انتخابات هزلية.. هكذا استغل السيسي حرب غزة للتغطية على فشله الاقتصادي

منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"هناك مليونان (في غزة) يريدون الدخول عندنا (إلى بلادنا).. لا يمكن أن نكتفي بالمشاهدة.. يجب أن نخرج (للمشاركة في الانتخابات) ونقول لا للتهجير"!.

كلمات قالها مذيع السلطة "أحمد موسى" على قناة صدى البلد عشية انطلاق تمثيلية انتخابات الرئاسة المصرية 10 ديسمبر/كانون أول 2023، ومعه عشرات من إعلاميي نظام عبد الفتاح السيسي، مستخدمين غزة كفزاعة للمصريين للنزول للصناديق.

كان التحذير من "خطر التهجير" في البداية هو فزاعة إعلام السلطة للمصريين لتبرير تخاذل النظام عن توصيل المساعدات إلى غزة.

ثم تحول، مع اقتراب الانتخابات إلى جرس إنذار لينتخبوا رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بدعوى أنه هو من سيتصدى للتهجير، رغم دوره المتواطئ فيه.

محللون مصريون يرون أن استخدام السيسي خطر تهجير سكان غزة كفزاعة لدفع المصريين للنزول للتصويت في هذه الانتخابات المحسومة سلفا، والمتوقع تزويرها في كل الأحوال لتثبيته في السلطة حتى 2030، لن يمنع انفجار قنبلة "الديون".

يؤكدون أن هذه القنبلة التي تعمق ديون المصريين وتقودهم إلى الجوع تكبر وستنفجر وقد لا تبقيه في كرسيه خلال فترته الرئاسية الثالثة.

أكدوا أن البلد مقبل على أيام صعبة وقاسية جدا بعد انتخابات الرئاسة، خاصة بعد إجبار المصريين هذه المرة على النزول بطرق أمنية بشعة امتدت إلى احتجاز وجمع بطاقات هوية غالبية فئات الفقراء والموظفين وحتى توقيف السيارات في الشوارع وإجبار من بها على التصويت.

غزة ومصر

نتائج انتخابات الرئاسة المصرية باتت محسومة بعدما استبعد نظام السيسي أبرز مرشحين أمامه، هما أحمد طنطاوي بمنع التوكيلات عنه ثم محاكمته، وهشام قاسم، بسجنه لما بعد الانتخابات، وسمح بثلاثة "كومبارسات" فقط أمامه.

لكن ألقى العدوان الإسرائيلي على غزة بظلاله على الانتخابات، وزاد من تهميش اهتمام المصريين بها، ما دفع النظام للاستنفار لحشدهم بالقوة تارة والرشاوي تارة أخرى، والترهيب تارة ثالثة.

البرامج التلفزيونية في القنوات المحلية المقربة من أجهزة المخابرات المصرية، ربطت بوضوح بين الانتخابات والعدوان في غزة، لكن من زاوية تخويف المصريين من هجوم أهاليها على مصر بالتهجير وأنه لن يتصدى لذلك سوى السيسي.

وهو ما عكس رؤية وسائل إعلام السلطة التي سعت لنقلها للمصريين بأن السيسي سيحميهم من غزة ومخطط التهجير الإسرائيلي.

حاول إعلام السلطة جعل قضية غزة أولوية حتى مقارنة بالأزمة الاقتصادية، بعدما صوروا الأمر للمصريين بأن هناك تهديدا كبيرا وحقيقيا للأمن القومي المصري، بسبب محاولة تهجير الفلسطينيين لمصر، بغرض دفعهم للالتفاف حول السيسي.

ومع هذا، غاب السيسي عن أي لقاءات أو مؤتمرات تتعلق بترشحه لفترة ثالثة ستبقيه رئيسا لمصر حتى 2030، وانشغل بلقاءات مع زعماء ومسؤولين غربيين وعرب تتمحور أغلبها حول العدوان وتداعياته، وسعيه لإنقاذ غزة.

كان الجدل الدائر في مصر قبل الانتخابات يركز على تصاعد القمع، والأوضاع الاقتصادية المتردية، والتدهور غير المسبوق في سعر العملة وارتفاع الأسعار، وعقدت جلسات حوار وطني مع قوى يسارية وليبرالية للتخدير وتهدئة الغضب نسبيا.

