وباء غامض يظهر جنوبي مصر.. وناشطون يتهمون حكومة السيسي بإخفاء الحقيقة
"مئات الإصابات وبعض الوفيات في أيام قليلة جدا لم تتجاوز 4 أيام"
عمّت حالة من فقدان الثقة في حكومة النظام المصري ووزارة الصحة والسكان بعدما نفت وجود حالات تسمم بسبب مياه الشرب في محافظة أسوان أو وجود حالات مرضية ناتجة عن تلوث المياه، رغم تردد حالات مصابة بأعراض نزلات معوية (إسهال- غثيان -تقيؤ) على مستشفيات المحافظة.
وزارة الصحة أعلنت أن الدلائل الأولية التي رصدها فريق من قطاع الطب الوقائي أرسلته إلى أسوان لتقصي الوضع، تشير إلى أنه "لا يظهر حتى الآن وجود ارتباط وبائي لجميع الحالات؛ حيث إن غالبيتها من منطقتي أبو الريش بحري ودراو ولكل منهما محطة مياه منفصلة".
وتردد في البداية أن تلوث مياه الشرب قد يكون السبب في حالات الإعياء المفاجئة التي ضربت مناطق في أسوان قريبة من الحدود السودانية، لكن الحكومة نفت ذلك.
وأكدت أن فحص العينات من محطة المياه ثبت مطابقتها للمواصفات القياسية سواء في العينة التي تم سحبها حاليا، وكذلك عينات آخر ثلاثة أشهر، كما ثبت عدم وجود أي تغير ميكروبيولوجي أو كيميائي.
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد قال في 19 سبتمبر/أيلول 2024، إن مستشفيات أسوان استقبلت 200 حالة تقريبا لكن معظمهم خرج بعد تلقيه العلاج.
وأشار إلى أن تحليل عينات من محطات المياه التي تخدم المنطقتين اللتين ظهرت فيهما الإصابات سليمة، متوقعا أن السبب وراء الإصابات قد يكون مأكولات متداولة غير صحية.
واتهم ناشطون حكومة النظام ووزارة الصحة بتضليل الرأي العام وإخفاء الحقائق وعدم تحرّي الدقة في أخذ العينات وتحليلها، متسائلين: "ماذا يحصل في أسوان؟"، وطالبوا الأطباء بالإفصاح عن الحقيقة ومصارحة المصريين.
وبرزت تأكيدات عبر التغريدات والتدوينات على منصتي التواصل الاجتماعي "إكس" و"فيسبوك" والمشاركات في وسوم عدة أبرزها #أسوان، #تلوث_مياه_النيل وغيرها، تأكيدات على أن الحالات المرضية ناتجة عن تفشي مرض الكوليرا"، استدلالا بالأعراض وتزايد أعداد المصابين.
وأعرب ناشطون عن ذعرهم ومخاوفهم من تفشي الأمراض وانتقالها إلى باقي محافظات مصر، وتجادلوا حول أسباب ظهور هذه الأمراض، وذهب فريق إلى اتهام السودانيين الذين دخلوا إلى مصر في أعقاب الحرب التي يشهدها بلدهم بنقلها، فيما رفض آخرون اتخاذهم شماعة.
ويشار إلى أن أسوان تعاني من تردي الأوضاع الصحية وإهمال حكومي تنفيه السلطة دوما؛ إذ تفشت في أكتوبر/تشرين الأول 2017، حمى الضنك، لكن وزارة الصحة قالت حينها إن جميع الحالات المصابة قادمة من خارج المحافظة، ولا توجد أي بؤر للمرض داخل المحافظة.
وفي أعقاب ظهور فيروس كورونا عام 2021، عانت أسوان من تردّي الوضع الصحي في عدد من مناطقها ونقص في المستلزمات الطبية وعدم وجود أماكن بالمستشفيات للعزل الصحي أو حتى غسل الأموات خاصة في عدد من قرى النوبة، بالإضافة إلى نقص أنابيب الأكسجين.
