"الأفارقة دائما يحملون الاستعمار مسؤولية فشلهم".. ماذا عن أخطائهم؟
"وصول الانقلابيين إلى السلطة في بوركينا فاسو ومالي لم يحسن الوضع الأمني، بل زاده سوءا"
مع توالي الانقلابات العسكرية في دول إفريقية عديدة، تكثر الأحاديث عن مسؤولية الاستعمار عن فشل الأفارقة في تحقيق التنمية المنشودة.
وفي هذا السياق، كتب المتحدث السابق باسم الرئاسة في السنغال “يورو ديا” مقالا بمجلة "جون أفريك" الفرنسية ينتقد فيه استخدام الخطابات القومية والسيادية من قبل الانقلابيين لتبرير انقلاباتهم العسكرية.
إضافة لذلك، يشير إلى أن الانقلابات في إفريقيا لم تحسن الوضع الأمني، بل زادته سوءا، كما أنها لا تستند إلى دعم اجتماعي قوي، بل تعتمد على التلاعب الأيديولوجي.
ويؤكد أن السيادة الحقيقية تتطلب التركيز على التنمية الاقتصادي، كما أظهرت أمثلة الهند والصين. لافتا إلى أن الدول التي تمكنت من تحقيق التنمية الاقتصادية تمكنت من تحدي الغرب بثقة.
كذلك ينتقد الكاتب الميل إلى تحميل الاستعمار مسؤولية الفشل الحالي، داعيا إلى الاعتراف بالأسباب الداخلية للفشل والعمل على معالجتها. مؤكدا على أن إفريقيا بحاجة إلى التركيز على التنمية الاقتصادية بدلا من الانغماس في الخطابات الأيديولوجية.
شعارات زائفة
يبدأ الدكتور يورو ديا مقاله بالإشارة إلى أن "العديد من الناس يثنون، عن حق، على معجزة البناء الأوروبي"، موضحا أن هذه المعجزة "لا تعود إلى شيء آخر سوى أنها -من جهة- استبدلت بالصراع المسلح الاقتصاد كوسيلة لتنظيم العلاقات بين الدول بعد الحرب العالمية الثانية، ومن جهة أخرى إلى الديمقراطية".
وأردف: "وبهذا توقفت القارة العجوز عن كونها ساحة للحرب، لتصبح ساحة للازدهار والسلام".
وتابع: "في ضوء هذا المثال، يُظهر التركيز على منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (زليكاف) أنه أكثر فائدة لإفريقيا من الانشغال بخطابات القومية والسيادة الإفريقية الزائفة، التي يروّج لها الانقلابيون وبعض الناشطين، الذين يستخدمون هذه المفاهيم لإخفاء خيانة الانقلابات العسكرية".
وأضاف: "القومية الإفريقية الحقيقية، التي ننادي بها، تسعى لأن تكون ديمقراطية. ولذلك، يبدو أن الانقلابيين وأنصارهم، الذين يستغلونها ويشوهون مصداقيتها، لا يملكون الشرعية ليدافعوا عنها".
وبالنسبة للذين يهتمون بالتاريخ بمعناه العميق كما عناه فرناند بروديل، من الواضح أن فترة الانقلابات في غرب إفريقيا هي مجرد فترة انتقالية في الموجة الديمقراطية الثانية التي بدأت من بوركينا فاسو.
عندما أطاحت الثورة بالرئيس بليز كومباوري. وذلك لأن وصول الانقلابيين إلى السلطة في بوركينا فاسو ومالي لم يحسن الوضع الأمني، بل على العكس من ذلك، زاده سوءا. رغم أن العسكريين -في البداية- برروا أفعالهم بتدهور الأمن.
وعلى الرغم من أن الانقلابيين يتلقون أحيانا دعما من سياسيين بارزين مثل شوغيل مايجا، فإنهم لا يملكون قواعد اجتماعية يمكنهم الاستناد إليها والاعتماد عليها. ولذا يضطرون لإضفاء طابع أيديولوجي وسياسي على أفعالهم".
