"الدليفري" يرعب العراقيين.. من يقف وراء تصاعد الاغتيالات في بغداد؟

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

تبرز مخاوف شعبية في العراق، بعد تكرار حوادث الاغتيالات في العاصمة بغداد تحديدا، والتي غابت منذ تولي قوى الإطار التنسيقي الشيعي، رئاسة الحكومة، لأنهم كانوا يواجهون اتهامات في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بالوقوف وراءها.

وتولى محمد شياع السوداني، الذي ينتمي إلى الإطار التنسيقي، رئاسة الحكومة العراقية الحالية في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، ووعد في برنامجه الحكومي بإنهاء السلاح المنفلت، وذلك لإرساء الأمن في عموم العراق، لخلق بيئة آمنة للاستثمارات الأجنبية.

تكرار الحوادث

وفي ثاني حادث من نوعه خلال أسبوع واحد، قتل شخص غرب العاصمة بغداد في 8 يناير/كانون الثاني 2024، وذلك بعد أن فتح مسلح يستقل دراجة نارية لتوصيل الطلبات "دليفري"، نيران سلاحه باتجاه سيارة مدنية ما أدى إلى مقتل صاحبها على الفور.

وأصدرت الشرطة العراقية بيانا في اليوم نفسه، قالت فيه إن "المقتول يدعى مصطفى محمد الجبوري مواليد 1989 يسكن مجمع البدور في بغداد، ويعمل كاسبا (عمل حر)، فيما قبضت مفارزنا الأمنية على القاتل بعد هروبه، وتبين أنه سويدي الجنسية ويدعى جوليان برنكا".

وكشفت وكالة "بغداد اليوم" في 9 يناير 2024، أن "المقتول يحمل الجنسية السويدية، ويلقب بـ(بنزيما) يعمل تاجر مخدرات، ومؤسس عصابة يطلق عليها اسم (لاليغا)".

وأوضحت الوكالة أن "الجبوري كان شريكا لأكبر تاجر مخدرات في السويد، وهو رواء مجيد- عراقي كردي مولود في إيران- ويلقب بـ(الثعلب الكردي) وأن خلافات نشبت بين الاثنين ودارت بينهما عمليات تفجيرات تستهدف بعضهما في السويد".

وتشير عملية الاغتيال إلى وصول حرب العصابات الخطرة السويدية الى العراق، واحتمالية ارتباط جماعات في بغداد بمافيات المخدرات في السويد وقارة أوروبا، بحسب المراقبين.

وقبل ذلك بنحو أسبوع واحد، وتحديدا في 2 يناير، أقدم شخص يستقل دراجة نارية لتوصيل الطلبات على إطلاق النار باتجاه مدير مكتب النائب في البرلمان العراقي، غاندي الكسنزاني، في منطقة حي الخضراء غرب العاصمة بغداد.

وأفادت السلطات الأمنية العراقية، باعتقال مسلح أطلق الرصاص على محمد إسماعيل، مدير مكتب البرلماني العراقي، وأصابه بجروح في ساقه نقل على إثرها إلى المستشفى.

وأوضح البيان، أن قوة أمنية في منطقة حي الخضراء، تمكنت من اعتقال المسلح "حيدر عريبي الكناني"، الذي يسكن مدينة الصدر شرق بغداد، وتسليمه إلى مركز الشرطة.

من جانبه، قال النائب غاندي الكسنزاني، خلال بيان في نفس اليوم، إن "مدير مكتبي تعرض لمحاولة اغتيال، وحاليا يتلقى العلاج ووضعه الصحي مستقر، والجاني ملقى القبض عليه".

وذكرت شبكة "رووداو" العراقية حينها أن "صاحب دراجة توصيل طرق باب إسماعيل، وبعد أن خرجت طفلة إلى الباب، أخبرها الجاني أن هناك طلب طعام، وعلى (المستهدف) تسلمه".

لكن "إسماعيل خرج حاملا سلاحه لشكوك راودته، وبعد مشاجرة بالأيدي أطلق صاحب الدراجة 3 طلقات نارية استقرت في قدم الأول، ولاذ صاحب الدراجة بالفرار"، بحسب الشبكة.

وفي حادث ثالث، قتل مسلح على دراجة نارية لتوصيل الطلبات في 25 سبتمبر/أيلول 2023، البلوجر العراقي "نور بي أم" أمام منزله في منطقة المنصور غرب العاصمة بغداد.