لكن فجأة "اختفى" كل ذلك بشكل كبير، وبات التركيز الأكبر سواء شعبيا أو إعلاميا على الأوضاع التي انفجرت في غزة.

حاول إعلام السلطة الإيحاء للمصريين بأن اندلاع أحداث غزة يشكل تهديدا محتملا عليهم، نظرا لحدود مصر المشتركة مع القطاع، ومن ثم نشر هذه المخاوف في عقل المواطن بشكل أكبر لينسى الأوضاع الاقتصادية السيئة، ويقدم الأمن على الطعام.

صحيفة "لوموند" الفرنسية أكدت في 8 ديسمبر 2023 أنه من خلال إظهار دوره كوسيط أساسي في الصراع، "سعى عبدالفتاح السيسي إلى استعادة مكانته على الساحة الدولية".

وأوضحت أن السيسي سعى لاستغلال غزة عنوانا لحملته الانتخابية وكان ظهوره الوحيد في هذه الانتخابات، وهو يسير وسط حرس شرف مكون من عشرات الشاحنات من المساعدات للقطاع، كأنه مُنقذها ليحوز على رضا المصريين.

وأضافت: "يريد السيسي إبراز صورة الرئيس المنشغل بحل قضية اللحظة الملتهبة، وتقديم نفسه كشريك أساسي في الوساطات الجارية بين إسرائيل و(حركة المقاومة الإسلامية) حماس"، وذلك رغم أن الدور الأكبر نفذته قطر التي سحبت البساط منه، وفق ما قالت "الاستقلال" سابقا.

"لوموند" أكدت أنه إذا كان السيسي قد سعى لجعل الأزمة في غزة هوايته، فهو فعل ذلك ليتجنب ذكر أزمات داخلية عديدة مثل التدهور غير المسبوق للاقتصاد المصري، الذي تعرض بسببه لانتقادات شديدة.

وعشية إعلان ترشحه، دعا السيسي الشعب المصري إلى شد الأحزمة، وقال: "إذا كان ثمن التقدم والازدهار هو الجوع والعطش، فلا نأكل ولا نشرب"، مما أثار موجة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقالت لوموند إن السيسي يُبقي الأنظار على غزة أيضا، ليغطي على قمع حرية التعبير والضغط على المعارضة، التي امتدت لمنع أي مظاهرات تضامنية معها إلا تلك التي هندستها أجهزته الأمنية، وكانت تستهدف منها "توجيه الغضب المصري" بدل انفجاره في وجه السلطة.

صحيفة "نيويورك تايمز" أكدت 10 ديسمبر 2023 أن وزير الدفاع السابق، عبد الفتاح السيسي، الذي استمر في السلطة بالقبضة الأمنية الحديدية، وبات لا يحظى بشعبية في بلده بسبب الانهيار الاقتصادي البطيء "حصل على فرصة أخرى بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر".

وهو ما سمح له بمحاولة ترسيخ صورته بطلا للقضية الفلسطينية" في الداخل، وزعيما إقليميا لا غنى عنه بالنسبة إلى الخارج".

"نيويورك تايمز" نقلت عن محللين ودبلوماسيين أن "الأزمة الاقتصادية ثقبت هالة الحصانة التي يتمتع بها السيسي"، حيث باتت الأسر والشركات وكل الأوضاع المالية في البلاد "تنزف".

وأكدت أن العديد من المصريين يشعرون باليأس من الوضع الاقتصادي السيئ، ويقترضون شهرا بعد آخر فقط لدفع ثمن حاجاتهم الأساسية، وتضاعفت الأسعار ويخشون موجة غلاء جديدة إذا خفضت الحكومة قيمة العملة مجددا بعد الانتخابات.

وألمحت إلى علم المصريين أن السيسي متواطئ مع الغرب ضد غزة، مؤكدة أنهم "يقظون لأي إشارة تشير إلى أن حكومتهم قد تكون متواطئة في معاناة القطاع".

وذلك من خلال الموافقة على القيود الإسرائيلية على المساعدات المتدفقة من مصر إلى القطاع أو مقترحات لنقل سكان غزة إلى مصر مقابل الدعم.

