30 يونيو.. "تمرد" مهد الطريق لانقلاب مصر وجلب الخراب للمنطقة
دعوات حركة تمرد المشبوهة والمدعومة من الخليج والعسكر في مصر مهدت الطريق للانقلاب الذي أفقر المصريين
يوافق اليوم الذكرى الـ 11 لأحداث 30 يونيو/حزيران 2013 التي تعد نقطة فارقة في خطف مصر من الحكم الديمقراطي المدني وتحويلها إلى ثكنة عسكرية يديرها نظام انقلابي.
ففي ذلك اليوم، وقف قادة بالجيش المصري وراء مظاهرات أطلقتها حركة تمرد كانت تهدف للإطاحة بالرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، والسيطرة على مقاليد الحكم بقبضة السلاح.
وتأسست “تمرد" في 26 أبريل/نيسان 2013، وقالت إنها جمعت 22 مليون توقيع من المصريين لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، ودعت الموقعين للتظاهر يوم 30 يونيو، لكن ما تبين لاحقا هو وقوف الجيش وراء المؤامرة.
وفي المقابل، ذكرت حركة تجرد المؤيدة للرئيس مرسي في ذلك الوقت أنها جمعت 26 مليون توقيع تؤكد تمسكها به رئيسا شرعيا.
في تلك الفترة، ألقى مرسي خطابا امتد لساعتين ونصف الساعة دافع فيه عن شرعيته، ودعا للحوار وتشكيل لجنة لتعديل الدستور والمصالحة الوطنية، لكن المعارضة تتصدرها ما تسمى "جبهة الإنقاذ" رفضت الاستجابة وتمسكت بالدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
ورغم ذلك، وفي الثالث من يوليو/تموز 2013 أعلن وزير الدفاع في ذلك الوقت الفريق عبد الفتاح السيسي الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر ، ثم أعلن عزله، واحتجزه في مكان غير معلوم.
وأعلن السيسي المنقلب تعطّيل العمل بالدستور، وصدرت أوامر باعتقال المئات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أحيلوا لاحقا إلى المحاكمة، وصدرت أحكام بإعدام العديد منهم.
ضلوع أميركا
ويطلق النظام الانقلابي اليوم على تلك الأحداث اسم" ثورة 30 يونيو"، معتبرين أنها تماثل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك.
وفي هذه الذكرى، سلط ناشطون الضوء على الطريقة التي أدار بها رئيس النظام عبدالفتاح السيسي انقلابه حين كان وزيرا للدفاع.
وتحدث الناشطون عبر تغريداتهم على وسوم عدة على “إكس” أبرزها #30_يونيو، #انقلاب_30يونيو، وغيرها، عن ضلوع أميركا في الانقلاب وإجهاض المسار الديمقراطي وتواطئها مع السيسي ومنحه الشرعية لتمرير انقلابه ومباركة المذابح التي أعقبتها.
وأشاروا إلى دور السيسي في تجييش المشهد ضد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، ودعم حركة تمرد التي دعت لمظاهرات ضده بزعم جمع توقيعات مناهضة للرئيس الراحل تطالب بسحب الثقة منه، لأسباب أرجعوها للتدهور الاقتصادي والأمني وهو ما يعيش المصريون أضعافه اليوم في ظل الحكم العسكري.
وأكدوا أن تمرير الانقلاب في مصر جرى بتوافق محلي إقليمي دولي، وأموال خليجية سخية لوأد التجربة الديمقراطية في مصر وفرض حكم العسكر بانتخابات هزلية ينصب فيها السيسي نفسه رئيسا بالقوة على المصريين، مسلطين الضوء على الأزمات التي ورط فيها البلاد في عهده.
أدوار خارجية
وعارض ناشطون مدير معهد لندن للاستراتيجية العالمية مأمون فندي، في قوله إن خطاب المرحوم الرئيس مرسي أدى إلى انقلاب يونيو، واتفقوا معه في تأكيده أن الانقلاب الذي ظنه الكثيرون خلاصا مما سيكون حكما دينيا حول مصر إلى ساحة للعب من صغار القوم.
