مصطفى البرغوثي.. مرشح رئاسي سابق ينتقد سلطة عباس ويواجه تهديدات بالقتل
"أنا منذهل من حجم الشتائم التحريض الأرعن والتشويه والشيطنة"
أصبح مصطفى البرغوثي، أحد أكثر القادة الشعبيين نشاطًا داخل فلسطين، في قلب حملة تحريض أعادها كثيرون إلى عدم رضا حركة التحرير الوطني "فتح" وأداتها التنفيذية، السلطة الفلسطينية، عن تحركاته وأدائه.
ويواجه البرغوثي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية حملة تحريض واسعة في الضفة الغربية منذ بداية عام 2025 بسبب نشاطه الإعلامي المنتقد لسلطة محمود عباس.
ما القصة؟
ومع بداية العام، بدأت حملة تحريض واسعة ضد البرغوثي ليجرى بعدها تداول بيان عبر حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن نطاق واسع تضمن تهديدات له.
ونشرت حسابات وهمية بيانا ضد البرغوثي، استخدم شتائم بذيئة وأكاذيب للنيل منه، فضلاً عن تهديده بالقتل وفرض إقامة جبرية عليه في منزله، مع دعوته للتوقف عن الخروج على وسائل الإعلام.
وجاء البيان موقعا باسم "حركة فتح"، في حين نفت الأخيرة علاقتها به. ولكن، ربط البعض الحملة بانتقادات البرغوثي أخيرا لعملية السلطة الفلسطينية المسلحة تجاه فصائل المقاومة في مخيم جنين شمال الضفة الغربية ورفضه إغلاقها مكتب قناة الجزيرة في رام الله.
وقال البرغوثي في مقابلة مع قناة الجزيرة في 3 يناير إنه ليس هناك فلسطيني اليوم يقبل أن يحرم مخيم جنين من الكهرباء والمياه، وأن يكون في حالة حصار منذ 25 يوما.
وبين أن الحل لا يجب أن يكون أمنيا أو عسكريا، وأن المقاومة حق مشروع لكل شعب تحت الاحتلال، وهو نهج تعارضه السلطة الفلسطينية التي تفضل التنسيق والتعاون الأمني مع إسرائيل.
وتابع البرغوثي: “أنا منذهل من حجم الشتائم التحريض الأرعن والتشويه والشيطنة (من قبل حسابات محسوبة على أمن السلطة) على وسائل التواصل الاجتماعي وهو أمر يهدف لتغذية الصراع الداخلي”.
وأردف: “أنا متأكد أن هناك ضباطا يتبعون الاحتلال يدخلون للمجموعات (على مواقع التواصل) ويغذون الانقسام الداخلي بين أطراف الشعب الفلسطيني”.
وأكد أن “ما يجرى الآن في جنين وتجاه قناة الجزيرة والتحريض الداخلي هو نتاج عدم وجود قيادة وطنية موحدة”.
وقبلها، قال البرغوثي مطلع يناير، إن قرار السلطة الفلسطينية وقف بث قناة الجزيرة (بحجة مخالفتها القوانين بعد تقارير الحملة ضد جنين) غير صائب ولا يفيد حتى من اتخذوه.
وبين أن "المحطة بكل قنواتها أكثر من غطى نضال الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، وكشفت وعرّت الجرائم الوحشية للاحتلال".
وربطت حركة المقاومة الإسلامية ما جرى من حملة تشويه ضد البرغوثي بـ"مواقفه الوطنية الوحدوية، ودعمه للمقاومة ورفض ملاحقتها في جنين".
وقالت حماس في بيان إن حملة التهديد والتحريض ضد البرغوثي “نعتبرها إمعاناً في استهداف الوحدة الوطنية، وتصعيداً لنهج الإقصاء السياسي، وتأتي في ظل مواقفه الوطنية”.
وبدورها، حذرت المبادرة الوطنية الفلسطينية في 5 يناير من المساس بشخص أمينها العام، لافتة إلى أن البيان تضمن تهديدات خطيرة بالاعتداء الجسدي عليه مع تهديدات ترمي إلى إسكات صوته.
