التلطي خلف العباءة.. لماذا عادت إيران لفتح قنوات جديدة مع العشائر العربية شرق سوريا؟
راكمت إيران قوة قبلية موالية لها في شرق سوريا منذ عام 2012
ما تزال إيران تنظر إلى العشائر العربية شرق سوريا كخزان بشري لتجنيد المزيد من أبنائها خدمة لمصالحها ومشروعها طويل الأمد في هذا البلد.
فقد عادت إيران مجددا لفتح قنوات تواصل جديدة مع العشائر العربية السورية في محاولة لكسب ود المزيد منهم وجعلهم تحت وصايتها.
ولم تغمض عين إيران عن العشائر السورية منذ تدخلها عام 2012 لمنع سقوط نظام بشار الأسد بعد ثورة شعبية انطلقت ضده.
"التلطي خلف العباءة"
إذ ركزت طهران جهودها بشكل كبير على استمالة بعض شيوخ العشائر العربية، وتقديم امتيازات أمنية واجتماعية كبيرة لهم.
وكل ذلك، لقاء عدم معاداة إيران على الأراضي السورية، فضلا عن تنظيم أبناء العشائر في تشكيلات عسكرية محلية تتبع للحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر لا قوات الأسد بهدف السيطرة الميدانية.
وفي أحدث تحرك إيراني بهذا الصدد، جرى الإعلان عن تشكيل فصيل عسكري تحت اسم "سرايا البوشعبان" وهي إحدى القبائل التي تنتشر في الرقة وأجزاء من ريف حلب.
وبحسب الناشط المتخصص بمتابعة أخبار المنطقة الشرقية من سوريا، زين الدين العابدين، فإن اجتماعا عقد في مدينة دير الزور بإشراف النقيب في قوات النظام السوري، أحمد المحيميد والذي يشغل مسؤول غرفة العمليات في مكتب العشائر التابع للنظام، والشيخ علاء اللباد أحد شيوخ قبيلة البوشعبان.
وكتب على منصة "إكس" أن الاجتماع حضره الشيخ إبراهيم الهفل أحد وجهاء قبيلة العكيدات كبرى القبائل السورية الذي فر بشكل مفاجئ نهاية عام 2023 من بلدة ذيبان على الضفة اليسرى من نهر الفرات بدير الزور الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" إلى مناطق النظام السوري على الضفة المقابلة.
كما حضر الاجتماع كذلك الشيخ صبحي الحنان أحد وجهاء قبيلة البكارة، حيث جرى الإعلان عن تشكيل مليشيا جديدة اسمها سرايا البوشعبان، ومهمتها قتال قسد في ريف الرقة، حسبما قال الناشط.
وسرعان ما نسب ناشطون سوريون هذا التشكيل للرعاية الإيرانية وأنها هي من تقف خلف هذا الفصيل؛ نظرا للحراك المتزايد أخيرا من طهران لاستمالة المزيد من شيوخ العشائر إليها ضمن معادلة النفوذ بسوريا.
ومما أعطى دلالة على وقوف إيران خلف تحشيد العشائر عسكريا في الفترة الأخيرة شرق سوريا ما قاله "بات رايدر"السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأميركية خلال مؤتمر صحفي بواشنطن في 10 مايو 2024.
وبين رايدر أن واشنطن تواصل مراقبتها للسلوك الذي تتبعه إيران مع العشائر في مناطق شرقي سوريا وما يقابلها على الجانب الآخر من الحدود مع العراق، بهدف توسيع نفوذها في المنطقة.
وردا على سؤال يتعلق بموقف الولايات المتحدة من التحركات الإيرانية بالاستعانة بالعشائر، أكد أن ذلك "ليس سلوكا جديدا على إيران".
وأضاف أن الطريقة التي تدير فيها إيران أعمالها هي "تدريب المجموعات الوكيلة والتأثير عليها، في إطار سياستها الخارجية الهادفة لطرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط".
وأعطى فشل حراك العشائر العربية في 27 أغسطس/آب 2023 ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة منذ عام 2015، مسوغا لإيران للتقرب من بعض الشيوخ الذين أيدوا الانتفاضة العشائرية في القسم الأيسر من نهر الفرات بمحافظة دير الزور.
"عسكرة العشائر"
ولهذا ركزت طهران على محاولة تدعيم وجودها بتسجيل أعداد جديدة من أبناء العشائر ضمن قائمة مليشياتها السورية المحلية.
إذ راكمت قوة قبلية موالية لها في شرق الفرات خلال السنوات الماضية عبر كسب ولاء بعض شيوخ هذه العشائر.
وكان الحرس الثوري الإيراني، عقد نهاية مارس/آذار 2023 اجتماعا سريا مع شيوخ ووجهاء قبائل في محافظة دير الزور إحدى محافظات الشرق السوري الثلاث إلى جانب الرقة والحسكة.
كما وضعت خططا لتشكيل "قوة قبلية" قوامها 2000 عنصر لزيادة عددها وتحصين وجودها وضمان مكاسبها في سوريا، في ظل التداعيات الأمنية التي تواجهها.
