مؤرخ لبناني: العالم يعيش أزمات متشعبة والنموذج المهيمن دخل مرحلة الاحتضار

يرى أمين معلوف أن مسألة تدهور الغرب ليست جديدة
يرى المؤرخ والكاتب اللبناني أمين معلوف أن النموذج الأوروبي المهيمن دخل في مرحلة الاحتضار مع عدم تقديم القوى الأخرى بدائل أفضل، وسط أزمات عالمية لا تنتهي.
وأصدر معلوف أخيرا كتاب "متاهة الضائعين"؛ حاول عبره تشخيص النظام العالمي المحتضر، ما دفع صحيفة الكونفدنسيال الإسبانية لإجراء حوار معه حول رؤيته تجاه التطورات الدولية.
وقالت الصحيفة إن المؤرخ أمين معلوف ليس متفائلا بالعالم الذي نسير نحوه، حيث إن النموذج الأوروبي المهيمن يحتضر.
وبين أنه في حال لم نجد حلولا، فيبدو أن العالم يجرب حظه إلى غاية أن يحدث ذلك "الانزلاق" الذي يعجل بكارثة عالمية.
تراجع الغرب
وعبر كتابه الصادر حديثا، متاهة الضائعين، وبحثا عن الإلهام، أو بالأحرى التفسير، عبر التاريخ، خطّ معلوف تشخيصا للقوى الأخرى التي حاولت في مرحلة ما التشكيك في صحة التفوق الغربي على مستوى عالمي، من اليابان إلى الاتحاد السوفييتي، مرورا بالصين.
وهي قوى لم تتمكن من تجنب أن ينتهي بها الأمر إلى الاحتراق جراء الغطرسة أو عدم القدرة على تقديم نموذج بديل حقيقي.
في هذا المعنى، يقول معلوف: "إن تراجع الغرب أمر واقع، لكن، لم يتمكن أو منافسوه الكثيرون من الخروج بالإنسانية من المتاهة التي ضلت فيها".
وكانت الحرب في أوكرانيا نوعا من "تمديد" الهيمنة الأوروبية، وفي المقابل، لم يستطع المنافس الأكبر الحالي لهيمنة النموذج الغربي، الصين، تقديم إجابات أيضا.
ونقلت الصحيفة أن معلوف أصدر كتبا بعنوان: الهويات القاتلة، واختلال العالم، وغرق الحضارات، ومتاهة الضائعين.
ومن وقت لآخر ينشر مقالات يبدو أنها تتبع نفس سلسلة الأفكار: نحن لسنا في أحسن وضع، ولا نسير نحو التحسّن. عموما، هو يتحدث عن ضلالة عامة، وإرهاق العالم، في نظرة متشائمة تماما.
وتعليقا على ذلك، أورد معلوف في حواره مع الكونفدنسيال أن "نفس خط التفكير هذا ينسجم مع مخاوفه فيما يتعلق بالوضع العالمي. هناك دول تهدد الديمقراطية والسلام والمستقبل. إنها قضايا معقدة للغاية، وكان هناك تنام في مخاوفه على مر السنين".
وأضاف: "على الرغم من أنني أفكر في كل كتاب في جوانب مختلفة من هذا التدهور، ولكن في هذا الكتاب بالتحديد، أفكر في القوى التي أصبحت تمثل تحديا لهيمنة الغرب عبر التاريخ، أحاول أن أفهم كيف تطورت الأحداث مع اليابان والصين".
ولفت إلى أن مسألة تدهور الغرب ليست جديدة، وهي حاضرة بشكل مؤلم حتى في الحوارات الأوروبية، متسائلا: لماذا تموت الإمبراطوريات؟
وأفاد معلوف بأن "الدمار والغرق أمر يشمل كل العالم، ويمس جميع الحضارات. وحول الغرب، هناك سؤال يطرح على الطاولة؛ يتمحور حول مكانته الحالية في العالم".
وواصل قائلا: أنا لا أستعمل مصطلح "تراجع" الغرب كثيرا، أو انحداره، لأنه على الرغم من وجود ذلك، إلا أن خصوم الغرب يواجهون أيضا أزماتهم الخاصة.
وتابع: “هناك مشاكل وأزمات تواجهها جميع القوى والنظام العالمي بأكمله. إنها تحديات يواجهها العالم بأكمله، مثل طريقة تنظيم الحوكمة بين القوى، والتحديات المرتبطة بالتغير المناخي، والتقنيات الجديدة”.
غياب التضامن
وأمام هذه التحديات يرى أنه من الضروري أن يكون هناك شكل من أشكال التضامن بين القوى، لتكون قادرة على مواجهتها، "لكن هذا التضامن غير موجود، مما يزيد الوضع تعقيدا".
وأضاف: “بعد الحرب الباردة، مررنا بفترة اعتقدنا فيها أن نظاما عالميا جديدا سينشأ، حيث تصبح الولايات المتحدة قوة عظمى وحيدة، ولكنها ستحافظ على علاقات لا تتعارض كثيرا مع الدول الأخرى”.
وأردف في نفس السياق: “إنني أتحدث عن نهاية الثمانينيات وأوائل التسعينيات، عندما كانت هناك بيئة تسمح بنشوء نظام دولي جديد وشكل جديد من التعاون الدولي”.
