"سرية تامة".. حقيقة تصاعد وتيرة إعدام المعتقلين السنة في العراق

يوسف العلي | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

أثارت تقارير حقوقية محلية ودولية عن تصاعد وتيرة الإعدامات بحق المعتقلين السنة في العراق، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والشعبية المحلية.

ويأتي ذلك في وقت يطالب كثيرون بإعادة محاكمة من صدرت بحقهم أحكام الإعدام والمؤبد كونها جاءت بناء على اعترافات انتزعت تحت التعذيب.

واتهم ناشطون عراقيون الرئيس عبداللطيف رشيد، بالتوقيع على تنفيذ أحكام الإعدام بحق العديد من المعتقلين، في سابقة لم يُقدم عليها من سبقه بين عامي 2003 و2022، كونهم رفضوا ذلك لشكوك تحيط بظروف المحاكمات.

إعدامات سرية

ففي 10 يونيو/ حزيران 2024، أكد مرصد "أفاد" الحقوقي أن "السلطات العراقية أعدمت ما لا يقل عن 63 شخصا بشكل غير مُعلن في سجن الحوت بالناصرية (جنوب البلاد) رغم أن التحقيقات أثبتت إصدار الأحكام وفق اعترافات انتزعت تحت التعذيب ومحاكمات تفتقر لشروط العدالة".

وناشد المرصد المعني بحقوق الإنسان في العراق، خلال بيانه “المنظمات الحقوقية التدخل لوقف الإعدامات وشجب تنفيذها بظروف غير إنسانية من الترهيب والحرب النفسية لساعات طويلة وصولا إلى اضطرار ذوي المعتقلين لدفع أموال من أجل تسلم الجثث".

وحمّل رئيس الجمهورية مسؤولية التوقيع على إعدام معتقلين أبرياء، مذكّرا بامتناع رؤساء سابقين عن ذلك "لأسباب تتعلق ببراءة كثير من المحكومين في ظل ثبوت تقارير التعذيب ومؤشرات على وجود مواقف سياسية وطائفية بإصدار أحكام الإعدام".

وأشار إلى أن أسلوب تنفيذ عمليات الإعدام في العراق حاليا يجرى دون إعلان رسمي، مع إبلاغ ذويهم هاتفيا بالقدوم إلى سجن الناصرية وتوقيع تعهد بعدم الكتابة على مواقع التواصل أو التحدث لوسائل الإعلام.

وكذلك منع إقامة العزاء وفتح التابوت، إضافة إلى حضور قوات الأمن إلى المقبرة خلال عملية الدفن.

وأكد المرصد أن “محافظة صلاح الدين (ذات الغالبية السنية) جاءت بالصدارة بـ 32 معتقلا أُعدمتهم السلطات العراقية أخيرا بينهم شقيقان”.

كما جرى تنفيذ حكم الإعدام بشخص تجاوز عمره 74 عاما من أهالي تكريت (مركز المحافظة)، ومعتقل آخر أمضى ما يزيد على 16 عاما في السجن.

وبحسب البيان، فإن "السلطات العراقية وبإيعاز من رئيس الحكومة (محمد شياع السوداني) سرّعت وتيرة تنفيذ الإعدامات في الشهرين الماضيين بواقع يومين أسبوعيا، وتجاهلت تظلماتٍ تقدم بها معتقلون لإعادة محاكمتهم مما نسب إليهم من تُهمٍ يؤكدون براءتهم منها". 

من جهته، أكد ذوو المعتقل عبد الله الدليمي (اسم وهمي)، في حديث لـ"الاستقلال" أن "الإعدامات تصاعدت في الآونة الأخيرة بسجن الحوت، بحسب ما أبلغنا به خلال زيارتنا إلى السجن في عيد الأضحى".

وأشار إلى أن "الإعدامات تجرى دون سابق إنذار، وأن السلطات تتصل بذوي من تريد إعدامه لإحضار التابوت وتسلم جثمان ابنهم من دون إحداث أي ضجة في وسائل الإعلام".