وباء الكوليرا
أخصائي أمراض الباطنة والحميات الدكتور أحمد شكر، كتب: "يؤسفني أن أقول لكم خبرا سيئا جدا، في كذا قرية بأسوان هناك مرض جديد وينتقل من قرية لقرية، المستشفيات والدكاترة يصرحون أنه لم يعد هناك مكان لاستقبال الناس من كثرتهم، مئات الإصابات وبعض الوفيات، وهذا للأسف في أيام قليلة جدا جدا لم تتعد 4 أيام".
وأوضح أن هناك جزءا من الحالات انتقلت للقاهرة في العناية المركزة، والدكاترة بدأوا يفاضلون بين الحالات مثل أيام كورونا من كثرة الضغط عليهم. مشيرا إلى أن "الأطباء يقولون احتمال أن تكون ما بين الكوليرا وتلوث مياه بسبب ماسورة صرف تابعة لمصنع ما، وغير معروف مصدرها".
ولفت شكر، إلى أن "الناس بدأت تتجنب شرب المياه من الحنفيات ولجأت للمياه المعدنية"، موضحا أن "الكوليرا مرض حاد ومُعدٍّ لا تتعدى مدته خمسة أيام، تسببه جرثومة ضمة الكوليرا التي تنتقل من خلال تناول الأطعمة أو المياه الملوثة بها، وتتميز بوجود إسهال شديد قد يؤدي إلى الجفاف وربما إلى الموت إذا لم تُعالج".
وأفاد بأن الكوليرا عدوى تسبّب إسهالا مائيا حادا يستغرق فترة تتراوح بين 12 ساعة و5 أيام، تظهر أعراضه على الشخص عقب تناوله أطعمة ملوثة أو شربه مياها ملوثة، وتصيب الأطفال والبالغين على حد سواء، ويمكن أن تودي بحياتهم في غضون ساعات إن لم تُعالج".
ونشرت الكاتبة إيمان البدراوي، مضمون ما قاله الدكتور شكر، وأضافت عليه أن "المرض غير معروف إذا كان معديا أو لا، وغير معروف مصدره حتى الآن"، مستنكرة التكتم على الموضوع.
وأشارت إلى وجود حملات لدراسة السبب، لافتة إلى أن الناس يتجنبون المياه من الحنفيات ويعتمدون على الغلي أو المياه المعدنية، ولكن ليس الأغلب لأنه هذه ثقافة بعيدة عن القرى.
ورصد صاحب حساب "راجي عفو الله"، تسلسل مصيبة أسوان كالتالي: "-يتداول الناس خبرا عن حالات نزلات معوية وكوليرا نتيجة تلوث المياه، الحكومة تنفي وتتهم الإخوان بترويج شائعات، إدارة المياه بأسوان تنفي تلوث المياه، الدفع بأطقم طبية وسيارات إسعاف لأسوان، إعلان 5 وفيات نتيجة نزلات معوية حادة، أهالي قرية يقطعون الطريق لتلوث مياه الشرب، جماعة الإخوان السبب".
وحمل الطبيب جمال الدين سليمان، الحكومة كامل المسؤولية، مؤكدا وجوب عمل إجراءات منع التلوث وعزل الحالات واستثناء وجود أوبئة (كوليرا-تيفود) لأنها تحتاج معايير خاصة.
وكتب المغرد حمزة: "بنشرب ونتوضا من مياه صرف صحي مُعاد معالجتها، أنا قولت الكلام ده من أسبوع ولا حد قال حاجة ولا الشعب ده أخد باله من أي حاجة أساسا..".
وأضاف "شعب ماشي بالبركة، تعالى وانت بتتوضى وتدخل ميه في أنفك وشم ريحة وطعم الميه أقسم بالله طعمها مقرف، وأكبر دليل على إننا داخلين على كارثة حرفيا بسبب بلحة (في إشارة إلى رئيس النظام عبد الفتاح السيسي)".
وأكد يوسف المصري، أن "كل مستشفيات أسوان مدعكة وحالات نزلات معوية بالهبل والحالات بتوصل لفشل كلوي حاد وبتدخل غسيل وفي حالات توفيت"، معربا عن أسفه على التكتم عن الأسباب.
وأضاف: "الكوليرا متفشية بطريقة مرعبة".
