مالي تندد بتدخل الجزائر في شؤونها الداخلية وترفض نزعتها الأبوية.. ما القصة؟

منذ ١٣ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تتصاعد حدة الخلاف السياسي والدبلوماسي بين مالي وجارتها الشمالية الجزائر، وسط اتهامات من باماكو للأخيرة بالتدخل في شؤونها الداخلية،  في إشارة إلى دعم الجزائر لحركة "الأزواد" المنتشرة بشمال مالي.

ورعت الجزائر اتفاق "سلم ومصالحة" بين الحكومة المالية والحركات المسلحة (الطوارق) سنة 2015 وتضمن 68 بندا، أهمها اعتراف باماكو بخصوصية الإقليم الشمالي في إطار الدولة الموحدة.

إلا أن المجلس العسكري في مالي أعلن في يناير/ كانون الثاني 2024 إنهاء الاتفاق، مرجعا ذلك إلى "التغير في مواقف بعض الجماعات الموقعة والأعمال العدائية" من جانب الجزائر.

والطوارق جماعة عرقية بمنطقة الصحراء الكبرى، ومنها أجزاء من شمال مالي. ويشعر العديد منهم بالتهميش من حكومة بلادهم، ويطالبون باستقلال منطقة أزواد عن باماكو.

السيادة المالية

حديثا، نددت الحكومة المالية بـ "تدخل الجزائر في شؤونها الداخلية"، ودعتها إلى "التركيز على أزماتها الداخلية، بما في ذلك قضية القبائل، والتوقف عن استغلال مالي كأداة لتحقيق أهداف سياسية خارجية".

وأعربت مالي عبر بيان حمل توقيع وزير الخارجية عبدلاي ديوب بتاريخ 2 يناير/ كانون الثاني 2025، عن "قلقها البالغ إزاء استمرار تدخل بعض السلطات الجزائرية في الشؤون الداخلية لمالي"، مضيفة أن الأمر "يعبر عن نزعة أبوية وتعالٍ".

وأوضحت خارجية باماكو أن "سياسة مكافحة الجماعات الإرهابية هي حق سيادي بحت يعود لجمهورية مالي"، وأن الجزائر "ليس مطلوبا منها تقديم الدروس في مكافحة الإرهاب؛ فمالي تتبنى إستراتيجيتها الخاصة التي تتماشى مع احتياجاتها الوطنية".

ورأى البيان أن "النجاحات التي حققتها القوات المسلحة المالية في محاربة الإرهاب، وضغطها المتواصل على الجماعات الإرهابية المدعومة من الجزائر، تشير إلى أن هناك مسؤولين جزائريين يحنّون إلى الماضي، وهو ما يتنافى مع مصالح الأمن والاستقرار في مالي".

وأكدت الوزارة مجددا التزام مالي بـ "الشراكة مع بوركينا فاسو والنيجر في كونفدرالية دول الساحل، بالقضاء على الإرهاب بجميع أشكاله، والحفاظ على سيادة البلدان وأمنها الوطني".

ويأتي البيان المالي تفاعلا مع مؤتمر صحفي لوزير الشؤون الخارجية، أحمد عطاف، استعرض فيه حصيلة نشاط الدبلوماسية الجزائرية لعام 2024.

ونقل موقع "MAGHREB ÉMERGENT" الجزائري، في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أن عطاف تحدث تعليقا على الدور الروسي المتزايد في منطقة الساحل الإفريقي، عن وجود "آلية مؤسساتية تجتمع كل ثلاثة أشهر وتقيم الأوضاع وتطرح فيها التصورات والانشغالات".

وأوضح عطاف أن "هذه الآلية أجرت أربعة لقاءات دورية، وأثبتت جدواها؛ حيث مكنت من التقدم في معالجة الملفات (دون ذكرها)".

وشدد الوزير على أن "الطرف الجزائري أقنع الجانب الروسي بأن التاريخ أثبت فشل الحل العسكري في الساحل الإفريقي وفي مالي تحديدا".

وأردف: "الجزائر أجرت عبر التاريخ أربع وساطات في النيجر وأربع وساطات أخرى في مالي، لأن خيار الحل السلمي دائما يثبت أنه الأنسب بعد فشل الحل العسكري".

وذكر عطاف أن الجزائر أكدت للجانب الروسي "رفضها تصنيف الحركات السياسية لشمال مالي، بأنها تنظيمات إرهابية من قبل باماكو".

وقال إن هذه الحركات "طرف موقّع على اتفاق السلم والمصالحة بالجزائر سنة 2015، ومن غير المعقول أن تتحول بين ليلة وضحاها إلى عصابات إرهابية".

