ترتيبات متسارعة.. كيف يعمل عباس على نيل رضا إسرائيل وأميركا وسط العدوان؟
الرؤية الإسرائيلية تتمثل في البقاء بقطاع غزة والسيطرة عليه أمنيا
تسير السلطة الفلسطينية في مسارات عدة من أجل إعادة تقديم أوراق اعتمادها لدى الإدارة الأميركية وإسرائيل، في ظل رفض الأخيرة أي دور لها في اليوم التالي لما بعد العدوان على قطاع غزة.
ومنذ بدء العدوان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بهدف "القضاء" على حركة المقاومة الإسلامية حماس ردا على عملية طوفان الأقصى، ربطت حكومة بنيامين نتنياهو ما جرى بالسلطة الفلسطينية وأكدت أنه لن يكون لها أي دور في غزة بعد تنفيذ المهمة.
وهو ما دفعها للسير في مسارات جديدة تدفع الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل للقبول بها خاصة في خضم الحديث الدولي عن ضرورة إصلاح السلطة الفلسطينية وإنهاء حالة الفساد داخلها.
وطردت حماس السلطة الفلسطينية من غزة عام 2007 بعد عدم تمكين الحركة من الحكم إثر فوزها بنتيجة ساحقة في الانتخابات البرلمانية.
واليوم، يأتي حرص السلطة على إيجاد دور لها في غزة بعد الحرب في ظل تحرك متسارع من محمد دحلان القيادي المفصول من حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، والذي يريد العودة إلى القطاع مدعوما من دولة الإمارات التي يقيم بها.
ترتيبات سياسية
من ضمن الخطوات في هذا السياق، يأتي تكليف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في 14 مارس/آذار 2024، محمد مصطفى، رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني (الصندوق السيادي)، بتشكيل حكومة جديدة، خلفا لمحمد اشتية.
وفي فبراير/شباط 2024، قبِل الرئيس عباس استقالة اشتية، الذي أعلن في كلمة خلال اجتماع أسبوعي تقديم استقالة حكومته.
وقدّم اشتية، استقالته على ضوء المستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية المتعلقة بالعدوان على قطاع غزة، والتصعيد غير المسبوق في الضفة الغربية.
وقال اشتية، آنذاك، إن المرحلة المقبلة "تحتاج إلى ترتيبات سياسية حكومية جديدة تأخذ في الحسبان التطورات في قطاع غزة، ومحادثات الوحدة الوطنية، والحاجة الملحة إلى تحقيق توافق فلسطيني يستند إلى أساس وطني، ومشاركة واسعة، ووحدة الصف، وبسط السلطة على كامل أرض فلسطين".
ويبدو أن اختيار رجل اقتصادي من الدرجة الأولى لم يكن عبثيا، في مرحلة يريد عباس أن يوحي أنها تتسم بالإصلاح وإعادة الإعمار وسط كثرة التقارير والاتهامات الدولية بفساد السلطة الفلسطينية.
فمحمد مصطفى تقلد سابقا عددا من المناصب في البنك الدولي، وفي مؤسسات السلطة الفلسطينية، أبرزها رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني.
ومنذ 1991 وحتى 2005، شغل العديد من المناصب العليا في البنك الدولي في واشنطن، كما ساهم خلال هذه الفترة في تطوير العديد من شركات الاتصالات مثل أورانج وفاست لينك في الأردن، وشركة الاتصالات السعودية، وشركات أخرى في مصر ولبنان وإفريقيا وبلغاريا وروسيا.
كما عمل مستشارًا للإصلاح الاقتصادي لدى حكومة الكويت، ومستشارا لصندوق الاستثمارات العامة في السعودية.
وفي 1995، عاد مصطفى، إلى فلسطين بشكلٍ مؤقت عقب توقيع اتفاقية أوسلو، حيث أمضى عاما ونصف العام أسهم خلالها بتأسيس قطاع الاتصالات في فلسطين، ثم عاد بعد ذلك للعمل في البنك الدولي في واشنطن.
وفي 2005، أقام بشكلٍ دائم في فلسطين بعد أن عينه عباس، في منصب مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الاقتصادية في ديوان الرئاسة.
ومطلع 2006، كلفه عباس، بمنصب الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الفلسطيني حتى 2013.
