ثروة واستعمار.. لماذا تسعى فنزويلا لضم إقليم "إيسيكويبو" إلى أراضيها؟
في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2023، صوت الفنزويليون في استفتاء تشاوري لصالح حماية حقوق بلادهم في إقليم إيسيكويبو المتنازع عليه منذ القرن التاسع عشر مع الجارة غويانا.
وكثفت الحكومة الفنزويلية جهودها لاستعادة الإقليم بعد أن بدأت سلطات غويانا في السنوات الأخيرة بتسليم المناطق الغنية بالثروات الباطنية في الإقليم، لشركات نفط أجنبية لاستثمارها.
والإقليم الذي تقارب مساحته 160 ألف كيلومتر مربع يتبع منذ العام 1899 الأراضي الغويانية بعد أن أعلنت ذلك محكمة دولية أُنشئت لهذا الغرض قبل أن ينال كل من البلدين استقلاله عن الاستعمار الإسباني في فنزويلا والاستعمار البريطاني في غويانا.
وكانت كراكاس طالبت بالإقليم في مراحل مختلفة، كان أهمها في سنة 1966 حيث أعلنت ما تعرف بمحكمة جنيف أحقية غويانا به، ثم في العام 1970.
"منطقة دفاع متكامل"
وعقب الاستفتاء، أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو "إيسيكويبو"، منطقة دفاع متكامل عن البلاد.
وقال مادورو خلال اجتماع للمجلس الحكومي الفيدرالي إن منطقة إيسيكويبو المتنازع عليها ستصبح "منطقة دفاع متكاملة" وستكون جزءا من الكيان الإداري الجديد لفنزويلا.
وأضاف "سيتم إنشاء منطقة الدفاع المتكاملة بين غويانا وإيسيكويبو بثلاث مناطق تنمية؛ تعتمد عسكريا وإداريا على منطقة الدفاع المتكاملة في غويانا".
كما أمهل مادورو شركات النفط الأجنبية العاملة في المياه غير المقسمة ثلاثة أشهر لوقف عملياتها في المنطقة.
حيث قال: "أقترح على جميع هذه الشركات، في غضون ثلاثة أشهر، التخلي عن عملياتها في المنطقة البحرية الخاضعة لترسيم الحدود. وأشار إلى أنهم "مستعدون للحوار".
وقال مادورو أيضا إن شركة النفط الحكومية PDVSA وشركة CVG الحكومية لإنتاج الحديد والصلب ستنشئان وحدات للعمل في المنطقة الجديدة من البلاد.
وفي وقت لاحق، ناقش وزيرا خارجية فنزويلا وغويانا النزاع الإقليمي حول إيسيكويبو، واتفقا على الإبقاء على الاتصالات بينهما.
وردا على ذلك، قالت سلطات غويانا إنها ستطلب المساعدة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إذا اتخذت فنزويلا أي خطوات بعد الاستفتاء، الذي كانت تحاول غويانا إيقافه من خلال نداء عاجل إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي.
ونقلت وكالة فرانس برس عن المدعي العام في غويانا أنيل ناندال قوله إن "أي إجراء أو محاولة لاتخاذ أي إجراء وفقا للاستفتاء سيؤدي إلى ضرورة تقديم طلب إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كطرف متضرر".
ولفت إلى أن غويانا ستستخدم المادتين 41 و 42 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي قد تنطوي على عقوبات أو عمل عسكري للحفاظ على/ أو استعادة السلام والأمن الدوليين.
وقال ناندال: "من الناحية العسكرية، يمكنه (مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة) أن يأذن للدول الأعضاء باستخدام القوات المسلحة لتقديم الدعم فيما يتعلق بتنفيذ أحكام المحكمة الدولية".
بدوره، قال رئيس غويانا عرفان علي إن "القوات المسلحة في البلاد وضعت في حالة تأهب قصوى"، مشددا على أن فنزويلا "أعلنت نفسها دولة خارجة عن القانون".
كما علقت وزارة الخارجية الأميركية على الوضع. فقال المتحدث باسم الخارجية الأمبركية ماثيو ميلر إن واشنطن تدعم الحل السلمي للنزاعات الحدودية، لكنه أشار -في ذات الوقت- إلى القرار الذي اتُّخذ في القرن التاسع عشر.
حيث قال: "يجب احترام قرار عام 1899 الذي يحدد الحدود البرية بين فنزويلا وغويانا حتى يتوصل الطرفان إلى اتفاق جديد أو تقرر السلطة القانونية المختصة خلاف ذلك. ولذلك فإننا نشجع فنزويلا وغويانا على مواصلة السعي إلى إيجاد حل سلمي للنزاع بينهما".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية في مؤتمر صحفي: "لا يمكن حل هذه القضية من خلال الاستفتاء".
صراع مستمر
ووفقا لموقع "روسيا اليوم"، فإن النزاع حول منطقة إيسيكويبو بين فنزويلا وغويانا المجاورة مستمر منذ القرن التاسع عشر.
فخلال حرب استقلال المستعمرات الإسبانية (التي شملت فنزويلا)، وُضعت هذه المنطقة تحت سيطرة الإمبراطورية البريطانية، وضمتها إلى غويانا التي كانت آنذاك في حوزتها".
