التوتر بالبحر الأحمر.. هكذا تستغله الإمارات لإفشال السلام بين الرياض والحوثيين
مجلة فرنسية أكدت أن الإمارات تهدف إلى الهيمنة على جزر سقطرى اليمنية
في ظل تصاعد العمليات العسكرية في منطقة البحر الأحمر، تواصل دولة الإمارات تحركاتها الرامية إلى الهيمنة على جزر سقطرى اليمنية، وذلك من أجل تثبيت نفوذها في بلد تعصف به الحرب منذ 10 أعوام، جراء انقلاب مليشيا الحوثي على السلطة الشرعية.
وبعد الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية في اليمن والسيطرة على صنعاء عام 2014، دخلت الإمارات إلى البلاد تحت مظلة "التحالف العربي" الذي شكلته السعودية عام 2015 لإيقاف تقدم الحوثيين، والذين لا يزالون يتحكّمون في عدد من المدن اليمنية.
ورغم إعلان الإمارات سحب قواتها من اليمن عام 2019، لكنها لا تزال تتحكم بأذرعها التي سلحتها ودربتها في جنوب البلاد، ومن أبرزها "المجلس الانتقالي الجنوبي" بقيادة عيدروس الزبيدي، والذي يسعى إلى الانفصال وإعلان دول منفصلة في الجنوب.
"رغبة في السيطرة"
وبخصوص التحركات الإماراتية الحالية، كشفت مجلة "إنتليجنس أونلاين" الاستخبارية، أنه "مع تصاعد العمليات العسكرية في البحر الأحمر، تراقب أبوظبي عن كثب جزر سقطرى الواقعة عند مدخل طرق الشحن الحيوية، ومسح جيشها قبل بضعة أسابيع الجزيرة بأكملها من الفضاء".
وأفادت الصحيفة الفرنسية خلال عددها الصادر في 5 مايو/ أيار 2024، بأن شركة أقمار المراقبة "جيلين"، التابعة للمجموعة الصينية "تشانغ غوانغ لتكنولوجيا الأقمار الصناعية"، التقطت في 11 أبريل/نيسان من نفس العام، صورا لجزر سقطرى بأكملها، في خطوة توضح تبدل نفوذ القوى التي تلعب دورا في الجزر الحاكمة لمدخل البحر الأحمر.
وفيما تصور جميع شركات أقمار المراقبة الصناعية صورا للمناطق الرئيسة في القرن الإفريقي، فإنها تستهدف في الغالب مراكز الاستخبارات الرئيسة (المدن والمطارات والموانئ والبنية التحتية، وما إلى ذلك)، لكن المجموعة الصينية صورت منطقة بأكملها في خطوة غير مسبوقة.
وأوضحت المجلة أنه "لا تعمل المجموعة الصينية عادة على إجراء تغطية كاملة لمجالات الاهتمام في المنطقة، حتى مواطن الاهتمام الصيني في جيبوتي، لأن مثل هذه المهام تستهلك الكثير من موارد أقمارها الصناعية. لذا فلا بد أن المهمة جاءت بناء على طلب عميل مهم، كما يشير تحليلنا لأرشيف الصور الخاصة بالشركة خلال العامين الماضيين".
ومنذ عام 2021، أبرم الجيش الإماراتي عقدا مع المجموعة الصينية، ما يجعله العميل المحتمل الوحيد الذي يحتاج إلى مسح كامل لجزر سقطرى، حيث يندد الحوثيون اليمنيون بانتظام بالهيمنة الإماراتية المتزايدة عليها، حسبما ذكرت المجلة.
وأشارت إلى أن هذه الصور تأتي وسط عمل مثير للجدل يجرى إنجازه في ثاني أكبر جزيرة من جزر سقطرى.
فمنذ منتصف مارس/آذار 2024، شهد اليمن احتجاجات شعبية ضد العمل الجاري لتحويل مدرج جزيرة عبد الكوري في أرخبيل سُقطرى اليمني إلى بنية تحتية دائمة ومغلقة.
بني المدرج الذي يبلغ طوله 2500 متر في السبعينيات، ولكنه لم يكن مدرجا رسميا، وفي عام 2021 أجرت مؤسسة "خليفة بن زايد" الإماراتية الإصلاحات الأولى للموقع للسماح لطائرات الإيجار الصغيرة باستخدامه لنقل المساعدات الإنسانية.