وأوضح أن "هذه الحركات هي التي ستفاوض الحكومة المركزية في مالي مستقبلا؛ لأن وقت الدبلوماسية سيعود طال الزمن أو قصر".

وتأسفت الجزائر في يناير 2024 لإعلان السلطات الانتقالية في مالي انسحابها من اتفاق السلم والمصالحة الموقع مع حركات الأزواد عام 2015، ضمن "مسار الجزائر".

واحتضنت الجزائر في 2014، مفاوضات طويلة بين الحكومة المركزية في باماكو وفصائل سياسية مسلحة بشمال مالي، عرفت بـ"مسار الجزائر"، توج بتوقيع اتفاق للسلم والمصالحة في 15 يونيو/ حزيران 2015.

تجاوز خطير

أبرز رد على بيان باماكو جاء على لسان "حركة البناء الوطني" الموالية للرئيس عبد المجيد تبون، والتي رأت أن "ما جاء في مضمون بيان وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المالية تجاوز خطير للأعراف الدبلوماسية، وردّة فعلٍ غير مبررة".

وقالت الحركة في بيان نشرته عبر صفحتها على فيسبوك، في 3 يناير 2025، إن ما وقع يشير إلى انحرافٍ خطير للسلطات المالية في تعاملها مع الجزائر، يستوجب الرد المناسب.

وقالت حركة البناء: إن وزارة الشؤون الخارجية لدولة مالي غير مؤهلة، لا سياسيا ولا أخلاقيا، لإعطاء الدروس للجزائر التي واجهت ودحرت شرور الإرهاب وسط غياب شبه تام لأي دعم من المجتمع الدولي.

وتابعت: "وهي تتفانى اليوم بنفس الإرادة لمساندة أشقائها في جوارها المباشر على الصعيد القاري من الدول والشعوب الإفريقية في حربهم ضد الإرهاب والتطرف العنيف، مسترشدة في ذلك بتجربتها المريرة والناجحة".

وذكر المصدر ذاته، أن "الجزائر التي أبدت، على الدوام، حسن النوايا والاستعداد والإرادة السياسية للإسهام دائما فيما يخدم أمن وسلام المنطقة، وعملت بشكل مستمر على تعزيز الروابط العميقة التي تجمعها بدول وشعوب الجوار والمساهمة الفعالة في حل النزاعات المسلحة بشكل سلمي، بما في ذلك الأزمة المالية".

وأردفت حركة البناء الوطني أنها تسند، بقوة، الموقف الثابت والرسمي للدولة الجزائرية بأن حلَّ الصراع الدائر بين الأشقاء في مالي سياسي ولا يمكن أن يكون عسكريا.

وجددت الحركة "دعمها الثابت للسياسة الخارجية للجزائر في قناعتها العميقة بأن السبل السلمية، دون سواها، وبعيدا عن التدخلات الأجنبية، هي وحدها الكفيلة بضمان السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي بشكلٍ ثابت ودائم ومستدام".

وقالت الحركة: إن "الجزائر اليوم، تحت القيادة الحكيمة لرئيسها عبد المجيد تبون، وبتعبئة شعبها والتحامه القوي مع جيشه الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، عازمة على التصدي لكل المؤامرات ومواجهة التحرشات التي تستهدفها".

ارتباك دبلوماسي

في المقابل، يرى القيادي في حركة "رشاد" الجزائرية المعارضة، محمد العربي زيتوت أن هذه التطورات تعكس "الارتباك الذي تعيشه الدبلوماسية الجزائرية".

وأضاف زيتوت لموقع "عربي21"، في 2 يناير 2025، "كما تعكس ليس فقط هشاشة النظام وضعف إدارته السياسية في فهم التحولات المتسارعة التي تعيشها المنطقة والعالم، وإنما يترجم طبيعة النظام الذي يحكمه الجنرالات والعساكر".

وشدد زيتوت على أن "آخر من يمكنه أن يقدم نصائح في مكافحة الإرهاب هو النظام الجزائري، الذي يعد فعليا رأس الإرهاب في المنطقة، وهو المسؤول الأول عن عشرية الدماء التي أودت بحياة نصف مليون جزائري وهجّرت عشرات الآلاف منهم في تسعينيات القرن الماضي حين انقلب على نتائج الانتخابات".

وأردف: "وفي مالي نفسها، التي تعاونت أولا مع الفرنسيين فيها لمكافحة ما تسميه بالإرهاب، قبل أن تسمح لعصابات فاغنر الإرهابية بالدخول إلى مالي".

