تضامنا مع غزة.. هل تنجح دعوات مقاطعة مهرجان “موازين” الغنائي بالمغرب؟
"عدم تنظيم المهرجان هو أقل الواجب"
دعوات واسعة في المغرب لمقاطعة مهرجان "موازين" الدولي للموسيقى، في ظل الإبادة المستمرة التي تشنها الآلة الإسرائيلية على قطاع غزة، وانتقاد كبير لبرمجة سهراته رغم الظروف العصيبة بالأراضي المحتلة.
و"موازين" الذي يعد من أكبر مهرجانات الموسيقى عبر العالم، وبدأ دورته الأولى عام 2001، تنظمه سنويا جمعية "مغرب الثقافات"، ويحظى برعاية الملك محمد السادس، فيما تنظم دورته الحالية ما بين 21 و29 يونيو/حزيران 2024.
مهرجان العار
يعد رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران، من بين أبرز الداعين إلى إلغاء المهرجان أو على الأقل تأجيله.
جاء ذلك في كلمة مصورة لبنكيران بثها موقع حزبه "العدالة والتنمية" في 23 مايو/أيار 2024، حيث أكد خلالها “تألمه لما ظهر من استعداد لتنظيم مهرجان موازين، رغم الظروف الصعبة والكارثية التي يعيشها إخواننا في فلسطين”، في ظل استشهاد وجرح أكثر من 120 ألفا، منهم أكثر من 15 ألف طفل.
وشدد على أن "تنظيم هذا المهرجان عيب وعار"، مقدرا أن "المملكة يجب أن تتراجع عن هذا النشاط".
واستطرد بنكيران: “لأنه من غير المعقول أن نفرح ونغني في الوقت الذي تُقطع أطراف إخواننا، ولا يجدون علاجا، ومستشفياتهم دُمرت عن آخرها، ولا يجدون الصرف الصحي، كما لا يجدون الغذاء والطعام”، مردفا "ففي هذه الظروف يجب على الأقل أن لا نُظهر الفرح والسرور".
وقال "إن كان أهلنا في القدس والضفة والقطاع يُقتلون ويُجوعون ويُعطشون..، ونحن هنا نفرح وكأننا لا نبالي بكل هذا، فإنما نقول لإسرائيل استمري فيما تقومين به من جرائم".
وشدد بنكيران على أن "عدونا واحد، وأن الصهاينة يريدون الخراب للأمة الإسلامية جمعاء، بل يريدونه للإنسانية كلها"، مسترسلا "يكفي أن نتذكر أنهم وصفوا الفلسطينيين والعرب والمسلمين بأنهم مجرد حيوانات بشرية لنفهم جزءا من نظرتهم لنا".
وتابع: "أطالب أولي الأحلام في البلد، بتأجيل هذه الأنشطة، إلى أن تتوقف هذه الحرب على الأقل"، منبها إلى أن الشعب المغربي ليس شعبا عاديا، بل هو متميز، إذ إن له حارة المغاربة وحي المغاربة في القدس، وكان المغاربة لا يرون تمام حجهم إلا بزيارة المسجد الأقصى".
وخلص بنكيران إلى القول: "ندائي إلى من يهمهم الأمر في الوطن العزيز، أن يلغوا هذه الدورة من المهرجان، أو على الأقل تأجيلها إلى أن تتوقف الحرب الإسرائيلية، وساعتها لكل حادث حديث".
من جانبها، أكدت حركة "التوحيد والإصلاح" الدعوية، على لسان القيادي عبد اللطيف تغزوان، أن إعلان الجهات المنظمة لمهرجان موازين عن الدورة الجديدة واستضافة العشرات من رموز الغناء العربي والغربي والمغربي، "يمكن عده استفزازا مجانيا لمشاعر ملايين المغاربة، ولمشاعر الأخوة المغربية الفلسطينية، ولمشاعر الإنسانية لأحرار العالم".
ورأى تغزوان في مقال نشره موقع الحركة في 23 مايو، أن “هذا التحدي من القائمين على هذا المهرجان في الترويج لحفلات الغناء والرقص والاحتفال، والإصرار على تنظيمه وكأننا في وضع إنساني عادي، يؤكد أننا فعلا أمام اختلال حقيقي للموازين”.
وأشار إلى أن "المغرب سبق أن ألغى احتفالات وأعيادا وطنية لتزامنها مع ظروف لا يليق فيها الاحتفال"، مبرزا أنه "من اختلال الموازين أن تستمر هذه الاحتفالات في ظل المشاهد اليومية للقتل والإبادة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وهو الموقف الإنساني الطبيعي الذي يجب أن يُتخذ في مثل هاته الأوضاع".
