بيرقدار وغزة.. هكذا يتصاعد قلق إسرائيل من تطور العلاقات بين تركيا ومصر

خالد كريزم | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بصورة لافتة، يثير التقارب المصري التركي المتسارع تخوفات في إسرائيل التي تدهورت علاقاتها بشدة مع تركيا في الشهور الأخيرة بسبب عدوانها المدمر على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتتعمق العلاقات بين الخصمين القديمين في وقت تواجه فيه إسرائيل انتقادات دولية شديدة بسبب الإبادة الجماعية التي ترتكبها بغزة، مع تجهزها لإمكانية توسع الحرب في ضوء عزم إيران ووكلائها على الرد على الاغتيالات الإسرائيلية الأخيرة في طهران وبيروت.

لكن هناك فريقا إسرائيليا آخر، يرى أن ذلك التقارب لن يدفع مصر إلى إجراء أي تغيير في علاقاتها مع إسرائيل خاصة أن القاهرة تحاول غلق الأبواب أمام أي دور لأنقرة في القضايا الفلسطينية الأساسية.

تقارب مستمر

انعكست هذه التخوفات في تقرير لصحيفة معاريف العبرية حمل عنوان "أخبار سيئة لإسرائيل"، وقالت فيه إنه “من المتوقع الإعلان قريبا عن صفقة طائرات دون طيار بين تركيا ومصر”.

وأوضحت الصحيفة في 7 أغسطس/آب 2024 أن الصفقة قد تكون ضمن سلسلة صفقات سيتم الكشف عنها خلال الزيارة المرتقبة لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة.

وتأتي زيارة السيسي المرتقبة (لم يحدد موعدها) إلى تركيا، بعد أخرى مماثلة أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مصر في فبراير/ شباط 2024، وذلك لأول مرة منذ 12 عاما من القطيعة بين البلدين.

وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قال في فبراير إن تركيا وافقت على تزويد مصر بطائراتها المسيرة التي تحظى بشعبية متزايدة بعد أدائها المميز في ليبيا وإقليم قره باغ الأذربيجاني.

وأضاف فيدان دون الخوض في تفاصيل: “تطبيع علاقاتنا مهم بالنسبة لمصر لكي تكون لديها تقنيات معينة. لدينا اتفاق لتزويدها بطائرات مسيرة وتقنيات أخرى”.

وتعد طائرة بيرقدار TB2 التركية من أفضل الطائرات من دون طيار في العالم من حيث الاستخدامات المتعددة، وسبق أن أثبتت أداء مميزا خلال الحرب في ليبيا وإقليم قره باغ.

وفي خضم العلاقات مع مصر وتصاعد اللهجة تجاه إسرائيل، زار فيدان معبر رفح من الجانب المصري في 4 أغسطس، وأجرى جولة تفقدية هناك، مطالبا العالم الإسلامي بالتكاتف لأجل إنقاذ أهل غزة.

وكانت هذه أول زيارة لمسؤول رسمي حول العالم منذ أن سيطرت قوات الاحتلال على معبر رفح ومحور فيلادلفيا الحدودي بين مصر وغزة.

ومن هناك، شدد فيدان، على ضرورة زيادة الضغط على إسرائيل من أجل وقف الإبادة الجماعية التي تمارسها في قطاع غزة.

وفي اليوم الثاني من زيارته، قال فيدان من مصر: "المنطقة لا تحتمل المزيد من الاستفزازات، على الذين يملكون إسرائيل أن يمسكوا برباطها" في تشبيه الكيان المحتل بـ"الكلاب" التي تحتاج إلى ربط.

والتقى فيدان خلال زيارته بالسيسي، واجتمع بشكل منفصل مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وأجرى أيضا مباحثات مطولة مع نظيره المصري بدر عبد العاطي، الذي أكد أن هناك مسارا إيجابيا تشهده علاقات بلاده مع تركيا.

