التعاون بين الموساد وأوكرانيا.. خلفياته وأهدافه وخطة روسيا في مراقبته
زار وفد رفيع من الضباط العسكريين الإسرائيليين المتخصصين في الدفاع الجوي كييف في الأيام الأخيرة
بصورة لافتة، أصبح للصراع الروسي الأوكراني ارتباط وثيق بالشرق الأوسط المشتعل بفعل العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، والتوترات المتصاعدة مع إيران.
ففي 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية، أن موسكو قلقة من التعاون بين الموساد وكييف في مجالات تبادل المعلومات الاستخباراتية الإستراتيجية، خاصة ما يتعلق بنقل تكنولوجيا مكافحة الطائرات المسيرة.
قلق الكرملين
وذكرت الصحيفة المتخصصة في شؤون الاستخبارات أن أجهزة الاستخبارات الأوكرانية والإسرائيلية بدأتا التباحث للتقارب فيما بينهما، بناء على توجيه من الولايات المتحدة.
خاصة أن لكلا الجانبين قدرات يمكن للآخر استخدامها ضد أعدائهما التقليديين، تحديدا روسيا وإيران.
ونقلت المجلة الفرنسية أنه قبل عشرة أيام، زار وفد رفيع من الضباط العسكريين الإسرائيليين المتخصصين في الدفاع الجوي كييف.
وعلمت المجلة من مصادرها الخاصة أن الوفد الإسرائيلي جاء للتعرف على أساليب القوات الأوكرانية في تحييد الطائرات المسيرة الانتحارية التي تستخدمها روسيا على الجبهات.
ورغم أن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية تعترض معظم الصواريخ والقذائف، إلا أنها تفشل في اعتراض الطائرات المسيرة الانتحارية الأخرى التي يستخدمها حزب الله والحوثيون على نطاق واسع.
ففي 14 أكتوبر على سبيل المثال اخترقت مثل هذه المسيرات التابعة لحزب الله، الدفاعات الجوية الإسرائيلية دون عوائق، وضربت قاعدة "بنيامينا" العسكرية حيث لواء غولاني، وأوقعت عددا كبيرا من القتلى من الجنود الإسرائيليين.
وهو ما عُدّ أكبر خسائر في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال يوم واحد منذ بداية الحرب.
أزمة القبة الحديدية
وما زاد الوضع تعقيدا لدى إسرائيل بحسب "إنتيليجنس أونلاين" أن موسكو تستخدم هذا النوع من الطائرات المسيرة الذي ضرب القاعدة الإسرائيلية، ضد القوات الأوكرانية بزخم كبير.
خاصة الطائرة Zala Lancet المخيفة التي كان من الصعب هزيمتها في البداية.
وفي المقابل، كثفت كييف هذا العام من تطوير الحلول لمواجهة مثل هذه الهجمات، عبر الحرب الإلكترونية والطائرات المسيرة المضادة للمسيرات وغيرها من الأساليب التشغيلية.
وعلى نحو مماثل، يواجه نظام القبة الحديدية للدفاعات قصيرة المدى صعوبة في اعتراض طائرات "شاهد 136" الانتحارية الإيرانية.
لأنها تتمتع ببصمة رادارية منخفضة للغاية، بينما تمكنت القوات الأوكرانية من اعتراض العديد منها عندما استخدمتها روسيا على الجبهة.
وتقدم الابتكارات الأوكرانية منخفضة التكلفة أيضا حلا اقتصاديا للقوات الإسرائيلية التي تواجه معضلة تكاليف الأجهزة غير المتماثلة.
حيث تستخدم حاليا صواريخ تبلغ كلفة الواحد منها عدة مئات الآلاف من الدولارات، لإسقاط الطائرات المسيرة التي يستخدمها حزب الله أو الحوثيون اليمنيون والتي تبلغ كلفة إحداها بضعة آلاف فقط من الدولارات.
تعاون استخباري
وفي الوقت نفسه، زاد الموساد في الأسابيع الأخيرة عدد موظفيه في العاصمة الأوكرانية كييف حيث ليس لديه حتى الآن سوى مكتب تمثيلي واحد.
وبدأ ممثلو الموساد في عقد اجتماعات متزايدة مع أجهزة الاستخبارات الأوكرانية حيث يطرح الجانبان خياراتهما لتعزيز التعاون الثنائي.
ويستعد الأوكرانيون مثلا لتقديم كل ما لديهم من معلومات عن شركة "PA Pivdenmach Yuzhmash" الأوكرانية المصنعة للطائرات، والتي تأسست في خمسينيات القرن العشرين.
وتحتفظ الشركة بكل أسرار تصنيع منصات الإطلاق العابرة للقارات التي طورها الاتحاد السوفييتي وصمم مهندسوها حتى عام 2014 أحدث منصات الإطلاق.
ولم يكن من قبيل المصادفة أن تستهدف موسكو مواقع إنتاج الشركة منذ بداية الحرب في أوكرانيا في عام 2022 في محاولة لتدمير هذه الخبرات المتراكمة.
لذلك يعتقد الأوكرانيون أن الموساد قد يكون مهتما بأي عناصر من هذه التكنولوجيا التي قد تشاركها موسكو مع إيران، ما يمكن طهران من تطوير برنامجها الخاص من الصواريخ التي تطلق الآن على إسرائيل.
وفي غضون ذلك، وعدت تل أبيب كييف بتقديم معلومات إستراتيجية حصلت عليها من أروقة الكرملين؛ حيث يزعم الموساد أن لديه مصادر خاصة هناك.
جدير بالذكر أن العديد من المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا سيما الأوليغارشيين، لديهم علاقات جيدة مع إسرائيل.