وتابعت أن "البيان المشبوه وما تبعه من تهديدات ودعايات كاذبة لا يمثل فقط اعتداء صارخا وخطيرا على حرية الرأي والتعبير والسلم المجتمعي".
بل يمثل تواطؤا مشبوها مع الاحتلال الإسرائيلي في حربه الهمجية على حق الشعب الفلسطيني في الحرية والنضال والمقاومة، وسعيه لإخماد كل صوت فلسطيني حر، وفق البيان.
وطالبت السلطة وأجهزتها الأمنية بتطبيق سيادة القانون العادل وملاحقة ومعاقبة المسؤولين عن إصدار هذا البيان الخطير، وكل بيانات التحريض والتشويه التي تدعو للفتنة وتهدد الوحدة الوطنية والسلم الأهلي والمجتمع الفلسطيني بأسره.
من هو؟
ولد مصطفى كامل البرغوثي في مدينة القدس المحتلة عام 1954، وتنحدر عائلته من بلدة دير غسانة شمال رام الله، لكنه يستقر حاليا في مدينة البيرة.
حاصل على بكالوريوس في الطب، وشهادة عليا في الفلسفة من موسكو، وماجستير في الإدارة وبناء الأنظمة الإدارية من جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأميركية.
أسس مع زملائه عام 1979 أول حركة تطوعية مقاومة في المجال الصحي، وهي "الإغاثة الطبية الفلسطينية".
وجاء تأسيسها بهدف بناء نظام صحي فلسطيني مستقل، غير تابع لسلطات الاحتلال وإدارتها المدنية، والتحق بها مئات العاملين لخدمة مئات آلاف الفلسطينيين سنويا.
ومبكرا، كان البرغوثي من الشخصيات الأولى المنضمة إلى حزب الشعب الفلسطيني (الحزب الشيوعي سابقًا)، لكنه استقال منه لاحقا.
شارك عام 1991 في اللجنة القيادية لمفاوضات مدريد للسلام بقيادة السياسي الفلسطيني حيدر عبدالشافي وأصبح عضوا فيها.
لكنه استقال منها في أبريل/نيسان 1993، احتجاجاً على نهج المفاوضات الذي أدّى لاتفاق أوسلو واستمرار الاستيطان.
أصيب القيادي الفلسطيني برصاص الاحتلال عام 1996 وتعرض للاعتقال سنة 2002 وأصدر الاحتلال قرارا بمنعه من دخول القدس.
وشارك في انتخابات المجلس التشريعي عام 1996، وانتخب عن دائرة رام الله، لكنه تنازل عن مقعده للمرشح المسيحي عملا بنظام "الكوتا".
وفي 17 يونيو/حزيران 2002 أسس البرغوثي من الضفة الغربية حركة المبادة الوطنية برفقة شخصيات معروفة أخرى من أبرزها حيدر عبدالشافي في قطاع غزة، وإبراهيم الدقاق في مدينة القدس، إضافة إلى المفكر الراحل إدوار سعيد.
وهذه المبادرة التي يتولى البرغوثي منصب أمينها العام، هي حركة سياسية اجتماعية “تهدف لتحقيق العدالة للمواطن عبر محاربة الفقر والبطالة، وفرض احترام القرار الفلسطيني المستقل، والعمل على تحقيق سلام عادل”.
وكممثل عن هذه الحركة، ترشح البرغوثي في يناير 2005 لمنصب رئيس السلطة، منافسا لمحمود عباس، فجاء ثانيا بحصوله على نسبة 19 بالمئة من الأصوات.
وفي العام التالي، انتخب عضوا في المجلس التشريعي، وترأس ائتلاف “فلسطين المستقلة” فيه، وهي كتلة تتكون من مستقلين وقادة أعمال وأكاديميين وكتاب وحركات عمالية، وتعتمد في المقام الأول على الدعم الشعبي.
ومع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بقيادة رئيس حركة حماس آنذاك الراحل إسماعيل هنية عام 2007، عُيّن البرغوثي وزيرا للإعلام، حتى أقال عباس الحكومة في يونيو/حزيران من العام نفسه.
ومنذ ذلك الحين، لعب دورًا رئيسيًا في تسهيل المفاوضات السياسية الداخلية المحيطة باتفاقيات الوحدة بين فتح وحماس.