وناشد ذوو المعتقل "المنظمات الحقوقية والسياسيين العراقيين، لا سيما ممثلي المحافظات السنية، بالتدخل لإيقاف الإعدامات بحق أبنائهم الذين اعتقلوا جراء وشاية كاذبة من مخبر سري، وانتزعت منهم الاعترافات تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي".  

وفي 24 يونيو، نشر الإعلامي العراقي، عثمان المختار تدوينة على منصة "إكس" أكد فيها "تسلم عائلات عراقية جثامين أبنائها الذين تم إعدامهم بسجن الناصرية".

وأوضح المختار أن "من بين الضحايا الذين أعدموا ظلما كامل جاسم العسافي من هيت غرب الأنبار، والذي اعتقل عام 2015 خلال حملة اعتقالات عشوائية. لم تشفع له أدلة وقرائن تؤكد تعرضه للتعذيب والإكراه على اعتراف لا يعلم عنه شيئا".

كما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي قوائم أسماء من قالوا إنهم معتقلون من سنة العراق جرى إعدامهم في يوم 19 يونيو، مطالبين بإيقاف حملات الإعدامات.

إدانات أممية

وبناء على المعلومات المثارة بخصوص الإعدامات، أصدرت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تقريرا في 27 يونيو، بعنوان "نطاق ودورة عمليات الإعدام التعسفية في العراق قد تكون جريمة ضد الإنسانية".

وأكدت المفوضية الأممية أن "إعدامات الحكومة العراقية المنهجية للسجناء المحكوم عليهم بالإعدام بناءً على اعترافات مشوبة بالتعذيب، وعملا بقانون غامض لمكافحة الإرهاب، يرقى إلى مستوى الحرمان التعسفي من الحياة، وجريمة ضد الإنسانية".

وأعربت عن قلقها إزاء" تنفيذ نحو 400 عملية إعدام منذ عام 2016، بما في ذلك 30 هذا العام، والالتزام السياسي الصريح بمواصلة تنفيذها، في تجاهل تام للمخالفات المبلغ عنها بشأن الاختفاء قسرا والاعترافات الملوثة بالتعذيب، والتي أدت إلى هذه الأحكام الجائرة".

وأشارت إلى “وجود سجل رسمي يفيد بأن 8 آلاف سجين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام في العراق".

ويرى الخبراء أنه عندما تكون هذه العمليات التعسفية على نطاق واسع ومنهجي، فإنها قد ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، مما ينطوي على مسؤولية جنائية لأي مسؤول متورط في مثل هذه الأفعال، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أو بالموافقة، وفق المفوضية.

وتابعت: "نصر على أن معظم الجرائم المفصلة في المادتين (2) و(3) من قانون مكافحة الإرهاب العراقي لسنة 2005 والتي يحكم على أساسها على الأشخاص بالإعدام، لا ترقى إلى مستوى الجرائم الأشد خطورة".

وشددت المفوضية على أن "هذه العمليات تعسفية بطبيعتها، كما أن الاستخدام السياسي المزعوم لأحكام الإعدام، خاصة ضد الذكور العراقيين السنة، أمر مثير للقلق العميق".

وبيّنت أن "السجناء المحكوم عليهم بالإعدام يتعرضون للتعذيب وسوء المعاملة في سجن الناصرية سيئ السمعة، بما في ذلك عدم الحصول على الغذاء الكافي ومياه الشرب النظيفة، والحرمان من الرعاية الطبية للأمراض الخطيرة والمعدية، مما يؤدي إلى الوفاة المبكرة أثناء الاحتجاز".

وأردفت المفوضية: "نشعر بالفزع إزاء عشرات الوفيات التي أبلغ عنها في سجن الناصرية بسبب التعذيب وظروف الاحتجاز المؤسفة. إننا نذكّر حكومة العراق بمسؤوليتها عن وفاة السجناء، بموجب القانون الدولي، إلى أن يتم دحض هذه المسؤولية، من خلال تحقيق شامل ونزيه".

