إيطاليا تُخل باتفاق الشراكة الأوروبي مع تونس بشأن الهجرة.. ما التبعات؟
كان يُفترض أن تتسلم الدولة الشمال إفريقية ثلاثة زوارق خلال يونيو/حزيران 2024
أثار تعليق إيطاليا تسليم 6 زوارق دورية إلى تونس الكثير من التساؤلات حول جدية روما في محاربة الهجرة غير الشرعية مع حديث عن إمكانية اتجاه البلد المغاربي إلى بدائل أخرى.
وقرر مجلس الدولة الإيطالي، أعلى محكمة إدارية في البلاد، تعليق تسليم الزوارق إلى تونس على خلفية طعن قانوني تقدمت به منظمات إنسانية غير حكومية.
وفي انتظار صدور حكم نهائي، لفت موقع "إيل سوسيداريوا" الإيطالي إلى أن احتمال تأكيد قرار مجلس الدولة الإيطالي "قد يضع أغلب السياسات الأوروبية والإيطالية تجاه تونس، موضع تساؤل".
أزمة الزوارق
وكانت المحكمة الإدارية الإقليمية بلاتسيو قد رفضت نهاية مايو/أيار 2024، الاستئناف الذي قدمته هذه المنظمات ضد حكم سابق برفض تعليق تسليم زوارق دورية إلى الحرس الوطني التونسي.
وكان يُفترض أن تتسلم الدولة الشمال إفريقية ثلاثة زوارق خلال يونيو/حزيران 2024، في إطار حزمة مساعدات لفائدة قوات الأمن التونسية من أجل مساعدتها في التصدي لعمليات الهجرة غير النظامية.
وترى أستاذة الثقافة والتاريخ ومجتمع الدول الإسلامية في جامعة بادوفا، ميكالا ميركوري، في مقابلة مع الموقع أن تعليق المساعدات الغربية خطوة من شأنها أن تخاطر بتحول تونس نحو “المدار الروسي”.
وقالت إن "الروس يهدفون إلى تعزيز وجودهم في شمال إفريقيا لا سيما أنهم حاضرون بالفعل بقوة في ليبيا والجزائر".
وعن الأساس الذي ارتكز عليه هذا الحكم، أجابت الأكاديمية الإيطالية، بأنه "يستند إلى موقف بعض المنظمات غير الحكومية التي ترى أن تونس ليست بلدا آمنا في ظل الاعتقالات التعسفية والعنف ضد المهاجرين خلاف ما تقوله حكومة روما".
وتتهم المنظمات المذكورة الرئيس التونسي قيس سعيّد بتبني “موقف غير لين تجاه المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى”.
وبينت ميركوري أن الإيطاليين "عملوا في السنوات الأخيرة، بفضل مذكرة التفاهم بين الاتحاد الأوروبي وتونس، على تحقيق الاستقرار في البلاد ودعمها بمشاريع اقتصادية وتكوينية بغاية تحقيق الرفاهية الداخلية وهو ما يتوافق مع قدر أكبر من الاستقرار والأمن".
وحذرت قائلة "إذا لم نسلم زوارق الدورية، فمن المحتمل أن يقرر سعيد التخلي عن الروابط المميزة مع إيطاليا وأوروبا وبذلك قد يتفاقم الوضع الداخلي للبلاد ومعه ظروف المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى".
ولهذا السبب، أكدت على أهمية أن تحافظ بلادها "على قدم في تونس" مع تشديدها أن "عدم تسليم هذه الأدوات من شأنه أن يخدم المنظمات الإجرامية التي تجني أرباحا من الاتجار بالمهاجرين".
بلا قيمة
وتسود تخوفات من أن يؤدي الحكم إلى عدم الالتزام باتفاق الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي المبرم عام 2023 والذي نص على تقديم مساعدات للدولة الشمال إفريقية مقابل التصدي لتدفقات الهجرة.
ولكن ترى الأكاديمية الإيطالية أن الاتفاق "لا يملك أي قيمة قانونية وهو وثيقة محل تشكيك وفق ما تقوله الجمعيات التي طعنت في حكم المحكمة الإدارية الإقليمية".