ونقلت صحيفة معاريف عن مصدر لم تسمه، أن جزءا كبيرا من زيارة فيدان التي استمرت يومين إلى مصر "بقي مخبأ في الغرف المغلقة".

وأشارت إلى أنه من المتوقع الكشف عن صفقة طائرات دون طيار بين البلدين، من بينها طائرات دون طيار من طراز "بيرقدار".

ولفتت الصحيفة العبرية إلى تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية بسبب مواقف تركيا من الحرب على غزة، مذكرة هنا بالحظر التجاري الشامل التي تفرضه أنقرة ضد "تل أبيب" منذ مايو/أيار 2024.

وأوضحت أنه في مثل هذه المرحلة من العلاقات بين إسرائيل وتركيا، "تصبح أنقرة والقاهرة أقرب إلى بعضهما البعض في الأشهر الأخيرة".

حدود التدخل

ولكن رغم التقارب، يُستبعد أن يتمكن أردوغان من المساهمة بأي شيء في الجهد الدبلوماسي، الذي يهدف إلى التوصل لاتفاق إطلاق نار على الرغم من المحاولات التركية على مدار الشهور السابقة.

ولكن على المستوى التصريحي على الأقل، يستطيع الرئيس التركي أن يقدم نفسه كشريك، ومن ناحية أخرى، فهي شراكة وهمية، وفق ما تقول صحيفة هآرتس العبرية.

وتابعت في 15 فبراير: “التعامل مع المشكلة الفلسطينية بالنسبة لأردوغان مسألة أيديولوجية وقيم وأخلاق يضع نفسه من خلالها في موقف مؤيد للمظلومين يتصرف كما ينبغي له كزعيم مسلم”.

ولكن “الأمر بالنسبة للسيسي يشكل تهديدا ملموسا وجوديا تقريبا، كما يقول، وقضية دبلوماسية تحدد مكانته كزعيم إقليمي، وفي هذه العملية أيضاً زعيم دولي”.

وبينت أن أردوغان يستطيع أن يسمح لنفسه بأن يقول ما يشاء، أن يوبخ إسرائيل ويقارن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالزعيم النازي أدولف هتلر ويستدعي السفير التركي في أنقرة.

واستدركت أنه في حين قد يلجأ السيسي إلى خطاب دبلوماسي صارم وحذر يهدد حتى مستقبل العلاقات بين مصر وإسرائيل، فإنه يفعل ذلك انطلاقا من الفهم العميق لأهمية هذه العلاقات والتعاون المشترك بين الطرفين.

وأكثر من ذلك، ترى الصحيفة أن "المشكلة الفلسطينية"، التي خلقت القطيعة بين إسرائيل وتركيا عام 2010 عندما انطلق أسطول تركي لمحاولة كسر الحصار الإسرائيلي على غزة، هي في الواقع ما خلق التعاون العسكري والدبلوماسي الوثيق بين القاهرة وتل أبيب.

ووصل الأمر إلى حد الاعتماد المتبادل في الجهود المبذولة لاحتواء مجال النفوذ الإقليمي للصراع الفلسطيني، وخاصة عندما يتعلق الأمر بحركتي المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي. 

وأوضحت أن استئناف العلاقات بتعيين سفراء وزيارة الرئيس التركي "التاريخية" للقاهرة، لا يبدد الذكريات المريرة المتبقية من العقد الماضي.

وأشارت إلى أن الربيع العربي خلق قطيعة عميقة بين أردوغان والسيسي بعد أن عزل الجنرال المصري الرئيس محمد مرسي وسجنه واستولى على السلطة بنفسه عام 2013. 

وخلصت إلى أن دفن الأحقاد بين أردوغان والسيسي لن يوفر لأنقرة موطئ قدم حقيقي في المواجهة العسكرية الأكثر سخونة في الشرق الأوسط، والتي اندلعت في السابع من أكتوبر، ولديها القدرة على التحول إلى حرب إقليمية.

