غيرت الموازين.. الأناضول: هذا ما أزعج لوبيات أميركا من "الدرون" التركية
نشرت "وكالة الأناضول" التركية مقالا للكاتب الصحفي محمد كانجي يرصد فيه حالة الانزعاج الأميركية الواضحة من نجاح أنقرة في ملف الصناعات الدفاعية، وخاصة الطائرات المسيرة (الدرون) التركية التي قلبت موازين الصراع في أذربيجان وليبيا، خلال 2020، و2021.
كانجي، أكد أن "تحسس" الإدارة الأميركية من تركيا يتقدم على التهديدات الروسية والصينية لواشنطن، وينال أهمية أكبر لدى الكونغرس الأميركي.
توقع أيضا أن يكون الأمر أحد أهم الموضوعات التي ستلفت انتباه المؤرخين السياسيين الذين سيقومون بدراسة عهد الرئيس الأميركي جو بايدن في تاريخ أميركا.
وأوضح أنه "لم يمر شهر على تولي بايدن الحكم في يناير/ كانون الثاني 2021، دون إدراج مشروع قانون مضاد لتركيا، أو كتابة الرئيس الأميركي الجديد ووزير خارجيته أنتوني بلينكن رسائل تتحدث عن تركيا بسوء".
وأضاف: "وإذا لم يكن حدث أي من هذا، فلابد وأنه جرى طرح مشروع يتعلق بتحسين العلاقات الأميركية مع إحدى الدول التي تعيش حالة صراع مع تركيا".
الكاتب التركي جزم بأن "معاداة تركيا أصبحت من أهم القضايا التي تتفق فيها السياسة الداخلية الأميركية".
ويعتقد أنه لذلك "فإن صياغة القوانين أو كتابة الرسائل المناهضة لتركيا إلى البيت الأبيض باتت طريقة يضمن بها أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب تقدمهم في المشهد السياسي".
ولفت إلى الجانب الأهم في القصة وهو أن "مكونات السياسة الداخلية في إدارة بايدن وضعت صناعة الدفاع التركية واحتياجات تركيا الدفاعية على رأس موقفها العدائي من أنقرة".
وأشار هنا إلى شن "أرمينيا واليونان وإسرائيل وقبرص اليونانية هجوما ضد تركيا عبر لوبياتها بعد أن رأت أن إخراج أميركا لتركيا من مشروع إنتاج طائرات (إف 35) لم يؤثر سلبا على تفوق تركيا جويا".
وبين أن ذلك أحزن تلك الدول ذات العداء مع تركيا، خاصة وأن إقصاء واشنطن لأنقرة من إنتاج طائرات "إف 35" بأراضيها جعل "تركيا أكثر إنتاجية لمشاريع الطائرات المسيرة المسلحة التي أطلقتها".
الكاتب التركي ألمح إلى رسالة 27 عضوا بالكونغرس الأميركي إلى وزير الخارجية بلينكن 12 أغسطس/ آب 2021، يقولون فيها: إن مشاريع الطائرات المسيرة المسلحة التي تنفذها تركيا تهدد مصالح أميركا.
الرسالة زعمت أن الطائرات المسيرة المسلحة التركية تمثل "مصدرا لعدم الاستقرار"، ما دفع الكاتب للتساؤل في مقاله: أين ومتى حدث ذلك؟
وقال: "يبدو أنه وبحسب أعضاء الكونغرس كان استخدام أذربيجان للطائرات المسيرة المسلحة التركية لاستعادة حقها المشروع في (قره باغ) التي احتلتها أرمينيا 30 عاما منتهكة القانون الدولي؛ يشكل مصدرا لعدم الاستقرار".
وأضاف: "كذلك كان استخدام الطائرات المسيرة المسلحة ضد منظمة (بي كا كا) التي تحاول خلق ممر منتهكة قرارات الأمم المتحدة على الحدود التركية وتهدد وحدة الأراضي السورية".
وتابع: "ووفقا لسياسيين أميركيين، فدعم الطائرات المسيرة حكومة طرابلس المعترف بها دوليا بليبيا ضد قائد الانقلاب الليبي خليفة حفتر، الذي يسعى لبيع موارد ليبيا لروسيا وفرنسا بثمن بخس، يشكل مصدرا آخر لعدم الاستقرار".
كانجي علق بقوله: "توثق الرسالة التي كتبها أعضاء الكونغرس الأميركي الـ27 إلى بلنكين حقيقة عدم قدرة أميركا على فهم جوهر القضايا التي جرى إقناع المجتمع الدولي بعدم إمكانية إيجاد حلول لها".