ثم شغل مصطفى، منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في الحكومة الفلسطينية الخامسة عشرة، وشغل ذات المنصب في الحكومة السادسة عشرة منذ 2013 وحتى 2014.
كما شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد الوطني في الحكومة الفلسطينية السابعة عشرة منذ 2014 وحتى تقديمه استقالته منها في 31 مارس/آذار 2015.
وفي أكتوبر 2014، كان رئيسا للجنة إعادة إعمار قطاع غزة في مؤتمر المانحين في القاهرة، عقب العدوان الذي شنته قوات الاحتلال في نفس العام.
واليوم يأتي التعيين على وقع الحرب المدمرة في غزة التي خلّفت دمارا هائلا في البنية التحتية وعشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، رافقها تصعيد إسرائيلي في الضفة الغربية.
وإلى حد ما، تشبه هذه الحكومة، تلك التي شكلها الاقتصادي سلام فياض في رام الله منذ منتصف يونيو/حزيران 2007 وحتى صيف 2010، والتي ولدت من رحم الانقسام الداخلي وتحولت إلى حكومة طوارئ وخلت من أي وزير ينتمي للمقاومة وسعى عباس من خلالها إلى إخراج حماس من الشرعية الفلسطينية.
الأمن والإعلام
أمنيا، كشفت القناة الـ14 الإسرائيلية أن مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج بدأ العمل على بناء قوة مسلحة جنوب قطاع غزة.
وأضافت القناة أن قوة فرج -التي يعمل عليها- تتكون من عائلات لا تؤيد حركة حماس لتوزيع المساعدات من جنوب القطاع إلى شماله.
وخلال الأيام الماضية حاولت إسرائيل من خلال أطراف ومؤسسات دولية إيجاد بديل للحكومة التي تقودها حركة حماس في قطاع غزة، عبر إيجاد هيئات مدنية من العشائر، ولكن هذه المحاولات واجهت رفضا كبيرا من العائلات الفلسطينية.
وقبل ذلك، قالت هيئة البث الإسرائيلية (كان) إن رئيس مجلس الأمن تساحي هنغبي التقى أخيرا فرج بموافقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وأشارت “كان” إلى أن وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت اقترح تولي رئيس مخابرات السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة مؤقتا بعد انتهاء الحرب والإشراف على تسليم المساعدات لكن نتنياهو مازال متعنتا.
وبينت الهيئة أن إسرائيل تدرس استخدام رئيس المخابرات الفلسطينية لبناء بديل لحركة حماس في اليوم التالي للحرب.
وينص المقترح على أن يتولى ماجد فرج إدارة غزة بمساعدة شخصيات ليس بينها عضو في حركة حماس.
وقالت مصادر مطلعة على المناقشات إن فرج لم يكن الاسم الوحيد الذي تدرس إسرائيل إمكانية تسميته مسؤولا عن إدارة غزة في اليوم التالي للحرب.
ووفق "كان"، يُعدّ ماجد فرج البالغ من العمر 61 عاماً، "أقوى شخصية أمنية في السلطة الفلسطينية، وهو مقرب جدا من عباس، وتربطه علاقات ممتازة مع كبار مسؤولي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وأجهزة المخابرات العربية والغربية والأميركية".
وقد برز أخيرا اسمه بوصفه شخصا يمكن أن يحل محل عباس، بالإضافة إلى مسؤولين كبار آخرين في السلطة الفلسطينية.
ولم يعلق مسؤول إسرائيلي رسمي على الاقتراح، لكن زعيم المعارضة يائير لابيد قال إنه “من الطبيعي أن نذكر اسم فرج، فهو من أكثر شخصيات السلطة التي عملت معنا ضد حماس”.
وأضاف لابيد في مقابلة تلفزيونية “الجهاز المدني ليس لديه عائق أمام العمل مع السلطة الفلسطينية، لأنه حتى اليوم يعمل معها".
وأردف: "يجب على الحكومة أن تقرر ما إذا كانت ستتعامل مع السياسة أو أمن إسرائيل، إذا كان الأمر يتعلق بأمننا فسنعمل مع السلطة الفلسطينية”.
وبالتزامن مع المسار الأمني، بدأت السلطة الفلسطينية أخيرا إلى جانب حركة فتح بمهاجمة حماس وتأليب الرأي العام عليها.