ونقلت وكالة "السومرية" العراقية عن مصدر أمني لم تكشف هويته، قوله إن "(نور بي أم) تلقى ثلاث إطلاقات نارية في منطقة الرقبة والبطن، وأن قوة فتحت تحقيقا للبحث عن الجاني الذي لاذ بالفرار الى جهة مجهولة".

ورجح رواد مواقع التواصل أن تكون حادثة اغتيال البلوجر مرتبطة بإثارته للجدل أخيرا بعد ظهوره بملابس نسائية في مقاطعه المصورة، معرفا نفسه بأنه "امرأة" أو متحول جنسي.

وأثارت حادثة اغتيال "نور" انقساما بين الناشطين العراقيين، فالبعض منهم عد ما جرى معه أمرا طبيعيا لأن المجتمع يرفض ما يقدمه عبر حساباته على مواقع التواصل من محتوى يروّج فيه للشذوذ الجنسي، فيما رأى آخرون أن طريقة التعاطي معه وانفلات السلاح بهذه الطريقة أمر غير مقبول.

 

#نور_بي_ام
⭕لن يقوم بعملية إغتيال إلا الميليشيات لانهم يمتلكون الكواتم والسيارات والغطاء والسيطرات المتواطئة
⭕حتى لو القي القبض عليهم فالقضاء سيبرؤهم كما حدث مع قاتل الهاشمي
⭕نور مراهق لايستحق القتل وجريمته يجب أن لاتمر مرور الكرام
⭕فيديو قناع السيستاني مر مرور الكرام#العراق pic.twitter.com/0H6wpa6o6d

— Bassim Alkhazraji (@AlKhazraji_75) September 25, 2023

وكانت بغداد قد شهدت في 7 ديسمبر 2023، اغتيال رجل الدين وزعيم حزب "الداعي" العراقي، فاضل المرسومي، بهجوم مسلح، استهدفه داخل سيارته مع سائقه واثنين من مرافقيه، دون أن يصدر عن الحكومة توضيحات بشأن الجهة المنفذة.

ورغم تكرار هذه الحوادث التي وقعت جميعها في جانب الكرخ ببغداد، لم تكشف السلطات عن الأسباب الحقيقية والجهات التي تقف وراءها.

 

��عـاجـــــــــل

اغتيال مواطن داخل عجلته في تقاطع العمل الشعبي بمنطقة العامرية وبحسب الانباء المتداولة فإن الجاني عامل دلفري فتح النار ولاذ بالفرار دون معرفة الاسباب pic.twitter.com/nZ90OyXqI1

— ����Rasha Al Janabi (@JanabiRasha) January 8, 2024

دلالات خطيرة

وعن دلالات تصاعد الاغتيالات في بغداد، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، علي المساري، إن "الحوادث هذه تؤكد أن الوضع الأمني مازال هشا في بغداد العاصمة، فما بالنا بباقي المحافظات التي تخضع أساسا لسيطرة أكبر من الأحزاب والمليشيات".

وأوضح المساري لـ"الاستقلال" أن "فوضى انتشار السلاح، أو ما يعرف بالسلاح المنفلت، تجعل من العراق أرضا خصبة لارتكاب مثل هذه الجرائم، بغض النظر عن الدوافع والأسباب وراء كل عملية اغتيال حصلت خلال الأيام القليلة الماضية".

ولفت الباحث إلى أن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني رغم أنه وعد عند تسلمه السلطة في أكتوبر 2022، بحصر السلاح بيد الدولة، فإن المحاولات التي حصلت كانت خجولة، خصوصا أن تشكيلات مسلحة منضوية ضمن الإطار التنسيقي هي من تحمل السلاح ولها مطلق الحرية بالتجوال".

وأشار المساري إلى أن "تكرار مثل هذه الحوادث يحمل دلالات خطيرة تنذر بأن قبضة الدولة مازالت رخوة، وأن المسلحين هم من يمتلكون زمام المبادرة في تنفيذ ما يريدون بالوقت والزمان المحددين، كونهم يملكون السلاح وينتمون إلى أحزاب ومليشيات نافذة في البلد".

من جهته، تهكّم ناشط عراقي يدعى "عباس" عبر حسابه منصة "إكس" (تويتر سابقا) من تكرار عمليات الاغتيال في بغداد، وقال إن "لا يابا الوضع الأمني مستقر والأمور تبشر بخير ومن لا يصعد بسفينة السوداني (رئيس الوزراء) خسران. وهي الاغتيالات والكواتم صايرة عشرة بفلس".