وترجح في هذه الحالة أن تواجه خطة الاتحاد الأوروبي صعوبات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بموقف سعيد، الذي قد يميل إلى تقييم الدعم من جهات فاعلة أخرى مثل روسيا في حال لم يتسلم هذه الزوارق.
وفي تأكيدها على الاهتمام الذي بات يبديه الروس في تونس، أعادت الأستاذة الجامعية التذكير بحادثة هبوط طائرات روسية يشتبه أنها عسكرية في مطار جربة، جنوب شرق البلاد في مايو.
وقالت إن "تقاربا كبيرا لروسيا من تونس، خاصة مع الجزائر بفضل إمدادات الحبوب، سيكون بمثابة إغراء قوي جدًا لسعيّد".
لذلك تعيد تحذيرها من أن قرار المحكمة الإيطالية "قد يؤدي إلى خسارة إيطاليا وأوروبا للعمل الذي أنجزتاه خلال العام 2023".
كما أعربت عن خشيتها من أن يظل قرار إنشاء تونس منطقة البحث والإنقاذ الخاصة بها “على الورق” مما يقلل من عمليات المراقبة وإمكانية التدخل لصد قوارب الهجرة غير النظامية.
وأوضحت أن "منطقة البحث والإنقاذ تتوافق مع المعايير الدولية الدقيقة التي حددتها اتفاقية هامبورغ لعام 1979" الخاصة بتنظيم هذا القطاع.
وحذرت من عدم تنفيذ "أي تعاون بين مناطق البحث والإنقاذ في إيطاليا وتونس في صورة عدم الاعتراف بالأخيرة كميناء آمن وعدم تسليم زوارق الدورية لها".
ومضت في تحذيراتها بالقول "سيكون لدينا بحر غير منضبط وتحت سيطرة المتاجرين بالبشر والمنظمات الإجرامية، وستخرج المنطقة عن السيطرة تدريجيا وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع أعداد الوفيات".
وأكدت كذلك احتمال أن يؤدي قرار عدم تسليم الزوارق لخفر السواحل التونسي إلى تدفق كبير في عدد الوافدين على إيطاليا انطلاقا من السواحل التونسية بعد أن تراجعت أعدادهم في الأشهر الأخيرة.
بدائل أخرى
وتابعت أن قرار المحكمة الإيطالية قد يدفع الرئيس التونسي "نحو الجهات الفاعلة الأخرى، التي لديها مصلحة في زعزعة استقرار البلدان الأوروبية والساحلية من خلال زيادة تدفق المهاجرين غير النظاميين".
وإلى جانب العواقب فيما يتعلق بظاهرة الهجرة وتزايد نفوذ قوى أخرى في تونس، تتوقع ميركوري أن يُلحق القرار ضررا كبيرا للغاية بخطة إنريكو ماتي للتنمية في إفريقيا.
وذلك لأسباب عديدة منها التأثير سلبا على العلاقات مع أوروبا وإيطاليا التي لديها اتفاقيات مع تونس.
وعبر الخطة الاستثمارية بمليارات الدولارات، تسعى الحكومة اليمينية الشعبوية في إيطاليا لتوسيع نفوذها في الدول الإفريقية ولمكافحة الهجرة غير النظامية.
ويعود الاسم الذي أطلق عليها إلى إنريكو ماتي، مؤسس شركة النفط الإيطالية "إيني".
وتوقعت الأكاديمية الإيطالية أن يخدم القرار الجديد مصالح روسيا في إفريقيا على ضوء اهتمامها الكبير بشمال القارة.
وخصوصا أنها باتت "تمتلك سفنا في طبرق بليبيا ولها علاقات مميزة مع الجزائر التي تزودها بالأسلحة والحبوب".
لذلك تستنتج أن تونس ستكون بمثابة “القطعة المفقودة”، مبينة أن تركها بين أيدي موسكو خطير للغاية فيما يتعلق بتنفيذ خطة ماتي، التي حظيت أيضًا بإجماع داخل مجموعة السبع.
وأوصت بعدم "ترك البحر الأبيض المتوسط في أيدي جهات دولية فاعلة أخرى مثل روسيا والصين".
وزعمت أن كل "هذا لن يفيد المهاجرين الذين ترغب الجمعيات التي قدمت الطعن في حكم الاستئناف في حمايتهم".