"أزمة عميقة".. هذه التحديات تواجه انتخابات الرئاسة في الجزائر
“المشاركة الضعيفة قد تكون مؤشرا على أزمة الثقة العميقة التي تفتك بالبلاد”
تتجه الأنظار نحو التحديات التي تواجه الانتخابات الرئاسية الجزائرية المرتقبة في 7 سبتمبر/ أيلول 2024، مع التركيز على مشكلة محتملة تتمثل في انخفاض نسبة المشاركة الشعبية.
وهناك قلق متزايد لدى الأوساط السياسية في الجزائر من أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات ضعيفة، مما قد يعكس أزمة ثقة "عميقة" في البلاد.
ثقة مفقودة
ولفتت مجلة "جون أفريك" الفرنسية إلى أنه بينما يسعى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للحصول على إعادة انتخابه، يواجه المرشحون الآخرون تحديات في جذب الناخبين والتأكيد على أن الانتخابات "فرصة للتغيير".
وعكست المخاوف من أن تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة "بمثابة اختبار حقيقي لمدى ثقة الشعب في النظام السياسي القائم"، وسط شكوك حول قدرتها على تحقيق تغيير حقيقي.
وقالت "جون أفريك" إن "الخوف من انخفاض شديد في نسبة مشاركة الناخبين يسيطر حاليا، سواء في معسكر تبون أو بين المرشحين الآخرين، يوسف أوشيش من جبهة القوى الاشتراكية، وحساني شريف عبد العالي من حركة مجتمع السلم؛ حيث يخشى كل طرف، ولأسباب مختلفة، عزوف الناخبين يوم التصويت".
وأوضحت أن المشاركة الضعيفة "قد تكون مؤشرا على أزمة الثقة العميقة التي تفتك بالبلاد، ومع مرور الأيام، يزداد هذا الخطر بشكل كبير".
ومع اقتراب الحملة الانتخابية من نهايتها، المحددة في 3 سبتمبر 2024، وهي منفصلة عن اهتمامات المواطنين اليومية، فإنها “لا تزال غير قادرة على جذب اهتمام معظم المواطنين”.
وأضافت المجلة أن هذه الحملة "تُجرى أيضا في جو يسوده شعور بعدم الثقة من قبل السلطات تجاه احتمال وقوع اضطرابات أو احتجاجات".
وفي محاولة من السلطات لتجنب وقوع أي اضطرابات، ذكرت جون أفريك أن "الشرطة خصصت فرق دوريات لتأمين الملصقات الانتخابية".
ففي منطقة "عين نعجة" ضواحي الجزائر العاصمة، ضبطت إحدى هذه الفرق رجلا وهو يمزق صورة أحد المرشحين دون تحديد اسمه، وفقا لبيان صادر عن المديرية العامة للأمن الوطني.
وبحسب المجلة الفرنسية، قُبض على الشخص المتورط في الموقع وأُحيل إلى النيابة العامة.
ولمحاولة حشد الناخبين رغم التحديات، ذكرت "جون أفريك" أن المرشحين يجنحون إلى الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية للوصول بشكل خاص إلى الشباب.
ومن جانب أنصار تبون، تُروج الحملة باستخدام أشعار مثل "سد الطريق أمام الأعداء" أو "تعزيز استقرار البلاد"، في محاولة لإقناع الجزائريين بعدم مقاطعة الانتخابات.
أما فيما يتعلق بالشخصية الثانية في الدولة، رئيس البرلمان، صالح قوجيل، فهو يؤكد -بحسب المجلة- على أن "مشاركة الشعب بقوة في الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون رسالة قوية موجهة إلى أعداء الجزائر في الخارج".
وبالعودة إلى معسكر الرئيس الحالي، تنوه المجلة إلى "وجود أمل بحشد شعبي كبير نحو صناديق الاقتراع"، حيث إن مثل هذا الإقبال سيمنح تبون "شرعية" أكبر ويمحو حقيقة أن انتخابات 2019 جرت في سياق خاص جدا، تميز باستقالة عبد العزيز بوتفليقة القسرية وسياق احتجاجات الحراك التي طالبت برحيل جميع رموز النظام.
وعلى العكس من ذلك، سيعد انخفاض نسبة المشاركة "رفضا للولاية الأولى لتبون ولمحاولاته في مصالحة الجزائريين مع المؤسسات".
دعوات المقاطعة
وفي هذا السياق، أظهرت المجلة الفرنسية أن بعض التصريحات التي أدلى بها عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء والداعم القوي للرئيس الحالي، تُعد غير ملائمة بالنسبة للكثيرين.
إذ كان متحمسا للغاية، كما وصفته "جون أفريك"، ودعا في كل اجتماع من اجتماعاته العامة إلى إعادة انتخاب تبون "لتعزيز ما حققه".
كما ألمح إلى أن إعادة الانتخاب قد اتُّفق عليها بالفعل. وهذا -في رأي المجلة- ما قد يسهم في تثبيط عزيمة بعض الناخبين الذين يرون أن الانتخابات محسومة مسبقا.
وهو عكس ما يروج له معسكر تبون، الذي يرى أن الحصول على نسبة تأييد كاسحة في ظل نسبة مشاركة منخفضة سيفقد قيمته وتأثيره.
وعلى جانب آخر، تحدثت المجلة عن مرشح جبهة القوى الاشتراكية، وهو حزب معارض قديم، والذي يدعو أيضا إلى مشاركة انتخابية قوية ويقدمها كوسيلة لتحقيق التغيير من خلال صناديق الاقتراع.
ويرى الحزب أن نجاحه في جذب الجزائريين إلى صناديق الاقتراع “سيكون دليلا على قدرته على تمثيل بديل سياسي حقيقي”.
وفي مقابل ذلك، حذرت المجلة من أن "تحقيق نتيجة سيئة لمرشح جبهة القوى الاشتراكية في ظل تعبئة ضعيفة قد يؤدي إلى خلق انقسامات وتوترات داخل الحزب".
أما فيما يخص حركة مجتمع السلم، أشارت جون أفريك إلى أن لديها طموحا آخر خلال الحملة الانتخابية؛ والذي يتمثل في "إقناع الناس بأن إستراتيجيتها، التي تعتمد على تفسير أن الإصلاحات يمكن تحقيقها من داخل النظام، صالحة".
وأوضحت أن "معدل المشاركة المرتفع سيكون وسيلة لإظهار أن أفكار حساني شريف عبد العالي وحزبه مدعومة من قاعدة واسعة من الناخبين، خصوصا الإسلاميين، مما يزيد من ثقلهم السياسي وتأثيرهم على الساحة الوطنية".
ولذلك، في معظم اجتماعاته، يحذر عبد العالي من "أولئك الذين يحاولون تشويه صورة الانتخابات بدعوتهم إلى المقاطعة والتقليل من شأن المرشحين، بهدف زعزعة الثقة بين الناخبين ومؤسسات الدولة"، بحسب ما ورد عن المجلة.
وفي النهاية، تعكس "جون أفريك" أن تفاؤل مرشح حركة مجتمع السلم يأتي من ملاحظته "اتجاها متزايدا في اهتمام الجزائريين بالانتخابات الرئاسية المقبلة مقارنة بالانتخابات السابقة التي اتسمت بعزوف شعبي واسع".