وأشارت الصحيفة إلى نفاد صبر صندوق النقد الدولي والممولين الخليجيين الأثرياء في انتظار أن تفي مصر بوعودها بالإصلاح الاقتصادي، رغم أن الخبراء لا يعرفون كيف سيتم تجنيب البلاد التخلف عن سداد ديونها الخارجية البالغة نحو 165 مليار دولار.

رؤية "التزوير"!

اكتفى السيسي في مرحلة ما قبل التصويت بترك مدير حملته، المستشار محمود فوزي، لينافس باقي المرشحين، ويظهر في مناظراتهم، ما أكد أنهم مجرد "كومبارس".

اختفاء السيسي عن الظهور أو طرح أي برنامج كمرشح، برره مدير حملته، الذي ظهر باكيا وهو يقدم "إنجازات الرئيس"، وكشفت صحف كذبه، بادعاء أن "الزعماء يقدمون رؤية، والبرنامج يقدمه مرشحو مجلس النواب".

ولكن يوم الانتخابات ظهر أن هذه الرؤية هي "التزوير والرشاوي" وإجبار المصريين على التصويت بعصا الأمن.

التزوير بدأ بإعداد "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" المملوكة للمخابرات العامة، نشرة بقائمة من المحظورات خلال تغطية الانتخابات الرئاسية، وإرسالها إلى إدارات القنوات التليفزيونية والمواقع الإلكترونية التابعة له.

وحسب موقع "صحيح مصر" تضمنت قائمة المحظورات "منع بث أي مواد تُظهر أشكال التعبئة أو الحشد للمواطنين للتوجه إلى التصويت ومنع تصوير أو بث أي لقطات لتوزيع المواد الغذائية على المواطنين قبل أو بعد التصويت، أو أي لقطات للأوتوبيسات التي تنقلهم إلى أماكن الاقتراع".

كما تضمنت "منع بث أي مواد تُظهر عزوف المواطنين عن المشاركة في التصويت والفراغ داخل اللجان، أو أي مواد تُظهر إصدار التعليمات للمواطنين وتوجيههم للتصويت لمرشح بعينه، أو أي دعاية للمرشحين داخل اللجان، أو أي صورة تعبر عن مشاكل التنظيم"

كما نصت قائمة المحظورات أيضا على "منع تصوير مشاهد الاحتفال أمام اللجان، إذا كانت تخالف الآداب العامة والتقاليد المصرية".

�� أصدرت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية المملوكة للدولة، نشرة بـ"المحظورات" خلال تغطية #الانتخابات_الرئاسية_المصرية، وأرسلتها إلى إدارات القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية التابعة لها.

⚠️ حصلت صحيح مصر على نسخة من تلك القائمة، والتي تتضمن منع تصوير أو بث أي خروقات تعتري… pic.twitter.com/6jTmihmyZl

— صحيح مصر (@SaheehMasr) December 10, 2023

لهذا قررت هيئة المكتب بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (بديل وزارة الإعلام) 11 ديسمبر 2023 إجراء تحقيق فوري مع المسؤولين عن موقع "صحيح مصر" وإحالتهم إلى النائب العام.

المصريون الغاضبون صوروا أتوبيسات نقل عام وخاص جرى توجيهها بالقوة من قبل الجهات الأمنية لمقار الانتخابات لإظهار "الإقبال الكبير" المزعوم على الانتخابات.

فضيحة قديمة للعسكر اقبال كبير ��
كل انتخابات العسكر بالإكراه #مصر_محتلة و #العصيان_المدني_هو_الحل
��ب 200 جنيه للصوت وكسين سكر
في ناس هتشتم الشعب وتقول شعب ابن كيس سكر #انتخبوا_عدو_الله
يا باشا دول اللجان ال بيشتموك مش الشعب
اللجان الانتخابية والعرس #مصر_تنتخب_رئيسها pic.twitter.com/1E3mDsXfar

— مـصــر الـمحـتـلة (أناةُ القِطِّ ووثبةُ الأسد) (@ALBHRALTAEB) December 10, 2023

الإعلامي حافظ المرازي أكد جمع الأمن المصري بطاقات الهوية من حرّاس العمارات والموظفين والمدرسين، للتصويت ولا يمكنهم استردادها قبل ذلك وإلا تعرضوا للبطش.

