المغرب دعم إسرائيل لمعاقبة جنوب إفريقيا على دعوى الإبادة الجماعية.. كيف؟
لم يكن أحد في جنوب إفريقيا أكثر سعادة من وزيرة العلاقات الدولية والتعاون ناليدي باندور، عندما فاز منتخب بلادها على المغرب، ليصل إلى ربع نهائي كأس الأمم الإفريقية في كوت ديفوار.
إذ قالت باندور مبتسمة، في مؤتمر صحفي يوم 31 يناير/ كانون الثاني 2024: "لقد أنجز منتخبنا مهمة رد الجميل بنتيجة 2-0".
والمثير للسخرية أن "الجميل" الذي قصدته هو الفوز غير المتوقع الذي حققه السفير المغربي عمر زنيبر، على سفير جنوب إفريقيا مكسوليسي نكوسي، في انتخابات رئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لعام 2024.
وعقدت الانتخابات في 10 يناير/ كانون الثاني 2024، وفاز فيها المرشح المغربي على المرشح الجنوب إفريقي بأغلبية 30 صوتا مقابل 17.
وبحسب معهد الدراسات الأمنية الإفريقي (ISS)، فإن "المغرب تفوق على جنوب إفريقيا نظرا لأنه ناور وتجاوز الإجراءات الاعتيادية".
وجاء دور إفريقيا لترشيح دولة منها لرئاسة مجلس حقوق الإنسان، الذي تتناوب عليه خمسة أقاليم حول العالم.
تقويض التوافق
وأفاد المعهد بأن السفراء الأفارقة كانوا قد رشحوا بالفعل جنوب إفريقيا ليشغل مرشحها هذا المنصب، حيث رشحت مجموعة السفراء الأفارقة في جنيف جنوب إفريقيا كممثل للمنطقة.
لكن المغرب تمكن من إقحام نفسه كمرشح إفريقي ثان، مما قوض التوافق وأجبر المجلس المؤلف من 47 عضوا على اللجوء للتصويت، حسبما ذكرت مصادر دبلوماسية في أديس أبابا.
وأكد ذلك المتحدث باسم وزارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب إفريقيا، كلايسون مونييلا.
وقال المعهد إن "استهداف المغرب لجنوب إفريقيا ليس شيئا مفاجئا".
وأوضح: "هما عدوان لدودان، ويرجع ذلك في الغالب إلى أن بريتوريا دافعت عن استقلال الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، في حين تدعي الرباط أنها جزء من أراضيها".
وتعد جنوب إفريقيا أن قضية الصحراء هي "النضال الأخير لإنهاء الاستعمار في إفريقيا".
وقبل التصويت مباشرة، قال نكوسي إنه إذا انتُخب زنيبر، فإن ذلك "سيحطم أي قدر من الشرعية تمتع بها هذا المجلس في وقت من الأوقات".
لكن طرح المعهد سؤالا: “رغم كل هذا، لماذا خسرت جنوب إفريقيا التصويت الأوسع، وبشكل سيئ للغاية؟”
أسباب الخسارة
وأرجع المعهد ذلك إلى عدة عوامل، منها موقف بريتوريا القوي المؤيد للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وموقفها المحايد -الذي قد يرى البعض أنه مؤيد لموسكو- في الحرب ضد أوكرانيا.
هذا علاوة على سياساتها المؤيدة للشواذ جنسيا؛ واتهامها البارز لإسرائيل بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية.
وقال المعهد: "من خلال فحص أعضاء المجلس السبعة والأربعين، يمكن للمرء أن يرى كيف أن مواقف بريتوريا بشأن الصحراء الغربية وأوكرانيا، ونشاطها بشأن إسرائيل، كلفها دعم بعض الأعضاء الأفارقة، وربما جميع الأعضاء الغربيين".
وتابع: "ربما موقف جنوب إفريقيا تجاه روسيا وأوكرانيا كلفها أيضا أصوات دول من أوروبا الشرقية مثل بلغاريا ورومانيا".
وذكر أن "من هذا المنطلق، كان المغرب ذكيا في تحويل التصويت من المجموعة الإفريقية إلى المجلس الأوسع نطاقا، وهو الساحة الأكثر ملاءمة للرباط".
وأفاد بأن "من الصعب تحديد الدور الذي لعبه كل من هذه العوامل، لأن الاقتراع كان سريا".
وأضاف أن "من بين جميع العوامل التي يُحتمل أنها كانت السبب في خسارة جنوب إفريقيا، ربما تكون قضية محكمة العدل الدولية وإسرائيل هي الأكثر إثارة للاهتمام".
وذكر أن "انتخابات رئاسة مجلس حقوق الإنسان لعام 2024 هي أول خسارة دولية تتكبدها جنوب إفريقيا، بسبب اتهامها لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية".
وبدأت جلسة محكمة العدل الدولية في لاهاي بعد يوم واحد فقط من التصويت في جنيف، كما أن تفاصيل عريضة الاتهام ضد إسرائيل نُشرت في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023.
ولم تعرب أية دولة غربية عن دعمها لهذه الخطوة، ووصفتها الولايات المتحدة، وهي عضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بأنها "عديمة الجدوى وتؤدي إلى نتائج عكسية ولا أساس لها على الإطلاق في الواقع".
