما في 1965 بميناء أم قصر على ضفاف خور الزبير، الذي يعد امتدادا طبيعيا لخور عبد الله لكن داخل الأراضي العراقية، كما اقترحت بغداد تأجيرهما خلال الحرب ضد إيران (1980 ـ 1988).