وفي إشارة إلى تناقض الانقلابيين، يقول ديا: "في السابق، كان بإمكان الانقلابيين البقاء في السلطة بعد انقلابهم باستخدام تهديد التقدم الشيوعي للحصول على دعم الغرب، أو التستر خلف النضال المناهض للإمبريالية للحصول على دعم موسكو والكتلة الشرقية".
وتوضيحا للفارق بين السابق والحاضر، يقول إن "السياق الدولي تغير بشكل كبير".
المعركة اقتصادية
كما أنه يؤكد أن "الانقلابيين الآن يؤخرون فقط العودة الحتمية للديمقراطية، خاصة في البلدان التي عاشت تحت أنظمة ديمقراطية وتناوبت على السلطة. هذه البلدان ستعود إلى الديمقراطية بمجرد رحيل "الفيروس العسكري"، كما حدث في غامبيا بعد رحيل يحيى جامع".
وتابع: "هناك أمل مستمد من التاريخ. فبعد الموجة الديمقراطية الأولى التي تلت المؤتمرات الوطنية وقمة لا بويل، كان هناك فترة هدوء في الانقلابات".
واستشهد بما كتبه الجنرال الشيخ سين، المدير السابق للاستخبارات السنغالية قائلا: "بين 1950 و2000، تعرضت 53 دولة لـ 85 انقلابا نجح في تغيير النظام. وبعد فترة هدوء في التسعينيات، شهدت إفريقيا أعلى معدل للانقلابات في العقد الأول من الألفية الجديدة مع 27 محاولة انقلابية".
وعقب متحدث الرئاسة السنغالية السابق: "ستعود الأنظمة الديمقراطية المقبلة بشكل طبيعي إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، التي يجب أن تظل صارمة في احترام القيم والقواعد الديمقراطية".
وأكد: "بإظهار الصرامة مع العسكريين، ستثبت إيكواس أن الانقلابات غير ملائمة تماما".
وهاجم الخبير السياسي الذين ينشرون "أيديولوجيا زائفة لتبرير الانقلابات" عبر خطاب "القومية والسيادة" الإفريقية المزعوم، مدعيا أن هذا الخطاب يعد "مصدر دخل لبعض النشطاء الذين يقدمون دعمهم المرتزق للخارج".
الهند والصين
وشدد الدكتور يورو ديا على أن "السيادة الحقيقية تتطلب النضال من أجل التنمية الاقتصادية، كما أثبتت الهند والصين".
وأوضح أن الهند، المستعمرة البريطانية السابقة، لديها ناتج محلي إجمالي يفوق الدولة المستعمرة السابقة، بينما الصين تحولت من "قرن الإذلال" إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم.
وأكمل: "يجب أن تكون السيادة والاستقلال حلا سياسيا يعتمد على النمو الاقتصادي. في البلدان التي تحقق فيها هذا النمو، يثق الناس بأنفسهم ويتحدون الغرب. وفي إفريقيا، حيث لم يتحقق هذا النمو بعد، يسود الاستياء".
وتابع: “علينا أن نعترف بأن الاستياء واستغلال الذاكرة التاريخية يعيقان تقدمنا، حيث تستمر نخبنا السياسية والفكرية في إلقاء اللوم على الاستعمار لتبرير إخفاقات سياساتهم التنموية”.
وأضاف مؤكدا نفس الفكرة: "كانت الولايات المتحدة مستعمرة إنجليزية، ولكنها بعد الاستقلال طوت صفحة الاستعمار لبناء الإمبراطورية الأميركية".
وفي الختام قال: "بعد أكثر من ستة عقود من الاستقلال، الأفارقة مازالوا يعيشون في الماضي، يلعنون النظام العالمي غير العادل، بينما الأسباب الداخلية لفشلهم تفوق الآن الأسباب الخارجية. وقريبا، ستفوق سنوات الاستقلال سنوات الاستعمار".
وشدد على أن إفريقيا "ستستيقظ عندما تدرك أن معركتها الأساسية هي معركة اقتصادية".