حمدية الجاف.. مديرة مصرف عراقية فاسدة لجأت لمحمد بن زايد فباعها للسوداني
"المرأة الحديدية، صاحبة نوبل الفساد، ثقة المالكي"، ألقاب تطلق على حمدية الجاف مديرة المصرف العراقي للتجارة "TPI"، التي أعلنت السلطات العراقية اعتقالها بعد سنوات من هروبها إلى خارج البلاد على أثر اتهامات بهدر المال العام، ومحاكمتها غيابيا بالسجن.
تولت الجاف منصب مديرة المصرف العراقي للتجارة (حكومي) لمدة 5 سنوات من 2011 إلى 2016، بعد هروب المدير السابق للمصرف، حسن الأرزي وتواريه عن الأنظار حتى الآن، جراء توجيه اتهامات له بقضايا هدر وغسيل أموال، ثم الحكم عليه غيابيا بالسجن 5 سنوات.
هدية ابن زايد
مع زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إلى أبو ظبي، في 9 فبراير/ شباط 2023، أعلنت لجنة النزاهة في العراق اعتقال المديرة السابقة للمصرف العراقي للتجارة، حمدية الجاف، في الإمارات.
وأوضحت هيئة النزاهة العراقية خلال بيان، أنها كانت قد أرسلت 17 طلب تسليم إلى النيابة العامة العراقية، لغرض إرسالها إلى الإمارات؛ بغية تسليم المُدانة بالطرق الدبلوماسيّة.
وأضافت أن اعتقال حمدية الجاف هو "النموذج الأول للتعاون مع أبوظبي بعد إرسال عشرات الطلبات المتعلقة بشخصيات حولت أموالا إلى الإمارات".
وتابعت أن المدانة أحدثت ضررا بالمال العام أثناء توليها منصب المدير العام للمصرف العراقي للتجارة بلغ مقداره (1,116,024,788) مليار دولار أميركي، مُنوهة إلى أنَ هذه المبالغ جرى تحديدها في القرارات الجزائية الصادرة عن المحاكم المُختصة بحق المُدانة.
وحكم القضاء العراقي على الجاف التي لا يُعرف منذ متى تقيم في الإمارات، غيابيا مرتين في عامي 2020 و2021 بالسجن سبع سنوات وخمس سنوات على التوالي، وفق وسائل إعلام عراقية دون معرفة إن كان الحكمان نهائيين أم يمكن الطعن ضدهما.
فيما لم يصدر عن دولة الإمارات أي تعليق بخصوص اعتقال الجاف، إضافة إلى أن السلطات العراقية لم تكشف تفاصيل أكثر عن عملية تسليم أبوظبي للمديرة السابقة للمصرف العراقي للتجارة.
علما أن الإمارات تستضيف عشرات من المتهمين بالفساد في العراق، إذ توفر لهم الحماية المالية والأمنية، وتستثمر أموالهم المنهوبة في مصارفها.
لكن مصادر إعلامية عراقية خاصة (طلبت عدم الكشف عن هويتها) كشفت لـ"الاستقلال" أن "السوداني عند لقائه رئيس الإمارات محمد بن زايد قال له بالنص: "قبل أن أجلس في مضيفكم، فأنا أمثل العراق ولي طلب عندكم".
وأضافت المصادر أن السوداني قال لرئيس الإمارات حينها: "أريد حمدية الجاف الهاربة من العراق والمقيمة في بلادكم بتسليمها لنا. ليستجيب ابن زايد مباشرة للطلب ويوجه بتسليم الجاف إلى السلطات العراقية".
وفي يناير/ كانون الثاني 2023، قال السوداني خلال مقابلة تلفزيونية إن "سياسيتنا في علاقة العراق مع دول المنطقة والعالم مبنية على التعاون في إعادة الأموال المنهوبة وتسليم المطلوبين، وهذا أول ما نطرحه في لقاءاتنا مع قادة وزعماء الدول".
ثقة المالكي
حمدية محمود فرج الجاف (57 عاما) تنتمي إلى القومية الكردية، وتقيم في بغداد، وكانت تعمل قبل عام 2003 موظفة في مصرف الرافدين الحكومي.
أما زوجها كريم فرمان، فكان يعمل في بورصة بيع العملة الأجنبية بشارع الكفاح وسط العاصمة العراقية، ولا تتوفر معلومات عن أبنائها.
عملت الجاف منذ 30 عاما في القطاعات المصرفية والإدارية في العراق ومنطقة الشرق الأوسط، إذ بدأت حياتها المهنية في عام 1982 في مصرف الرافدين في بغداد.
ومن عام 2004 حتى 2008، تم تعيينها بمسؤوليات أكبر كمدير لمصرف الرافدين الحكومي في لبنان ومصر.