وذكر موقع "صحيفة "جسر" المعارضة حينها أن مقر تلك القوة في بلدة حطلة وبقيادة نواف البشير وهو أحد شيوخ قبيلة البكارة الذي كان من أشد معارضي رئيس النظام بشار الأسد قبل أن ينشق عن المعارضة ويعود إلى حضن الأول من بوابة إيران عام 2017.
وبعدها، شكل البشير مليشيا محلية تحت اسم "أسود العشائر" لتصبح تابعة مباشرة للحرس الثوري الإيراني، ويقودها في محافظة دير الزور.
وضمن هذه الجزئية رأى الصحفي فواز المرسومي، أن "إيران عبر أذرعها من وجهاء العشائر الموالين لها شرق سوريا، تعمل على استمالة المزيد من الوجهاء بهدف خلق قاعدة شعبية لها تمتد جغرافيا للمحافظات الثلاث دير الزور - الرقة - الحسكة".
وأضاف المرسومي لـ “الاستقلال”: "إيران تريد عسكرة المزيد من أبناء العشائر لغايات كثيرة تتمثل بحشد أكبر قدر ممكن من المقاتلين ضد قسد في حال حصل هناك أي اصطدام مستقبلا".
ومضى يقول: "تركز إيران حاليا على تجنيد أبناء العشائر لاستخدامهم دروعا بشرية لحماية مربعاتها الأمنية وشحنات الأسلحة الداخلة من العراق بحيث تقلل سقوط قتلى من مليشياتها الأجنبية في ظل الضربات الأميركية والإسرائيلية لهذه الشحنات عبر المسيرات والغارات الجوية".
وذكر أن "إيران تعمل على شق صف أبناء العشائر العربية في شرق سوريا عبر تنويع ولاء هؤلاء بين قسد والنظام السوري ومليشياتها".
واستدرك قائلا: "ما تسعى له إيران هو تأليب أبناء العشائر على الوجود الأميركي في شرق سوريا".
وألمح إلى أن "أذرع إيران العشائرية تحاول التواصل مع بعض شيوخ العشائر السورية المقيمين في دول الخليج لإجراء تسويات أمنية مع النظام السوري وتقديم امتيازات لهم لقاء ذلك وقد نجح هؤلاء في استمالة البعض من أمثال ثامر الشلاش أحد شيوخ قبيلة البوسرايا".
"مصالحات أمنية"
وثامر الشلاش يقيم حاليا في السعودية، وكان من المنخرطين في الثورة وشغل منصب "رئيس ائتلاف العشائر السورية" قبل أن يعلن في أبريل/نيسان 2024 عودته لحضن النظام عبر تقديم أوراق مصالحته إلى سفارة الأسد في الرياض، وفق ما كتب على حسابه الشخصي في فيسبوك.
كما سبق ذلك ظهور "تركي مخلف البوحمد" قائد مجموعة "مقاتلي العشائر" الموالية لإيران في سوريا، في العاصمة السعودية الرياض في أبريل 2024.
وقد ربطت مواقع سورية معارضة زيارة "البوحمد" المنحدر من قبيلة "البوشعبان" إلى السعودية لجر مزيد من شيوخ العشائر السورية المقيمين هناك للدخول في مصالحة أمنية مع النظام.
ويلعب النظام السوري بدعم من إيران على وتر التداخل وصلة القرابة بين أبناء العشيرة الواحدة والتي تتوزع في محافظات عدة، كي يفكك ولاء القبيلة الواحدة من خلال تنصيب شيوخ ووجهاء لها في مناطقه ويدعمهم سياسيا وإعلاميا.
وهذا إضافة لإعطائهم صلاحيات واسعة للتأثير على أبناء القبيلة خارج مناطق نفوذه.
إذ تتولى قيادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا تمويل تلك المجموعات العسكرية المشكلة من أبناء العشائر وصرف رواتب لهم ومنحهم بطاقات أمنية تمنع حواجز النظام من اعتراضهم حتى لو كانوا مطلوبين لها.
في المقابل، يحذر كثير من شيوخ العشائر العربية شرق سوريا أهاليهم هناك من الانخراط في صفوف المشروع الإيراني.
فقد أكد "مجلس القبائل والعشائر السورية" في أبريل 2021 "رفضهم المشروع الإيراني، الذي يتخذ من محافظة دير الزور مركزا له، ويهدف إلى التشييع الممنهج في المنطقة، وإذكاء الخلافات والشقاق الداخلي في سبيل ذلك".
وحينما أعلن في أغسطس 2020 عن تأسيس "جيش العكيدات" في مناطق سيطرة النظام والمليشيات الإيرانية بدير الزور، خرج سفير سوريا السابق بالعراق "نواف الفارس" والذي انشق في يوليو/تموز 2012 عن النظام السوري وهو ينحدر من قبيلة "العكيدات" للتحذير من النوايا الإيرانية.
ولا سيما أن إيران عندما شكلت "جيش العكيدات" كان الهدف المعلن هو "إطلاق المقاومة الشعبية ضد القوات الأميركية وأعوانها في منطقة شرق الفرات"، بينما الهدف المستقبلي يتمثل في إحكام القبضة الإيرانية على مناطق شرق الفرات.