سمعت ان اول من سيدلون بأصواتهم صباح اليوم في انتخابات الرئاسة المصرية هم البوابون وحرّاس العمارات، لأن الأمن جمع بطاقاتهم الشخصية ليلا، ولكي يمكنهم استردادها بدل التعرض لمشاكل المشي بدون بطاقة، سيتوجهون إلى اللجان الانتخابية حسب عناوينهم للحصول عليها، بعد التصويت أولا وعلى أصبعهم… pic.twitter.com/cMP6l0ZqBv

— حافظ المرازي (@HafezMirazi) December 10, 2023

وصل الأمر إلى تسيير سيارات بميكروفونات في شوارع مصر تهدد المصريين: "لو ما نزلتش (تنتخب) تبقى بيبيع وطنك، وخائن للوطن، وشوف لك بلد تانية تعيش فيها".

كان الهدف هو إظهار أن المصريين شاركوا بالملايين لانتخاب السيسي الذي دعاهم من قبل لإعطائه تفويضا ليحميهم من تداعيات حرب غزة، لذا جرى إشراك شيوخ السلطان مثل المفتي السابق علي جمعة الذي أحل قتل معتصمي رابعة العدوية.

لم يجر الاكتفاء بظهور "جمعة" عبر إذاعة القرآن الكريم التي يسمعها ملايين المصريين ليدعوهم للانتخابات وترشيح السيسي علنيا.

ولكنه أطلق تصريحا مضللا في اليوم الأول للانتخابات يزعم أن الحضور في أول يوم ما بين 40 و45 بالمئة من نسبة مشاركة.

وتحسبا لتراجع نسب التصويت لعزوف المصريين قال جمعة إن النسب العالمية لا تزيد عن 25 بالمئة في الولايات المتحدة وغيرها.

وذلك رغم أن المعدل العالمي للإقبال على الانتخابات الرئاسية يبلغ 63.8 بالمئة، وفي الانتخابات البرلمانية 60.9 بالمئة بحسب إحصائيات موقع Wise Voter.

لم تكتف لجنة الانتخابات بالسماح، بالتصويت ببطاقات هوية منتهية الصلاحية رغم مخالفة ذلك لقوانين الدولة، بل جرى رصد فنانة معروفة وهي تصوت مرتين في السعودية ثم داخل مصر واكتفى قضاة الانتخابات بالقول إنهم يحققون في الأمر.

أما على صعيد الترغيب فقد انتشرت فيديوهات لمصريين يؤكدون حصولهم على 200 و300 جنيه للتصويت.

�� عين شمس القاهرة انتخب السيسي واحصل على 300 جنيه لكل صوت pic.twitter.com/VFeNcbAnQG

— omar elfatairy (@OElfatairy) December 10, 2023

وتحت عنوان "انخفاض ملحوظ في سعر الناخب" أكد موقع "مدى مصر" المستقل 10 ديسمبر 2023 أن ناخبين في بعض المناطق تسلموا، "بون" يُستبدل بـ 200 جنيه (4 دولار) لشراء مواد غذائية، كما توزعه جمعيات تابعة للسلطة.

ووعدهم آخرون من أنصار أحزاب ورجال أعمال محسوبين على السلطة، بـ"شنطة" مواد غذائية بعد التصويت في مناطق أخرى.

نقل الموقع عن "متعهد انتخابي" أمام مدرسة قوله: "السيسي كده كده كسبان وأدينا بنساعد الغلابة و200 جنيه مش وحشين".

وأوضح أنه يعمل على صرف الـ 200 جنيه للناخب بعدما يتأكد من وجود آثار الحبر الفسفوري على يده.

ووثق مواطن مصري توزيع رشاوي بقيمة 300 جنيه (6 دولارات) على المواطنين لانتخاب السيسي بمنطقة عين شمس الفقيرة بشرق القاهرة.

"300 جنيه لكل صوت"..
مواطن يوثق توزيع رشاوى على المواطنين لانتخاب السيسي في عين شمس بالقاهرة pic.twitter.com/0uAkHJ9OfK

— شبكة رصد (@RassdNewsN) December 10, 2023

وظهر شخص تابع للسلطة وهو يعلن توزيع سلع غذائية وأجهزة كهربائية على الناخبين أمام اللجان الانتخابية بإحدى لجان محافظة الدقهلية.