وحثت المفوضية “الحكومة العراقية على الوقف الفوري لجميع عمليات الإعدام، وضمان إعادة محاكمة عادلة للسجناء المحكوم عليهم، لا سيما المتهمين بارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب، والبدء على الفور في تحقيقات شاملة ونزيهة في جميع مزاعم الاختفاء قسرا والتعذيب”.

وفي أواخر أبريل 2024، قالت منظمة العفو الدولية إن السلطات العراقية أقدمت على إعدام 13 رجلا على الأقل في الـ 22 من ذات الشهر في سجن الناصرية المركزي، بمحافظة ذي قار الجنوبية، بعد إدانتهم بتهم إرهاب فضفاضة ومبهمة للغاية.

وذكرت المنظمة أنه “يساورها القلق من أن العديد من الأشخاص غيرهم ربما أُعدموا سرا وسط انعدام مقلق للشفافية فيما يتعلق بالإعدامات التي نُفّذت بالعراق في الأشهر الأخيرة”. 

رد حكومي

وعلى ضوء التقرير، قالت الحكومة العراقية إنها اطلعت على ما أورده المفوّض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي "يكرّس متابعته لتنفيذ عقوبة الإعدام بحق الإرهابيين المحكومين وفق القانون العراقي النافذ، الذين جرى تصديق الأحكام القضائية القطعية بحقّهم".

وأضاف البيان الحكومي في 28 يونيو، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وجه بتأليف لجنة من السادة تتولى إعداد الرد الرسمي الموثق للحكومة على ما جاء في تقرير المفوّض السامي.

ولفت إلى أن هذا التوجيه جاء “من أجل صياغة صورة شاملة غير مجتزأة، وواضحة وشفافة في مجال تنفيذ القانون، ومراعاة حقوق الإنسان في جميع مراحل الإجراءات القانونية والتنفيذية، فضلا عن الإجراءات القضائية المستقلة”.

وأوضحت الحكومة العراقية أن اللجنة تتألف من "وزير العدل، ومستشار رئيس الوزراء لحقوق الإنسان ورئيس دائرة حقوق الإنسان في وزارة الخارجية، وممثل عن رئاسة الجمهورية، وممثل عن الادّعاء العام، وممثل عن لجنة حقوق الإنسان النيابية بصفة مراقب".

وأشارت أن اللجنة ستعمل على "إيضاح كل الزوايا المتعلقة بما ورد فيه من معلومات، والمصادر التي استقى منها التقرير استنتاجاته، بما فيها المراحل الزمنية المتداخلة للأحكام القضائية المنفذة، التي لا يغطيها في فقراته".

وفي 20 يونيو، نفت وزارة العدل، وثائق تداولتها “بعض وسائل الإعلام والمواقع الوهمية حول تنفيذ أحكام الإعدام بحق مدانين”، حسب بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية (واع).

وقالت الوزارة إنه "لا صحة للأخبار المتعلقة بتنفيذ أحكام الإعدام بحق مدانين ونشر أسماء افتراضية"، مؤكدة، أن "هذه المعلومات مضللة وغير دقيقة، وتهدف إلى إثارة الفوضى والتشويش على الرأي العام".

وأكدت على “حقها الكامل في مقاضاة جميع المواقع التي تنشر مثل هذه الأخبار الكاذبة والمضللة”، وبينت أن هذه الخطوة "تأتي في إطار حرص الوزارة على حماية المجتمع من الشائعات والأخبار الزائفة التي تمس أمنه واستقراره".

وشددت على، “التزامها الكامل بتطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتنفيذ برنامجها الإصلاحي وتطبيق القانون بكل شفافية ونزاهة”.

كما دعت المواطنين ووسائل الإعلام إلى، "التأكد من صحة الأخبار من المصادر الرسمية والموثوقة وعدم الانصياع إلى الشائعات والمعلومات المغلوطة".