وشدد تغزوان على أن "الموقف الطبيعي المطلوب اليوم هو إلغاء هذا المهرجان؛ لأنه رقص على أشلاء وجثث أطفال غزة، ولن يشرف الرباط أن ترفع على أرضها أصوات الحفلات الغنائية الصاخبة، بينما ترفع في العالم أجمع أصوات صرخات أطفال غزة ونسائها".
وتابع: "ولا يشرفها أن تشيد على أرضها المنصات الغنائية، بينما يهدم الاحتلال الصهيوني مستشفيات غزة ومنازلها، ومنها مستشفى القدس الذي أعاد المغرب تشييده قبل ثلاث سنوات".
نداء للضمير
من جانبه، أكد الناقد الفني والسينمائي مصطفى الطالب، أن المطالبة بوقف مهرجان موازين، جاء عبر نداء شعبي من داخل الوطن وخارجه، على لسان مغاربة وفلسطينيين وفعاليات عربية وأجنبية.
وشدد الطالب لـ"الاستقلال" على أنه "من غير المعقول أن يأتي مهرجان موازين في هذه الظروف الاستثنائية، التي يباد فيها أهل غزة وفلسطين، على يد الاحتلال الإسرائيلي".
وذكر أن "التضامن والنداء الداعي إلى توقيف المهرجان هو نداء في محله، وذلك أيضا بالمقارنة مع ما يجري من حراك طلابي وشعبي في أوروبا، مما يجعل عدم تنظيم المهرجان هو أقل الواجب".
ونبه الطالب إلى أن "التضامن الغربي مع الشعب الفلسطيني، سواء بأوروبا أو أميركا فاق توقعاتنا جميعا، وعلى الشعوب العربية والإسلامية أن لا يقل تضامنها مع فلسطين عما نراه من الدول الغربية".
وأبرز الناقد الفني والسينمائي أن المطلوب ليس فقط وقف "موازين" ولكن أيضا وقف جميع المهرجانات الفنية الكبرى، لأن استمرار تنظيمها “هو دليل موت ضميرنا كشعوب عربية”.
وذكر الطالب أن “الجهات التي تقف خلف هذا المهرجان وغيرها، لا تُقدر ولا تأخذ بجدية ما يجرى في غزة”، مشددا على أن ما تقوم به “أمر غير مشرف أبدا”، محملا وزارة الثقافة المسؤولية السياسية عن هذا الوضع، حيث “لم تأخذ مشاعر المواطنين وانتظاراتهم بالجدية اللازمة”.
وأبرز أن "هذا المهرجان تم توقيفه خلال فترة جائحة كورونا"، مؤكدا على أن "الوضع في غزة في نفس السوء، مما يستوجب إيقافه أيضا إلى حين وقف النزيف بفلسطين على الأقل".
ورأى الطالب أن "فلسطين هي قضية العرب والمسلمين الأولى، وهي قضية إنسانية أساسا، مما جعل أحرار العالم وذوي الضمائر الحية يعلنون تضامنهم بشكل غير مسبوق مع الشعب الفلسطيني، ورفض جرائم الاحتلال".
وعليه، يردف، "فالواجب علينا أن نقوم بما يلزم لأجل التعبير عن وقوفنا مع أهلنا في غزة، لأن ذلك واجب أمام الله ثم أمام العالم والتاريخ".
وتوجه الطالب بنداء إلى الفنانين والشعراء والممثلين وغيرهم، لأجل إبداء تضامنهم مع القضية الفلسطينية، "نظرا لأثر موسيقاهم وأشعارهم وإبداعاتهم على الرأي العام، وبالتالي الإسهام في القيام بالواجب تجاه أهل غزة، وأيضا لأن الصمت في ظل ما يقع هو عيب وعار".
تفاعلات مجتمعية
عدد كبير من النشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبروا عن رفضهم تنظيم دورة المهرجان، مؤكدين وقوفهم إلى جانب فلسطين، ومشاركة مشاعر أهل غزة في ظل العدوان الإسرائيلي القائم عليها.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب العام للمرصد الوطني لمناهضة التطبيع، عزيز هناوي: "إلى كل من سيحضر مهرجان موازين بالرباط.. حضورك دعم للتفاهة".
وأضاف هناوي في تدوينة عبر فيسبوك في 18 مايو: "أنت سترقص على بؤسك وبؤس وطنك وعلى دماء وآلام فلسطين الذبيحة الشهيدة..".
وشدد على أن "تنظيم مهرجان موازين برغم كل الدم في فلسطين.. يوضح أن تيار (كلنا إسرائيليون) في المغرب يصر على احتقار الشعب المغربي، والتمسخر على شهداء حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها أسيادهم الصهاينة".