جدل حول اللاجئين
وعمد ناشطون إلى اتهام اللاجئين السودانيين الذي دخلوا إلى مصر في أعقاب الحرب التي يشهدها السودان بنقل الأمراض إلى مصر وبرزت تغريدات تحمل نبرات عنصرية، فيما رفض آخرون استخدام السودانيين كشماعة لتعليق التقصير الصحي والفشل في اكتشاف مسببات الأمراض.
وقالت رانيا الخطيب: "نزلات معوية وأمراض بينقلها اللاجئين عشان الدخول العشوائي ده غير السرقة ورفع للإيجار ومش من مصلحتنا الوضع في السودان"، وفق زعمها.
وتابعت: "ولا ينفع نقعد نتفرج ومصر الدولة الوحيدة المتضررة والمفروض تفرض إرادتها وتاخد مناطق آمنة هناك وتقعد فيها اللاجئين والمجتمع الدولي والدول اللي بتسرق الذهب يصرفوا بقى".
وأكد أحد المغردين، أن "ما يحدث في أسوان ليس بسبب تلوث المياه ولا الفيروسات الموسمية، وإنما انتشار وباء الكوليرا القادم من السودان مع المستوطنين السودانيين وانتشار الوباء في أسوان"، لافتا إلى أن "الوباء محصور في المناطق التي تضم سودانيين".
في المقابل، قال عمرو إن "الوطنيين الأمنيين هيرموها على السودانيين، ولو حد عطس هيرموها على السودانيين، وكأنهم كانوا عايشيين في السودان موبوئين"، متسائلا: "ميمشيش معاكم إن الحكومة وفيلسوف عصره وزمانه مهملين النظام الصحي هناك، ولما مياه الشرب تكون ملوثة دخل السودانيين ايه؟".
هلع وتشكيك
وبرزت حالة من الهلع والخشية من انتقال الأمراض إلى باقي محافظات مصر بسبب إرجاع البعض السبب في تفشي الأمراض بين أهالي أسوان وظهور أعراض وبائية إلى تلوث مياه الشرب في أسوان رغم نفي الحكومة، وإعراب عن فقدان الثقة في أي مصدر رسمي نتيجة غياب الشفافية.
وحذر صلاح الخولي، من أن "التعتيم الإعلامي الذي تنتهجه الدولة والتكذيب والتأخر في التوضيح إن وضحوا هو السبب في نشر الشائعات والتكهنات التي تفاقم الأمور أكثر".
وقال الخولي إن "المصيبة أن الجهات المسؤولة بتعرف زيها زينا من على السوشيال وده يدل على مدى الانفصال في الجهات والإدارات داخل الحكومة وعدم ترابطها".
وأضاف: "مش لازم الحوار يكبر في كل مرة ويتحول لترند عشان تتحرك الدولة وتاخد قراراتها .. لازم يكون في حساب عسير للمسؤولين المقصرين وعزلهم ويكون بشكل علني حتى يكونوا عبرة لغيرهم من الفاسدين الذين يتولوا المناصب للتربح وليس للإدارة وأداء واجباتهم ومسؤولياتهم".
وكتب أحد المغردين: "مياه النيل في كل بيت في مصر وليس في أسوان فقط، وياريت نخلي بالنا يا جماعة ومحتاجين حد يطلع يوضحلنا احنا بيحصل فينا ايه".
وقالت بسمة عبده: "طبعا فيه تعتيم إعلامي على ما يحصل في أسوان كعادة الحكومة المصرية، وتقريبا الوضع كارثي هناك، وحسبنا الله ونعم الوكيل في كل مسؤول لا يهمه حياة الناس".
ووصف هاني سالم، ما يحدث في أسوان بأنه "منتهى العبث من الحكومة ووزارة الصحة"، مستنكرا عدم توضيح بيان وزارة الصحة لأسباب الإصابات، وتنصل كل مرافق المحافظة بما فيها المحافظة نفسها من المسؤولية.
وعد المصيبة الأكبر قول جهات حكومية في أسوان إن "مفيش حد ذهب للمستشفيات، رغم أن هناك إصابات"، متسائلا: "ألا نستحق بيان واضحا وشاملا".