وفي منتصف مارس 2024، شنت حركة فتح هجوما حادا على حماس، متهمة إياها بالتسبب في إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة.
وقالت فتح في بيان، إن "من تسبب بوقوع النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، خصوصا في قطاع غزة، لا يحق له إملاء الأولويات الوطنية"، وذلك بعد بيان من حركة حماس يرفض تشكيل عباس حكومة جديدة "تعزز الانقسام" في ظل العدوان.
وأكدت فتح أن "المفصول الحقيقي عن الواقع وعن الشعب الفلسطيني هي قيادة حركة حماس، التي لم تشعر حتى هذه اللحظة بحجم الكارثة التي يعيشها شعبنا المظلوم في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية".
رؤية الاحتلال
وبالحديث عن الرؤية الإسرائيلية للقطاع، يقول المحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون إن تل أبيب ماتزال ترفض أي دور للسلطة في غزة لأنها لا تريد أن تجعلها مرتبطة بالضفة الغربية.
وبين في حديث لـ"الاستقلال" أن الاحتلال يريد لجانا وعوائل وشخصيات غير رسمية من أجل ترتيب الواقع الأمني تحت إدارة إسرائيلية، وهذه رؤية نتنياهو وليس حكومته كاملة.
وشدد على أن السلطة مستعدة للتعاون مع إسرائيل في الجانب الأمني للعودة إلى قطاع غزة حتى دون دور سياسي.
ورأى أن الرؤية الإسرائيلية تتمثل في البقاء بقطاع غزة والسيطرة عليه أمنيا وتسهيل الدخول والخروج منه من خلال الخط الفاصل والمنطقة العازلة.
وقدّم نتنياهو للمجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) وثيقة مبادئ تتعلق بسياسة اليوم التالي لحرب غزة تتضمن احتفاظ إسرائيل بحرية العمل في كامل قطاع غزة دون حد زمني.
كما تتضمن أيضا إقامة منطقة أمنية في القطاع متاخمة للبلدات الفلسطينية المحتلة "ستظل قائمة طالما أن هناك حاجة أمنية إليها".
وتنص الوثيقة على إبقاء إسرائيل على الإغلاق الجنوبي على الحدود بين غزة ومصر "بهدف منع إعادة تسليح العناصر الإرهابية في القطاع"، وفق وصفها.
وتشدد على أن إعادة إعمار قطاع غزة لن تكون ممكنة إلا بعد الانتهاء من عملية التجريد من السلاح وبدء عملية "نزع التطرف"، وهو موقف لم يعبر عنه نتنياهو علنا من قبل.
كما تنص على أن "خطط إعادة الإعمار سيتم تنفيذها بتمويل وقيادة دول مقبولة لدى إسرائيل".
وعن موقف الولايات المتحدة، أكد المحلل السياسي إبراهيم المدهون أن "واشنطن لا مانع لديها أن يكون هناك دور كبير للسلطة الفلسطينية، لكن هذه ما تزال نقطة خلافية جوهرية بين نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن".
ويعتقد أن "الجميع يعمل على اكتساب الوقت، حيث يراهن نتنياهو على استمرار الحرب حتى وصول إدارة أميركية جديدة برئاسة دونالد ترامب يتوقع أن تتجاهل بدورها السلطة الفلسطينية".
ولفت إلى أن بايدن يريد أن يعزز رؤيته خلال الوقت المتبقي له قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وفي المقابل، يحاول نتنياهو عرقلة أي جهد لوقف العدوان حتى الوصول للانتخابات لكنه يخشى من زيادة الضغوط الأميركية عليه مما يهدد استقرار حكومته.
ونوه المدهون إلى الخلافات الشديدة بين مؤسسات الكيان ووزراء الحكومة الإسرائيلية المتطرفة مع مجلس الحرب.
وفي المحصلة، قال إن المعركة لم تنته والاحتلال لم يحقق أهدافه وهناك احتمالات مختلفة، "فقد يحدث تغيير في الولايات المتحدة أو الكيان أو في إحدى الدول الإقليمية قد يغير المشهد برمته".
وشدد على أن حركة حماس مازالت قوية وجهازها الإداري يحاول ملء الفراغ وحماية شاحنات المساعدات التي تدخل غزة كما نجحت في ذلك أخيرا، مبينا أن الشعب الفلسطيني لا يريد سلطة مرتبطة بالاحتلال.