وبعدها جرى منح الجاف درجة خبير في مصرف الرافدين، ثم تسلمت منصب مدير عام ورئيس مجلس إدارة المصرف العراقي للتجارة في عام 2011 بأمر من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وقال وكيل وزارة المالية فاضل نبي حينها خلال تصريح نقلته وكالة "أصوات العراق" في 6 يونيو/ حزيران 2011، إن المالكي عيّن الجاف مديرة للمصرف التجاري العراقي بدلا من المدير السابق حسين الازري المختفي عن الأنظار".
وأوضح الوكيل السابق أنه "جرى تعيين الجاف في هذا المنصب لأنها كانت من المرشحين سابقا لمنصب في وزارة المالية ونحن في وزارة المالية راضين عن أدائها، والمالكي راض عنها، فهي مصرفية ممتازة وعينوها بدرجة مدير عام بدلا من حسين الأزري الذي هو حاليا غائب عن الانظار".
لكن وكالة أنباء "براثا" العراقية نقلت عن مصادر لم تكشف هويتها في يونيو/ حزيران 2011 أن الجاف المقربة من المالكي جرى تعيينها مديرة للمصرف بعد خلافات بين الأخير وأحمد الجلبي (سياسي عراقي راحل) زعيم حزب المؤتمر الوطني، وأن حسين الأرزي أحد قيادات حزب الجلبي.
وذكرت الوكالة في حينها أن "هناك صراعا سياسيا يدور في أروقة الدولة على حيازة المناصب، وأن المالكي يعد السيطرة على البنك التجاري العراقي أمرا مهما وحيويا بالنسبة له".
واستمرت الجاف في إدارة المصرف العراقي للتجارة حتى عام 2016، فقد أقالها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، بتهم تتعلق بالفساد وإهدار المال العالم، لتختفي عن الأنظار بعدها.
وقبل ذلك، كشفت كتلة "الأحرار" البرلمانية التي كانت تتبع للتيار الصدري في فبراير/ شباط 2015، عن قيام الجاف بإقراض البنك المركزي في إقليم كردستان مبلغا قدره 2.5 مليار دولار من دون أي ضمانات.
وقال النائب عن الكتلة ياسر الحسيني خلال مؤتمر صحفي مع عدد من نواب "الأحرار" في مبنى البرلمان، إن "القرض جرى إعطاؤه من دون أي ضمانات تذكر، وإن البنك في الإقليم غير تابع مصرفيا للحكومة الاتحادية".
وأضاف الحسيني أن "الجاف قامت بفصل معاون المدير العام انتصار خليل مهدي بسبب إعلام الأخيرة الجهات المختصة بالموضوع"، مشيرا الى أن "الجاف طلبت اللجوء مع أولادها إلى خارج العراق".
وطالب الحسيني رئيس الوزراء واللجنة المالية ولجنة النزاهة في البرلمان، والجهات المختصة والجهات الأمنية التحقيق العاجل ومنعها من السفر إلى خارج العراق لحين انتهاء التحقيق.
ثراء فاحش
وتطارد حمدية الجاف اتهامات واسعة يجرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي وبمواقع إخبارية، عن البذخ والثراء غير المشروع الذي وصلت إليه خلال مدة توليها إدارة المصرف العراقي للتجارة.
ومما يجرى تداوله من معلومات غير مؤكدة، أن مجموع ما حصدته حمدية خلال أربع سنوات من العمل في المصرف العراقي للتجارة يزيد عن 100 مليون دولار أميركي، وهذا لا يشمل الأموال التي حصدها أولادها وبناتها.
وأصرت الجاف على العيش في منزل كبير بمنطقة الجادرية (أحد أرقى أحياء بغداد) بتكلفة تصل إلى 25 ألف دولار شهريا من دون مصاريف رجال الحماية التي يتحملها المصرف، والتي تصل إلى 300 ألف دولار سنويا.
وأشارت تلك الأنباء إلى أن "تكلفة ترميم المنزل والمسبح والحدائق وديوان الخارجي للمنزل وصلت إلى 361 ألف دولار، حتى يتمتع به الأبناء مع أصدقائهم خلال حفلات السهر".
وكذلك أقدمت الجاف في عام 2014 على شراء منزل بمبلغ يزيد عن 10 ملايين دولار، بالقرب من منزلها الذي تستأجره في منطقة الجادرية.
كما تشير الأنباء إلى أنها اشترت فيلا في نخلة دبي مطلة على الخليج العربي، وهي من أثمن العقارات هناك.
ومن ضمن اتهامات الفساد والبذخ التي تطاردها، فإن حمدية اشترت مزرعة لها في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق، وبنت فيها فيلا كبيرة، إضافة إلى امتلاكها عددا من العقارات في عمّان وبيروت وتركيا.
وسلط عدد من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي على المجوهرات التي تظهر بها الجاف خلال لقاءاتها الرسمية، مؤكدة أنها تمتلك العشرات من المجوهرات الثمينة والألماس والساعات من نوع "رولكس"، حتى أصبحت مادة للتهكم بالقول إن الجاف حصلت بذلك على "جائزة نوبل للفساد".