أما الكاتب الوطني لشباب العدالة والتنمية، عادل الصغير، فكتب تفاعلا مع القضية: "أعتقد أنها أول مرة تغيب فيها دعوات إلغاء موازين كليا لصالح دعوات مقاطعة المهرجان".
وأضاف الصغير في تدوينة عبر فيسبوك في 22 مايو، "لأول مرة تنطلق الحملة من المجتمع وإليه، وتتركز على التداعي والتعبئة المتبادلة بين الناس من أجل مقاطعة المهرجان والتناهي عن الرقص على دماء وجراح إخواننا في غزة، في مقابل ما كان معمولا به عادة من التوجه بالضغط على مؤسسات الدولة التي تشرف عمليا على المهرجان من أجل إلغائه".
ورأى أن في "هذا الأمر تأكيدا آخر على اتساع الهوة بين الدولة والمجتمع، وعلى تعمق أزمة ثقة المواطنين في مؤسسات البلاد".
وأوضح "ذلك أن حالة مطالبة الدولة بالتدخل في ملف ما مؤشر إيجابي من وجهة نظر معينة، لأنها تدل على استمرار بعض خيوط الثقة بينها وبين المجتمع، وأن الناس لايزالون متشبثين بالأمل في وجود جهة ما قادرة على التدخل للاستجابة لهذه المطالب".
وتابع:"اليوم اختار الناس مطالبة بعضهم بمقاطعة موازين بعدما اختارت الدولة وقررت وأعلنت إحياءه بالتزامن مع ما يتعرض فيه إخواننا في غزة من حرب إبادة جماعية بشعة تقودها آلة الإرهاب الصهيونية الغاشمة، بتواطؤ الدعم والتسليح الأميركي وتواطؤ الصمت والخذلان الرسمي العربي".
ومع ذلك، يقول الصغير، "فإن الضغط على مؤسسات الدولة وإحراجها وتحميلها المسؤولية ما يزال مطلوبا من أجل إلغاء هذا المسخ الفني الذي تبذر من أجله الملايين، خدمة لأجندة التتفيه والإلهاء عن قضايا الوطن والأمة، والذي لن ينتج عن تنظيمه في هذا السياق إلا استفزاز المغاربة والإضرار بصورة الوطن".
من جهته، توقف الناشط عبد الناصر البصري، عند الأموال التي تهدر في المهرجان، في ظل الترتيب السلبي للبلاد في التعليم على الصعيد العالمي.
وأضاف البصري في تغريدة عبر منصة “إكس” في 18 مايو، "ثم إنك تعلم ما يقع في غزة وغيرها من بلاد المسلمين، فلا ترقص على جُرْحِ إخوانك.. لا تحُط من قدرك، فأنت إنسان ولديك عقل تُفكر به".
كما كان الداعية حسن الكتاني، سباقا إلى الدعوة لمقاطعة المهرجان، حيث نشر تغريدة في 11 مايو 2024، قال فيها: "عار علينا في المغرب أن نحيي مهرجان موازين الفاجر...".
واسترسل: "وعار علينا أن نرقص في زمن يحارب إخواننا في غزة حربا شعواء، ويهدد المسجد الأقصى بالدمار.. وعار علينا أن نستدعي مغنيات إباحيات فاجرات..".
بدوره، رأى الباحث الأكاديمي ميمون نكاز، أنه "لا يجادل عاقل في أن (موازين) في شاكلته القائمة من آليات الإلهاء والإفساد والتضليل، إذ هو في أعماله وأنشطته نقيض (الفن العفيف الباني)".
وشدد نكاز في تدوينة عبر فيسبوك، في 24 مايو، أن الدعوة إلى مقاطعته "دعوة شرعية صريحة في دلالتها على واجب الاحتساب والإنكار، ومهاجرة المنكر والباطل"، منبها إلى أن "المقاطعة أدنى مراتب الإنكار".
وذكر أن “موازين لا وزن له، خفيف عند عقلاء الناس شرفاء النفس، من احتفى به في نفسه أو أهله وولده فهو خفيف العقيدة والعبادة والخلق”.
واسترسل: "ذلك لأنه بمقتضى العقيدة لو استحضر معية الله ورقابته لاستحي من مجرد التفكير في حضوره ناهيك عن الحضور، وصاحب الخلق الحسن يشق عليه أن يدنس صالح أخلاقه برجس موازين، ويعظم الجرم وتفحش المعصية في محنة الأمة وبلائها العظيم الشديد في غزة وفلسطين".