أميركا وروسيا والصين تورد السلاح إلى ميانمار.. ما أهداف كل منها؟
"التوترات في ميانمار يمكن أن تكون جزءا من إستراتيجية أميركية أوسع نطاقا"
في ظل تركيز اهتمام العالم على الحرب الروسية الأوكرانية والعدوان الإسرائيلي على غزة، يلفت موقع "تيليبوليس" الألماني الأنظار إلى الصراع المتصاعد في ميانمار بعد الانقلاب العسكري في فبراير/ شباط 2021.
ومنذ ذلك الانقلاب الذي استحوذ فيه جيش ميانمار على السلطة، دخلت البلاد في دوامة حرب أهلية بين مختلف الأطراف المحلية، وهو ما أدى إلى مقتل أكثر من 50 ألفا، ونزوح ما يقرب من 2.3 مليون شخص، وقد اتُّهم الجيش بمسؤوليته عن 85 بالمئة من الضحايا.
ومن أبرز أطراف الصراع؛ جيش ميانمار (أكبر فرع للقوات المسلحة تاتماداو)، وحكومة الوحدة الوطنية (NUG)، وجيش أراكان الذي انضم ليشكل تحالف الإخوة الثلاثة، وغيرهم من جماعات ومنظمات عرقية مسلحة (EAOs).
وفي هذا التقرير يسلط الموقع الضوء على كيف أصبحت هذه الدولة ساحة لصراع القوى الكبرى؛ الولايات المتحدة والصين وروسيا، مسلطا الضوء على مصالح كل من الأطراف الدولية، ووسائل كل منها في الحفاظ على النفوذ في ميانمار.
مأساة إنسانية
في الأيام الأخيرة، أعربت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن قلقها إزاء تصاعد العنف في شمال الدولة الآسيوية.
ورغم أن أسباب التصعيد لم تُذكر، إلا أنه يمكن القول إن الصراع يدور على السلطة في ميانمار بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى.
ويوضح الموقع الألماني أن تحذيرات الأمم المتحدة تتعلق في الأقل بالعواقب التي تهدد السكان المدنيين.
حيث عانى السكان المدنيون من مجموعة الروهينغا "العرقية" على وجه الخصوص، إذ وقع العديد من الضحايا مرة أخرى.
ووصفت المتحدثة باسم الأمم المتحدة، رافينا شمداساني، الوضع بأنه "مأساوي". ووفقا لها، وقعت غارات جوية على بلدة "بوثيدونج" تسببت في إحراقها.
فضلا عن التقارير الموثوقة التي تفيد بـ "حدوث إطلاق نار على القرويين العزل الفارين، حتى إن المأساة وصلت لقطع رؤوس".
وفي هذا السياق، يذكر الموقع أن اللوم في هذه الفظائع أُلقي على كل من جيش ميانمار وجيش أراكان المتمرد، المعروف باسم الجناح المسلح لشعب (راخين) الذي يقاتل من أجل الاستقلال عن الحكومة المركزية.
وأمام هذه الأزمة، يبرز الموقع أن "الصراع على السلطة في الدولة الآسيوية المعزولة منذ فترة طويلة أصبح أكثر حدة، ويمكن أن يتطور إلى أحد الصراعات الجيوسياسية الكبرى القادمة".
وبحسب الأرقام المنشورة، في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024، سجل النظام العسكري 819 غارة جوية، أي بمعدل ست هجمات يوميا أسفرت عن مقتل 359 مدنيا وإصابة 756 آخرين.
ومقارنة بإجمالي عدد الغارات الجوية الموثقة في السنوات السابقة، يذكر الموقع أن 85 هجوما وقع في عام 2021، و339 في عام 2022، و1228 في عام 2023.
حرب باردة جديدة
بالعودة إلى بداية الصراع في ميانمار، الذي انتشر الآن في جميع أنحاء البلاد، يوضح الموقع الألماني أن نقطة البداية كانت في فبراير/ شباط 2021، مع استيلاء الجيش على السلطة بالقوة.
وبالأخذ في الحسبان أنه كثيرا ما يُتحدث عن "حرب باردة جديدة"، يتساءل الموقع "هل ستصبح البلاد مسرحا لحرب بالوكالة بين القوى الكبرى؛ الولايات المتحدة والصين وروسيا؟".
وفي هذه النقطة، يشير عدد من الخبراء؛ مثل الصحفي بيرتيل لينتنر، الذي يعيش في تايلاند، إلى أن "التطورات في ميانمار من الممكن أن تسهم بشكل كبير في إحداث تحول في ميزان القوى العالمي".