وبحسب الاتهامات المنشورة في المواقع المحلية، فإن الجاف جمعت ثروتها من "الرشاوى والكومنشات التي تحصل عليها مقابل تسهيل عمل رجال الأعمال، والشركات المتعاقدة مع وزارات الدولة، والتي تطلب فتح اعتماد من خلال المصرف العراقي للتجارة".
المرأة القوية
وفي المقابل، دافعت الجاف عن نفسها ونفت جميع تهم الفساد التي نسبت إليها، بل إنها نسبت إليها نجاح المصرف العراقي للتجارة بعد توليها منصب المديرة، وذلك خلال مقابلة تلفزيونية في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.
وقالت الجاف: "تسلمت المصرف وكانت ميزانيته 500 مليون دولار، والآن رأس ماله 1.5 مليار دولار. فقد بدأ البنك الذي تأسس عام 2003 ضمن قانون السلطة المدنية الأميركية في عهد بول بريمر برأس مالي افتراضي قدره 100 مليون دولار".
ولفتت إلى أن "المصرف تأسس ليكون بوابة لتجارة العراق الخارجية، جراء وجود التزامات دولية على المصارف العراقية الحكومية (الرافدين، والرشيد) منذ عهد الرئيس العراقي الراحل نظام صدام حسين".
وفي معرض ردها على اتهامها بالفساد، قالت: "لا يوجد أحد في العراق لديه موقع مسؤولية، إلا وتناولته مواقع التواصل الاجتماعي بشكل سلبي".
وردت الجاف بتهكم على حديث مواقع التواصل عن تسلمها جائزة نوبل بالفساد، بالقول: "هذه الجائزة لم أتسلمها بعد".
وأردفت: "لكني تسلمت الكثير من الجوائز التي أفتخر بها، إلا أنه للأسف في العراق تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لأغراض عكس ما وجدت له، كلنا نخطأ ونحتاج إلى نقد بناء لتجاوز هذه الأخطاء، لكن ما يجرى هو تشهر يتعرض له الجميع لأتفه الأسباب".
وزادت قالة: "أنا ناجحة في عملي المصرفي إلى حد ما، وكذلك ناجحة كامرأة في منزلي، لكن لا يوجد نجاح كامل"، مشيرة إلى أن "الخفافيش التي تكتب عن حمدية الجاف، بكلام فارغ عبر الإنترنت لا يمكن الانشغال بها. لأنني لا أقرأها، أقول ذلك حتى يطمئن من ينشرها أنني لست مهتمة بها".
وبخصوص الحديث عن وجود ديون غير مسددة للمصرف، قالت الجاف: "لا يوجد مصرف في العالم يستعيد ديونه مئة بالمئة، فنحن أيضا لدينا ديون متعثرة وقسم منها تابع للإدارة السابقة، ونحن حصلنا على الجزء الكبير وبقيت هناك مبالغ، واتجهنا إلى طريق المحاكم لاستعادتها".
وأكدت: "أنا أيضا في وقتي هناك ديون تتعثر، لكن هناك فرق أنني لدي ضمانات بالإمكان أن أقدم شكوى ضده، وربما من كان قبلي لم يفعل ذلك". حساباتنا تدقق من البنك المركزي وجهاز الرقابة المالية. ونحن أيضا المصرف الوحيد من شركات أجنبية ولا سيما "كي بي أن جي" العالمية للتدقيق.
وكانت حمدية الجاف من بين ثلاث عراقيات حصدن مراتب متقدمة ضمن تصنيف أقوى امرأة عربية نفوذا وتأثيرا على مستوى العالم خلال عام 2015، ضمن استبيان أجرته مجلة (اريبيان بزنز- سي آي أو).
وجاءت المهندسة المعمارية العراقية الراحلة زها حديد في المرتبة 18 بالتصنيف، في حين حصلت حمدية الجاف مديرة المصرف العراقي للتجارة آنذاك على المرتبة 30، فيما حلّت الناشطة الحقوقية العراقية زينب صلبي بالمرتبة 42.
المصادر
- بغداد تعلن توقيف مديرة سابقة لمصرف عراقي في الإمارات ملاحقة بشبهة فساد
- العراق.. السجن 7 سنوات لمديرة مصرف حكومي سابقة
- الأحرار: حمدية الجاف أقرضت البنك المركزي بكردستان 2,5 مليار دولار دون ضمانات
- اعتقال الجاف بعد "الهروب الطويل".. السوداني يواصل الحصاد وملفات القروض الوهمية تتكشف
- 3 عراقيات ضمن تصنيف أقوى 100 إمرأة عربية
- حمدية الجاف ملكة الفساد من موظفة مغمورة لمليارديرة
- ترشيح حمدية الجاف لعضوية مجلس المرأة العربية وجائزة الدرع الذهبي
- المالكي يعين حمدية الجاف المقربة منه مديرة للمصرف التجاري بدلا من الإرزي
- السوداني يصل الإمارات في زيارة رسمية
- القبض على المدير العام للمصرف العراقي للتجارة الأسبق