 

اغتيال مواطن داخل عجلته في تقاطع العمل الشعبي بمنطقة العامرية

لايابه الوضع الامني مستقر والامور تبشر بخير والي ميصعد بسفينة السوداني خسران

وهي الاغتيالات والكواتم صايرة عشرة بفلس pic.twitter.com/skzfQn5tDx

— ��bb���� ،�� (@RjwRkw3212) January 8, 2024

وفي 31 ديسمبر 2023، أعلنت وزارة الداخلية العراقية على لسان المتحدث باسمها العميد مقداد الموسوي، أنها تمكنت من خفض مستوى الجرائم الإرهابية والجنائية في عموم البلاد.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع" عن الموسوي، قوله إن "وكالة الوزارة لشؤون الشرطة حققت خلال 2023، انخفاضا بمستوى الجريمة بمعدل 15 - 20 بالمئة، وعلى مستوى جميع أقسام الوزارة في المجال الجنائي تحقق انخفاض بمعدل 40 بالمئة".

وتابع المتحدث باسم وزارة الداخلية: "في مجال الجريمة الإرهابية، حققنا انخفاضا بمعدل 46 بالمئة"، مؤكدا أن "عام 2023، كان عاما استثنائيا للوزارة في انخفاض الجريمة".

ولفت إلى أن "النشاطات الخاصة بالجريمة المنظمة كانت في العام الماضي (2022) 8 آلاف، أما العام 2023 فهناك 15 ألفا و559 نشاطا في مجال الجريمة المنظمة، والفرق أكثر من 50 بالمئة".

سلاح منفلت

ومن أخطر مشكلات التي تواجه العراق، هو السلاح المنفلت، لما له من تأثيرات كبيرة على الأمن المجتمعي، رغم رفع جميع الحكومات منذ عام 2005 شعار "حصر السلاح بيد الدولة".

ومع غياب إحصائيات رسمية بعدد قطع السلاح الموجود داخل المجتمع العراقي، فإن تقديرات تتحدث عن أرقام تصل من 13 إلى 15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، تشمل: البنادق والقاذفات المحمولة على الأكتاف والهاونات.

وأغلب هذه الأسلحة تمتلكها المليشيات والجماعات المسلحة، إلى جانب العشائر، بينما يحرص العراقيون على امتلاك قطع سلاح داخل منازلهم كإحدى ثقافات ما بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وانعدام الأمن واضطرار المواطنين للتفكير بالدفاع عن أنفسهم من العصابات المنظمة والجماعات المسلحة.

وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، قال وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري، إن "كل سلاح خارج نطاق الأجهزة الأمنية يصنف سلاحا منفلتا، وبالتالي سنتعامل معه على هذا الأساس".

وأكد الشمري خلال مقابلة تلفزيونية، أن "موضوع سحب السلاح المنفلت في العراق يتطلب وقتا، وأن الأمر لا يمكن أن يحصل في شهر أو اثنين حتى يجري القضاء عليه بشكل كامل".

وكان وزير الداخلية العراقي، قد قال إن "عملية اقتناء السلاح المتوسط والثقيل من قبل المواطنين سيعرضهم إلى مساءلة قانونية".

ودعا إلى "تسجيل الأسلحة الخفيفة في مراكز الشرطة"، حسبما أوردت وكالة الأنباء العراقية في 11 مايو/أيار 2023. 

وأشار الشمري إلى "فتح قاعدة بيانات لتسجيل الأسلحة في مراكز الشرطة لكي لا يتعرض صاحبها إلى مساءلة أو مصادرة للسلاح"، لافتا إلى "المضي بتنفيذ الخطة الإستراتيجية، وبالبدء بعمليات تفتيش ومصادرة للأسلحة غير المسجلة".

وأفاد وزير الداخلية في مارس/آذار 2023 بمنح 4 فئات مجتمعية إجازات حيازة وحمل السلاح الناري، وشمل القرار "المقاولين والتجار وصاغة الذهب وأصحاب محلات الصرافة".

وأثناء طرح برنامجه الحكومي أمام البرلمان في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، تعهّد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بإنهاء ظاهرة السلاح المتفلّت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة خلال عام واحد من عمر الحكومة.