وأوضح المعهد أن جنوب إفريقيا قد تتكبد خسائر أخرى، منها المزايا التجارية التي تتمتع بها مع الولايات المتحدة.
ورغم فوز المغرب، صرح مراقبو الاتحاد الإفريقي لمؤسسة "ISS Today" أن هذا الفوز رمزي إلى حد كبير.
وأردف المعهد أن "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ليس هيئة قوية للغاية، بل إنه يكافح من أجل تحقيق الشرعية والمصداقية؛ لأن التصويت داخله يتم إلى حد كبير وفقا للمواقف القومية وليس الأخلاقية البحتة".
واستدرك: "ومع ذلك، فإن رئاسة أي هيئة تابعة للأمم المتحدة هو أمر مرموق".
وتابع: "ربما ينوي المغرب استخدام هذا المنصب لدرء الانتقادات الموجهة له باحتلال الصحراء الغربية، ولمواجهة الادعاءات بأنه يرتكب انتهاكات ضد سكان الإقليم".
ومن هذا المنطلق، فإن الفوز على جنوب إفريقيا كان بمثابة نصر مزدوج للمغرب، فلم يقتصر الأمر على الفوز بالمنصب فحسب، بل وأيضا حرم أكبر منافس له في إفريقيا من الفوز، وفق وصف المعهد.
دور إسرائيلي
وكشف المعهد أن المغرب تعاون مع إسرائيل لهزيمة جنوب إفريقيا في الانتخابات، مشيرا إلى "التحالف القائم بين المغرب وإسرائيل بموجب اتفاق أبراهام".
وقال إن "الاتحاد ضد جنوب إفريقيا هو أمر منطقي بالنسبة للمغرب وإسرائيل من منظور تكتيكي".
وقد وضعت جنوب إفريقيا إسرائيل والمغرب في سلة واحدة، عندما استعرضت وزيرة العلاقات الدولية والتعاون، ناليدي باندور، حملة بلادها لمنع الاعتراف بإسرائيل كمراقب في الاتحاد الإفريقي في 2023.
وقالت باندور حينها إن إسرائيل والمغرب كلاهما "ظالم" و"محتل مستعمر... ويلعبان دورا سلبيا للغاية في إفريقيا" من خلال استخدام "عضلاتهما المالية" لكسب دعم الدول الإفريقية.
وأعرب أحد خبراء الاتحاد الإفريقي -طلب عدم الكشف عن هويته- عن تشككه في أن إسرائيل والمغرب متعاونان، مشيرا إلى أنه لا يمكن لأي دولة إسلامية أن تتحمل أن تُرى كداعم لإسرائيل في ظل الدمار الذي تلحقه بغزة.
لكن استدرك المعهد، قائلا إن "المغرب بالطبع لن يعلن عن أي صفقة قد يبرمها مع إسرائيل في هذا السياق".
وقال: "لا تزال عودة المغرب المثيرة للجدل إلى الاتحاد الإفريقي في عام 2017 -والتي عارضتها جنوب إفريقيا بشدة- تسبب اضطرابا في جميع أنحاء إفريقيا".
ويرجع ذلك -وفق وصف المعهد- إلى عداءها العميق مع جارتها الجزائر، وهي حليف قوي لجنوب إفريقيا.
وقال أحد مراقبي الاتحاد الإفريقي: "إنها في الواقع تصيب القارة بالشلل".
فعلى سبيل المثال، قبل أقل من ثلاثة أسابيع من انعقاد القمة العادية للاتحاد الإفريقي لعام 2024، لم ترشح شمال إفريقيا مرشحا لرئاسة الهيئة القارية هذا العام.
رئاسة الاتحاد
وأفاد المعهد بأن شمال إفريقيا حان دورها لتولي هذا المنصب، لكن المسؤولين في أديس أبابا يقولون إن المنطقة لا تزال "تتشاور".
وقال خبير الاتحاد الإفريقي إن مصر ترغب في الحصول على رئاسة الاتحاد؛ لأن ذلك سيمكنها من ممارسة نفوذها في أزمة السودان وغيرها من القضايا.
لكن آخر مرة ترأست فيها مصر كانت في عام 2019، ولن يبدو جيدا أن تتولى الرئاسة مرة أخرى بهذه السرعة.
وقال الخبير إن الخيار الآخر هو موريتانيا، "لكنها دولة ضعيفة للغاية"، حسب وصفه.
وتتمثل مخاوف الجزائر وداعميها بشأن هذه القضية، كجنوب إفريقيا، في أنه إذا تم انتُخب المغرب رئيسا للاتحاد الإفريقي، فإنه سيستخدم هذا المنصب لتعزيز مطالبته بالصحراء الغربية.
وسيشمل ذلك تهميش أو طرد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التي تقودها جبهة البوليساريو، والتي تدعي أنها تمثل الإقليم كدولة مستقلة.
وبالنسبة لجنوب إفريقيا، فإنها حظيت بإشادة دولية واسعة النطاق بسبب طلبها الذي قدمته إلى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل.
لكن المعهد ختم بالتساؤل "ما إذا كانت هزيمتها المدوية في مجلس حقوق الإنسان بمثابة تحذير من أن مواقفها الخارجية قد تكلفها دعما غربيا، وربما أكثر من ذلك".