ورد المسؤول السابق في وزارة الصحة مصطفى جاويش، على فندي، قائلا إن الانقلاب ليس له علاقة بخطاب الرئيس محمد مرسي رحمه الله، فالسيسى أعلن بنفسه عن ترتيبات مع أميركا قبلها بعدة أشهر، وشرذمة تمرد اتضح تمويلها من الإمارات، وجبهة الإنقاذ كانت تتحرك منذ اليوم الأول، وكانت هناك مطالبات بانتخابات مبكرة منذ أغسطس 2012 وغيرها كثير.
وأكد المذيع التلفزيوني صلاح بن عمر بابقي، أن ترتيبات الانقلاب بدأت منذ أشهر سابقة للخطاب، وكان خطاب المرحوم الرئيس مرسي فقط التحذير الأخير من الخراب القادم.
وكتب أحد المغردين ردا على فندي: "لم يؤدّ خطاب مرسي إلى الانقلاب! فالنية مبيتة من المخابرات وقادة الجيش والدولة العميقة والقوى الإقليمية المحيطة وإسرائيل وأميركا على إسقاطه منذ لحظة استلامه مقاليد الحكم وتستطيع حضرتك مراجعة إحدى حلقات عماد أديب".
وكشفت مجلة "نيويوركر" الأميركية عن دور وزير الدفاع الأميركي آنذاك، تشاك هيغل، في كواليس انقلاب السيسي على مرسي، وإجراءهما نحو 50 محادثة هاتفية طوال الأزمة في مصر في ذلك الوقت، وبعضها استغرق ساعة أو أكثر.
وإضافة إلى أميركا، أسهمت دول خليجية أبرزها السعودية والإمارات في الإطاحة بمرسي عبر تقديم الدعم المالي للسيسي.
وقالت المجلة الأميركية إن السيسي حصل على 20 مليار دولار من دول الخليج مقابل الإطاحة بمرسي.
إذ كشف دبلوماسي أميركي مطلع على مجريات الأحداث المصرية للصحفي المخضرم ديكستر فيلكينز في مجلة نيويوركر، عن ذلك.
وقال فيلكينز إن القيادة الإماراتية والسعودية تواصلتا مع السيسي بعد توليه وزارة الدفاع مباشرة، في بداية حكم جماعة الإخوان، وعرضت عليه دفع 20 مليار دولار له شخصيا فورًا، إذا نفذ انقلابا عسكريا وأطاح بمحمد مرسي.
وأكد الدبلوماسي الأميركي أن العرض لم يكن من النوع الذي يمكن رفضه، وهذا ما جعل السيسي يقبل ويعدهم بالنجاح في أقرب وقت.
حكم العسكر
ومنذ الانقلاب، يستولى السيسي على مقاليد الحكم ويمارس الديكتاتورية، ويجري انتخابات صورية هزلية ويزور نتائجها لصالحه ويعلن فوزه رئيسا لمصر في تثبيت مطلق لحكم العسكر.
وإبان انتخابات الرئاسة لعام 2018، قالت 14 منظمة حقوقية دولية وإقليمية إن الحكومة المصرية داست على أبسط متطلبات الانتخابات الحرة والنزيهة، مؤكدة أن السيسي وحكومته دأبا على خنق الحريات الأساسية واعتقلت مرشحين محتملين وأوقفت مناصرين لهم.
وقبل الانتخابات الرئاسية لعام 2023، تحدثت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، عن هندسة السيسي لانتصار انتخابي آخر في مصر عبر اعتقالات ومنح.
وأكدت أن السيسي يسعى للبقاء في كرسي الرئاسة الذي وصل إليه بشكل غير شرعي بالانقلاب الذي افتعله بتاريخ 3 يوليو 2013، وفيه عزل الرئيس محمد مرسي ولفق روايات وأكاذيب كثيرة أسهمت في ترويجها دول عربية في مقدمتها الإمارات العربية المتحدة.
وتحت عنوان "في ذكرى كارثة 30-6"، قال الصحفي صلاح بديوي، إن من الأمور المحزنة أن مصر هي الدولة العربية والإسلامية الرئيسية الوحيدة التى تزور فيه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل كامل ولا تجرى فيها انتخابات محلية منذ أكثر من ربع قرن ويحدث ذلك تحت رعاية أجهزة الأمن والقضاء فيها.
وأكد أن التزوير جريمة لا يقدم عليها إلا من ماتت ضمائرهم وانطفأت أرواحهم وتحلت أنفسهم بشهوات حيوانية وباتوا ينظرون تحت أقدامهم بينما العالم ينظر إليهم بعدم احترام لكون أن من لا يحترم إرادة شعبه لن يحترمه أحد.
