السنة والأكراد في كفة والشيعة في كفة.. هل تسحب أميركا قواتها من العراق؟
مع تصاعد مطالبات حلفاء إيران في العراق بضرورة إنهاء وجود قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، جرّاء رد الأخيرة على هجمات ضد أماكن وجود قواتها، حذرت شخصيات سياسية من خطورة اتخاذ مثل هذه الخطوة حاليا على وحدة البلد.
المطالبات بلغت ذروتها بعدما تبناها رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، المنتمي للإطار التنسيقي القريب من إيران، وإعلانه في 5 يناير/ كانون الثاني 2024، تشكيل لجنة ثنائية بين بغداد وواشنطن من أجل إنهاء قوات التحالف الدولي في العراق.
ضغط حلفاء إيران بإنهاء وجود التحالف، جاء عقب إقدام واشنطن في 4 يناير، على قتل القيادي في الحشد الشعبي ومليشيا "النجباء" الشيعية، أبو تقوى السعيدي، بقصف استهدفه في بغداد، واتهمته بالوقوف وراء الهجمات ضد قواتها في العراق.
تشتت العراق
وبخصوص مدى انعكاس دعوات إجلاء قوات التحالف الدولي على الوضع السياسي للبلد في ظل رفض الأكراد والسنة لذلك، قال السياسي العراقي والوزير السابق وائل عبد اللطيف، إن هذه التقاطعات بين القوى الرئيسة من شأنها أن تشتت وحدة البلد.
موقف السنة والأكراد ظهر جليا خلال جلسة طارئة للبرلمان في 5 يناير 2020، رفضوا التصويت على قرار إخراج التحالف الدولي، بعدما صوّت الشيعة كلهم ردا على اغتيال أميركا لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس.
واوضح عبد اللطيف لـ"الاستقلال" أن "قرارات البرلمان تعد من الناحية الدستورية توجيهية وإرشادية، بمعنى أنها لا تمتلك أن تخرج قوات التحالف الدولي، كون الأمر مناطا بالحكومة، والوزرات والأجهزة الأمنية التي هي من تقدّر الحاجة لهذه القوات من عدمها".
وتابع: "لو كان البرلمان يريد العمل بالفعل على إخراج القوات، فعليه استضافة رئيس الحكومة والوزراء الأمنيين وقادة الأجهزة الأمنية، ومعرفة ما إذا كانت هناك إمكانية لاستتباب الأمن بعد الانسحاب. فإذا أكدوا ذلك، عندها يطلب منهم اتخاذ القرار، وأن المصادقة تحصل من البرلمان".
ولفت عبداللطيف إلى أن "التحالف الدولي جاء برغبة الحكومة العراقية. ودليل أهميتهم الآن، هو أنه عندما انسحبت القوات الأميركية عام 2011، رأينا كيف سيطر تنظيم الدولة عام 2014 على مدن عراقية، واضطر العراق إلى إحراج نفسه والطلب منهم العودة مرة ثانية".
وفي 21 أكتوبر 2011، أعلن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، أن الحرب في العراق قد انتهت بعد تسعة أعوام، وأن بلاده ستكمل سحب قواتها من العراق بنهاية اليوم الأخير من العام نفسه.
وتساءل عبد اللطيف، قائلا: "هل القوات الأميركية تسبب بأذى للجانب العراقي، وهل هناك ضغط منهم على الحكومة والبرلمان وأجهزة الدولة؟ لذلك لابد ألا يقتصر الأمر فقط على إطلاق دعوات إخراجهم".
وأكد السياسي العراقي أن "إقليم كردستان العراق رفض إخراج القوات الأميركية، والقوى السنية أيضا لديهم رأيهم في هذا الصدد، وأنهم رفضوا دعوات إجلائهم، لذلك هذه التقاطعات من شأنها أن تشتت وحدة البلد".
ورأى عبد اللطيف أن "عدم اتفاق الشيعة والأكراد والسنة على رأي واحد يخالف ما تأسست عليه الحكومة التي تضم الطيف العراقي جميعه، وأن تقاطعهم في مسألة بقاء قوات التحالف من عدمه، بالفعل يسيء إلى الأوضاع في البلد".
وأردف: "نأمل من المطالبين بإخراج القوات الأميركية بأن يتركوا هذا الأمر إلى أصحاب القرار المتمثلين بالقائد العام للقوات المسلحة (رئيس الحكومة) والمسؤولين الأمنيين في الدولة".
موقف عدائي
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي فلاح المشعل، إن "رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، وإن تحدّث بموضوع إنهاء وجود قوات التحالف في العراق، لكنه واقع تحت ضغوط شديدة منذ أيام".
وأشار الكاتب في تصريح لصحيفة "عربي21" في 6 يناير، إلى أنه "منذ وجود قوات التحالف لم تسقط أي مدينة عراقية، لأنهم يساعدون العراقيين بتشخيص المناطق الرخوة فهم لديهم الاستطلاع والسيطرة الجوية".
وأكد المشعل أنه "بدون قوات التحالف الدولي سيبقى الوضع الأمني للعراق هشا، وأن مسألة إنهاء وجودهم لابدّ أن تخضع إلى التقدير التقني، وليس للمزاج السياسي لبعض القوى".
وشدد على أنه "إذا افترضنا وانسحبت القوات الأميركية وسفارة واشنطن من العراق، فإن الأمر سيتحوّل إلى موقف عدائي، ويحسب العراق على إيران، فهو اليوم نصفه أو أكثر في الحضن الإيراني، وبعد هذه الخطوة سيكون بالكامل إلى إيران".