تعظيم نقاط الاتفاق

فعلى سبيل المثال، طرحت تركيا في وقت مبكر من العدوان الإسرائيلي مبادرة تتضمن ما بات يعرف باسم "نظام الضمانة"، بعد فشل مجلس الأمن في تمرير مشروع قرار روسي يقترح هدنة إنسانية فوريّة في غزّة في 17 أكتوبر 2023.

وهذا النظام كان من المفترض أن يتيح لتركيا الوجود الفعلي على الأرض على المستويات السياسية والإنسانية والعسكرية ويجعلها لاعبا مؤثرا في المعادلة.

وكانت الفكرة أن تكون تركيا ضمن المجموعة الضامنة للطرف الفلسطيني لتحقيق وقف إطلاق النار ثم تحويله إلى هدنة مستدامة، على أن يكون هناك مجموعة أخرى تضمن الطرف الإسرائيلي.

وفي تصريح له بتاريخ 25 أكتوبر 2023، قال أردوغان إن المقترح هو الطريقة الأكثر واقعية وفعالية حاليا للتوصل إلى حل واقعي للصراع، على الأقل على المدى القصير والمتوسط.

وشدد على أننا “مستعدون لأن نكون أحد الضامنين للجانب الفلسطيني بحضورنا الإنساني والسياسي والعسكري”.

كما دعا الدول التي لديها رغبة في إيجاد حل لهذه القضية إلى تقييم الاقتراح في أقرب وقت ممكن، واتخاذ خطوات ملموسة، وفتح الأبواب أمام السلام.

لكن الفكرة لم تلق قبولا من المجتمع الدولي وإسرائيل التي تفضل الوساطة المصرية على وجه الخصوص ومشاركة قوات عسكرية من أجل اليوم التالي في غزة، من قبل ما تسميها “دول عربية معتدلة” مثل مصر والإمارات والسعودية.

ويقول أستاذ العلاقات الدولية بمركز ابن خلدون في جامعة قطر علي باكير إن “أنقرة حاولت في مرحلة من المراحل زيادة نفوذها وتأثيرها في الملف الفلسطيني من خلال العمل السياسي عبر الوساطات التي كانت نشطة في الفترة بين 2002 و2009، ومن ثم حملات الضغط الإعلامي”.

وبعدها من خلال مبادرات المجتمع المدني كالحملات البحرية التي هدفت إلى كسر الحصار عن غزة (سفينة مافي مرمرة 2010).

لكن استدرك باكير في مقال له في ديسمبر/كانون الأول 2023 أن “مثل هذه الخطوات لا ترقى اليوم إلى مستوى (التعامل مع) الإجرام الإسرائيلي، ولا تؤمّن لتركيا موطئ القدم اللازم للعب دور قوي في الملف الفلسطيني في ظل صراع القوة الصلبة الجاري في المنطقة”.

ومع ذلك، تحاول تركيا عبر علاقاتها المتصاعدة مع مصر إحداث لحلحلة في ملف الحرب الذي يزداد تعقيدا يوما بعد آخر.

ويقول الصحفي المصري المختص بالشأن التركي “سمير العركي” إن التعاون بين أنقرة والقاهرة “يتركز بشكل واضح على ملف إيصال المساعدات الإنسانية والعمل مع بقية الأطراف على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار”.

وأوضح في حديث لـ"الاستقلال" أن تركيا تدعم جهود الوسيطين المصري والقطري في هذا الشأن، لافتا إلى أن السياسة التركية تهدف إلى لملمة جهود الدول الإسلامية لمواجهة العدوان الإسرائيلي.

لذا تعمل أنقرة على معالجة التباين في وجهات النظر بينها وبين أي من دول الإقليم بشأن الملف الفلسطيني بعيدا عن التجاذبات الإعلامية وتركز على تعظيم نقاط الاتفاق والتعاون فيها، وفق تقديره.