توزيع سلع غذائية وأجهزة كهربائية على الناخبين أمام اللجان الانتخابية بإحدى لجان محافظة الدقهلية pic.twitter.com/qu1p4Gntin

— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) December 10, 2023

وللسخرية، نشر مصريون مقطع فيديو من فيلم مصري يوثق ممارسات تزوير الانتخابات بحشد متعهدين وأموال خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك ليؤكدوا أنه نفس ما يجرى حاليا في عهد السيسي.

تخيلوا ان المشهد دة كان في ٢٠٠٩ ومبارك موجود
احنا في اسود لحظات مصر من قرن ونص pic.twitter.com/gPL16OnL2P

— Ahmed Abdeen (@aabdeen24) December 10, 2023

وانتشرت فيديوهات للرقص أمام اللجان من مؤيدي السيسي كالعادة، وظهر قيادي بحزب "مستقبل وطن" الداعم لرئيس النظام يقول: "لازم نطلع نرقص ونطبل".

قنبلة الديون

وفي 30 نوفمبر/تشرين ثان 2023 أكد البنك المركزي المصري في أحدث تقاريره أن إجمالي أقساط الديون والفوائد المستحقة على مصر نحو 42.3 مليار دولار خلال عام 2024 فقط.

أوضح أنه سيتعين على مصر سداد نحو 32.8 مليار دولار ديون متوسطة وطويلة الأجل خلال 2024، ونحو 9.5 مليارات دولار أخرى من أقساط الديون والفوائد قصيرة الأجل خلال النصف الأول من 2024.

وبموجب تقرير البنك المركزي، سجل الدين الخارجي لمصر بنهاية العام المالي الماضي (يوليو/تموز 2022-2023) نحو 164.7 مليار دولار، بعدما كان 165.4 مليار دولار في مارس/آذار 2023.

يعني هذا تضاعف الدين الخارجي لمصر بنحو أربع مرات خلال العقد الماضي (العشر سنوات التي استولى فيها السيسي على الحكم)، ليبلغ مستوى قياسيا عند قرابة 165 مليار دولار، نتيجة زيادة الاقتراض من المقرضين متعددي الأطراف وأسواق الدين العالمية. 

ويعادل هذا نحو 40.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، أي أقل من حاجز الـ 50 بالمئة المقدر من جانب صندوق النقد الدولي لمستويات الديون التي يمكن السيطرة عليها.

الخطورة، كما يراها خبراء اقتصاد، أن أقساط الديون المستحق على مصر دفعها في عام واحد فقط، خلال 2024، وهي أكثر من 42 مليار دولار، تُعد أكبر من جميع ديون مصر في عهد حكم الرئيس السابق حسني مبارك الذي قامت عليه ثورة 2011، والتي كانت 38 مليار دولار.

أهم إنجازات السيسي في 9 سنوات :
1. انهيار اقتصادي مخيف (خفضت وكالة فيتش تصنيف مصر الائتماني من B إلى B-)
2. انهيار العملة الوطنية، الجنيه بين العملات العشر الأسوأ أداء في العالم (تسلم الحكم والدولار يساوي 7 جنيهات، فوصل اليوم إلى 50 جنيها)
3. انهيار التعليم ، تصنف مصر في عهده بين… pic.twitter.com/Q0ZonO361H

— جمال سلطان (@GamalSultan1) December 10, 2023

والكارثة أن هذه الـ 165 مليار دولار، ليست هي مجمل ديون مصر، فقد أكدت تقارير "مجموعة الأمم المتحدة للاستجابة للأزمات"، وصندوق النقد الدولي أن ديونها الفعلية 421 مليار دولار، أي "ربع ديون حكومات إفريقيا"، بحسب موقع "الشرق بلومبيرغ".

والفارق بين هذا الرقم (421 مليارا) والدين الخارجي (165 مليارا) هو الدين الداخلي، أي الأموال التي تقترضها الحكومة من ودائع المصريين في البنوك.

ويقدر الدين الداخلي بـ 255 مليار دولار تقريبا، أي 8 ترليونات جنيه من ودائع المصريين في البنوك التي تُقدر بـ 10 تريليونات جنيه.