لسوء الحظ، لم يكن الأمر كذلك، فكل جهة لها نصيبها من المسؤولية في هذا، ولكن ربما الولايات المتحدة أكثر من الآخرين.
وذلك لأنها هي التي كانت مسؤولة، وكان ينبغي عليها تنظيم النظام الجديد، والعلاقات مع القوى الأخرى، ولم يعرف الأميركيون كيف يفعلون ذلك، وفق تقديره.
وواصل بالقول: “شرع الأميركيون أنفسهم في صراعات انتهت بشكل كارثي، وبدأوا حروبا لم تؤد إلا إلى تدمير بلدان دون بناء نموذج أكثر تقدما ليحل محلها، سواء في العراق أو أفغانستان”.

وتتمثل النتيجة السلبية في مواجهة عالم بلا شرعية أو نظام دولي جدير بالاحترام، في الوقت الراهن، وفق معلوف.
وأورد في كتابه الأخير أن العالم كما لو أنه "يسير أثناء نومه" نحو صراع عالمي وربما حرب عالمية ثالثة، متسائلا: هل هو أمر لا مفر منه؟
في هذا السياق، أشار إلى أن الخطر حقيقي، لكنه لا يستطيع القول إن الصراع العالمي أمر لا مفر منه.
ويعتقد أن "هناك العديد من الأشياء المجهولة، ونملك بين أيدينا تكنولوجيا يمكن أن تخرج عن مسارها بسهولة شديدة. وهنا، أفكر في مسائل على غرار التلاعب الجيني أو الذكاء الاصطناعي. لقد بدأنا أيضا سباق تسلح عالمي جديد".
ويواصل: "المواجهة ليست حتمية، ولكن إذا واصلنا الحفاظ على مثل هذه العلاقات السيئة للغاية، وإذا استمر انعدام الثقة، والكراهية بين الشعوب أو السياسيين، فسينشأ عاجلا أم آجلا حدث من شأنه أن يؤدي إلى مواجهات بأسلحة أكثر تدميرا من التي شهدناها حتى اليوم".
وأوضح بالقول: "نحن نتحدث اليوم بشكل متزايد عن الخطر النووي، على سبيل المثال. ونأمل دائما ألا تتجسد هذه الفرضية، ولكننا بحاجة إلى إنشاء آلية تحمينا، وتحمي العالم أجمع من خطر الانزلاق المدمر".
أوكرانيا مثالا
وذكرت الصحيفة أن الغزو الروسي لأوكرانيا أعطى حياة جديدة للهياكل الأوروبية، بعد أن بدت أنها "ميتة دماغيا"، على غرار حلف شمال الأطلسي، وسمح بنوع من "التمديد" للهيمنة الأوروبية.
كما أنه أحيا الجانب الأخلاقي في أوروبا، الذي فقدته في السابق، حيث أصبحت تقف إلى جانب المظلوم، أي في صف النظام الدولي، وفق زعمها.
وأشار معلوف إلى أن “عندما هاجمت روسيا أوكرانيا، اعتقدنا أن علاقات القوى ستتغير وستضع حدا للتفوق الغربي لكن، جعل فشل هذا الهجوم تجنب الكارثة أمرا ممكنا”.
و"نظرا لأننا كسبنا الوقت بفضل ذلك الفشل الروسي، كان من الضروري التفكير في البحث عن طريقة لإعادة بناء نظام عالمي مختلف، بدلا من التفكير في الاستمرار على وضعنا السابق".
وتابع: "على الرغم من أن روسيا فشلت، إلا أن العواقب ستكون كارثية في حال اهتز العالم مرة أخرى. لقد تلقينا إنذارا وعلينا أن نستغله لإصلاح النظام الدولي، وليس العودة إلى ما كان عليه من قبل".
وفي سياق التوترات بين القوى، فإنه يشير بشكل مباشر إلى صراع شبه لا مفر منه بين الصين والولايات المتحدة.
وأورد معلوف أن “هذا الصراع يمكن أن يحدث مع روسيا، كما أن الفرضية قائمة مع الصين”.
ولفت إلى أن طبيعة العلاقات بين هذه الدول الثلاث، الصين وروسيا والولايات المتحدة، لا تسمح بتجنب هذا النوع من الصراع، لأن هناك انعدام ثقة هائل في العلاقات بينها وعداء منهجي.
ويعتقد أن الخطر حقيقي في هذا المعنى، وربما في المستقبل سنسأل أنفسنا كيف وصلنا إلى هذا؟ ولكن ما يجب أن ندرك أننا نسير نحو هذا الصراع الحتمي.
“وتعمل كل من الصين والولايات المتحدة، وبلدان أخرى أيضا، على تطوير أسلحة لا نعرف تفاصيلها، لأن طبيعة الموضوع تقتضي التكتم”.
وأوضح معلوف: “نعلم أنهم يطورون أسلحة وأن الصين تريد وضع حد للتفوق العسكري الأميركي، ولا يخفي الصينيون ذلك، فهم يحاولون تسريع برنامجهم العسكري لإعادة توازن علاقة القوى مع الولايات المتحدة”.
ومن جانبها، تحاول الولايات المتحدة تجنب عملية إعادة التوازن هذه والحفاظ على هيمنتها.
وهذا في حد ذاته أمر مثير للقلق، لأننا لا نعلم متى ستعد إحدى القوى أن لديها سلاحا يمنحها الأفضلية وترغب في استخدامه، يقول معلوف.