التخلص من عبء الأونروا.. لماذا تريد إسرائيل إشراك الإمارات في ميناء غزة؟
ميناء غزة قد يزيد من مخاوف مصر بشأن إنشاء قناة اقتصادية بديلة لقناة السويس
في 7 مارس/ آذار 2024، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال خطاب "حالة الاتحاد"، أنه أصدر تعليمات للجيش الأميركي لإنشاء ميناء مؤقت على ساحل مدينة غزة.
وقال بايدن حينها إن المزيد من المساعدات الإنسانية "ستدخل إلى غزة بحرا عبر الميناء دون أن تطأ أقدام الجنود الأميركيين القطاع".
وفي 8 مارس/آذار 2024، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية العامة أن إسرائيل "سمحت للإمارات بالبدء فورا" في نقل المساعدات الإنسانية لقطاع غزة عبر ممر بحري من قبرص الرومية إلى غزة.
وقالت الهيئة إن "مهندس هذه العملية" هو القيادي الفلسطيني البارز، محمد دحلان، الذي يعمل أيضا مستشارا لرئيس الإمارات محمد بن زايد.
الأونروا والحصار
ونشر "مركز القدس للشؤون العامة" الإسرائيلي مقالا للباحث بنحاس عنباري، قال فيه: "مهما تحدثنا عن أهمية مبادرة بناء ميناء لقطاع غزة، فمن الصعب أن يُعد حديثنا مبالغة".
وأضاف أنه "على الرغم من بدايته المتواضعة (ففي الوقت الحالي، سيكون رصيفا عائما في شمال غزة)، إلا أنه من الممكن أن يتطور إلى ميناء حقيقي يخلص إسرائيل إلى الأبد من عبء "الحصار".
واستطرد أنه "على المدى الطويل، يمكن أن يمنح سكان غزة حرية الحركة ويفتح لهم الآفاق التجارية والاقتصادية".
ووفقا لإحاطة وزارة الدفاع الأميركية، سيتكون المشروع من رصيف عائم، وجسر متصل بالشاطئ بطول حوالي 1800 قدم، ومجموعة من سفن الدعم اللوجستي والزوارق التي ستنقل المساعدات من الرصيف إلى الجسر.
وبمجرد وصول المساعدات إلى الجسر ذي المسارين، يمكن نقلها إلى الأرض وتوزيعها على سكان غزة.
وفي السياق الحالي، سيُموَّل الميناء الأميركي من قِبل الإمارات للمساعدات الإنسانية فقط.
ويرى عنباري أنه "بمجرد تشييده، يمكن أن يكون الميناء خطوة أولى نحو إلغاء وظيفة المساعدات التي تضطلع بها وكالة الأونروا، وتجاوز عوائق حماس وسيادة السلطة الفلسطينية في غزة".
"وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الميناء قد يبشر بعودة دول مثل السعودية إلى غزة، بعد أن غادرتها بسبب الانخراط العميق لقطر في شؤون القطاع"، وفق زعم الباحث الإسرائيلي.
وأشار الباحث إلى أن هناك علامة استفهام كبرى: هل ستُضمَّن قطر في بناء الميناء أم أنه سيكون مشروعا إماراتيا فقط؟
وأوضح أن "الفلسطيني محمد دحلان سيكون هو المسؤول عن المشروع إذا بقي في أيدي الإمارات".
واستدرك: "لكن إذا لعبت قطر دورا، فهذا ليس مؤكدا، على الرغم من أن دحلان سبق أن زار الدوحة واجتمع مع قادة حماس هناك"، مشيرا إلى أننا "لا نعرف ما الذي اتفقوا عليه".
وفي هذه الأثناء، بدأت عملية إمداد الطوارئ المحمولة على متن السفن.
ومن دون الانتظار لمدة 60 يوما لبناء الرصيف الأميركي، شيدت منظمات الإغاثة الدولية، بمساعدة إسرائيلية، رصيفا صغيرا لتسليم الشحنة الأولى المكونة من 200 طن من المواد الغذائية من قبرص الرومية.
وأفاد المقال بأن منظمة "وورلد سنترال كيتشن" (World Central Kitchen) الأميركية غير الحكومية شيدت الرصيف، مع قيام القوات الإسرائيلية بتأمين الساحل.
ووُزعت اثنتا عشرة شاحنة من المساعدات في شمال غزة، وهناك المزيد من المساعدات من قبرص الرومية في طريقها إلى غزة.