واعتبارًا من عام 2015، أصبح عضوًا في المجلس المركزي لمنظمة التحرير وعضوًا في المجلس التشريعي الذي حلّه عباس نهاية عام 2018.
وتعرض البرغوثي في أكتوبر/تشرين الأول 2015، لمحاولة طعن في رقبته على أيدي مجهولين، واتهم إسرائيل وعملاءها بـ"محاولة اغتياله".
والبرغوثي يتقن اللغة الإنجليزية وحائز على جوائز عالمية، منها جائزة منظمة الصحة العالمية 2002، وجائزة الدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطيني من منظمة الكفاح ضد التمييز العنصري، كما جرى ترشيحه لجائزة نوبل للسلام في عام 2010.
نهجه ومواقفه
وبالعموم، يتبنى البرغوثي خيار المقاومة الشعبية كوسيلة للتحرر، لكنه لا يجرم نظيرتها المسلحة ويرى أن من حق الشعب الفلسطيني المقاومة بكل الوسائل المتاحة كونه يقع تحت الاحتلال.
ولم يواجه البرغوثي طوال حياته السياسية مشكلات مع السلطة الفلسطينية، لكنها بدأت تبرز إلى العلن أخيرا بسبب ظهوره المتواصل على وسائل الإعلام، والتي ظهر من خلاله تطور موقفه فيما يخص مقاومة الاحتلال.
فمنذ بداية العدوان على غزة، أصبح البرغوثي بمثابة المتحدث الدولي باسم القضية الفلسطينية، وقد تجنب إدانة عملية طوفان الأقصى وقال إنها نتيجة طبيعية لتغول الاحتلال.
وذلك على عكس السلطة الفلسطينية التي شيطنت العملية، واتهم رئيسها محمود عباس، حماس بـ"توفير الذرائع" للاحتلال لمهاجمة غزة، قائلا إن أفعال الحركة الإسلامية “لا تمثل الشعب الفلسطيني”.
ويأتي تطور خطاب البرغوثي دون دعوة مباشرة للمقاومة المسلحة، بعد أن عرف بكونه شخصية رائدة في النضال السلمي الشعبي ضد الاحتلال.
وقدم البرغوثي مساهمة غير عادية للمبادرات الرامية إلى تحدي الاحتلال الإسرائيلي المستمر لفلسطين سلميًا وإنهائه.
وذلك فضلاً عن الجهود الرامية إلى بناء الإطار المؤسسي للمجتمع المدني الفلسطيني وتعزيز مبادئ الديمقراطية الداخلية والحكم الرشيد.
ويكتب القيادي الفلسطيني على نطاق واسع للجمهور المحلي والدولي حول قضايا المجتمع المدني والديمقراطية والوضع السياسي في فلسطين.
وكان البرغوثي أحد القيادات التي ركزت على المطالبة بإنهاء بناء جدار الفصل الاحتلالي، وتفكيك الأجزاء القائمة منه، وقاد حملات تضامن دولية وأخرى لفرض العقوبات على إسرائيل.
وشارك في حملة سفن كسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة وفي تأسيس ودعم حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها (BDS).
ومحليا، دافع بقوة عن الحق في عقد الانتخابات التي يعرقل عباس إجراءها، مبينا أنها “حق للشعب الفلسطيني وسبيل للمصالحة وإنهاء حالة انفصال السلطة بين غزة والضفة”.
ورأى أن إلغاء عباس إجراء الانتخابات التي كانت مقررة في مايو/أيار 2023، بسبب رفض الاحتلال انعقادها في القدس “مجرد ذريعة”، وأن انعقادها هناك ممكن رغم الفيتو الإسرائيلي.
بصفته ممثل لحركة تحظى بالاحترام لاستقلالها الحقيقي، كان البرغوثي أحد الجهات الفاعلة التي لعبت دوراً بناءً في التوسط لإيجاد حل للسلام الداخلي بعد تصاعد الانقسام بين فتح وحماس إلى حد العنف الداخلي.
وقد تضمن دوره شهورا من الدبلوماسية المكوكية المتواصلة بين الاتحاد الأوروبي وقطاع غزة، غير أن جهوده لم تتكلل بالنجاح الكامل نحو إنهاء الانقسام.