لكن المجلة الفرنسية، أكدت أن تحليل أرشيف صور الأقمار الصناعية المختلفة يشير إلى العمل على تحديث المدرج ليتمكن من استقبال طائرات شحن أكبر، كما بدأ في العام 2023 بناء منطقة لوقوف الطائرات.
وتُظهر صورة وُزعت على نطاق واسع عبر شركة الأقمار الصناعية الأميركية "بلانيت" بتاريخ 26 مارس، أن المدرج مغلق الآن، مما يعني أنه لن يُسمح للطائرات بالهبوط فيه خلال موسم الأمطار.
وخلصت المجلة الفرنسية إلى أن "التوقيت المشترك لبناء البنية التحتية الدائمة والمسح الكامل للجزر يظهر رغبة الإمارات في السيطرة على المنطقة على المدى الطويل، الأمر الذي يثير استياء الدول المجاورة، مثل اليمن وجيبوتي والمملكة العربية السعودية".
"أجندة جديدة"
وبخصوص استغلال الإمارات لأحداث البحر الأحمر في توسيع نفوذها باليمن، قال رئيس مركز "أبعاد" اليمني للدراسات الإستراتيجية عبدالسلام محمد، إن "الإمارات تسعى من خلال تحركاتها هذه إلى السيطرة على الموانئ والجزر والوصول إلى مناطق النفط والغاز في اليمن".
لكن محمد أكد لـ"الاستقلال" أن "إيران باتت اليوم تسابق دولة الإمارات للسيطرة على السواحل والجزر والنفط والغاز في اليمن، وبالتالي فإن طهران استغلت بشكل أكبر فرصة أحداث البحر الأحمر، وأن أبوظبي بدأ يتراجع دورها أخيرا في هذه المنطقة".
وتشن جماعة الحوثي هجمات على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إضافة إلى أنها استولت على سفينة "جالاكسي ليدر"، المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في العشرين من نفس الشهر، وذلك ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وردا على ذلك، أعلنت الولايات المتحدة في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2023، تشكيل قوة عمل بحرية باسم "حارس الازدهار" تضم 20 دولة بهدف مواجهة الهجمات في البحر الأحمر، ثم بدأت في يناير/كانون الثاني 2024، تنفيذ سلسلة ضربات جوية تستهدف مواقع للحوثيين باليمن.
وأوضح رئيس مركز "أبعاد" اليمني أن "دولة الإمارات انزوت بقوة عسكرية في جزيرة ميون اليمنية في مضيق باب المندب، بعدما أصبحت الجزيرة اليوم مهددة تحت الصواريخ الإيرانية والحوثية".
وأشار إلى أن "الإمارات حاولت أن تنفذ بعض الأعمال بعيدا عن الصواريخ الحوثية خلال هذه المدة، مثل الاستمرار ببناء المطار العسكري في جزيرة سقطرى، لكن مضيق باب المندب- الذي كانت ترغب أبوظبي بالسيطرة- بات تحت تهديد الحوثيين ومن خلفهم إيران".
وبالتالي، يرى محمد أن "الإمارات فشلت حتى اليوم في بسط سيطرتها على باب المندب، لأن إيران سيطرت بنيران صواريخها على البحر الأحمر بكامله وأصبح تحت أجندتها، إضافة إلى الخليج العربي وصولا إلى بعض المناطق في البحر العربي وخليج عدن".
وأكد الخبير اليمني أن "دور الإمارات يتراجع حاليا، لكن خلافها المتزايد مع السعودية قد يدفعها لدعم ليس حلفائها فقط من المليشيات التي تتبعها في المحافظات الجنوبية والشرقية والساحل الغربي، وإنما التقارب مع الحوثيين وإيران".
وأوضح محمد أن "تقارب الإمارات المحتمل مع إيران الحوثيين، هو من أجل تنفيذ أجندة جديدة تؤدي إلى إشعال الحرب مرة أخرى في اليمن، لا سيما في مناطق النفط في محافظة مأرب والمناطق الحدودية مع السعودية".
وأعرب الخبير اليمني عن اعتقاده بأن "التوتر بين السعودية والإمارات تصاعد منذ عامين عندما جرى تشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني (أعلى سلطة حاكم للشرعية)، لأن الأخيرة أرادت أن يكون لها في إجراء التغييرات باليمن، لكن الرياض ترى شيئا آخر".