جدير بالذكر أن الولايات المتحدة تدعم حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت بعد الانقلاب العسكري وحلفاءها المسلحين، قوات الدفاع الشعبي.
وفي المقابل، تميل الصين وروسيا إلى العمل إلى جانب المجلس العسكري الحاكم، وإن لم يكن ذلك دائما علنا، وفق ما ورد عن الموقع.
الدول المتصارعة
من جانبها، تهدر الصين، التي قامت باستثمارات كبيرة في ميانمار، جزءا كبيرا من اهتمامها على هذا الصراع وما يحققه من نتائج، وفق الموقع.
فمن ناحية، تبيع بكين معدات عسكرية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وبشكل آخر، قبلت بكين حتى الآن أن "تنتهي الأسلحة الصينية في أيدي بعض جيوش المقاومة العرقية".
ومن وجهة نظر لينتنر، يشير هذا النهج إلى أن "الصين تريد ممارسة نفوذها، لكنها لا تريد تصعيد الصراع إلى الحد الذي يهدد استثماراتها".
وعلى جانب آخر، بشأن دور الولايات المتحدة، يقول الموقع إن الحكومة الأميركية اقتصرت حتى الآن على توريد الأسلحة غير الفتاكة إلى حكومة الوحدة الوطنية.
وفي الوقت نفسه، يلفت إلى أن الولايات المتحدة تجنبت تسليم الأسلحة المباشرة إلى تحالف المتمردين. ولكن رغم ذلك، يشدد الموقع على أن "الاقتراب السياسي بين الجانبين لا شك فيه.
فمجرد حقيقة أن حكومة الوحدة الوطنية لديها مكتب في واشنطن يجعل الدعم الدبلوماسي الذي تقدمه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، واضحا.
ومن ناحية أخرى، في إشارة إلى عدم حدوث تصعيد مخيف إلى حرب بالوكالة مع الصين حتى الآن، يقول مراقبون إن "ذلك يعود إلى عدم وقوع هجمات على المصالح الصينية في البلاد -مثل خطوط أنابيب الغاز- حتى الآن".
وبينما تسعى الصين لتحقيق مصالح إستراتيجية في ميانمار، يشير الموقع إلى أن "روسيا مهتمة في المقام الأول بالربح الاقتصادي".
وفي هذا الصدد، يقول إن "ميانمار أصبحت سوقا مربحة لصناعة الدفاع الروسية".
حيث باعت روسيا طائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر وأسلحة ثقيلة أخرى إلى ميانمار، كما عرضت عليها التدريب العسكري.
بالإضافة إلى ذلك، في الآونة الأخيرة، وقعت شركة "روساتوم" النووية الحكومية الروسية إعلان نوايا لبناء محطة صغيرة للطاقة النووية في ميانمار.
العالم يغض الطرف
وبجانب القوى الثلاث، يلفت الموقع الأنظار إلى الدور الذي تلعبه تايلاند أيضا، حيث تعتمد البلاد على الغاز من ميانمار ولا تريد المخاطرة بالصراع مع الحكومة العسكرية.
ومن جانبها، تسعى الولايات المتحدة إلى حمل تايلاند على التسامح مع أنشطة حكومة الوحدة الوطنية على أراضيها، وخاصة في مدينة ماي سوت الحدودية.
وهذا يسمح لمعارضي المجلس العسكري بالعمل بأمان من الأراضي الأجنبية.
ولكن في المقابل، ينقل الموقع الألماني أنه "ليس من الواضح بعد إلى أي مدى ستسلِّم تايلاند للضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة".
وبالعودة مرة أخرى للحديث عن نوايا الولايات المتحدة في الصراع، يرى الموقع أن التوترات في ميانمار يمكن أن تكون جزءا من إستراتيجية أميركية أوسع نطاقا للحد من قوة الصين وروسيا في المنطقة".
ومن وجهة نظر الموقع، يجب الأخذ في الحسبان أن القنصلية الأميركية الجديدة في شيانغ ماي بتايلاند يُنظر إليها على أنها "علامة على التزام الولايات المتحدة طويل الأمد تجاه المنطقة".
وبقول آخر، يصف الموقع الألماني الوضع الحالي بأن "الأطراف المتصارعة تستعد للمعركة الكبيرة، ويقوم الأجانب المنخرطون فيها ببناء الهياكل اللازمة لذلك".