قيادات عسكرية وعلماء نوويون.. أبرز عمليات الاغتيال الإسرائيلية في إيران

حسن عبود | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

لم يكن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، إسماعيل هنية، الشخصية الأولى التي اغتالتها إسرائيل داخل إيران؛ عدوِّها الإقليمي اللدود.

فقد وجهت إيران أصابع الاتهام إلى إسرائيل في اغتيال عدد من قادتها العسكريين وعلمائها النوويين على مدار السنوات الماضية.

وأعلنت حركة حماس في ساعة مبكرة من 31 يوليو/تموز استشهاد هنية "في غارة إسرائيلية غادرة"، استهدفت مقر إقامته في طهران التي وصل إليها لحضور تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.

استهداف النوويين

وكان ممن وجّهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل باغتيالهم، محسن فخري زاده وهو أبرز عالم نووي في إيران.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قُتل محسن فخري زاده، بمدفع رشاش يجرى التحكم فيه عن بُعد في مقاطعة دماوند قرب العاصمة طهران.

وهذا العالم وصفته وكالات الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية بأنه شخصية بارزة في برنامج الأسلحة النووية الإيراني.

 كما تفيد تقارير بأن دبلوماسيين وصفوه بأنه “أبو القنبلة النووية الإيرانية” وأنه المسؤول عن برنامج سري للأسلحة النووية في إيران.

وكان فخري زاده أكاديميا، لكن تقييمات الاستخبارات الأميركية قالت إن ذلك كان غطاء لعمله في مجال الأسلحة النووية.

وحدد تقرير بارز للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة عام 2011 فخري زاده بوصفه شخصية محورية في البرنامج الإيراني السري لتطوير التكنولوجيا والمهارات اللازمة لصنع القنابل الذرية.

ولذلك كان أحد أهم أهداف الاستخبارات الإسرائيلية لسنوات. وتوعّدت إيران بالانتقام الشديد لاغتياله، ووجهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل.

 لم تعلق إسرائيل رسميا على الاغتيال، لكن في سبتمبر/أيلول 2021، قالت صحيفة نيويورك تايمز إن تل أبيب كانت تسعى لاغتياله منذ 14 عاما، وأوقفت عام 2009 في اللحظة الأخيرة عملية لتصفيته بطهران بعد أن كشفها الإيرانيون.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تحدث خلال مؤتمر صحفي عام 2018 عن التقدم الذي تحرزه إيران على الصعيد النووي، ودعا حينها إلى تذكّر اسم محسن فخري زاده.

وضمن مسلسل استهداف العلماء النوويين، اغتيل المهندس الكيميائي والمشرف في منشأة تخصيب اليورانيوم مصطفى أحمدي روشن، ومعه سائقه في انفجار قنبلة مغناطيسية وضعها راكبو دراجات نارية على سيارته في شمال طهران.

وقضى روشن في 11 يناير/كانون الثاني 2012، وسارعت السلطات الإيرانية في ذلك الوقت إلى توجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل.

وبنفس الطريقة، اغتيل في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2010، مؤسس الجمعية النووية الإيرانية مجيد شهرياري بقنبلة مغناطيسية مثبتة بسيارته بواسطة راكبي دراجات نارية في طهران.

وقُتل شهرياري، وهو عالم نووي كُلّف بأحد أكبر المشاريع في المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، على الفور عندما انفجرت القنبلة أثناء قيادته سيارته، مما أدى أيضا إلى إصابة زوجته.

وفي اليوم نفسه، نجا رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية وقتها فريدون عباسي دواني بأعجوبة من مصير مماثل، بعد تثبيت قنبلة مغناطيسية بسيارته، لكنه تمكن من القفز منها قبل أن تنفجر.

وقبلها، تعرض مسعود علي محمدي للاغتيال بتفجير قنبلة عن بعد في 12 يناير/كانون الثاني 2010 في طهران.

ووصف مسؤولون إيرانيون محمدي، وهو أستاذ فيزياء، بأنه عالم نووي، لكن بعضهم قال إنه لم يعمل لصالح منظمة الطاقة الذرية، وكان يحاضر في جامعة طهران.