وبيّن محمد أن "الرياض تعتقد أن اليمن هو مساحة لنفوذها وأمنها القومي، أكثر مما يشكله بالنسبة لأبوظبي، وبالتالي فإن أي تأثيرات في هذا البلد ستلقي بتداعياتها على السعودية وليس الإمارات".
وتابع: "الخلافات بين الطرفين تتفاقم في اليمن، فالسعودية بنت قوات جديدة مع المجلس الرئاسي باسم -درع الوطن-، وبدأت تتوسع في المحافظات الجنوبية، التي كانت فيها القوات الحليفة للإمارات، لتحل مكان قوات العمالقة وقوات الدعم الإسناد التابعة للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا".
وشدد محمد على أن "السعودية ليست صامتة حيال التحركات الإماراتية، فهي توسع من نفوذها العسكري والسياسي، ويبدو أنها لم تعد ترغب في بقاء أبوظبي خلال هذه المرحلة باليمن".
"إفشال السلام"
وعن تنامي الخلافات بين الرياض وأبوظبي في اليمن، كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 23 سبتمبر/أيلول 2023، عن "إيعاز دولة الإمارات إلى مرتزقتها في اليمن لإفشال اتفاق سلام محتمل في ظل محادثات بين جماعة الحوثي والسعودية".
وأفادت الصحفية بأن "قادة المجلس الانفصالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي اشتكوا من تهميشهم من المحادثات الحاسمة التي عقدت في الرياض بين السعودية والحوثيين بشأن مستقبل اليمن".
حذر هؤلاء من أنه لا يمكن فرض أي اتفاق سلام على الجنوب، قائلين إن السيطرة الإيرانية المحتملة على الممرات المائية الإستراتيجية مثل باب المندب أصبحت على المحك، وفقا للصحيفة.
ولأول مرة منذ اندلاع الحرب عام 2014، وصل وفد من مليشيا "الحوثي" إلى الرياض في 14 سبتمبر 2023، بدعوة من السعودية، لمناقشة التوصل إلى "وقف إطلاق نار دائم وشامل في اليمن والتوصل لحل سياسي مستدام ومقبول".
وبدورها، أعلنت وزارة الخارجية السعودية، في 20 سبتمبر 2023، ترحيبها بـ"النتائج الإيجابية" للنقاشات مع وفد صنعاء (الحوثيين) لاستكمال جهود مسار السلام في اليمن.
كما أشادت الوزارة، في بيان نشرته على منصة "إكس" بمضامين لقاء وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، بوفد صنعاء برئاسة محمد عبدالسلام (قيادي في مليشيا الحوثي) في مدينة الرياض خلال الفترة من 14 إلى 18 سبتمبر 2023".
ولفت البيان أن النقاشات جاءت "استكمالا للقاءات الفريق السعودي في فترة سابقة مع رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني وفي صنعاء خلال الفترة من 8 إلى 13 أبريل 2023، وجرى التوصل فيها إلى العديد من الأفكار والخيارات لتطوير خريطة طريق تتفق عليها الأطراف اليمنية كافة".
ورغم موقف الإمارات الرسمي الصادر عن وزارة خارجيتها في 19 سبتمبر 2023، والذي أثنى على محادثات الرياض، فإن المواقف التي صدرت من شخصيات إماراتية، تذهب باتجاه مختلف تماما.
وأطلق عبدالخالق عبدالله الأكاديمي الإماراتي المقرب من رئيس الدولة محمد بن زايد، تغريدة على منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 14 سبتمبر، اتهم فيها جهات (لم يسمها) بالسعي إلى تسليم جنوب اليمن إلى الحوثيين.
وتساءل عبدالخالق عبدالله في تغريدته قائلا: “لماذا يصر البعض على تسليم الجنوب العربي لجماعة الحوثي الإيرانية الانقلابية بصنعاء؟”
وأضاف أن "الجنوب العربي ليس قضية انفصال، بل تحرر وطني يسعى من خلالها شعب الجنوب لتأسيس وطنه الحر ودولته المستقلة، ويستحق دعم دول العالم وشعوب المنطقة وفي المقدمة دول وشعوب الخليج العربي. دولة ولها عنوان"، وفق زعمه.