وأضاف: "لقد انقلبت فاغنر على النظام الجزائري، وأصبحت تعمل وفقا لأجندة إماراتية في دول الساحل الإفريقي، على نحو أفقد النظام في الجزائر ورقة السيطرة على توجهات السياسة المالية، التي تحكمها طُغمة عسكرية أمست اليوم تتحدى النظام في الجزائر وتلقنه الدروس"، على حد تعبيره.

من جانبه، توقف موقع "maliweb" المالي عند التوتر بين باماكو والجزائر، بشأن الخيار العسكري أو السياسي في مقاربة الوضع القائم في مالي، مشددا أن الأخيرة ترفض الوساطة الجزائرية في أي ملفات سياسية.

وذكر الموقع في تقرير بتاريخ 2 يناير 2025، أن "العلاقات الدبلوماسية بين مالي والجزائر تشهد تصعيدا جديدا حول مسألة مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل".

وأضاف المصدر ذاته، "مالي، التي اختارت النهج العسكري بالتعاون مع بوركينا فاسو والنيجر في إطار تحالف دول الساحل، ترفض بشدة أي وساطة مستقبلية من جانب الجزائر".

وشدد الموقع على أن "هذه الأزمة تأتي بعد سلسلة من النزاعات في عامي 2023 و2024، ومنها استدعاء البلدين سفيريهما للتشاور في ديسمبر 2023، نتيجة للتوترات المتزايدة حول إدارة الأزمة الأمنية في منطقة الساحل".

وقال إن السلطات المالية "كانت قد نددت بالتغيير في موقف الجماعات المسلحة شمالي البلاد، وصنفتها الآن على أنها جهات إرهابية. كما انتقدت عدم قدرة الوساطة الدولية على إنفاذ الالتزامات المتعلقة بهذا الموضوع".

وقائع دموية

وسبق أن شهدت علاقات البلدين توترا كبيرا قبل أشهر، حيث كشفت مجلة "جون أفريك" الفرنسية في تقرير مفصل عن توتر جديد في العلاقات الجزائرية-المالية؛ لأسباب متعددة، ومنها الغارات التي نفذها الجيش المالي بطائرات بدون طيار في محيط بلدة تين زاوتين الحدودية في 25 أغسطس/ آب 2024.

وأوضحت المجلة الفرنسية بتاريخ 26 أغسطس/ آب 2024، أن منطقة تين زاوتين تخضع لمراقبة عسكرية جزائرية مشددة، حيث تنتشر فيها قواعد جوية ومهابط للطائرات المروحية وثكنات عسكرية، إضافة إلى وجود وحدات من الدرَك وحرس الحدود وعناصر من أجهزة المخابرات.

وأشارت إلى أن الجيش الجزائري قام بتركيب حواجز أمنية كبيرة حول البلدات والقرى المتاخمة لمالي، محاطة بالأسلاك الشائكة وخنادق؛ لمنع تسلل الإرهابيين والمهربين.

وبحسب "جون أفريك"، فإنه في حين تدعي السلطات في باماكو أن الغارات استهدفت حوالي عشرين مسلحا وصفتهم بالإرهابيين، تؤكد المصادر المحلية والإنسانية، مدعومة بالرواية الجزائرية، أن معظم الضحايا كانوا من المدنيين، بينهم نحو عشرة أطفال.

ورصدت المجلة التصعيد الدبلوماسي الحاد بين البلدين، حيث دعا الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة إلى فرض عقوبات أممية على الهجمات، منتقدا استخدام "الجيوش الخاصة".

وأوضحت كيف ردت مالي بقوة على هذه الاتهامات واصفة إياها بـ "الخطيرة وغير المؤسسة"، متهمة الجزائر بـ "بث دعاية إرهابية".

وتشير "جون أفريك" إلى أن هذا التصعيد يأتي في سياق توتر أوسع، حيث يعارض الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ومحيطه بشدة وجود مجموعة فاغنر في منطقة الساحل، كما ينظرون بقلق إلى تزويد تركيا للجيش المالي بست طائرات مسيرة تستخدم ضد المتمردين الطوارق.

وتؤكد المجلة الفرنسية أن استقبال الجزائر لوفد من الحركات المسلحة من شمال مالي في ديسمبر الماضي أثار غضب باماكو، مما أدى إلى تبادل استدعاء السفراء بين البلدين.

واختتمت "جون أفريك" تقريرها بالإشارة إلى أنه على الرغم من العودة المؤقتة للسفير الجزائري إلى مالي في 5 يناير 2024، فإن أحداث تين زاوتين الأخيرة قد أعادت العلاقات بين البلدين إلى نقطة التوتر، مما يثير مخاوف من تداعيات إقليمية أوسع في منطقة الساحل.