وأكد المشعل أن "الانسحاب سيحقق عزلة لإقليم كردستان، وعلى الأقل فإن أربيل ودهوك ستنفصلان عن البلاد تماما، وربما يكون هذا برعاية أميركية، وأن الأمر نفسه ينطبق على محافظة الأنبار (السنية)، لأن الأميركيين لن ينسحبوا من قاعدة عين الأسد فيها".
من جهته، قال عادل بكوان مدير "المركز الفرنسي للأبحاث حول العراق" إن "السوداني بحاجة، لأسباب سياسية، لتبنّي هذا النوع من الخطاب ضد الوجود العسكري الأميركي، لأنه يحقق له مكاسب سياسية وإعلامية هامة".
وأوضح بكوان لموقع قناة "فرانس24" في 10 يناير، أنه "ينبغي على السوداني أن يعلم جيدا أن هذا سيكون بمثابة انتحار سياسي، خصوصا قبل عام وبضعة أشهر من الانتخابات التشريعية المقبلة (المقررة في أكتوبر/تشرين الأول 2025)".
ورأى مدير "المركز الفرنسي للأبحاث حول العراق" أن "القطيعة مع الولايات المتحدة وإنهاء وجود التحالف الدولي سيكون مرادفا للكارثة، بل للمأساة المطلقة بالنسبة إلى العراق واقتصاده".
وتابع: "إذا ما اختار العراقيون القطيعة، فإن بغداد تخاطر بالتعرض للعقوبات ورؤية الاقتصاد العراقي بأكمله (مؤيرنا). يعني هذا أن تجد البلاد نفسها في نفس الوضع الذي يعيشه اقتصاد إيران الذي بات في الحضيض بسبب العقوبات الأميركية".
ولفت إلى أن "الولايات المتحدة عادت إلى العراق في 2014، لأن تنظيم الدولة كان يحتل قسما كبيرا من الأراضي العراقية. وعودتهم كانت بإجماع وطني، بين الشيعة والسنة والأكراد والعرب".
وخلص بكوان إلى أنه "اليوم، يتطلب الأمر نفس الإجماع الوطني لمطالبتهم بالرحيل، لكن لا الأكراد ولا السنة يؤيدون حاليا مثل هذا الموقف. بل على النقيض من ذلك تماما، هناك مطالبة قوية ببقاء الأميركيين في العراق".
تضارب الروايات
وعلى صعيد الولايات المتحدة، فقد نفت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، في 9 يناير 2024، أي خطط لسحب قواتها من العراق، وهو ما يتعارض مع تصريحات من جانب الحكومة العراقية تؤكد العمل على إنهاء الوجود الأميركي في البلاد.
وقال المتحدث باسم البنتاغون، باتريك رايدر، في تصريحات صحفية: "لست على علم بأي إخطار من بغداد لوزارة الدفاع بشأن قرار بسحب القوات الأميركية"، حسب ما ذكرته وكالة الأناضول.
وأضاف رايدر: "سنظل على تشاور وثيق مع الحكومة العراقية بشأن وجود القوات الأميركية وسلامتها وأمنها، وأن الأخيرة موجودة في العراق بدعوة من الحكومة هناك".
بينما أعلن السوداني، في 5 يناير، تشكيل لجنة ثنائية لترتيب إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في البلاد، مؤكدا موقف بغداد "الثابت والمبدئي" لتحقيق ذلك، وذلك بعد إدانتها بشدة للضربات الأميركية الأخيرة في العراق.
ورأى السوداني في كلمته أن الاعتداء (قتل أبو تقوى السعيدي) "مثَّل ضربة لكل الأعراف والمواثيق والقوانين التي تحكم العلاقة بين العراق والولايات المتحدة، مثلما كان جريمة نكراء غير مبررة".
ولفت رئيس الوزراء العراقي إلى أن "الحشد الشعبي يمثل وجودا رسميا تابعا للدولة وخاضعا لها، وجزءا لا يتجزأُ من قواتنا المسلحة"، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء العراقية "واع".
السوداني قال أيضا: "أكدنا مرارا أنه في حال حصول خرق أو تجاوز من قبل أية جهة عراقية، أو إذا ما تم انتهاك القانون، فإن الحكومة العراقية هي الجهة الوحيدة التي لها أن تقومَ بمتابعة حيثياتِ هذه الخروقات".
ففي 26 ديسمبر/كانون الأول 2023، قال البيت الأبيض، إن الجيش الأميركي استهدف 3 منشآت تابعة لـ"كتائب حزب الله" في العراق، ردا على هجوم أصاب قاعدة عسكرية للتحالف الدولي.
وبينما أكدت السلطات الأميركية حينها أن الاستهداف لم يمسّ بأي مدني، فقد أدانته الحكومة العراقية في بيان ووصفته بأنه "فعل عدائي واضح، ومساس مرفوض بالسيادة العراقية"، وأكدت أنه "أدى إلى استشهاد منتسب للقوات العراقية وإصابة 18 آخرين، من ضمنهم مدنيون".
وتأُسس التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في سبتمبر/أيلول 2014، لمحاربة التنظيم في العراق وسوريا، ويضم 85 دولة ومنظمة شريكة، ويوجد حاليا في قواعد عسكرية عراقية نحو 2500 جندي أميركي.
المصادر
- كيف ستتأثر علاقة واشنطن وبغداد بعد عزم العراق إجلاء “التحالف”؟
- “لا نخطط للانسحاب”.. البنتاغون يعلّق على رغبة العراق في خروج الجيش الأمريكي من أراضيه
- البرلمان العراقي يصدق على قرار يلزم بإخراج القوات الأجنبية
- أوباما يعلن انسحاب القوات الأمريكية من العراق بحلول نهاية العام
- في غياب إجماع وطني... انسحاب التحالف الدولي من العراق قد يكون “كارثة مطلقة” على البلاد