جرائم مشهودة
ووفقا للكاتب التركي "لم يقدم أعضاء الكونغرس مبادرات ضد عمليات الهجوم والاغتيال التي نفذتها الأجهزة الأميركية في أفغانستان وباكستان وسوريا والعراق والصومال واليمن".
وأشار لاستخدام "المخابرات المركزية الأميركية (CIA) وقيادة العمليات الخاصة (SOCOM) وقيادة العمليات الخاصة المشتركة (JSOC) الطائرات المسيرة المسلحة الأميركية بتلك البلدان وما تسبب به من زعزعة في الاستقرار".
ونقل عن مكتب الصحافة الاستقصائية، أن عدد الهجمات الأميركية بطائرات بدون طيار في باكستان واليمن والصومال وأفغانستان منذ عام 2004، تجاوزت 14 ألف هجوم".
ولفت إلى توقعات تشير إلى أن "عدد المدنيين الذين فقدوا أرواحهم في هذه الهجمات يتراوح بين 900 و2000، نحو 300 منهم أطفال".
كانجي قال: "من المفيد تذكير أعضاء الكونغرس الأميركي بعمليات واشنطن في باكستان قبل 10 سنوات فقط والتي تسببت بمقتل الكثير من المدنيين".
"الأمر الذي دفع إسلام أباد لإغلاق قواعد الطائرات المسيرة التي تديرها وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وطرد أساطيل الطائرات المسيرة المسلحة الأميركية من باكستان"، وفق الكاتب التركي.
وأضاف: "ربما على أعضاء الكونغرس أن يشاهدوا أيضا الفيلم الوثائقي (ناشونال بيرد)، الذي يحكي عن عدم الاستقرار العالمي الذي خلقته عمليات الطائرات المسيرة المسلحة الأميركية والذي صدر عام "2016.
وأوضح أنه "بحسب عنصر المخابرات الأميركية الذي خدم في عمليات الطائرات المسيرة المسلحة في اليمن وأفغانستان ديفيد هيل، كان هناك 9 مدنيين بين كل 10 قتلى استهدفتهم العمليات".
"حكم على هيل بالسجن مدة 45 شهرا لتعليقاته في هذا الفيلم الوثائقي في 27 يوليو/ تموز 2021، لكننا لم نسمع عن أي بيان صدر من أعضاء الكونغرس بشأن حرية هيل في التعبير"، وفق تعبير كاتب المقال التركي.
هذا ما يرعبهم
وتساءل: "لماذا نسعى إلى تقييم نوايا أعضاء الكونغرس الأميركي وازدواج المعايير هنا واضح للغاية؟".
أعضاء الكونغرس قالوا في ذات الرسالة: "يجري استخدام التكنولوجيا والقطع الأميركية في طائرات (بايراقدار تي بي 2) المسيرة التي استخدمت في حرب قره باغ الثانية".
وأضافوا: "هذا انتهاك لقانون عقوبات (كاتسا) المفروضة على تركيا حاليا بسبب شرائها صواريخ من روسيا، ويجب على واشنطن أن تعلق على الفور تصدير هذه المعدات التكنولوجية إلى تركيا".
كانجي، أوضح أن "هدف أعضاء الكونغرس يتمثل في الدفاع عن مصالح إسرائيل وأرمينيا واليونان وقبرص اليونانية وحلفائهم في المنطقة، أكثر منها مصالح أميركا".
ولفت إلى أن "العقوبات ضد تركيا اعتلت جدول الأعمال تزامنا مع تحضيرات ضم السفينة (تي سي جي أناضول) الهجومية إلى البحرية التركية".
وشرح ذلك بالقول: "ستكون تركيا أول دولة تنشر أسطولا من الطائرات الحربية البحرية، الأمر الذي سيؤثر على توازن القوى بشرق البحر المتوسط وبحر إيجة".
وتابع: "وبينما يستمر تطوير الطائرات المسيرة المسلحة التركية المقرر دمجها مع سفينة (تي سي جي أناضول)، لن يكون مفاجئا قيام الفاعلين المتأثرين باللوبيات في الكونغرس الأميركي بتحركات جديدة".
واستدرك: "غير أن هذا الموقف العدائي تجاه تركيا يتناقض كليا مع خطاب المصالح المشتركة ومستقبل حلف شمال الأطلسي، الذي تؤكده إدارة بايدن في كل فرصة؛ وهو ما يحدث في الواقع".