خيار متأخر
ورأت "أنتيليجنس أونلاين" أن هذا التقارب العملياتي جديد تماما، فقد أخبر أحد الضباط الإسرائيليين الذين زاروا كييف خيرا زميله الأوكراني قائلا: "كان يجب أن نأتي قبل عام".
ومنذ بدء الهجوم الروسي في فبراير 2022، حافظت إسرائيل على موقف متحفظ إلى حد ما تجاه أوكرانيا.
حيث منعت شركات الأمن السيبراني الإسرائيلية من بيع منتجاتها الهجومية لكييف.
كما حرصت تل أبيب على الحفاظ على اتفاقيات تفادي الصراع مع موسكو في سوريا، والتي مكنت كلا الطرفين من إبقاء الصراع هناك عند مستوى مقبول.
وفي المقابل، ذكرت موسكو تل أبيب بقواعد اللعبة المتبعة في الساحتين السورية والأوكرانية.
ولكن التطورات في الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر 2023 غيرت الموقف، فقد أجبرت عمليات حزب الله والحوثيين، وصولا إلى إطلاق طهران للصواريخ الباليستية على إسرائيل في 1 أكتوبر 2024، الدبلوماسية الأمنية الإسرائيلية على تغيير نهجها.
وعادت شركات الأمن الإسرائيلية لتقديم خدماتها لأوكرانيا، وفي 6 أكتوبر، دعا السفير الإسرائيلي في كييف مايكل برودسكي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للحضور إلى إسرائيل لإجراء محادثات مع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.
السلاح الروسي
ويبدو أن روسيا رصدت ذلك التقارب، وقامت بحراك مضاد في الشرق الأوسط ضد إسرائيل.
ظهر ذلك خلال المقابلة التي أجراها نتنياهو مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، في 16 أكتوبر 2024، عندما قال إن قوات الجيش الإسرائيلي اكتشفت أسلحة روسية "حديثة" خلال اقتحامها قواعد حزب الله في جنوب لبنان.
وأكد في المقابلة أن حزب الله أنشأ مئات الأنفاق والمخابئ في تلك المنطقة، وأن الجيش الإسرائيلي قد عثر أخيرا على كمية من الأسلحة الروسية المتقدمة.
وكانت شبكة "سكاي نيوز" الأميركية قد ذكرت في 25 سبتمبر/ أيلول 2024، أن حزب الله ينسخ التكتيكات التي تستخدمها روسيا في أوكرانيا ضد إسرائيل.
وذلك بإطلاق وابل من الصواريخ وأسراب من الطائرات بدون طيار في محاولة لإرباك أو تعطيل الدفاعات الجوية الإسرائيلية وضرب القواعد العسكرية أو الموانئ وشبكة الكهرباء في البلاد.
دعم الحوثي
ومن ناحية أخرى أسهمت الخطوات الروسية في إرباك المشهد بالشرق الأوسط على أكثر من صعيد، تحديدا ما يتعلق بهجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
ففي 24 أكتوبر 2024، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أن روسيا قدمت دعمها للحوثيين في استهدافهم حركة الملاحة في البحر الأحمر، عبر تزويد الجماعة المدعومة من إيران بـ"بيانات أقمار اصطناعية".
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين دفاعيين أوروبيين، أن الحوثيين "استخدموا بيانات اصطناعية روسية ساعدتهم في توسيع ضرباتهم".
وأوردت أن تلك البيانات حصلوا عليها بعلم روسيا، من خلال أعضاء بالحرس الثوري الإيراني.
ورفض المتحدث باسم الحكومة الروسية التعليق للصحيفة على التقرير، فيما لم يصدر عن الحوثيين أي بيان خاص بالدعم الروسي.
لكن ما يحدث ميدانيا هو أن الحوثيين يواصلون إطلاق صواريخ ومسيرات باتجاه إسرائيل والسفن المرتبطة بها، وذلك في إطار تضامنهم مع المقاومة الفلسطينية.
ديناميكية بوتين
وكانت هانا نوت، الباحثة في "مركز جيمس مارتن لدراسات منع انتشار الأسلحة النووية" الأميركي، قد نشرت مقالا في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، بتاريخ 15 يوليو/ تموز 2024، استعرضت فيه أبعاد الرؤية الروسية للتصعيد في المنطقة.
وقالت: "لقد استمتعت روسيا بمشاهدة الوضع المتدهور في الشرق الأوسط وهو يشغل بال عدوتها الرئيسة، الولايات المتحدة".
وأكملت: "إن التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل يمكن أن تكون فيها مصلحة لموسكو بطبيعة الحال، فالمزيد من التصعيد في الشرق الأوسط من شأنه أن يحول انتباه واشنطن وإمداداتها عن أوكرانيا".
ورأت الباحثة الأميركية أنه في حرب أوسع نطاقا، ينبغي على واشنطن أن تتوقع من موسكو تقديم دعم محدود لخصوم إسرائيل وإلقاء اللوم جهارا على واشنطن، مع تجنب التدخل العسكري المباشر.
ولذلك، يتعين على البيت الأبيض استخدام الوسائل الدبلوماسية والعسكرية المتاحة له لضمان عدم تصاعد التوترات في المنطقة أكثر من الوضع الحالي.
وأكملت أن بوتين يعتمد ديناميكية تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط، للتأثير المباشر على الوضع الداخلي في الولايات المتحدة.
وقالت: سوف تؤدي حرب في الشرق الأوسط إلى ارتفاع أسعار النفط، مما سيعقد جهود إدارة بايدن لخفض تكاليف الوقود على المستهلك الأميركي العادي قبل الانتخابات الأميركية.
ولهذه الأسباب، تؤكد نوت أنه "ما من شك أن بوتين، سوف يفرك يديه فرحا لمأزق الرئيس الأميركي".