وقال الباحث السياسي سيف الإسلام عيد، إن اليوم هو 30 يونيو، ذكرى أحطّ الأيام التي شهدتها المحروسة، تمهيد النيران البائسة ليثب العسكر على الحكم لأكثر من عقد من الزمان.
وأوضح أنه كان مع الرافضين، والتحق باعتصام رابعة الداعم للشرعية يوم الثامن والعشرين من يونيو، بصفته طالبا من طلاب الإخوان المسلمين، قانعا مقتنعا بما كان يهتف به، وخرج لمبدأ ولم يحد عنه، سائلا الله ألا يضعف أمام بؤس مغريات السياسة.
وأشار عيد إلى أن من كانوا معه أكثرهم ثابت على كلمته، يهتف بها من خلف القضبان، أو يقبض عليها في المنفى أو لقي ربه بها شهيدا، أو تساقط على الطريق.
وقال السياسي والحقوقي أسامة رشدي: "30 يونيو اليوم اللي نجح فيه السفاح السيسي في الانقلاب بعد خداع قطاع كبير من السياسيين سواء من حسني النية أو عملاء المخابرات لترتيب انقلاب عسكري بديكور مدني بدعم من نتنياهو ومخابراته وابن زايد والملك عبدالله بأموالهم".
وأكد أن المشار إليهم مارسوا ضغوطا دولية كبيرة للاعتراف بالانقلاب، مع الاستعانة بعشرات الآلاف من البلطجية الذين أخرجتهم الأجهزة بالفلوس والبانجو والترامادول لحرق المقرات السياسية والكنائس لإثارة الفتنة وتبرير استخدام العنف وارتكاب المذابح ضد المنتخبين.
جلب الخراب
وسلط ناشطون الضوء على الحالة المزرية التي وصلت لها مصر من تفريط في مقدراتها وبيع لأصولها وتدني في مستوى المعيشة وانقطاع للخدمات الأساسية من كهرباء وماء وغلاء للأسعار وغيرها من أشكال المعاناة التي بات يعاني منها المصريون في عهد السيسي.
ونشر المذيع محمد جمال هلال، صورة لأحد شوارع مصر يشهد انقطاع تام للكهرباء، ساخرا بالقول: "في ليلة 30 يونيو المجيدة.. الطريق الدائري في مصر مثال للإنجاز والنجاح!".
وعرض الصحفي سليم عزوز الصورة ذاتها، ساخرا بالقول: "المكوك الفضائي انطلق في طريقه للمريخ هكذا وصل الإنسان إلى سطح القمر".
ونشر الإعلامي محمد ناصر، إنفوجرافا بعنوان "ليالي سوداء تخيم على المصريين.. أسبوع أسود"، يرصد الانهيار الجديد للجنيه أمام الدولار، وزيارة ساعات انقطاع الكهرباء رسميا لـ3 ساعات وواقعيا لـ6 ساعات، وانقطاع المياه لساعات طويلة في عدة مناطق بالمحافظات، وغلق المحال التجارية من الساعة 10 مساء بقرار حكومي.
كما أشار الإنفوجراف إلى قطع إنارة الطرق لترشيد استهلاك الكهرباء والاعتماد على إضاءة المركبات، وتوقف 4 مصانع للأسمدة والبتروكيماويات عن العمل بسبب الغاز.
وسخر محمد زيدان، قائلا: “ونحن نحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو، يجب أن نقر ونعترف أن لولاها كان الإخوان باعوا تيران وصنافير ورأس الحكمة، ومضوا على حصه مصر فى التنازل عن نهر النيل، وباعوا المستشفيات وقفلوا المصانع وسجنوا أكتر من 60 ألف معتقل وبنوا قصورا رئاسية وحولوا مصر من دولة تصدر الغاز إلى دولة تستورد الغاز من إسرائيل”.
وتساءل خبير إدارة الأزمات مراد علي: “بعد 11 سنة من 30 يونيو، وبعد كل ما عايشناه من مآسٍ، وبعد هذا التدهور الحاد في الأوضاع المعيشية وفي ظل مخاطر هائلة تهدد وجود مصر ومستقبل أبنائنا، هل حان الوقت لمراجعة مواقفنا والتوحد من جديد؟”