الكاتب أوضح أنه "مع أن بلينكن اتهم تركيا بأنها لا تتصرف كحليف لأميركا، وأكد ذلك مرات عديدة، إلا أن الأوضاع القاسية أجبرت الإدارة الأميركية على اللجوء إلى أنقرة للإشراف على أمن مطار العاصمة الأفغانية كابول".
وأردف: "هنا، يجب على صناع القرار السياسي في واشنطن الاتفاق فيما بينهم، فيما إن كانت تركيا فاعلا ضامنا للاستقرار أم تهديدا عليه".
كانجي، أكد أنه "يجب على بايدن وفريقه توعية أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب لتعريف معنى التحالف بشكل صحيح ومن ثم الاتفاق عليه".
وتساءل: "لماذا تشعر دولة بالانزعاج من امتلاك حليفها أعلى القدرات القتالية وأفضلها في الوقت الذي يتوقع منه إرساء الاستقرار في منطقة هي بأشد الحاجة إليها؟".
صورة معقدة
ويرى كانجي، أن "عدم صحة مزاعم أعضاء الكونغرس في رسالتهم يظهر جهلهم بالتهديدات التي تواجه حلف الناتو والتطورات الحالية".
وتابع: "وأنه يجب على البيت الأبيض تحديد وشرح التهديدات التي يواجهها حلف شمال الأطلسي في البلطيق وأوكرانيا والبحر الأسود وأوروبا الوسطى للأعضاء الـ27 في الكونغرس".
وأضاف: "مثلا تجري أوكرانيا وبولندا وليتوانيا حساباتها الخاصة لتحقيق التوازن وحتى التفوق على الوحدات المدرعة الروسية البرية بتكلفة معقولة، بشراء الطائرات المسيرة المسلحة التركية".
"تفوق الطائرات المسيرة على أنظمة الدفاع الجوي الروسية والمركبات المدرعة في قره باغ، يعتبر السلاح الأكثر فعالية ضد هجوم أي وحدة مدرعة تستهدف أوروبا الغربية من سهول أوروبا الوسطى"، وفق شرح الكاتب.
وقال: إنه "لذلك، حتى لو لم يكن الأعضاء المذكورون في الكونغرس الأميركي في خدمة اللوبيات الأميركية وقبرص اليونانية وإسرائيل واليونان وأرمينيا، فإن الرسالة التي كتبوها تهدد، ولو لم يقصدوا ذلك أمن حلف شمال الأطلسي بشكل مباشر".
الكاتب أضاف: "ويمكن لتركيا أن تقدم خدمة أخرى لأعضاء الكونغرس الأميركي الذين أزعجتهم الطائرات المسيرة المسلحة التركية بإبلاغهم بعدم الاستقرار الذي خلفه الجيش الأميركي أثناء انسحابه من أفغانستان".
وأشار إلى استيلاء طالبان على آلاف الأسلحة الخفيفة والمدرعات، إضافة إلى حاوية مليئة بالأسلحة الثقيلة، وكذلك صور طالبان بعد استيلائها على طائرة (سكان إيغل) المسيرة.
"لذلك، يمكن لأعضاء الكونغرس الأميركي أن يكتبوا رسائل إلى وزارة الخارجية ووزارة الدفاع الأميركية حول تحول هذه الطائرات إلى مصدر لعدم استقرار"، بحسب رؤية الكاتب التركي.
الذي أكد أن "تكلفة إرسال تلك الطائرات إلى أفغانستان بلغت 174 مليون دولار جرى إنفاقها من الضرائب التي يدفعها الناخبون حتى لا يهدروا مواردهم ويقوموا بحماية حقوق ناخبيهم الذين ساعدوهم في الوصول إلى الكونغرس".
وختم كانجي مقاله مشيرا إلى أن الحظر العسكري الذي استهدف تركيا قبل وبعد عملية السلام القبرصية عام 1974، دفع أنقرة لاتخاذ خطوات لتطوير صناعة الدفاع، بدءا من إنتاج سفن الإنزال واللاسلكيات والمظلات.
وأضاف: "بالمثل، جاءت برامج تركيا للطائرات المسيرة المسلحة وغير المسلحة وميلغام والصواريخ كنتاج لجهود التغلب على هذا الحظر والسعي خلف الحصول على حقوقها".
وتوقع أن "تؤدي محاولة أعضاء الكونغرس الأميركي الأخيرة إلى إبطاء المشاريع الحالية في تركيا، لكنها حتما ستوفر فرصا لفتح أبواب جديدة لاستقلال صناعة الأسلحة الوطنية التركية".