وقالت مصادر غربية إنه عمل بشكل وثيق مع فخري زاده ومع فريدون دواني، وكلاهما خضع لعقوبات من الأمم المتحدة بسبب عملهما في أنشطة يشتبه في أنها تهدف لتطوير أسلحة نووية. ولذلك وجهت أصابع الاتهام إلى إسرائيلي في قتله.

اغتيال العسكريين

في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، سمع سكان العاصمة طهران دوي انفجار كبير وكان مصدر الصوت قاعدة للحرس الثوري الإيراني في بلدة بيدغنه البعيدة حوالي 50 كيلومترا عن العاصمة الإيرانية.

يومها أعلنت طهران أن “مؤسس القوة الصاروخية” أو "أب المشروع الصاروخي الإيراني" حسن طهراني مقدم، قُتل ومعه 16 من عناصر وضباط الحرس الثوري الإيراني.

وأشار الإعلان الرسمي الإيراني إلى أن الانفجار وقع خلال نقل عتاد عسكري، بينما تحدث شقيق مقدم عن مقتله خلال تجربة صاروخ عابر للقارات.

وجهت أصابع الاتهام وقتها نحو تل أبيب لا سيما مع تصريح مصدر استخباراتي غربي لمجلة "تايم" الأميركية بأن التقديرات تشير إلى تورط جهاز الموساد الاستخباراتي الإسرائيلي في "عملية الاغتيال".

وبعد شهر ونصف تقريبا على مقتل مقدم أعلنت جماعة تدعى "سرايا الشهيد حسن طهراني مقدم" مسؤوليتها عن مقتل عالم الكيمياء الإسرائيلي إيلي لولاز في 26 ديسمبر/كانون الأول 2011، الأمر الذي زاد من الشكوك.

وفي مايو/أيار 2022، أطلق رجلان يستقلان دراجات نارية النار على العقيد حسن سيد خدايي، وهو ضابط في الحرس الثوري الإيراني، مما أدى إلى مقتله. 

وبحسب تقارير إعلامية إيرانية، فإن خدايي (50 عاما) قُتل بـ"خمس" رصاصات أثناء مغادرته منزله. وكتبت وكالة تسنيم للأنباء أنه جرى استهدافه "بعد سنوات من النضال".

وتحدثت وسائل إعلام إيرانية من بينها قناة العالم أن خلفية خدايي العسكرية "يمكن أن تكون مفيدة للغاية في تحديد كواليس الاغتيال، وهذا يعني أن هذا العمل له جذوره خارج الحدود".

وألقى مسؤولون من بينهم الرئيس السابق إبراهيم رئيسي والقائد العام للحرس الثوري حسين سلامي باللوم على إسرائيل وتعهدوا بالانتقام.

وكما هو الحال في حالات أخرى مماثلة، لم تعلق إسرائيل علنا على القتل، لكنها أبلغت واشنطن أنها استهدفت الضابط، وفق ما قالت نيويورك تايمز.

وكتبت الصحيفة في مقال بعد الاغتيال أن "مسؤولين إسرائيليين قالوا إن العقيد خدايي كان نائب قائد الوحدة 840 وشارك في التخطيط لمؤامرات عبر الحدود ضد مواطنين أجانب، بما في ذلك الإسرائيليون".

وأوضحت أن الوحدة 840، كانت جزءا من فيلق القدس، ذراع الحرس الثوري المتخصص في العمليات السرية والتجسس. 

وقال مسؤولون إسرائيليون إنه كان مسؤولا عن عمليات الوحدة في الشرق الأوسط والدول المجاورة لإيران، وأنه شارك خلال العامين اللذين سبقا اغتياله “في محاولات لتنفيذ هجمات إرهابية ضد مواطنين إسرائيليين وأوروبيين وأميركيين”.

وبعد أسبوع من اغتيال خدايي، حذرت إسرائيل مواطنيها وطلبت منهم عدم السفر إلى تركيا تحديدا.

وبالتزامن مع ذلك، أفادت صحيفة صباح التركية المقربة من الحكومة بأن 8 أعضاء من الحرس الثوري الإيراني كانوا يخططون مع شركاء أتراك لاغتيال القنصل السابق لإسرائيل في تركيا "يوسف ليفي سفاري" ومجموعة من السياح الإسرائيليين.