تدافع دولي
ويعتقد عنباري أن "ضم قطر سيعني وجود موطئ قدم لتركيا، التي تطمع في غزة منذ القافلة البحرية "مافي مرمرة"، كوسيلة للسيطرة على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط".
والجدير بالذكر أنه في 31 مايو/ أيار 2010، شن سلاح البحرية الإسرائيلي هجوما على سفينة "مافي مرمرة"، في المياه الدولية قرب شواطئ قطاع غزة، ما أدى لاستشهاد 10 نشطاء.
وكانت "مافي مرمرة" إحدى سفن "أسطول الحرية"، المكون من 6 سفن، تحمل نحو 10 آلاف طن من مواد الإغاثة والمساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
ويؤكد عنباري أن "الإمارات سوف ترفض ضم قطر رفضا قاطعا؛ لأن أبو ظبي حليفة لليونان وقبرص الرومية إلى جانب إسرائيل".
وفي عام 2017، حلّقت إسرائيل والإمارات معا، كجزء من تدريب للقوات الجوية اليونانية، شاركت فيه أيضا طائرات من إيطاليا والولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، فإن "قبرص الرومية، التي سيبحر منها أسطول المساعدات إلى الميناء المؤقت، تجمعها خصومة مع تركيا بشأن احتياطيات الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط".
ولذلك، شدد الباحث الإسرائيلي على أن "قبرص الرومية لن تحبذ مشاركة قطر في الميناء، لأنها نافذة لدخول تركيا".
وهذا يقودنا -بحسب الباحث- إلى احتمال تجديد مبادرة إنتاج الغاز البحري في غزة، والتي أُوقفت بسبب سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على القطاع.
وأوضح أنه "إذا تولت الإمارات الدور القيادي في بناء الميناء، فإنها ستطرد حماس وستفتح الطريق للمضي قدما في إنتاج الغاز، ودمج احتياطات غزة مع احتياطيات إسرائيل وقبرص الرومية".
واستدرك: "لكن إذا أضيفت قطر إلى الصورة، وبالتبعية تركيا، فإن التنقيب عن الغاز البحري في غزة سيظل يمثل مشكلة، مع احتمال بقاء حماس لاعبا".
نظرة قاتمة
وفي السياق لفت الباحث الإسرائيلي إلى أن "ما يزيد الصورة تعقيدا هو النظرة الأوروبية القاتمة للمشروع".
ونقل عن مصادر يونانية أن وجهة النظر القاتمة هذه تصدر عن ألمانيا، قائلا: "لقد تولت ألمانيا الوصاية على الاقتصاد اليوناني، ولا تنظر بإيجابية إلى المحور الاقتصادي بين إسرائيل واليونان".
وأوضح أن "ألمانيا تنظر إلى هذه الشراكة بوصفها منافسة محتملة على السوق الأوروبية المشتركة، وهو ما يشكل مصدر قلق شديد لها".
علاوة على ذلك، تخشى مصر خسارة الأصل الإستراتيجي المتمثل في معبر رفح، بحسب الباحث الإسرائيلي.
وقال: "على نطاق أوسع، فإن إنشاء ميناء في غزة من شأنه أن يزيد من مخاوف مصر بشأن إنشاء قناة اقتصادية على حساب قناة السويس، تمر من الهند ثم الخليج والسعودية والأردن إلى البحر الأبيض المتوسط عبر إسرائيل".
وتابع: "أخيرا وليس آخرا، فإن السلطة الفلسطينية تُعد مشكلة".
ففي 14 مارس/آذار 2024، كلف رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، كبير الاقتصاديين لديه، محمد مصطفى، بمهمة تشكيل حكومة جديدة.
ويرى الباحث أن "عباس يسعى بذلك إلى كبح جماح دحلان والإمارات حتى تكون رام الله ذات صلة بمشروع الميناء".
ويعتقد أن الميناء "مفيد سياسيا للسلطة الفلسطينية؛ لأن لها السيادة الرسمية على غزة، كما أن المشروع مفيد اقتصاديا إذا تمكنت السلطة من الفوز بحصة من عقوده الكبيرة".
والسؤال -وفق الكاتب- هو ما إذا كان قد فات الأوان، فلقد انطلق مشروع الميناء بالفعل من دون السلطة الفلسطينية.
وتساءل: "هل ستنضم إلى مصر وتركيا في السعي للإطاحة بدحلان والإمارات، أم ستبدأ العمل مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل؟". وختم بالقول: "ربما تكون الإجابات لدى محمد مصطفى".