قالك ديون مصر في الحدود الآمنة ��

طبعا هيجي مواطن يقولي هو اذاي الدين في مصر ٤٢١ مليار دولار، واحنا الدين الخارجي بتاعنا ١٦٦ مليار دولار بس؟

انا سعيد انك سألت السؤال ده…

الفرق ده هو الدين الداخلي سعادتك، الفلوس اللي الحكومة مستلفاها من ودائع الناس في البنوك، حسب الأرقام هنا… pic.twitter.com/M2HOrbSZIn

— Amr Bakly عمرو بقلي ���� (@ABakly) August 16, 2023

ورغم أن السيسي سعى لتدبير بعض هذه الأقساط لدفع الديون الخارجية عبر تمديد الودائع الخليجية في البنك المركزي حتى 2024 و2026 (5.7 مليار دولار للإمارات و4 للكويت و5 للسعودية مع الإمارات)، فلن يفلح ذلك في سداد أقساط الديون الباهظة.

كما أن هذه الودائع (قرابة 15 مليار دولار) هي جزء من احتياطي النقد الأجنبي الذي يقدر بـ 35 مليار دولار، ويعد رمانة الميزان لشراء احتياجات الدولة من الخارج.

لهذا لجأ نظام السيسي مجددا إلى صندوق النقد برغم شروطه القاسية. وبعدما كان يجرى الحديث عن زيادة الدين المطلوب من 3 إلى 5 مليار دولار، سربت السلطة أنها تسعى لدين يصل إلى 15 مليارا.

وقالت المذيعة المقربة من السلطة لميس الحديدي، في برنامجها على قناة "أون" المملوكة للمخابرات، إن مصادر لم تسمها أبلغتها أن الحكومة تجري محادثات مع الصندوق بشأن رفع قيمة القرض إلى 10-12 مليار دولار.

 

لكن جديد قرض الصندوق هذه المرة أنه لم يعد يستعجل تخفيض سعر العملة المصرية (التعويم) والتي انهارت في السوق السوداء لتبلغ 50 جنيها للدولار الواحد مقابل 31 جنيها للدولار وفق السعر الرسمي غير المتوفر.

وأشارت المديرة العامة للصندوق كريستالينا جورجييفا لموقع "اقتصاد الشرق" 4 ديسمبر 2023 أن تخفيضا آخر لقيمة العملة "قد لا يكون مطروحا في المستقبل القريب".

أكدت أن الصندوق يعطي حاليا الأولوية للسيطرة على التضخم لا إصلاح سعر الصرف.

ودفع تَأثُّر الاقتصاد في مصر بالعدوان على غزة، صندوق النقد الدولي للحديث عن زيادة قروضه للقاهرة ضمن برنامج الإنقاذ المصري، بحسب مجلة "فورين بوليسي" 22 نوفمبر.

أما سر هذه الطبطبة الغربية على نظام السيسي، بعدما كان الصندوق يشترط تعويما جديدا للجنيه، فهو العدوان على غزة، الذي يقول موقع "إنتربريز" المالي 4 ديسمبر 2023 إنه "من المرجح أن يجعل المقرضين الدوليين أكثر تفاهما".

وتحدثت العديد من التقارير الأجنبية عن تفاهمات غربية مع السيسي على المشاركة في خطة تصفية حركة حماس وتهجير جزء من أهالي غزة لسيناء، مقابل إسقاط بعض ديون مصر ودفع مساعدات لنظامه. 

وذكرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في 15 نوفمبر 2023، أن الاتحاد الأوروبي يخطط لضخ استثمارات بنحو 10 مليارات يورو في مصر.

هذا إلى جانب تدابير لتخفيف عبء الديون "للمساعدة في استقرار اقتصاد البلاد" في ظل حرب غزة، والحد من الهجرة عبر البحر المتوسط.

وكانت كبيرة الاقتصاديين في بنك أبو ظبي التجاري مونيكا مالك قالت لموقع "بلومبيرغ" 7 ديسمبر 2023: "لا أحد (تقصد الغرب) يريد أن يرى مصر (نظام السيسي) تفشل الآن، أو أن تتفاقم الأوضاع الاقتصادية".

أكدت أن الحرب الإسرائيلية على غزة تعني أن "المزيد من الشركاء الدوليين سيكونون على الأرجح على استعداد لتقديم دعم إضافي لمصر".

وتقول بلومبيرغ إن "مصر بحاجة إلى المال وحرب غزة تعطي العالم أسبابا جديدة للمساعدة".

الكلمات المفتاحية