لكن في 26 يونيو، اعتقلتهم السلطات التركية واعترفوا أنه جرى إرسالهم للانتقام لمقتل العقيد حسن صياد خدايي، وفق صحيفة صباح.

عمليات تسميم 

وفي نفس الشهر، مرض عالمان إيرانيان فجأة وتوفيا في غضون أيام، في مدن تبعد مئات الأميال عن بعضها البعض.

أصيب أيوب انتظاري، وهو مهندس طيران في منشأة أبحاث عسكرية، والجيولوجي كامران أغامولاي بأعراض التسمم الغذائي، وتدهورت حالتهما بسرعة. 

وتوفي انتظاري الذي كان يعمل في معهد أبحاث AIO في مدينة يزد وسط إيران، في 22 مايو/أيار، في ظل صمت مريب لوسائل الإعلام المحلية لم يدم طويلا.

وقال زميل لـ"انتظاري" من منشأة الأبحاث العسكرية على وسائل التواصل الاجتماعي إنه كان بصحة جيدة في الليلة التي سبقت مرضه فجأة.

وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن أحدا آخر في عائلته لم يمرض، على الرغم من أنهم جميعا تناولوا نفس الطعام في مأدبة جرى دعوتهم إليها.

الروایة الرسمیة التي انتشرت لدى وسائل الإعلام الإيرانية، بما فيها وكالة “إرنا” الحكومية، اكتفت بوصف انتظاري بأنه “عالم في مجال الصناعة والطیران”. 

لكن بحسب المعلومات التي حصل علیها موقع “جادة إیران” فإن الرجل کان رقما صعبا في مجالات يمكن وصفها بالحساسة للأمن الإيراني. 

فهو أستاذ رئیس في التصمیم الإنشائي لتوربینات صناعة الطیران، بما في ذلك المحرّكات النفاثة من الجیل الرابع.

وهذه المحركات کشف عنها لأول مرة من قبل وزارة الدفاع الإيرانية في أغسطس/آب 2020، ووصفت بأنها اختراق في الصناعات العسکریة البحرية والصواریخ والمرکبات الجویة من دون طیار.

أما الجيولوجي أغامولاي فقد كان يعمل في منشأة نطنز النووية الإيرانية، وفق نيويورك تايمز. لكن أنكر أصدقاؤه، ذلك، وقالوا إنه كان يعمل في شركة أبحاث جيولوجية خاصة، 

وكان قد عاد لتوّه إلى طهران من رحلة عمل في مدينة تبريز الشمالية الغربية عندما أصيب بالغثيان الشديد والإسهال الذي تفاقم يوما بعد يوم حتى فشلت أعضاؤه وتوفي.

وقد تخرج كلاهما في أفضل الجامعات الإيرانية، بحسب نيويورك تايمز، كما أنهما كانا صحيحي الجسم وممارسين للرياضة، قبل أن يمرضا فجأة.

وقال مسؤول إيراني، وقتها لصحيفة ​نيويورك تايمز​، "نعتقد أن إسرائيل اغتالت عالمين إيرانيين بتسميم طعامهما".

وأضاف أن "أعراض التسمم بدأت في الظهور على انتظاري وأغملائي بعد مأدبة عشاء حضراها في مكانين مختلفين، والداعي إلى المأدبة اختفى".

وجاء نبأ الوفاة المريبة لانتظاري وأغامولاي بعد أيام قليلة من مقتل العقيد علي إسماعيل زاده، أحد قادة الوحدة 840 لفيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني.

وأوضحت الرواية الإيرانية الرسمية أنه توفي جراء سقوطه من شرفة منزله في منطقة "جهان نما بمحافظة كرج".

لكن موقع "إيران إنترناشيونال" نقل عن مصادر بأن علي زاده، المقرب للعقيد للراحل حسن صياد خدائي، قد توفي في 30 مايو، ضمن تصفية جسدية من قبل مخابرات الحرس الثوري للاشتباه في قيامه بالتجسس.