وأضاف الموقع: "نحن نتحدث عن المنطقة الواقعة غرب نهر إيسيكويبو بمساحة إجمالية تبلغ حوالي 160 ألف متر مربع. وتغطي المنطقة حوالي ثلاثة أرباع مساحة غويانا وتقع تحت إدارتها".
وتابع: "وفي عام 1966، بعد حصول غويانا على استقلالها عن بريطانيا العظمى، وقعت أطراف النزاع على اتفاقية جنيف للبحث عن حل. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ الاتفاقية واحتفظت المنطقة بوضعها كإقليم غوياني".
وأفاد الموقع بأن جزءا كبيرا من إيسيكويبو عبارة عن غابة لا يمكن اختراقها، مشيرا إلى اكتشاف احتياطيات كبيرة من الغاز والنفط هناك، خلال عام 2015.
ومنذ ذلك الحين، جددت فنزويلا مطالباتها بالمنطقة. وفي عام 2018، تقدمت سلطات غويانا بطلب إلى محكمة العدل الدولية لتأكيد حدودها، ولكن تم قبول المطالبة للنظر فيها بعد خمس سنوات فقط -في أبريل/ نيسان 2023.
وفي حوار مع "روسيا اليوم"، أوضح المدير العام لمركز هوغو تشافيز الثقافي لأميركا اللاتينية، إيجور ليدوفسكي، أسباب النزاع الإقليمي بين فنزويلا وغويانا.
وأكد أن ذلك لم يحدث لأن بريطانيا مارست ضغوطا سياسية وأعلنت استقلال غويانا مع الأراضي المحتلة.
وأشار الخبير إلى أنه "من وقت لآخر، كانت المشاعر تشتعل حول إيسيكويبو من قبل، ولكن في معظم الأوقات كان كل شيء هادئا، لأنه لم يكن هناك نشاط اقتصادي هناك، ولم يكن هناك وجود عسكري".
ولكن بعد اكتشاف حقول النفط الكبيرة هناك عام 2015، مُنحت امتيازات تطويرها للشركات الغربية، وفقا لليدوفسكي.
خطوة منطقية
وأوضح ليدوفسكي أن غويانا وبعض الدول الغربية تريد اتهام فنزويلا بالاستيلاء على الأراضي بشكل غير قانوني، مشيرا إلى أن اتفاقية جنيف لعام 1966، والتي كان من المفترض أن تحدد مصير إيسيكويبو، لم يتم تنفيذها.
وذكر الخبير أن ملكية هذه الأراضي لم يتم تحديدها بطريقة قانونية متفق عليها، وكان من المستحيل ممارسة أي نشاط اقتصادي أو تمركز عسكريين عليها.
وبحسب ليدوفسكي، فإن "الوضع الآن ليس في المرحلة التي يمكننا فيها الحديث عن أي صراعات". وأضاف أن "فنزويلا لم تتخذ أي خطوات تظهر نيتها استخدام القوة لحل هذه القضية".
وفي ذات السياق، أوضح أستاذ العلوم الاقتصادية والاجتماعية الروسي ألكسندر تشيشين، في محادثة مع "روسيا اليوم"، أن "خطوة الرئيس الفنزويلي منطقية". وعزا ذلك إلى أن إيسيكويبو حُددت كتابعة لغويانا بشكل غير قانوني.
وأضاف: "نحن لا نتحدث عن احتلال فنزويلا لهذه الأراضي، بل نتحدث عن إعادة النظر في هذه القضية".
وأشار الخبير إلى أن "مادورو يريد في هذه الأثناء اتخاذ إجراءات أولية؛ على سبيل المثال، إنهاء امتياز شركة إكسون موبيل حتى يمكن بدء مناقشة هذه القضية مرة أخرى".
وأوضح محاور "روسيا اليوم" أنه "من السابق لأوانه الحديث عن أي عواقب عسكرية على المنطقة فيما يتعلق بقرار كراكاس".
وشدد تشيشين على أن القضية سياسية بامتياز. مشيرا إلى وجوب مراجعة الواقع الاستعماري الذي أسسته القوى الغربية في القرن التاسع عشر.
مؤكدا أن "ما يفعله مادورو هو تصحيح الإرث الذي خلفته بريطانيا هناك. وبالإضافة إلى ذلك، هناك مسألة حالة السكان الهنود المحليين، التي ظلت دون تغيير تقريبا في غويانا منذ العصور الاستعمارية". وأوضح تشيشين أن مادورو يثير هذا الموضوع أيضا.
وتابع: "الآن لدى فنزويلا الفرصة لحل هذه المشكلة، حيث إن الولايات المتحدة أصبحت الآن تعتمد على النفط الفنزويلي. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خففت واشنطن العقوبات المفروضة على قطاع النفط والغاز في البلاد".
وأكمل: "لقد عادت العلاقات مع الولايات المتحدة إلى طبيعتها منذ إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. كما استقرت العلاقات مع كولومبيا المجاورة".
ومضى يقول، إن مصالح فنزويلا واضحة لقادة الدول المجاورة. ويشعر مادورو بثقة كبيرة داخل البلاد أيضا. إنه يستعد للانتخابات العام المقبل، وهذه أيضا نقطة انطلاق جيدة له".
وشدد تشيشين في الوقت نفسه على أن "تصريح الرئيس الفنزويلي بشأن استعداده للمفاوضات بشأن مسألة إنتاج النفط يشير إلى موافقته على حل وسط".